الأربعاء، 31 أغسطس 2022

إلى شركة "سونيف": كفى مخاطرة بحياة الركاب!


لم يعد تهور سائقي شركة "سونيف" من الأمور التي يمكن السكوت عنها، ولم يعد يحق لنا نحن في حملة "معا للحد من حوادث السير"، وبعد أن تحملنا طواعية مسؤولية التوعية في مجال السلامة الطرقية، أن نسكت عن تهور سائقي هذه الشركة، والذي كثيرا ما تسبب في وقوع حوادث سير خلفت العديد من القتلى والجرحى، وكان آخر تلك الحوادث الحادث الأليم الذي وقع صباح يوم الثلاثاء الموافق 30 أغسطس 2022، والذي تسبب في وفاة ثلاثة ركاب وإصابة آخرين بجروح.

كان سبب الحادث هو تهور سائق الحافلة، وهذا ما أكده "محمدو ولد القاسم" شفاه الله، وهو أحد الركاب المصابين في الحادث. يقول "محمدو ولد القاسم" عن سبب الحادث في منشور له على حسابه في الفيسبوك، إن السائق : " كان يسير بسرعة 150 كلم/ للساعة أثناء هطول المطر ولم يعر أي اهتمام لطلبات الركاب بضرورة توخي الحذر"!

كثيرة هي الشهادات التي ينقلها لنا سالكو طرقنا الوطنية عن تهور سائقي شركة "سونيف"، وعن السرعة المفرطة التي يقودون بها حافلات الشركة، والتي كثيرا ما تتسبب في حوادث سير قد تكون مميتة في بعض الأحيان.

إن استمرار تهور سائقي هذه الشركة لم يعد مقبولا، ولم يعد السكوت عنه ممكنا، خاصة من طرف حملة توعوية تعنى بالسلامة الطرقية.

أذكر أنه بعد الحادث الأليم الذي تعرضت له إحدى حافلات الشركة بسبب السرعة المفرطة، والذي وقع قرب "أغشوركيت" في يوم 11 نوفمبر 2018، وأدى إلى  وفاة 11 راكبا بشكل فوري، أذكر أننا بعد ذلك الحادث قررنا في الحملة أن ننظم زيارات ميدانية لشركات النقل لمطالبتها بوضع مثبتات السرعة في حافلاتها، أو بوضع نظام مراقبة صارم لسائقيها، وقد افتتحنا تلك الزيارات بزيارة في يوم 13 نوفمبر 2018 لمقر شركة "سونيف" بالعاصمة نواكشوط، والتقينا بإدارتها، والتي وعدتنا حينها بأنها ستتخذ إجراءات صارمة ضد السرعة المفرطة، وهو الشيء الذي لم يحصل حتى الآن.

ولأن الشركة لم تتخذ تلك الإجراءات، ولأن الحوادث المميتة الناتجة عن تهور سائقي هذه الشركة لم تتوقف، لكل ذلك  فقد بدأنا في الحملة نفكر بشكل جدي في تنظيم أنشطة لتحذير المسافرين من السفر في حافلات هذه الشركة.

لم نكن نرغب في الحملة أن ننظم أي أنشطة ضد أي شركة نقل، ولم نكن نسعى لأن ننظم أنشطة يمكن أن تخدم تجاريا هذا الطرف أو ذاك، ونتمنى أن لا يحدث ذلك مطلقا، ولكن إذا لم تتخذ شركة "سونيف" إجراءات صارمة وعاجلة لوقف تهور سائقيها، فإننا سنضطر لتنظيم تلك الأنشطة، فاستمرار تهور سائقي هذه الشركة أصبح يشكل خطرا على أرواح المسافرين عبر حافلات هذه الشركة، بل أصبح يشكل خطرا على كل سالكي الطرق، فكثيرا ما يجد بعض السائقين أنفسهم في خطر بسبب تهور سائقي هذه الشركة.

ليست لدينا أي مشكلة مع شركة "سونيف"، ونحن نعترف لها بأنها ظلت توفر النقل بشكل منتظم على محور طريق الأمل، وذلك في وقت توقفت فيه بعض الشركات عن النقل على هذا المحور بسبب تهالك بعض مقاطعه، وما يتسبب فيه ذلك من خسائر فادحة لحافلات النقل ولغيرها من السيارات.

ليست لدينا أي رغبة في القيام بأنشطة قد يستفيد منها منافسو هذه الشركة، ولكن إذا لم تتخذ الشركة إجراءات صارمة وعاجلة لوقف تهور سائقيها فسنضطر إلى التحرك حماية للأنفس.

يبقى أن أقول بأن هذا الحادث الأليم وقع على مقطع غير متهالك من الطريق، وحديث الترميم، وكثير من الحوادث المميتة التي نظمنا في الحملة زيارة ميدانية لمواقعها كانت في مواقع غير متهالكة من الطرق مما يعني أن تهور السائقين هو السبب الأول في الحوادث في موريتانيا.

صحيحٌ أن تهالك الطرق يتسبب في الكثير من الخسائر المادية، ويزيد من عناء المسافرين، ويتسبب كذلك في نسبة معتبرة من الحوادث، وترميم الطرق المتهالكة على رأس عريضتنا المطلبية في الحملة، ولكن  كل ذلك لن يجعلنا نتجاهل حقيقة مفادها أن السبب الأول في حوادث السير في بلادنا هو تهور السائقين، ومن هنا وجب اتخاذ إجراءات صارمة من طرف السلطات الإدارية والأمنية المعنية بالسلامة الطرقية لوقف تهور سائقي شركة "سونيف". كما وجب علينا نحن كفاعلين جمعويين في حملة "معا للحد من حوادث السير" أن نقوم بما كل ما هو متاح لوقف تهور سائقي هذه الشركة.

هذا المقال يحل محل إنذار للشركة، وقد أعذر من أنذر.

الصورة من حادث سير وقع في مدينة بوكي يوم 19 أغسطس 2021، وقد نظمنا في الحملة زيارة ميدانية لموقع الحادث.

حفظ الله موريتانيا...

الأحد، 28 أغسطس 2022

قراءة تشخيصية للمشهد السياسي الموريتاني


إن أي قراءة تشخيصية للمشهد السياسي الموريتاني لابد وأن تسجل ضعف أداء الأحزاب السياسية وتراجع تأثيرها، وإذا كان هذا التراجع يُعَدُّ من الظواهر العالمية التي لم يسلم منها أي بلد، إلا أن هناك بعض الأسباب المحلية التي زادت من حدته على المستوى المحلي. سأحاول في هذه الورقة الكاشفة التي ستقدم قراءة تشخيصية للمشهد السياسي الموريتاني أن استعرض معكم أهم الأسباب التي أدت إلى ذلك التراجع، وسيكون ذلك من خلال إبراز أهم نقاط الضعف التي تعاني منها الأحزاب السياسية سواء كانت في المعارضة أو في الموالاة، ولن يفوتني في هذا المقام أن أعرج قليلا على بعض المبادرات الشبابية التي يعتقد أصحابها أنهم أفضل حالا من الأحزاب السياسية التقليدية. لن أقدم في هذه الورقة الكاشفة الجديدة أي مقترحات أو حلول للتعامل مع نقاط الضعف هذه، ربما يكون ذلك في مقام آخر...في هذه الورقة سنكتفي فقط بقراءة تشخيصية لواقع الأحزاب السياسية، وما تعاني منه تلك الأحزاب من مشاكل وتحديات.

