إن من يَشتغل في مجال
التوعية والكتابة في قضايا الِشأن العام في زمن الأزمات والأوبئة ستعترضه ـ لا
محالة ـ جملة من التحديات التي يجب عليه أن يتعامل معها بحذر شديد. وهذه التحديات ستجعله
كلاعب السيرك الذي يسير على حبل رقيق معلق في مكان مرتفع من الفراغ، فكل حركة غير
محسوبة قد تؤدي به إلى السقوط في الهاوية.
من هنا فإنه على كل المهتمين
بالشأن العام في زمن كورونا، وخاصة منهم صُنَّاع الرأي ومنتجي الخطابات التوعوية والإعلامية أن يدركوا بأنهم يسيرون على حبل من المتناقضات، وأن كل خطوة غير
محسوبة وكل ميل في هذا الاتجاه أو ذاك، قد يفقدهم التوازن المطلوب، وربما يتسبب
لهم ذلك في السقوط في هاوية التحالف مع جائحة كورونا، حتى وإن لم يدركوا ذلك.
عن الخطاب التوعوي في
زمن كورونا
إننا في حربنا ضد
كورونا بحاجة إلى خطاب توعوي يخيف المواطن إلى درجة تجعله يطبق كل إجراءات السلامة
والوقاية، ويلتزم بكل توجيهات وأوامر السلطات في هذا المجال، ولكن هذا التخويف يجب
أن لا يصل إلى درجة تجعل المواطن يُصاب بالهلع، فالهلع قد تترتب عليه من النتائج
الكارثية ما هو أخطر من الإصابة بكورونا، هذا فضلا عن كونه قد يؤدي إلى ضعف مناعة الجسم
حسب ما نسمع من أهل الاختصاص.
عن الخطاب الإعلامي
في زمن كورونا
من المعروف بأن
الإعلام يبحث دائما عن أماكن الخلل، وعن كل ما هو سلبي في المجتمع، وهو يركز في أغلب حالاته على الأخبار السيئة (الحروب
؛ الكوارث؛ الأزمات..)، ويندر أن يهتم بالأخبار السارة أو بالأمور الإيجابية. في
زمن الأزمات والأوبئة تكون هناك حاجة قوية إلى خروج الإعلام عن نمطه التقليدي، وهو
ما يتطلب إعطاء مساحة كافية للأخبار السارة وللمظاهر الإيجابية في المجتمع، وذلك
من أجل خلق ثقة لدى المجتمع تجعله يؤمن بأنه يمتلك القدرات الكافية لمواجهة أزمة
صحية خطيرة بحجم جائحة كورونا.
لقد تعودنا كمهتمين
بالشأن العام على أن ننتقد الحكومة بشراسة، وأن نبالغ في بعض الأحيان في نقد
السياسيين والمثقفين ورجال الأعمال، وقد تعود الكثير من نشطاء مواقع التواصل
الاجتماعي على جلد المواطن الموريتاني جلدا قاسيا، ووصفه في كثير من الأحيان بالكائن
"الأدخن"، الذي لا يمكن أن يُعول عليه في المعارك الوطنية الكبرى. هذه
الصورة النمطية فيها ظلم كبير للمواطن الموريتاني الذي يقدم اليوم صورا مضيئة في
مجال التصدي لكورونا، وهذه الصور المضيئة تستحق هي الأخرى أن تجد مساحة مناسبة من
التداول.
إننا نعيش اليوم أزمة
حقيقية ناتجة عن فيروس كورونا الذي يهدد دول العالم الكبرى من قبل الصغرى، وفي
أوقات الأزمات لا بأس بإظهار أماكن الخلل في العمل الحكومي، وفي سلوك المواطن، وذلك
حتى تصحح الحكومة أخطاءها، وحتى يُعدِّل المواطن من سلوكه. ولكن لابد أيضا في مثل
هذه الأوقات من تثمين ما تقوم به الحكومة من إنجازات، وما يقدمه السياسيون ورجال
الأعمال ونشطاء المجتمع المدني والمواطنون العاديون من تضحيات، وليس ذلك من أجل
سواد أعين هؤلاء أو أولئك، وإنما من أجل خلق ثقة عامة داخل المجتمع نحن في أمس
الحاجة إليها في مثل هذا الوقت، فهذه الثقة هي التي ستمكننا ـ بإذن الله ـ من
الانتصار على كورونا، فأي مجتمع لا يثق في قدراته لن يستطيع تحقيق أي نصر على
العدو.
نعم هناك أخطاء في
العمل الحكومي، وهناك أخطاء في أداء النخب، وهناك أخطاء أخرى في سلوك المواطن
العادي، ولكن كل تلك الأخطاء تبقى ـ في
محصلتها النهائية ـ مجرد أخطاء عادية، ولذا فعلينا أن لا نهتم بها إلى الحد الذي
يجعلها تطغى إعلاميا على الأداء الجيد للحكومة، وعلى الصورة الناصعة التي قدمها
السياسيون، وعلى التنافس في البذل الذي أظهره رجال أعمالنا، وعلى الانضباط واستجابة
المواطن الموريتاني للتعليمات التي تأتيه من السلطات المعنية بالتصدي للجائحة.
إنه علينا أن لا نترك
الانشغال بنقد أداء الحكومة وسلوك المواطن يمنعنا من أن نبرز بعض اللقطات المضيئة
في عمل الحكومة وفي سلوك المواطن، فالمطلوب هو التوازن بين أمرين متناقضين، وهما
إظهار الخلل وإبراز المنجز، وذلك حتى لا نتحول في أوقات الأزمة إلى مجرد مطبلين أو
"موزعي إحباط"، وليس في أي منهما خير، فالتطبيل للحكومة سيجعلها تغتر وهي
تواجه عدوا شرسا، وهو ما سيؤدي إلى خسارة الحرب. أما المبالغة في جلد الذات،
وتوزيع الإحباط بالعدل بين الناس فإنه سيجعلنا نفقد الأمل، ونصاب بالإحباط، ونسلم
ـ بالتالي ـ بعجزنا عن التصدي لكورونا,
وهو ما يعني الخسارة في أشد تجلياتها.
إن لكل مرحلة من
مراحل الأزمة خطابها، وخطاب المرحلة الحالية يتطلب قدرا من التوازن بين إظهار
الخلل وتثمين المنجز. وإذا ما كتب الله لنا النصر على جائحة كورونا، ونسأل الله أن
يحقق لنا ذلك في أقرب الآجال، فحينها سيكون من حقنا أن نركز على نقاط الخلل، والتي
جعلتها الأزمة تبدو أكثر وضوحا. كما أنه علينا أن نأخذ العبرة من هذه الأزمة وأن
نستخلص منها الدروس، وذلك حتى نحولها من محنة إلى منحة، ولن يتحقق لنا ذلك إلا إذا
ركزنا فيما بعد كورونا على النقاط الثلاث التالية:
1 ـ إعطاء الأولوية للقطاعات
التالية : التعليم ـ الصحة ـ الزراعة ـ الصيد البحري.
2 ـ تعزيز دور الدولة
الوطنية، وتقوية اللحمة بين مكونات الشعب، ومواصلة حث المواطنين على الانضباط
واحترام القانون.
3 ـ دبلوماسيا علينا
أن نلتفت شرقا، وأن نعزز علاقاتنا مع الصين، والتي ربما تتحول في القريب العاجل
إلى الدولة الأقوى اقتصاديا على مستوى العالم.
حفظ الله
موريتانيا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق