الجمعة، 17 فبراير 2023

حتى لا ينقطع صوت شهيد اللحمة الوطنية

 


إن تحقيق العدالة للصوفي ولد الشين يقتضي أمرين في غاية الأهمية، أولهما معاقبة الجناة وهذه نقطة يُطالب بها الجميع، وثانيهما ـ  وهذه لا تقل أهمية عن الأولى ـ العمل على ترسيخ الخطاب الحقوقي الجامع الذي كان يتبناه الراحل ويدعو إليه من قبل فاجعة رحيله.

وحتى لا ينقطع صوت الراحل الصوفي ولد الشين من بعد وفاته، وسعيا منا في هذا المقال لتقديم بعض الأفكار والمقترحات التي من شأنها أن ترسخ خطابه الحقوقي الجامع، فإليكم هذه الحزمة من الأفكار والمقترحات، والتي كنتُ قد جمعتها من بعض التدوينات، وكذلك من بعض التعليقات على منشور على حسابي في الفيسبوك كان بمثابة عصف ذهني سريع لأصدقاء الحساب ومتابعيه.

هذه الحزمة من المقترحات بعضها موجه إلى الحكومة، والبعض الآخر موجه للهيئات شبه الرسمية وللمجتمع المدني والأحزاب السياسية، في حين أن طائفة منها موجهة بالأساس إلى الأفراد العاديين.

إليكم 12 مقترحا يجمع بينها أنها تسعى في مجملها لتجذير خطاب الراحل  الصوفي ولد الشين الجامع، وترسيخ القيم التي كان يدعو إليها من قبل وفاته:

1 ـ مقترح بجعل يوم جنازة الراحل ( 23 رجب 1444) يوما وطنيا للوحدة الوطنية يخلد كل عام ( خاص بالحكومة)؛

2 ـ مقترح بتشييد معلمة باسم الراحل ترمز للوحدة الوطنية، وتحل محل المفوضية التي قُتل فيها الراحل (خاص بالحكومة)؛

3 ـ مقترح بتحويل مفوضية دار النعيم 2 إلى مركز تدريبي تابع للشرطة الوطنية يُعنى بتدريب وتأهيل وتكوين رجال الأمن على أساليب التعامل مع المواطنين ( خاص بالحكومة )؛

4 ـ مقترح بجمع صوتيات الراحل ونشرها وإعادة نشرها بشكل واسع في مواقع التواصل الاجتماعي ( خاص بنشطاء مواقع التواصل الاجتماعي)؛

5 ـ  تسمية الشارع المار من أمام مفوضية دار النعيم 2 باسم الراحل ( خاص ببلدية دار النعيم)؛

6 ـ تأسيس منظمة غير حكومية باسم الراحل متخصصة في ترسيخ الوحدة الوطنية والإخاء بين مكونات وشرائح المجتمع، وذلك من خلال نشر أفكار ورؤية الراحل ( خاص بنشطاء المجتمع المدني)؛

7 ـ تسمية ساحة عمومية باسم الراحل، وهناك من اقترح الساحة المجاورة للمسجد الجامع والتي ستدشن قريبا (مقترح خاص ببلدية لكصر)؛

8 ـ تنظيم مزاد علني لبيع سيارة الراحل المركونة أمام المفوضية التي قُتل فيها، ومنح العائد من ذلك المزاد لأسرة الفقيد ( مقترح خاص بعائلة وورثة الفقيد)؛

9 ـ ترشيح شقيق الراحل في الانتخابات القادمة لمقعد نائب عن دائرة نواكشوط الجنوبية (مقترح موجه للأحزاب السياسية، ولحزب الإنصاف بشكل خاص)؛

10 ـ إطلاق جائزة سنوية في حقوق الإنسان أو الوحدة الوطنية باسم الفقيد تمنح في كل عام لأفضل عمل أو نشاط في هذا المجال (مقترح خاص باللجنة الوطنية لحقوق الإنسان؛ الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب؛ كل منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان)؛

11 ـ تأسيس منظمة حقوقية باسم الراحل تحارب التعذيب وتدافع عن القضايا العادلة (خاص بنشطاء المجتمع المدني)؛

12 ـ إطلاق صفحات وحسابات في مواقع التواصل الاجتماعي تحمل اسم الراحل وتنشر أفكاره وآراءه ( خاص بنشطاء مواقع التواصل الاجتماعي).

ختاما

هذه مجموعة من المقترحات الأولية التي يمكن غربلتها وتطويرها من طرف الجهات الموجهة إليها، وعلى تلك الجهات أن تأخذ ما تراه مناسبا منها.

حفظ الله موريتانيا...

رسائل جنازة شهيد اللحمة الوطنية


ربما تكون جنازة الراحل الصوفي ولد الشين هي الجنازة الأضخم في تاريخ الجنائز في البلد، وربما تكون كذلك هي الأكثر تنوعا والأكثر تعبيرا عن موريتانيا الموحدة والمتآخية بكل شرائحها ومكوناتها.
هذا الجمع الغفير الذي حضر للصلاة على جثمان الراحل الصوفي ولد الشين، قد وجه بهذا الحضور الكبير عدة رسائل صريحة وواضحة، ولا تقبل أي تأويل.
الرسالة الأولى : أننا شعبٌ واحدٌ، وأننا سنبقى كذلك حتى وإن علت الأصوات التي تحاول أن ترسخ القبلية والشرائحية والمناطقية؛
الرسالة الثانية : أن الخطاب الحقوقي الجامع سيبقى هو الخطاب الوحيد القادر على جمع الموريتانيين بمختلف شرائحهم ومكوناتهم في ميدان واحد؛
الرسالة الثالثة: أن الشعب الموريتاني يقف وقفة رجل واحد مع أسرة الفقيد، وأنه سيبقى خلف هذه الأسرة حتى ينال كل الضالعين في جريمة قتل الصوفي ما يستحقون من عقاب؛
إن تحقيق العدالة للصوفي لا يتوقف فقط على محاكمة ومعاقبة الضالعين ـ كل الضالعين ـ في جريمة قتله. إن تحقيق العدالة للصوفي، يقتضي زيادة على ذلك، أن نعمل جميعا من أجل أن لا يتوقف الخطاب الحقوقي الجامع الذي كان يتبناه الصوفي في حياته.
إن عقاب الجناة الذين قتلوا الصوفي قد يحقق العدالة للصوفي الإنسان، ولكنه لن يحقق العدالة للصوفي صاحب المشروع الحقوقي الجامع، ولذا فعلينا أن نعمل معا على ترسيخ  الخطاب الحقوقي الجامع الذي كان يتبناه الصوفي من قبل وفاته.
ولكي يبقى خطاب الصوفي حاضرا، فإني أقترح أن نجعل من يوم جنازته (14 فبراير)  يوما وطنيا للحمة الوطنية، ولترسيخ قيم الإخاء والتضامن بين الموريتانيين بمختلف شرائحهم ومكوناتهم. 
نحن بحاجة إلى يوم وطني للحمة الوطنية نخلده كل عام، وفي اعتقادي بأن أنسب يوم يمكن أن نختاره كيوم وطني للحمة الوطنية هو يوم جنازة الصوفي، والتي جمعت أعدادا غفيرة من الموريتانيين بمختلف شرائحهم ومكوناتهم. 
رحم الله الصوفي ولد الشين وأسكنه فسيح جناته. 
اختم بهذا الحديث النبوي الشريف : عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: سمعتُ النبيَّ ﷺ يقول:  (ما من رجلٍ مسلمٍ يموت, فيقوم على جنازته أربعون رجلًا لا يُشركون بالله شيئًا؛ إلا شفَّعهم الله فيه). رواه مسلم.
حفظ الله موريتانيا...

السبت، 11 فبراير 2023

وداعا يا شهيد اللحمة الوطنية


إن ثبت أن وفاة الناشط الحقوقي الصوفي ولد الشين لم تكن طبيعية، وأنه توفي تحت التعذيب، وهناك إشارات كثيرة تدعم هذه الفرضية، إن ثبت ذلك، فإننا سنكون أمام جريمة في غاية الخطورة، يجب أن لا تمر دون تحقيق شفاف، وحساب عسير.

إننا أمام جريمة في منتهى الخطورة، وذلك لأسباب عديدة منها:

1 ـ خطورة جريمة القتل في ديننا الإسلامي، فجريمة قتل النفس من أبشع الجرائم، وأخطر الكبائر، وأفظع الذنوب، فمن سرق أو مارس ظلما مهما كانت طبيعته، لا يعتبر وكأنه سرق على الجميع، أو ظلم الجميع.. فقط من قتل نفسا بغير حق، فكأنما قتل الناس جميعا.

من قتل الصوفي ولد الشين رحمه الله، فكأنما قتل الموريتانيين جميعا، بل وكأنما قتل الناس جميعا؛

2 ـ لو كانت جريمة القتل هذه حدثت في منطقة غير أمنة لكان من واجبنا جميعا أن نندد بها. فمثلا عندما يدخل أي موريتاني منطقة خطر، كما يفعل بعض المنقبين الموريتانيين عند دخول مناطق الخطر في حدودنا الشمالية، ويقتل هناك فمن واجبنا أن نستنكر ونندد بأشد أشكال التنديد عملية القتل تلك، وذلك على الرغم من أن الضحية عرَّض نفسه لخطر الموت، وأنه يتحمل ـ بشكل أو بآخر ـ جزءا من المسؤولية. هذا عن الذي يدخل مناطق الخطر ويتعرض للقتل هناك، فكيف يكون الحال لمن يمكن أن يكون قد قُتل في مكان يُفترض فيه أن يكون المكان الأكثر أمنا وحماية للمواطن، ومن طرف أشخاص يفترض فيهم أنهم هم من يسهر على أمن المواطن؟

3 ـ لو كان الضحية مجرما لكان من واجبنا جميعا أن نتضامن معه إن تعرض للقتل في مفوضية للشرطة، ولو كان مواطنا عاديا لوجب التضامن معه. ولكن، ومما يزيد من بشاعة هذه الجريمة إن تأكد أننا أمام جريمة، هو أن الضحية لم يكن مواطنا عاديا، بل كان ناشطا حقوقيا يتبنى خطابا وطنيا جامعا يوحد ولا يشتت، ونحن في هذه البلاد في أمس الحاجة لمثل هذا الخطاب، خاصة وبعد أن أصبحت الخطابات الشرائحية والفئوية والقبلية والجهوية هي الخطابات الأكثر اتساعا والأعلى نبرة في هذه البلاد.

إن قتل الصوفي ولد الشين لا يتوقف عند قتله كإنسان، بل هو فوق ذلك يمثل عملية إسكات لخطاب حقوقي جامع نحن في هذه البلاد  في أمس الحاجة إليه.

تلكم كانت ثلاث نقاط تجعل من جريمة قتل الصوفي ولد الشين، إن ثبت أنه توفي مقتولا، جريمة غير عادية، ويجب التعامل معها بشكل استثنائي، وأن يشكل التعامل معها بداية منعرج جديد في التعامل مع هذا النوع من الجرائم، سواء كان ذلك التعامل على مستوى التحقيق، أو على مستوى العقوبة.

هناك إشارات وأدلة تبشر بأن التعامل مع هذه الجريمة إن تأكدت أنها جريمة لن يكون مثل التعامل مع ما سبقها من جرائم مماثلة، ومن تلك الإشارات:

1 ـ التدخل المباشر لرئيس الجمهورية، وإعطائه لأوامر صارمة بخصوص الملف، ومن تلك الأوامر تشكيل فريق طبي محايد يضم خبرات في مجال الطب الشرعي لتشريح الجثة وإعداد تقرير طبي بأسباب الوفاة؛

2 ـ إرسال وفد باسم رئيس الجمهورية لتعزية أسرة الفقيد، وطمأنة الأسرة بأن التحقيق سيكون شفافا، وأن العدالة ستأخذ مجراها الطبيعي بخصوص هذا الملف؛

3 ـ إصدار أوامر لمفوض الشرطة بدار النعيم 2 بعدم مغادرة مكتبه، وتوقيف بعض عناصر الشرطة الذين كانوا يوجدون بالمفوضية وقت الفاجعة؛

4 ـ إشراك أسرة الفقيد في أهم محطات التحقيق، وإعلان اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان عن تشكيل فريق مشترك مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان للتحقيق بشكل شفاف في أسباب وفاة الفقيد؛

5 ـ وجود رأي عام يقظ يواكب مسار هذا الملف.

وتبقى كلمة

علينا أن نجعل من هذه الفاجعة الأليمة والجريمة النكراء إن أثبت التحقيق أننا أمام جريمة قتل، علينا أن نجعل منها منعرجا لتصحيح علاقة بعض عناصر الأمن بالمواطن، كما أنه من واجبنا جميعا أن لا نترك الخطاب الحقوقي الجامع الذي أطلقه الحقوقي الصوفي ولد الشين يتوقف بوفاته..فموريتانيا اليوم هي في أمس الحاجة إلى  مثل هذا الخطاب الذي أراد صاحبه أن يجمع الموريتانيين في حياته، فجمعهم في فاجعة وفاته.

وأضم صوتي لكل من يُطالب بتخليد اسم الفقيد بوصفه صاحب خطاب حقوقي جامع، وصاحب دعوة لتعزيز اللحمة الوطنية بين مكونات وشرائح المجتمع الموريتاني.

رحم الله الصوفي ولد الشين وأسكنه فسيح جناته.

حفظ الله موريتانيا...
محمد الأمين الفاضل
Elvadel@gmail.com