أولا / تشخيص واقع أحزاب المعارضة

تعاني أحزاب المعارضة الموريتانية من تحديات ومشاكل عديدة، لعل من أبرزها:

1ـ إنهاك العشرية: لقد خرجت أحزاب المعارضة الموريتانية منهكة بعد عقد كامل من الصدام والصراع الحاد مع نظام الرئيس السابق. صحيح أن المعارضة الموريتانية قد أتعبت الرئيس السابق، ولكن الصحيح أيضا أن الرئيس السابق قد أتعب هو بدوره المعارضة وأنهكها كثيرا، من خلال تصفية أطرها، ومضايقة داعميها، وكان الإنهاك أشد وقعا على أحزاب المعارضة التي قاطعت انتخابات 2013.

2 ـ انعدام الثقة بين قادة أحزاب المعارضة نتيجة لكثرة الانتكاسات التي شهدتها تحالفات وتكتلات المعارضة خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، وكانت هذه الانتكاسات تتكرر دائما كلما كان هناك اختبار جدي، أي كلما كانت هناك استحقاقات انتخابية، أو دعوة من  السلطة للحوار أو للمشاركة في الحكومة ...إلخ.

تراكم هذه الانتكاسات أدى إلى انعدام الثقة بين قادة أحزاب المعارضة، وجعلها غير قادرة على تشكيل تحالف أو تكتل جدي في السنوات الثلاث الأخيرة.

3ـ تراجع دور القادة التاريخيين للمعارضة، وتناقص قدرتهم على التأثير في المشهد السياسي، مع عجز المعارضة عن انجاب قادة جدد يسدون الفراغ الذي خلفه تراجع أدوار قادتها التاريخيين. إن المعارضة الموريتانية تعيش اليوم أزمة قيادة حقيقية، وذلك نتيجة لفشلها في خلق قادة جدد يمتلكون من الإمكانيات القيادية ما يكفي لسد الفراغ القيادي الذي خلفه التقاعد السياسي الإجباري وغير المعلن لقادتها التاريخيين.

4 ـ الحاجة إلى ابتداع أساليب نضالية جديدة تتناسب مع أجواء التهدئة السياسية. لقد تعودت المعارضة الموريتانية خلال العقود الثلاثة الماضية ( 1990 ـ 2019) على أسلوب الصدام مع الأنظمة الحاكمة، وراكمت خبرة كبيرة في هذا المجال، ولكن هذه المعارضة التي لا تعرف إلا الأساليب النضالية في ظل الصدام مع الأنظمة الحاكمة، وجدت نفسها في السنوات الثلاث الأخيرة أمام نظام لا يريد الصدام معها، الشيء الذي يستدعي منها ابتداع أساليب نضالية جديدة تمكن من مقارعة نظام لا يريد الصدام مع معارضته، وهو الشيء الذي لم توفق فيه حتى الآن.

5 ـ  من التحديات التي تواجهها اليوم المعارضة الموريتانية، والتي لا تجد من يتوقف عندها هي أن أساليب النضال ومقارعة الأنظمة الحاكمة هي بشكل عام، في حالة تغير مستمر، وبغض النظر عن طبيعة الأنظمة الحاكمة. فما كان يصلح من أساليب نضالية في التسعينيات من القرن الماضي لا يصلح اليوم في زمن سيطرة مواقع التوصل الاجتماعي. كانت الأساليب التقليدية للنضال تتمثل في القدرة على الحشد الجماهيري، والاستعداد لمواجهة الأنظمة الحاكمة وأذرعها الأمنية، وتحمل ما ينتج عن ذلك من تعذيب وتنكيل وسجن. أما اليوم فلم يعد التعذيب في السجون ممكنا، ولم يعد الحشد الجماهيري الميداني هو وسيلة الضغط الوحيدة، بل أصبح هذا الحشد الجماهيري الميداني يجد منافسة قوية من الحشد الافتراضي من حيث القدرة على التأثير. إن التأثير على الأنظمة الحاكمة أصبح يحتاج اليوم بالإضافة إلى الحشد الجماهيري إلى القدرة على الحشد في مواقع التواصل الاجتماعي، والتأثير في الرأي العام بكل أشكال التأثير المتاحة، وإنتاج  وابتداع الأفكار النضالية التي تتلاءم مع كل مرحلة من مراحل مقارعة الأنظمة الحاكمة.

قد لا أكون وُفقت في التعبير بشكل جيد في هذه الفقرة عن مدى أهمية الأخذ بالتغيير الحاصل في الأساليب النضالية، ولتقريب الفكرة أكثر فسأقدم مثالين من حقبة المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة يوضحان ما أردت التعبير عنه:

المثال الأول : عندما قرر الرئيس السابق تغيير العلم الوطني وإلغاء مجلس الشيوخ، ظهر أن هناك تمسكا قويا لدى الشعب الموريتاني ـ وبكل أطيافه ومكوناته ـ بعلم الاستقلال، وقد عبرت ـ علنا ـ بعض الشخصيات المحسوبة على النظام عن تمسكها بالعلم القديم.. في تلك الفترة نظمت المعارضة الموريتانية العديد من المسيرات والمظاهرات والاحتجاجات القوية، والتي أنفقت عليها أموالا طائلة جمعتها بشق الأنفس.. كانت المعارضة تعتقد أن كل الخيارات المتاحة لها لإسقاط التعديلات الدستورية تقتصر فقط على التظاهر والاحتجاج، وفاتها أن هناك خيارات أخرى، وأن هناك أسلوبا نضاليا آخر غير الاحتجاج والتظاهر قد يكون أقل كلفة مادية وأكثر فاعلية، وأشد استقطابا للمواطنين. أذكر أني حينها  اقترحت على المنتدى وكنتُ عضوا في مكتبه التنفيذي أن يقوم بحملة واسعة لرفع العلم الوطني على كل منزل وسيارة في المدن الكبرى (وخاصة العاصمة نواكشوط)، وأن ينفق عُشْر ما أنفق على المسيرات المناهضة للتعديلات الدستورية على هذه الحملة، على أن تنطلق تلك الحملة خلال شهر الاستقلال (شهر نوفمبر) الذي يسبق الاستفتاء. كان يمكن أن تتحول مقرات فروع أحزاب المعارضة في العاصمة وفي المدن الكبرى إلى فروع تعزف النشيد الوطني يوميا، وتوزع الأعلام على المواطنين وتحثهم على رفعها فوق منازلهم وعلى الشوارع والسيارات.. لو أن شيئا مثل ذلك حدث، ولو أن المعارضة أنفقت عُشْر ما أنفقت من أموال وجهد على المسيرات، أنفقته على حملة واسعة من هذا النوع، لَرُفِعَ علم الاستقلال في كل مكان، ولظهر مدى تمسك الشعب الموريتاني به، و لوجدت السلطة نفسها في حرج وإرباك شديدين وهي تشاهد علم الاستقلال مرفوعا في كل مكان، وذلك في وقت تقول فيه إن نتائج استفتائها تؤكد أن أغلبية الشعب الموريتاني صوتت لتغيير العلم الوطني.

المثال الثاني : أذكر خلال التحضير لإحدى مسيرات المنتدى أني كنتُ مع أحد رؤساء الأحزاب المنخرطة في المنتدى، وكان حينها يقود حملة بيت ـ بيت لحث المواطنين على المشاركة في المسيرة، فقلت له لماذا لا تفكرون في حملة هاتف ـ هاتف بدلا من بيت ـ بيت، وأن تسجلوا مثلا رسالة دعائية قصيرة تحث المواطنين على المشاركة في المسيرة، وأن تنشروها على حساباتكم في مواقع التواصل الاجتماعي، ويمكن أن تدفعوا قليلا من المال للترويج لتلك الرسالة، حتى تظهر على كل حساب موريتاني في الفيسبوك، ومن المعروف أنه يندر في المدن الكبرى وجود منزل موريتاني لا يملك أحد أفراده حسابا على الفيسبوك، وبذلك تضمنون نجاح حملة بيت ـ بيت عن طريق الهواتف المزودة بالإنترنت، ودون أن تتحركوا جسديا لطرق أبواب البيوت : بيتا بيتا.

لم يقتنع رئيس الحزب بذلك، واللافت أنه لم يكن في ذلك الوقت يملك أي حساب باسمه على الفيسبوك.

ثانيا / تشخيص واقع أحزاب الأغلبية

تعاني الأغلبية من مشاكل وتحديات لا تقل خطورة عن حجم المشاكل والتحديات التي تعاني منها المعارضة، حتى وإن بدت تلك التحديات والمشاكل مختلفة في بعض الأحيان. سنكتفي عند حديثنا عن التحديات والمشاكل التي تواجهها الأغلبية بالحديث عن المشاكل والتحديات التي يواجهها الحزب الحاكم (حزب الإنصاف)، وذلك باعتبار أن هذا الحزب يشكل العمود الفقري للأغلبية الحاكمة.

يعاني حزب الإنصاف ـ كغيره من أحزاب الأغلبية ـ من عدة مشاكل وتحديات، لعل من أبرزها :

  صعوبة بلورة خطاب سياسي قادر على أن يجمع بين ملمحين متناقضين، على الأقل ظاهريا، عاشهما النظام الحالي خلال السنوات الثلاث الأخيرة. أول الملمحين هو أن النظام الحالي يعد امتدادا للنظام السابق، وثانيهما هو أن النظام الحالي فتح أكبر ملف فساد في تاريخ البلد ضد بعض أركان النظام السابق. لم يحدث هذا من قبل، فأي نظام جديد إما أن يعتبر النظام السابق له نظاما بائدا وفاسدا، ومن هنا تكون بلورة خطاب سياسي جديد يقوم على انتقاد النظام السابق أمرٌ في غاية السهولة، أو يعتبر في الحالة الثانية أنه ـ أي النظام الجديد ـ يشكل امتدادا للنظام السابق، وهنا تكون أيضا بلورة خطاب سياسي جديد يقوم على تثمين منجزات النظام السابق والوعد بإنجازات أكبر أمرٌ في غاية السهولة. الصعوبة تكمن في بلورة خطاب سياسي جديد يجمع بين ملمحين متناقضين يتمثلان في أن النظام الحالي هو من جهة امتداد للنظام السابق، وهو من جهة أخرى يحاكم النظام السابق، أو على الأقل يحاكم أهم أركانه، بتهم تتعلق بملف فساد غير مسبوق من حيث عدد المشمولين ومواقعهم، ومن حيث حجم الأموال المنهوبة.

هذا الإشكال كان يمكن تجاوزه لو أن ما يقارب ستين نائبا وشيخا سابقا (شيوخ الحزب الذين أسقطوا التعديلات الدستورية ونوابه الذين رفضوا التوقيع على مبادرة النواب للمأمورية الثالثة) تجمعوا وشكلوا كتلة داخل الحزب الحاكم تتولى قيادة  ما سمي حينها بمعركة المرجعية.

إن غياب أي واجهة سياسية وإعلامية من هذا النوع داخل الحزب الحاكم، وعدم ظهور أي قيادي من الحزب من الذين اتخذوا مواقف قوية ضد المأمورية الثالثة، أو من الذين أسقطوا التعديلات الدستورية في الواجهة، والاكتفاء في معركة المرجعية بنفس الوجوه التي كانت تعرف وإلى وقت قريب جدا بدعمها اللامشروط للرئيس السابق.. كل ذلك صعب من بلورة خطاب سياسي جديد قابل للتسويق، وقادر على التعبير عن  النظام الحالي الذي لا يتبرأ من كونه امتدادا للنظام السابق، ولكنه في نفس الوقت لم يتأخر في فتح أكبر ملف فساد ضد أهم رموز وأركان النظام السابق.

2 ـ هناك تحدٍّ تشترك فيه الأغلبية والمعارضة، فإذا كانت المعارضة الموريتانية قد تعودت خلال العقود الماضية على أسلوب الصدام مع الأنظمة الحاكمة، الشيء الذي جعلها تعاني من الارتباك عندما وجدت نفسها في السنوات الثلاث الماضية مع نظام لا يريد الصدام مع معارضته. إذا كانت المعارضة قد عانت من ارتباك شديد خلال السنوات الثلاث الماضية، فإن الأغلبية عانت هي أيضا من نفس الارتباك، ذلك أن الأحزاب الحاكمة قد تعودت هي أيضا أن تدافع عن أنظمة تنتهج أسلوب الصدام والمواجهة مع معارضتها، ولم تتعود على مقارعة المعارضة في فترات التهدئة السياسية، ولذا فقد وجد الحزب الحاكم نفسه في ارتباك شديد خلال السنوات الثلاث الماضية، فهو لم يتمكن من ابتداع أساليب جديدة لمقارعة المعارضة في أجواء التهدئة، وهو لا يستطيع أن يستخدم نفس أساليبه القديمة التي تعود على استخدامها في فترات الصدام والمواجهة مع المعارضة، وقد تسبب كل ذلك في نوع من ضعف الحماس والخمول السياسي لدى الحزب خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

3 ـ تراجع دور وتأثير الشخصيات التقليدية بشكل عام، والتي كانت ـ وما تزال ـ تشكل أحد أهم مكونات الأحزاب الحاكمة، وهذا التراجع كان في صالح بعض مراكز القوى الجديدة، وهي قوى لم تتبلور حتى الآن بشكل نهائي. يمكن أن نضيف إلى ذلك أن القوى التقليدية التي تعاني من تراجع في التأثير بشكل عام، تعاني أيضا من كثرة الانشطار الداخلي، والذي تزداد حدته عاما بعد عام، وموسما انتخابيا بعد موسم انتخابي.

