السبت، 17 نوفمبر 2012

إنهم الآن يصوغون البيان الأول..!!



سأحاول في هذا المقال أن أفك طلاسم بيانين مثيرين يمكن أن نصنفهما على أنهما محاولة لكتابة الأحرف الأولى، أو على الأصح، محاولة لصياغة مسودة متقدمة جدا للبيان الأول للانقلاب الناعم الذي تخطط له الأغلبية الداعمة، ذلك الانقلاب الذي كنت قد حدثتكم عنه في مقالي السابق الذي اخترت له عنوان : "الانقلاب الناعم".
ولكن قبل فك شفرة البيانين المذكورين اسمحوا لي أن أشير إلى أن هذا "الانقلاب الناعم" لا يستهدف الرئيس محمد ولد عبد العزيز بوصفه رئيسا لموريتانيا، وإنما يستهدفه بوصفه رئيسا للأغلبية الداعمة فقط.
وحتى يتضح هذا الكلام أكثر، فلابد من التفريق بين صفتين رئاسيتين للرئيس محمد ولد عبد العزيز شفاه الله.
فهناك محمد ولد عبد العزيز رئيس الدولة، وهذا لا تستطيع الأغلبية لوحدها أن تحدد مصير حكمه، وإنما هناك أربعة أطراف تتحكم عمليا أو افتراضيا في تحديد ذلك المصير، وهذه الأطراف هي:

1ـ الأغلبية الداعمة ويمكن أن نَعُدَّ قيادات المجلس الأعلى للأمن، ويؤسفني أن قول ذلك، على رأس هذه الأغلبية الداعمة.

2ـ منسقية المعارضة والتي كانت ترفع شعار الرحيل من قبل رصاصات السبت، والتي باتت تشعر الآن بأنها أصبحت قريبة جدا من تحقيق شعارها. ولعل مشكلة المعارضة الكبرى هي أنها لم تستطع ـ حتى الآن ـ  أن تقنع الشعب الموريتاني بأن التغيير الذي تنشده ليس مجرد تغيير أشخاص فقط، وإنما هو تغيير أسلوب حكم، فالكثير من الموريتانيين لا يزال مقتنعا بأن المعارضة بشقيها ما هي إلا نسخة غير مصححة من الأغلبية الداعمة.

3 ـ المعاهدة والتي تتلمس طريقا وسطا بين المعارضة المقاطعة والأغلبية الداعمة، وهي تحاول أن تجذب الأغلبية الداعمة والمعارضة المقاطعة إلى حلولها الوسط. ويمكن القول بأن المعاهدة لم تستغل الفرص التي أتيحت لها سابقا، ولم تستغل كذلك الفرص المتاحة لها الآن، وربما يعود ذلك بالأساس إلى مزاج الرئيس مسعود، وإلى عدم تقديره للمكانة التي يحتلها. وقد ظهر سوء التقدير ذلك في مؤتمره الصحفي الذي نظمه بعد مكالمته مع الرئيس، وظهر أيضا ـ وإن كان بدرجة أخف ـ خلال افتتاحه للدورة البرلمانية، والتي كان خطابه فيها أكثر توازنا وأكثر نضجا وحيادا.
وكان يمكن لهذه المعاهدة أن تستقطب كل "العقلاء" في هذا البلد الذين يسعون إلى تقديم تصورات للخروج من الأزمة، تصورات لا تقصي هذا الطرف ولا ذاك، لا تتجاهل أخطاء هذا ولا ذاك، لا تجحد إيجابيات هذا ولا إيجابيات ذاك، إن كانت له إيجابيات.
كان بإمكان هذه المعاهدة أن تستقطب الكثير من الشخصيات الوطنية "المستقلة"، والذين كان بإمكانهم أن يلعبوا دورا مساندا وداعما لها، لو أن المعاهدة لم تقرر أن تدخل معهم في صراعات "ناعمة" في ظاهرها، وخشنة في باطنها،  وغير سياسية في مجملها.
لقد استحوذت المعاهدة على  مبادرة "النداء من أجل الوطن" وقدمتها على أنها مبادرة خاصة بها بعد إجراء بعض التعديلات طبعا، وذلك من قبل أن تستحوذ منسقية المعارضة بدورها على مبادرة المعاهدة، وتجري عليها تعديلات، وتقدمها كمقترحات دعت الطبقة السياسية للتشاور عليها، وهو الشيء الذي أغضب بعض القيادات في التحالف الشعبي مما جعلهم يصرحون علنا بأن منسقية المعارضة سرقت مبادرة المعاهدة وصاغتها على شكل مقترحات. لقد كان من الأفضل أن تترك تلك الأفكار لأصحابها الأصليين، حتى نتجنب مثل هذا الصراع القائم بين المبادرة والمقترحات، أي بين المعاهدة والمنسقية والذي يكاد أن يرسم الخريطة السياسية بشكل لم يكن بالإمكان أن نتخيله، فهناك بوادر لتحالف بين المعاهدة والوزير الأول الذي كان قد همس في أذن مسعود وأخبره  بأن الرئيس عزيز قد وافق على مبادرته، بالإضافة إلى أصحاب بيان الخميس، وذلك في مقابل حلف آخر يضم المنسقية والحزب الحاكم الذي كان قد التقى بالمنسقية في اجتماع هو الأول من نوعه، وهو اجتماع أغضب الرئيس مسعود كما أغضب أيضا الوزير الأول.

4 ـ الحركات الشبابية خاصة منها حركة 25 فبراير، والتي تسعى جاهدة إلى إحداث تغيير سلمي وجذري يبعد العسكر نهائيا عن المشهد السياسي، وهذه الحركة لا تسعى إلى تحقيق أهداف خاصة بها، وإنما تسعى لتحقيق أهداف وطنية عامة.
والصراع بين هذه الأطراف الأربعة، إن ظلت أربعة، هو الذي سيحدد في النهاية الصيغة النهائية للبيان الأول للانقلاب الناعم على الرئيس المصاب بوصفه رئيسا للبلاد.
أما الانقلاب على الرئيس محمد ولد عبد العزيز بوصفه مجرد رئيس للأغلبية، فهو من "الشؤون الداخلية" التي تخص الأغلبية الداعمة لوحدها، وسيكون تنفيذ هذا الانقلاب هو الشغل الشاغل للأغلبية في الوقت الحالي، لأن من يسيطر على أغلبية الرئيس، أو يرثها، سيكون بإمكانه أن يسيطر، أو يرث، رئاسة الدولة بكاملها، إن سارت الأمور وفق أحلام الأغلبية الداعمة.
والصراع على تركة الرئيس قد أدى إلى انشقاق في صفوف الأغلبية، وقسمها ـ حتى الآن ـ إلى فسطاطين كبيرين، سيخوضان في الأيام القادمة صراعا كبيرا من أجل كسب قلوب وأفئدة أعضاء المجلس الأعلى للأمن. ولقد مهد الفسطاط الأول لبيانه المنتظر ببيان الأربعاء،  بينما مهد الفسطاط الثاني لذلك البيان المنتظر ببيان الخميس.