فإذا كان في الماضي يمكن للحزب الحاكم أن يتعامل مع شخص واحد لضمان تصويت أغلبية في مكتب معين، فاليوم أصبح الأمر مختلفا، وأصبح هناك عدة أشخاص في كل مكتب انتخابي، يريد كل واحد منهم أن يتعامل معه الحزب وعلى أساس أنه هو الشخص الأكثر تأثيرا في ناخبي ذلك المكتب.

إن ما يحدث من انشطار وإعادة انشطار على مستوى الناخبين التقليديين الكبار يعدُّ من أهم التحديات التي يواجهها الحزب الحاكم، والذي أصبح مجبرا بفعل هذا الانشطار إلى التعامل مع عدة رؤوس متنافسة بل ومتخاصمة في كل مكتب انتخابي، بدلا من التعامل مع رأس واحد.

4 ـ كانت هناك أيضا مشاكل التعايش والانسجام داخل الحزب بين قيادات كانت في المعارضة دعمت الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني والتحقت بالحزب، وبقية الحزب ـ وهي أغلبيته ـ التي انتقلت من دعم الرئيس السابق إلى الرئيس الحالي...صحيح أن مشاكل التعايش والانسجام بين القادمين من المعارضة وقيادات الحزب الأصلية ظلت دائما تحت السيطرة، ولم تخرج إلى العلن إلا في حالات محدودة جدا، ولكن الصحيح أيضا أنها ظلت موجودة، وكانت تؤثر ـ بشكل أو بآخر ـ على أداء الحزب. 

5 ـ هناك طائفة كبيرة من الشباب والأطر والشخصيات التي لم تكن مهتمة في السابق بالعمل السياسي أعلنت عن دعمها القوي للرئيس محمد الشيخ الغزواني بعد خطاب ترشحه (فاتح مارس 2019)، أعلنت عن ذلك من خلال مبادرات سياسية، أو من خلال مواقف فردية. هذه الطائفة من الداعمين لم يتمكن الحزب الحاكم من استقطابها، وحتى ولو استقطب القلة منها، فإن أساليبه التقليدية في العمل السياسي قد لا توافق تطلعات أولئك. هذه الطائفة من الداعمين وجدت نفسها خارج دائرة التأثير في الأغلبية، مع أنه كان بإمكانها أن تلعب دورا حيويا في الأغلبية، ولكن عجز الأغلبية التقليدية عن  استقطابها، وعجزها هي عن  خلق ذراع سياسي وإعلامي قادر على أن يلعب أدوارا مكملة لأدوار الأغلبية التقليدية.. كل ذلك جعل هذه الطائفة ـ والتي كانت تعلق عليها آمال كبيرة في ضخ دماء جديدة في الأغلبية ـ تبقى خارج دائرة التأثير السياسي في أغلبية الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.

ثالثا/ تشخيص واقع المبادرات والحركات الشبابية

أتاحت مواقع التوصل الاجتماعي فرصة كبيرة للشباب الموريتاني للمشاركة والتأثير في الشأن العام، فهذه المواقع أصبحت تشكل منابر سياسية وإعلامية بديلة للمنابر التقليدية. ولكن الملاحظ أن الشباب الموريتاني لم يستغل حتى الآن هذه الفرصة المتاحة بشكل جيد، وهو ما زال يقبل ـ ورغم التذمر العلني ـ بأن يقتصر دوره على إنعاش المهرجانات في المواسم الانتخابية، أو في أحسن الأحوال أن يشكل وقودا للحركات الاحتجاجية، ودون أن يستثمر ذلك في مشاريع سياسية قادرة على التأثير الفعلي في المشهد السياسي.

يمكن القول في هذا الصدد بأن الشباب الموريتاني المهتم بالشأن العام يعاني من جملة من نقاط الضعف، لعل من أهمها:

1 ـ شعور الكثير من الشباب المهتم بالشأن العام بأن دوره يقتصر فقط على نقد السلطة والمعارضة والمجتمع، أي على نقد الواقع، وأنه غير معني إطلاقا بخلق البدائل والمبادرات السياسية التي من شأنها أن تساهم في تغيير ذلك الواقع الذي ينتقده باستمرار؛

2 ـ فشل الشباب الموريتاني في استثمار جهده الاحتجاجي الذي قدم خلال العقد الماضي، وخاصة جهده في الحركات الاحتجاجية التي ظهرت مع موجة الربيع العربي، فشله في استثمار ذلك الجهد الاحتجاجي الكبير في مشاريع سياسية قابلة للنماء والتطور؛

3 ـ عجز الشباب المهتم بالشأن العام عن خلق مساحات مشتركة تمكن من استقطاب أكبر عدد ممكن من الشباب في مشاريع سياسية قادرة على البقاء وقابلة للتطور، فمن الصعب أن تجد اليوم العشرات من الشباب الموريتاني يجتمعون تحت عنوان سياسي شبابي واحد. هناك أسباب عديدة لذلك، وربما يكون من أهمها الشعور الكاذب الذي تمنحه مواقع التواصل الاجتماعي لنشطائها، فكل ناشط في هذه المواقع يخيل إليه أنه لا حاجة له في الآخر، ما دام يمتلك حسابا في إحدى منصات التواصل الاجتماعي يتحدث فيه بما شاء، وكيف ما شاء، وفي أي وقت شاء.

إذا كان يحسب للطبقة السياسية التقليدية رغم ما لديها من أخطاء أنها ظلت قادرة على خلق مساحات مشتركة تساعدها في تشكيل تحالفات وتكتلات سياسية، قد يطول عمرها وقد يقصر حسب الظروف، فإن الشباب الموريتاني المهتم بالشأن العام، وعلى العكس من ذلك، ما زال عاجزا عن خلق تلك المساحات المشتركة، وما زال غير قادر على تشكيل تحالفات أو تكتلات تجمع الحد الأدنى من الحد الأدنى من الشباب.

خلاصة القول

لقد حاولت هذه الورقة الكاشفة أن تقدم قراءة تشخيصية للواقع السياسي في البلاد ونقاط الضعف التي يعاني منها كل مكون سياسي ( الأغلبية؛ المعارضة؛ المشاريع السياسية غير المصنفة)، ومن المعلوم بداهة أن علاج أي خلل يبدأ بتشخيصه، ومن المعلوم كذلك أن أي ضعف في النظام السياسي بمختلف أطيافه ومكوناته، سيؤدي إلى بروز بدائل غير مطمئنة سياسيا، ومن هنا تبرز أهمية البدء في معالجة نقاط الخلل هذه من طرف الجهات المعنية بها، ومن المهم أن تبدأ تلك المعالجة من قبل حلول الموسم الانتخابي القادم.

حفظ الله موريتانيا...

الجمعة، 26 أغسطس 2022

الصرف الصحي أولا


(1)

تخيلوا حجم الكارثة لو أن العاصمة نواكشوط شهدت تهاطل أمطار في موسم من مواسم الخريف، وتخيلوا أن تلك الأمطار وصلت إلى 50 أو 60 أو 70 ملم ...أليس من المحتمل تهاطل أمطار بهذا المستوى؟

أو تخيلوا أن العاصمة شهدت في أحد الأسابيع تهاطل أمطار لمرتين أو لثلاث، وأن مجموع ما تم تسجيله في ذلك الأسبوع وصل إلى 80 أو 90 أو 100 ملم..أليس ذلك الاحتمال واردا؟

من مقال تحت عنوان : "الصرف الصحي أولا" تم نشره  قبل تسع سنوات تقريبا من الآن، وتحديدا في 4 سبتمبر 2013.

وجاء في نفس المقال المذكور تذكيرا بخبر نشرته الوكالة الموريتانية للأنباء في يوم 05 ـ 02 ـ 2010 ، أي قبل 12 سنة من الآن، وهذا نصه : "احتضن مقر وزارة الشؤون الاقتصادية والتنمية ظهر اليوم الجمعة التوقيع على اتفاقية تتولى بموجبها الشركة الصينية "جزوبا كروب انترناشيونال كوبوريشن " المتخصصة في الأشغال تنفيذ المرحلة الأولى من مخطط الصرف الصحي لمدينة نواكشوط ..... وسيتم تنفيذ المرحلة الأولى من المخطط الممولة في إطار التعاون بين بلادنا وجمهورية الصين الشعبية بغلاف مالي قدره 199 مليون دولار عن طريق الشركة المذكورة على مستوى أربع مقاطعات من العاصمة (تفرغ زينه، لكصر، الميناء والسبخه ) بعد أن تم اختيارها وفقا لحاجة الملحة لخدمات الصرف الصحي.... . نشير إلى أن أشغال المشروع التي ستنطلق خلال السنة الجارية تمتد على مدى ثلاث سنوات ونصف."

فأين هي شركة "جزوبا كروب انترناشيونال كوبوريشن "؟ وأين هو الصرف الصحي في تفرغ زينه ولكصر والميناء والسبخه ؟

 

(2)

لقد قررت في صبيحة هذا اليوم أن أتخذ قرارا شجاعا وجريئا..
حقا إنه لقرار جريء وشجاع..
أتدرون ما هو هذا القرار الشجاع والجريء؟
لقد قررت بمحض إرادتي، ودون إكراه من أي جهة خارجية، أن أذهب إلى قلب العاصمة مع العلم بأن لا أملك زورقا، ولم أتدرب من قبل على السباحة.
أثناء اتخاذ هذا القرار الشجاع والجريء تمنيتُ لو أن الحكومة بدورها اتخذت مثلي قرارات شجاعة وجريئة ما دامت عاجزة تماما عن إنشاء شبكة للصرف الصحي بالعاصمة.
أتدرون ما هي القرارات الشجاعة والجريئة التي تمنيتُ لو أن الحكومة اتخذتها في مثل هذه الأيام؟
تمنيت لو أن الحكومة قررت أن تؤسس ـ وعلى وجه الاستعجال ـ معهدا لتدريب المواطنين القاطنين في العاصمة على السباحة وعلى عبور البرك والمستنقعات.
وتمنيتُ أيضا لو أن الحكومة استوردت عشرات الزوارق من جمهورية إيران، وأنها أسست بتلك الزوارق "الشركة العامة للنقل البحري بين ولايات ومقاطعات العاصمة".
وتمنيت لو أن الرئاسة أعلنت عن مرسوم يقضي بإنشاء وزارة خاصة بالصيد والسباحة في المياه العكرة.

وتمنيتُ لو أن وزارة السباحة في المياه العكرة، أو وزارة السياحة إذا شئتم، قررت أن تستفيد من خصوصية عاصمتنا الفريدة من نوعها، فهي ربما تكون العاصمة الوحيدة في هذا العالم التي لا تمتلك شبكة للصرف الصحي، فلماذا لا نستفيد سياحيا من هذا التميز ومن هذه الخصوصية؟ ولماذا لا نقوم بدعاية كبرى لعاصمتنا الفريدة من نوعها فيأتينا كل من أراد أن يتعرف ميدانيا على عاصمة بلا صرف صحي في العام 2015.

من مقال : "أمنيات مشاكسة" منشور  في يوم 23 أغسطس 2015.

(3)

بعد أيام معدودة سينسى الجميع أن عاصمتنا بلا صرف صحي، ستنسى الحكومة مشكلة الصرف الصحي، وستنساه الأحزاب، وستختفي كلمة "صرف صحي" من الصحف ومن المواقع الوطنية، وستختفي كذلك من صفحات وحسابات نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.
ستختفي الكلمة تماما، ولن تظهر لا في التوجيهات النيرة لسيادة الرئيس، ولا في بيانات الأحزاب، ولا في خواطر وتدوينات نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، ولا حتى في أحاديث الناس العابرة.

ستختفي مشكلة الصرف الصحي، وكأنها قد حُلت تماما، ولن يذكركم بهذه المشكلة التي تتجدد مع كل عام أي مذكر. لن تذكركم بها إلا الأضرار التي ستتسبب فيها الأمطار التي ستتهاطل خلال موسم الخريف القادم.

من مقال : "وداعا الصرف الصحي" تم نشره يوم 24 سبتمبر 2013.

 

(4)

مع كل موسم خريف يتجدد الحديث عن غياب صرف صحي في العاصمة نواكشوط، وربما تكون العاصمة نواكشوط هي العاصمة الوحيدة في العالم التي لا يوجد بها صرف صحي.. فإلى متى ستستمر هذه الكارثة؟ ألم يحن الوقت للتفكير في حل جذري ونهائي لمشكلة الصرف الصحي في العاصمة نواكشوط؟

لا أدري إلى أين وصل هذا الملف، ولا أدري لماذا تأخر رغم تكرر الحديث خلال السنوات الماضية عن البدء في تشييد صرف صحي في العاصمة نواكشوط وبكلفة كبيرة جدا. كل ما أستطيع قوله هنا هو أن ملف الصرف الصحي في العاصمة نواكشوط لم يعد قابلا للتأجيل، ولم يعد من المقبول أن يتم التعامل معه بحلول ترقيعية أو مؤقتة.

من مقال : " هناك ملفات لا تقبل غير الحلول النهائية" منشور بتاريخ 5 سبتمبر 2020.

ختاما : هذه فقرات مختارة من مقالات مختارة من بين ما يقترب من 20 مقالا كتبتها في العقد الأخير عن غياب الصرف الصحي عن العاصمة نواكشوط . ليس لدي ما أضيفه الآن سوى أن أعيد عنوان المقال الأخير : " هناك ملفات لا تقبل غير الحلول النهائية". فإما أن نبدأ بتشييد صرف صحي  في العاصمة نواكشوط بشكل فوري، وإما أن نفكر في تشييد عاصمة بديلة.

 

حفظ الله موريتانيا... 

الاثنين، 15 أغسطس 2022

حصيلة أسبوع

 

ما بين 4 أغسطس إلى 12 أغسطس (الأسبوع الأخير ) سجلنا في الحملة ست حوادث سير ( قد تكون هناك حوادث سير أخرى وقعت لم نعلم بها) ، والحوادث الست التي سجلناها كانت وحسب الترتيب الزمني كالآتي :

- حادث سير عند الكلم 43 من طريق الأمل تسبب في 3 إصابات بليغة؛
- حادث سير قرب شكار تسبب في 2 وفاة؛
- حادث سير عند أمحيجرات ناتج عن انحراف سيارة عن الطريق ودخولها في عريش محظرة لم يكن فيه أحد وقت الحادث، وتسبب هذا الحادث في إصابة طفيفة لسائق أجنبي ؛
- حادث سير على طريق أكجوجت تسبب في 2 وفاة؛
- حادث سير قرب ألاك تسبب في 1 وفاة، وكان نتيجة لفتح باب الأمتعة بشكل مفاجئ لحافلة وارتطامه براكب كان في حافلة أخرى تسير في اتجاه متعاكس؛
- حادث سير على بعد 71 كلم من تكند، ناتج عن تصادم سيارتين، وأدى إلى وفاة 4 أشخاص وإصابة آخرين.
كل هذه الحوادث تم تسجيلها في مقاطع من الطرق جيدة أو غير سيئة على الأقل، وهي كلها نتيجة لأخطاء بشرية، وغالبا ما كان السبب المباشر فيها هو السرعة المفرطة.
نعم يتسبب تهالك الطرق في نسبة من حوادث السير التي تقع، وهو بالإضافة إلى ذلك يتسبب في خسائر اقتصادية فادحة وفي حصول مشقة كبيرة لسالكي الطرق، وسيبقى مطلب ترميم الطرق مطلبا ملحا يجب طرحه في كل وقت، ونحن في الحملة لم نقصر في طرح هذا المطلب الذي يتصدر عريضتنا المطلبية التي سلمناها لرئيس الجمهورية.
ولكن، وأرجو أن تنتبهوا جيدا لما بعد لكن..
إن الأخطاء البشرية تتسبب فيما يزيد على 80% من حوادث السير (56% من الحوادث نتيجة للسرعة المفرطة)، ومن هنا تبرز أهمية توعية السائقين، فالتوعية هي من أفضل الطرق لتصحيح السلوك الخاطئ للسائق، والذي يؤدي إلى ما يزيد على 80 % من حوادث السير التي تقع في بلادنا.
موجب هذا الكلام هو أننا ومنذ العام 2016 كلما قمنا بحملة توعوية خرج علينا البعض ليذكرنا بوضعية الطرق المتهالكة، ولينصحنا بالتوقف عن توعية السائقين، والتفرغ للمطالبة بترميم الطرق، بل إن هناك من يطالبنا بترميم الطرق، وكأننا حكومة!!
الصورة من حادث شكار..

ذكرى حادث سير


 بعد المشاركة في نشاط لمبادرة "كنتُ طالبا في ثانوية لعيون"، وفي طريق العودة إلى العاصمة نواكشوط وعلى بعد 120 كلم منها، وفي حدود الساعة الثامنة وعشرين دقيقة صباحا وقع حادث سير بشع بسبب اصطدام شاحنة صهريج مليئة بالبنزين وسيارة "رينو اكسبرس"..ولقد توفي على الفور الشابان اللذان كانا في السيارة الصغيرة بينما أصيب سائق الشاحنة ورفيقه بجروح طفيفة..

عند وصولنا إلى مكان الحادث كان المشهد كالتالي:
ـ السيارتان على حافة الطريق، الشاحنة منقلبة والسيارة الصغيرة غير بعيدة منها و قد تعرضت مقدمتها إلى أضرار جسيمة.
ـ البنزين كان يتدفق من الشاحنة وكان هناك من يحاول أن يملأ منه بعض "جركانات".
ـ الشابان الموجودان في السيارة الصغيرة كانا قد توفيا على الفور..رفيق السائق غطته قطع السيارة ولم نتمكن من مشاهدة ما يدل على وجوده أصلا بالسيارة، أما السائق فقد كان شابا وقد تمكنا من رؤية ملامح وجهه من قبل أن يغطيه أحدهم بقطعة قماش.
ـ لقد حدث ارتباك بالنسبة لنا نحن الذين وصلنا إلى الحادث في وقت مبكر، وقد تم إشعار الدرك بالحادث فأرسلوا سيارة يوجد بها دركيان.
ـ قال سائق الشاحنة بأن سائق السيارة الصغيرة كان نائما وبأنه نتيجة لنومه وقع الحادث، وبأنه أي سائق الشاحنة حاول وبكل الوسائل الممكنة أن يتفادى الاصطدام ولكنه لم يتمكن من ذلك نتيجة لنوم سائق السيارة الصغيرة.
لم نكد نتجاوز مكان الحادث حتى صادفنا حادث سير آخر، ولكن ولله الحمد لم يخلف هذه المرة ضحايا..وعلى طول طريق الأمل من لعيون وحتى العاصمة فقد شاهدنا العديد من "جثث السيارات" المرمية على جنبات الطريق والتي كانت قد تعرضت لحوادث سير في الفترة الأخيرة.
من الأرشيف :صباح الخميس الموافق 23 أكتوبر 2014.
----
هذا الحادث الأليم وحادث آخر من قبله، وكان أكثر بشاعة، قد كانا من بين أهم الأسباب التي جعلتني أنخرط في حملة توعوية في مجال السلامة الطرقية.
الصورة من حادث في العام 2017 على طريق نواذيبو.

تعليق سريع على الفيديو المتداول


1ـ هناك إصرار واضح على الاعتداء على الشرطي من طرف المواطن الذي يظهر في الصورة..هناك عدة محاولات للمعتدي كان آخرها المحاولة التي تم فيها الاعتداء؛ 
2 ـ أن هناك ضبطا للنفس من الشرطي المعتدى عليه، ومن بقية عناصر الشرطة الذين يظهرون في الفيديو..الواضح من الفيديو أن الشرطي كان يتجنب الشجار، وأن بقية عناصر الشرطة لم يهجموا على المعتدي، وإنما اكتفوا بوقف الاعتداء. يظهر أيضا في الفيديو أن بعض النساء المرافقات حاولن وبشكل جاد أن يمنعن المعتدي من الاعتداء، وهذا يحسب لهن. 
 3 ـ يتحدث البعض عن اعتداء لفظي من طرف الشرطي، وهذا لا يمكن التأكد منه من خلال الفيديو نظرا لغياب الصوت، ثم إن ملامح الشرطي لا تؤكد أنه اعتدى لفظيا على المعني؛ 
4 ـ ما نشره المحامي المامي ولد أبابا في وقت سابق من ضرب مبرح لموكله من طرف الشرطي، لا يمكن تصنيفه حتى الآن إلا أنه يدخل في إطار "ضربني واستبقني للشكوى". إذا كانت لدى المحامي أدلة فإنه لم يظهرها حتى الآن. وقائع كثيرة شاهدناها في هذا الإعلام الافتراضي تؤكد أنه من الخطأ المسارعة في التضامن مع أي ضحية من قبل أن نسمع رواية الطرف الآخر لما حدث. 
5 ـ يُقال بأن الشرطي اعتدى لفظيا على والد المعتدي، وأن ذلك هو سبب الاعتداء عليه جسديا ..إذا كان ذلك صحيحا، فكان على الضحية أن يوثق الاعتداء اللفظي بالهاتف، وهذا أمر سهل، ويقدم شكاية، وحينها سيجد تعاطفا غير مسبوق، فالرأي العام في العادة أكثر انحيازا للمواطن المدني من المواطن الشرطي، وهو ما يعني أنه إذا كان المواطن المدني هو المظلوم فإن التعاطف سيكون كبيرا جدا؛ 
6 ـ هذا الاعتداء الموثق بالصورة على شرطي بزي رسمي يجب أن لا يترك دون تحقيق جدي، ودون عقوبات صارمة.

كم من منحة في محنة؟


على تمام الساعة الثامنة من صباح يوم الخميس الموافق 10 فبراير 2022 وقعت الكارثة : انهيار بئر في اصبيبيرات على عدد من المنقبين (8)، وقد تابع الموريتانيون يوميات تلك الكارثة التي أدت إلى وفاة سبعة منقبين، ونجاة منقب واحد تم إنقاذه الساعة الخامسة فجرا من يوم الاثنين الموافق 14 فبراير 2022 ، أي بعد مرور أربعة أيام كاملة على انهيار البئر.
لم يكن حمود عبد الكريم يعتقد خلال تلك الأيام الأربعة التي قضاها بين الحياة والموت وهو تحت أنقاض البئر المنهارة أن تلك الكارثة ستكون سببا في أن يشرفه رئيس الجمهورية بلقاء، وأن تمنحه شركة معادن عملا في إدارة للسلامة تم استحداثها بعد تلك الفاجعة.
آلاف، إن لم أقل عشرات الآلاف من العاملين في التنقيب يتمنون زيارة من رئيس الجمهورية، ووظيفة في شركة معادن، وحده الشاب حمود حصل على كل ذلك دفعة واحدة، وكان السبب المباشر في حصوله على ذلك هو المحنة التي عاشها خلال أربعة أيام، وهو بين الحياة والموت تحت أنقاض بئر منهارة!! فكم من منحة في محنة؟
في ضحى يوم السبت الموافق 30 يوليو 2022 حاصرت السيول الشاب محمد أحمد ولد محمد(شبو)، وذلك بعد أن علق على مفرجة من مفرجات سد في بومديد.
ما تعرض له شبو كان محنة حقيقية، حبست أنفاس الموريتانيين لأكثر من عشرين ساعة عصيبة، كان من أصعبها ساعات الليل الطوال التي قضاها شبو لوحده وظلمة الليل والنعاس والسيول تكاد أن تفتك به في كل لحظة.
لم يكن شبو يعتقد خلال تلك الساعات العصيبة أن محنته التي عاش في السد ستكون هي السبب المباشر في أن يحظى والداه باتصال من رئيس الجمهورية، وأن تنهال عليه هو من بعد ذلك عروض مغرية جدا من بعض البنوك وشركات الاتصال.
عشرات الآلاف، بل مئات الآلاف من الشباب الموريتانيين في القرى والمدن والأرياف يتمنون الحصول على اتصال من رئيس الجمهورية بذويهم، وعلى عمل متواضع في أي شركة..وحده شبو حصل على كل ذلك دون أن يخطط له أو يسعى إليه، وكان سبب حصوله على ذلك هو محنته التي عاش في سد بومديد. فكم من منحة في محنة؟
إنهما محنتان في منتهى القسوة عاشهما حمود وشبو، وقد كانت المحنتان سببا في أن ينالا شهرة كبيرة في الوطن، بل وفي خارج الوطن، كما كانت سببا في حصولهما على مصدر رزق لم يحلما به من قبل.
أسأل الله تعالى أن يديم على الشابين حمود وشبو نعمه، وأن يبعد عنهما المصائب والمحن، فقد كان في محنتيهما الكثير من الدروس والعبر.
على المستوى الشخصي فقد مرت بي أزمات ومشاكل لم أكن أعتقد أن في طياتها منحا، وإذا ما تأمل أي واحد منكم ما مضى من عمره، واستعاد ما مر به من مشاكل وأزمات فسيجد أن تلك المشاكل والأزمات لم تكن شرا مطلقا، بل كانت تحمل في طياتها بعض المنح الخفية.

الأربعاء، 10 أغسطس 2022

ماذا يُراد بالتشويش على احتفالات حزب الإنصاف المخلدة للذكرى الثالثة للتنصيب؟


هناك ثلاثة مجالات أو قطاعات تدخل فيها نظام الرئيس محمد الشيخ الغزوانيخلال السنوات الثلاث الماضية بشكل جيد، ومن الملاحظ أن هناك تفاوتا واضحا في التسويق الإعلامي والسياسي لما تحقق من إنجاز في تلك المجالات والقطاعات.

أول هذه المجالات يتمثل في التهدئة وتطبيع الحياة السياسية، ولا خلاف على أن ما تحقق على مستوى التهدئة السياسية في السنوات الثلاث الماضية، كان لافتا، ولا خلاف أيضا على أن هذه التهدئة السياسية قد وجدت من التسويق الإعلامي والسياسي ما تستحق، ويرجع السبب في ذلك على أن المستفيد الأول من هذه التهدئة هو النخب السياسية، وتلك لها قدرة كبيرة في التأثير على الرأي العام، ثم إن مشاركة المعارضة الموريتانية في الدعاية لهذه التهدئة قد ساهم هو كذلك ـ وبشكل كبير ـ في تسويق هذا المنجز على المستويين الإعلامي والسياسي.

أما المجال الثاني فهو يتعلق بمحاربة الفساد، فإذا كان نظام الرئيس محمد الشيخ الغزواني قد فتح ملف فساد غير مسبوق من حيث الحجم وعدد المشمولين (ملف العشرية)، وإذا كان هذا النظام قد رفع من مكانة المفتشية العامة للدولة بشريا وماليا ومعنويا من خلال إلحاقها برئاسة الجمهورية،وإذا كان قد فتح ملفات فساد في العهد الحالي واستعاد أموالا طائلة..إذا كان النظام قد قام بكل ذلك، فإنه قد وجد صعوبة كبيرة في تسويق ما قام به في مجال محاربة الفساد، ويعود ذلك إلى حذر الرأي العام، وعدم تحمسه لتصديق جدية محاربة الفساد، وذلك نتيجة لتراكم العديد من الخيبات من خلال تجارب سابقة في محاربة الفساد، ثم إن تصدر من يشتبه فيه للواجهة الإدارية أو السياسية للنظام زادت من شكوك الرأي العام حول جدية الحرب على الفساد.

أما المجال الثالث، والذي شهد الإنجاز الأهم في العهد الحالي، فيتمثل في الجانب الاجتماعي، أي الاهتمام بالفئات الهشة، ومما لا شك فيه أنه قد تحققت إنجازات ملموسة في هذا المجال، وفي ظرفية دولية اتسمت بالعديد من الأزمات : جائحة كورونا؛ الحرب في أوكرانيا..إلخ.

إن هذا القطاع الذي شهد إنجازات ملموسة، كانت إنجازاته هي الأقل تسويقا على المستويين الإعلامي والسياسي، ويعود ذلك لأسباب كثيرة، لعل من أبرزها:

1 ـ أن الفئات الهشة هي المستفيد المباشر من هذه الإنجازات، ومن المعلوم أن هذه الفئات لا تمتلك حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي، ولا تتم استضافتها في الإذاعات والتلفزيونات، ولا صلة لها بأحاديث الصالونات، أي أنها ـ وبكلمة واحدة ـلا تمتلك القدرة لتسويق ما تحقق لصالحها من إنجازات، لا إعلاميا ولا سياسيا.

2 ـ أن ما تحقق على هذا الصعيد، يختلف عما تحقق على مستوى التهدئة السياسية، فإذا كانت المعارضة قد ساهمت في تسويق ما تحقق في مجال التهدئة وتطبيع الحياة السياسية، فإنها ـ أي المعارضة ـ غير معنية إطلاقا بتسويق إنجازات النظام لصالح الفئات الهشة. يعني ذلك أن الذراع الإعلامي والسياسي للنظام هو المعني حصرا بالتسويق الإعلامي والسياسي لما تحقق لصالح الفئات الهشة.

3 ـ ضعف الأداء لدى الذراع الإعلامي والسياسي للنظام، ولا شك أن ذلك انعكس سلبا على تسويق كل المنجزات، ولكنه انعكس بشكل أكبر على التدخل في المجال الاجتماعي، وذلك نتيجة لما بيناه في النقطتين السابقتين.

إنه من المهم جدا أن يتحقق إنجاز ما في مجال ما على أرض الواقع، ولكن تحقيق هذا الإنجاز لا يكفي لوحده، فالأنظمة الحاكمة تحتاج إلى أذرع سياسية وإعلامية تسوق إنجازاتها..

من المهم أن يتحقق إنجاز ما، ومن المهم أيضا أن يتولد لدى المواطن إحساس وشعور بأن هناك إنجازا ما قد تحقق، وإذا لم يتولد ذلك الإحساس والشعور، فسيعني ذلك أن أداء الذراع السياسي والإعلامي للنظام لم يكن على المستوى..

كل ذلك كان مقدمة لابد منها للتعليق على الخطأ القاتل الذي ارتكبه حزب الإنصاف خلال نشاطه الكبير الذي نظمه في قصر المؤتمرات القديم بمناسبة مرور ثلاث سنوات على تنصيب رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني.

بدءا لابد من القول بأن الاستبيان أو الاستطلاع الذي أعده الحزب عن بعض المشاريع الاجتماعية كان عملا مهما في مجال التسويق الإعلامي والسياسي للبرنامج الاجتماعي للرئيس، كما أن تسليم تكريمات من طرف المستفيدين من التدخلات الاجتماعية لمن يديرون بعض القطاعات والمشاريع الاجتماعية يعد عملا مهما لتسويق المنجز على هذا الصعيد، ومما يزيد من أهمية ذلك ـ وهو ما أشرنا إليه سابقا في هذا المقال ـ  أن التسويق الإعلامي والسياسي للشق الاجتماعي في برنامج الرئيس كان ضعيفا خلال السنوات الثلاث الماضية.

نعم لقد وُفق الحزب في هذا الاستبيان، ووُفق في إشراك مواطنين بسطاء مستفيدين من التدخلات الاجتماعية في حفله المخلد للذكرى الثالثة للتنصيب، وذلك عندما أتاح لهم الفرصة لأن يكرموا بعض الموظفين القائمين على بعض القطاعات الاجتماعية..نعم لقد وُفق الحزب في كل ذلك، ولكنه أخطأ خطأ قاتلا عندما كلف أحد الموظفين بالاستبيان وتقديم عرض عنه في الاحتفال، مع العلم أن ذلك الموظف ـ وحسب المتداول إعلاميا ـ قد زارته المفتشية العامة للدولة في مؤسستين عموميتين، وسجلت خروقات كبيرة في تسييره.

فأي رسالة سياسية أراد الحزب أن يوصلها من خلال تكليف موظف سجلت عليه المفتشية العامة للدولة خروقات في التسيير، تكليفه بتولي أهم عرض وأهم فقرة في احتفالات الحزب المخلدة للذكرى الثالثة لتنصيب ريس الجمهورية؟

فهل أراد الحزب أن يقول لمنتسبيه وللرأي العام الوطني أن عمل المفتشية العامة للدولة ـ والتي جعلها فخامة الرئيس تابعة له ـ لا أهمية له، وأن رئيس الجمهورية غير جاد في محاربته للفساد؟

أم أن الحزب أراد أن يطمئن كل الذين تحوم حولهم شبهات فساد من منتسبيه، وأن يبعث لهم برسالة مطمئنة وغير مشفرة مفادها أن المقاعد الرفيعة والأمامية في واجهة الحزب ستبقى محفوظة لكل من تحوم حوله شبهة فساد من منتسبي الحزب؟

أم أن الأمر يدخل فقط في خانة المجاملات وعدم إغضاب أي منتسب للحزب حتى ولو كانت تحوم حوله شبهة فساد؟ إذا كان الأمر كذلك فلِيعلم الحزب أن ترضية منتسب تحوم حوله شبهة فساد بإعطائه مكانة في واجهة الحزب سيؤدي ـ وبشكل تلقائي ـ  إلى إغضاب العشرات، إن لم أقل المئات من منتسبي الحزب من الموظفين الذين لا تشبهم شائبة في مسارهم التسييري، والذين كانوا يتطلعون لتلك المكانة، فحُرموا منها بسبب مجاملة قيادة الحزب لموظف تحوم حوله شبهات فساد في تسييره.

وتبقى هناك فرضية أخيرة مفادها أن كل ما طرحنا من فرضيات سابقة هو مجرد فرضيات خاطئة، وأن الحزب لم يكن يسعى لتقديم أي رسالة من خلال تكليف أحد منتسبيه ممن تحوم حوله شبهات فساد بتقديم أهم عرض وأقوى فقرة في حفله، وأن ما حصل بهذا الخصوص لم يكن مخططا له، وإنما جاء نتيجة للارتجال.

إذا كان ما حصل هو نتيجة للارتجال، فتلك مصيبة، لأنه لا يليق بحزب غير اسمه وشعاره ورئيسه منذ فترة قصيرة، أن يترك أهم فقرة من فقرات حفله، والذي شكل أهم إطلالة له بعد تلك التغييرات، أن يتركها للارتجال، وإذا كان الأمر مخططا له لبعث تلك الرسائل التي تحدثنا عنها سابقا فالمصيبة أكبر.

ختاما

لقد استبشر الكثيرون بالتغييرات التي شهدها الحزب مؤخرا في تسميته وشعاره ورئاسته، وتوقع الكثيرون أن يقوم الحزب بخطوات تزيد من حجم ذلك الاستبشار، ولكن جاءت بعض فقرات الحفل المخلد للذكرى الثالثة لتنصيب رئيس الجمهورية بما شوش كثيرا على الرسائل الإيجابية التي بعث بها تغيير اسم وشعار ورئيس الحزب.

 

حفظ الله موريتانيا...