بيان الأربعاء
 أصدر الحزب الحاكم بيانا يوم الأربعاء 14-11-2012، خصصه لأحداث غزة، ويمكن أن نعد هذا البيان هو أول مسودة يمهد بها الحزب الحاكم لبيانه الأول المرتقب.
فهذا البيان لم يذكر إطلاقا الرئيس محمد ولد عبد العزيز ولو بشطر كلمة في 26 سطرا خصصها البيان للحديث عن "اغتيال الجعبري"، وعن التنديد بالهجوم الحالي على غزة. ومن اللافت أن الحزب الذي تعود منذ تأسيسه أن يذكر الرئيس محمد ولد عبد العزيز ـ بمناسبة أو بغير مناسبة ـ في كل بياناته بما فيها تلك البيانات التي كان من المفترض أن لا يذكره فيها إطلاقا، هذا الحزب قرر في بيانه هذا، وفي ظرف كهذا، وفي مقام كهذا، أن لا يتحدث عن الرئيس محمد ولد عبد العزيز. فكم هو مثير أن لا يتحدث الحزب الحاكم عن الرئيس محمد ولد عبد العزيز في بيان خُصص لمناصرة الفلسطينيين. فيا كتاب بيانات الحزب الحاكم أو ليس الرئيس عزيز هو من طرد السفير الصهيوني الذي لم يتجرأ ثلاثة من رؤساء موريتانيا على طرده؟ أو ليس الرئيس عزيز هو من أغلق الوكر الصهيوني في ظرفية زمنية لم تكن مريحة بالمرة؟
طبعا لم يعد الحزب الحاكم يهتم بالرئيس عزيز لذلك لم ينظم مسيرة أو وقفة منذ إصابته، وإنما اكتفى بإطلاق بعض الإشاعات والمواعيد المتغيرة عن قرب موعد قدوم الرئيس، وهي المواعيد التي أضرت الرئيس كثيرا.
وما يهم الحزب الحاكم في هذه الأيام هو أن يبدأ هدنة مع المعارضة المقاطعة، وقد أوصى مناضليه بأن لا ينتقدوها في أي مهرجان قادم، وذلك لكي يتفرغ للصراع مع أصحاب بيان الخميس، أما الرئيس والحديث عن إنجازاته فتلك أمور لم تعد من أولويات الحزب.

بيان الخميس
قررت مجموعة من خلائق الأغلبية الداعمة أن تعلن عن نفسها، من خلال نداء موجه إلى أصحاب الضمائر الوطنية، وهذه المجموعة يحسب أغلبها على التيار القومي، ويعد الكثير من أعضائها من رموز الأنظمة السابقة، وفيها بعض من رموز الفساد، على رأسهم من اتهم سابقا في واحدة من أكير عمليات الفساد في البلاد.
نظريا يمكن القول بأن هذه المجموعة هي التي كان يحاربها الرئيس محمد ولد عبد العزيز من خلال شعاراته المعلنة ( تجديد الطبقة السياسية، محاربة رموز الفساد). كما أن هذه المجموعة  لم تكن راضية عن بعض مواقف الرئيس خصوصا ما يتعلق منها بتطوير العلاقات مع إيران، أو بتسليم السنوسي، ...وهي أيضا تشعر بشيء من المرارة لأن من بينها من كان من أهم منظري انقلاب السادس من أغسطس، ومع ذلك فقد تم إقصاؤه هو وتياره من الواجهة السياسية الداعمة للرئيس أي الحزب الحاكم الذي سلمت قيادته لواحد من الإسلاميين، أي لواحد من الخصوم التقليديين للتيار القومي.
فلماذا قررت هذه المجموعة أن تعلن في مثل هذا الوقت بيانها الداعم للرئيس المصاب؟
في بعض الأحيان قد يكون توقيت إصدار بيان، أهم بكثير مما كُتب في ذلك البيان، وبيان الخميس هو من ذلك النوع من البيانات.
لقد قرأت بيان الخميس خمسا، ولكني لم أجد فيه ما يستحق التوقف سوى أن المجموعة أصرت على أن لا تشكر من الطبقة السياسية غير تلك الأحزاب الداعمة للرئيس، ويكفي ذلك التخصيص، في مثل هذا الوقت الذي يستدعي التعميم،  لمعرفة من المستهدف ببيان الخميس.
إن هذه المجموعة تسعى من خلال بيان الخميس لأن ترث أكبر نصيب من أغلبية الرئيس، وهي ستعلن قريبا التفافها حول الوزير الأول الذي أصبح يجاهر بنيته في الترشح للرئاسيات القادمة.
ومن الطريف جدا أن موقف هذه المجموعة التي عرفت بدعم الانقلابات والتغييرات الغير دستورية جاء هذه المرة ملتبسا، فقد حذرت هذه المجموعة في بيانها من أي تغييرات غير دستورية، كما أنها لم تشكر الجهات الأمنية إلا بعد شكر السلطات التنفيذية والتشريعية. وربما يكون سبب ذلك هو أن هذه المجموعة بدأت تشعر بأن المجلس الأعلى للأمن ربما أصبح أكثر انحيازا لخصومها في الأغلبية (الحزب الحاكم).
تصبحون وأنتم فطنون...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق