الاثنين، 27 أكتوبر 2025

في انتظار ميلاد جبهة وطنية ضد الفساد


يبدو أن موريتانيا تقف اليوم على أعتاب مرحلة قد تؤسس ـ إذا ما استُثمرت بذكاء ووعي ـ لحرب حقيقية ضد الفساد والمفسدين، بعد عقود طويلة ظل فيها هذا الداء ينخر جسد الدولة والمجتمع دون رادع فعلي.

بالفعل، هناك خطوات جريئة ومتسارعة اتخذت مؤخرًا يمكن استغلالها من طرف النخب المهتمة بمحاربة الفساد،  وجعلها منطلقا لتشكيل جبهة وطنية واسعة لمحاربة الفساد. أول هذه الخطوات كان نشر تقرير محكمة الحسابات للرأي العام، مباشرة بعد تسليمه لفخامة رئيس الجمهورية، وتمثلت الخطوة الثانية في إنهاء مهام عدد كبير من المسؤولين السامين في مجلس الوزراء الأخير، وهي خطوة غير مسبوقة من حيث عدد ومكانة الموظفين الذين تم إنهاء مهامهم، ثم جاءت الخطوة الثالثة، وهي إحالة ملف المشمولين في التقرير إلى القضاء، وهو ما يعطي الانطباع بالجدية، خاصة وأن ذلك سبقه خطاب لرئيس الجمهورية أكد من خلاله أنه لا تراجع عن محاربة الفساد.

خطوة استباقية

إن التجارب السابقة علمتنا أن كل خطوة في اتجاه محاربة الفساد  ستثير ردود فعل مضادة لدى بعض صناع الرأي العام، فشبكات المصالح لا تستسلم بسهولة، وتعمل دائما لإرباك اي خطوة في هذا الاتجاه، ووقوفا ضد أي محاولة من هذا النوع، جاءت مبادرة التعهد الشخصي العلني والموثق بعدم الدفاع أو التعاطف مع المشمولين في تقرير محكمة الحسابات، كخطوة استباقية ذكية لحماية تلك الإجراءات من حملات إعلامية مضادة، فكثيرون  ممن يرفعون شعار محاربة الفساد، لا يلبثون أن يتراجعوا إذا ما طال التحقيق قريبا أو صديقا أو شريكا في مصلحة ضيقة من أي نوع، فعندها يتبخر الشعار أمام العاطفة والمصلحة الضيقة. ومن هنا، جاء التعهد ليذكر كل موقع بأن الحرب على الفساد لا ينبغي أن تكون فيها استثناءات، وأن على من يطالب بمحاربة الفساد وتطبيق القانون أن يكون أول من يحترمه، إذا ما كان المستهدف قريبا أو شخصا تربطه به مصالح من أي نوع.

لقد نجحت هذه المبادرة نجاحا لافتا، إذ حظيت بعدد كبير من الموقعين، فيما كانت حالات الإخلال بالتعهد قليلة جدا بعد الإقالات.

وللتأكيد، فإننا في هذه المبادرة لا ندين أحدا، فالإدانة من اختصاص القضاء لوحده، وأكرر فأقول من اختصاص القضاء وحده، ومن ينادي بمحاربة الفساد عليه أن يكون هو الأشد حذرا  من الإساءة إلى سمعة أي شخص دون بينة، لكننا في المقابل نرفض تلميع المشمولين في التقرير قبل أن يقول القضاء كلمته.

بكلمة واحدة لا لإدانة المشمولين في الملف قبل أن يدينهم القضاء، ولا لتلميعهم إعلاميا والجزم ببراءتهم قبل أن يبرئهم القضاء.

خطوة حاسمة

أما الخطوة الحاسمة في التحضير لتشكيل هذه الجبهة، فقد تمثلت في تنظيم يومين مفتوحين حول مخاطر الفساد وآثاره على المجتمع والدولة. شكَّل هذان اليومان حدثا غير مسبوق من حيث التنوع والمشاركة والجرأة في الطرح، حيث استقطبا عددا كبيرًا من المهتمين بالشأن العام، وغطت النقاشات أكثر من 13 ساعة، وتم توثيق نحو 90 مداخلة بالصوت والصورة، لتشكل بذلك أكبر عملية عصف ذهني موثق حول الفساد وآليات محاربته في موريتانيا.

ورغم ضغط الوقت وصعوبة الإعداد، وضيق ذات اليد التي حالت دون التكفل بتوفير غداء أو استراحة شاي على الأقل للمشاركين، فقد كان الحرص على تنظيم اليومين المفتوحين في أسبوع واحد جزءا من رؤية واضحة تهدف إلى ملء الفراغ الإعلامي والسياسي قبل أن تملأه الأصوات المربكة والمشككة. وكانت المجازفة كبيرة ببث مباشر طويل ومفتوح، يسمح لكل مشارك أن يعبر عن رأيه بحرية تامة، وهو ما كان يمكن أن يُستغل لإفشال النشاط أو تشويهه. لكن النتيجة كانت - بفضل الله وتوفيقه - عكس ذلك تماما؛ فقد أثبت المشاركون قدرا عاليا من المسؤولية، ودار الحوار في أجواء ناضجة رغم التباينات الكبيرة في وجهات النظر.

و خلال اليومين المفتوحين، أجمع المشاركون على ضرورة تشكيل حلف أو جبهة وطنية واسعة لمحاربة الفساد، تكون بمثابة المظلة الجامعة لكل الجهود الفردية والجماعية المناهضة للفساد. وتم بالفعل تشكيل لجنة من أحد عشر عضوا من بين المشاركين، عقدت اجتماعها الأول مساء الأحد 26 أكتوبر 2025، وبدأت بالفعل في وضع اللبنات الأولى لتأسيس أكبر تحالف وطني لمحاربة الفساد في تاريخ البلاد.

إن أهمية هذه الجبهة تكمن في أنها ستقف في وجه جهتين تشكلان خطرا حقيقيا عل محاربة الفساد:

الجهة الأولى داخل الأغلبية، فمن الأغلبية من قد لا يكون متحمسا أصلا لهذه الحرب، ومنها من قد يسعى إلى تمييع المؤازرة الشعبية لها، وذلك من خلال إطلاق مبادرات قد يتصدرها مفسدون، مما يحوِّل واجهة الحراك ضد الفساد إلى واجهة تنفر أكثر مما تستقطب. أما الجهة الثانية فهي في صفوف المعارضة، وقد تحاول بخطاب عدمي تفريغ الخطوات المتخذة من مضمونها، وستعتبر  تلك الخطوات مجرد تصفية حسابات من أجل تبديل موظفين بآخرين، وهذا خطاب لا يخدم في مضمونه إلا المشمولين في الملف.

وإلى جانب هذا الدور المهم، فإن الجبهة المنتظرة ستعمل أيضا على حشد الطاقات الوطنية الجادة في محاربة الفساد من مختلف الفئات والاتجاهات والتخندقات، وجمعها تحت مظلة واحدة تناصر كل خطوة جادة في هذا الاتجاه، وتضغط باتجاه اتخاذ المزيد من الإجراءات الجريئة. 

نحو مرحلة جديدة

إن ما يجري اليوم يمكن اعتباره لحظة اختبار حقيقية لإرادة الدولة والمجتمع معا. فالحكومة أظهرت استعدادا واضحا لاتخاذ قرارات جريئة، والمجتمع المدني بدأ يتحرك لحماية هذا المسار ودعمه، وإذا ما التقت الإرادتان، الرسمية والشعبية، في اتجاه واحد، فإننا قد نشهد انطلاق حرب حقيقية على الفساد تضع حدا لثقافة الإفلات من العقاب، وتؤسس لعهد جديد تُحترم فيه القوانين، ويحمى فيه المال العام من النهب، وتُصان فيه المصلحة العامة.

الأحد، 26 أكتوبر 2025

نحو حلف وطني واسع لمحاربة الفساد


نظّم الموقعون على "التعهد الشخصي لمحاربة الفساد" اليومَ التوعوي الثاني حول خطورة الفساد وآثاره المدمرة على المجتمع والدولة، وذلك بمشاركة واسعة من خبراء ومنتخبين وحقوقيين وإعلاميبن وفاعلين في المجتمع المدني.

افتُتحت الجلسة الصباحية بمداخلتين رئيسيتين لكل من الوزيرين السابقين والخبيرين إسلم ولد محمد ومحمد العابد؛ حيث تناول الوزير إسلمُ في مداخلته المعنونة "أدوات محاربة الفساد" أهمية إصلاح الإدارة، وتفعيل القوانين، وتعزيز أداء أجهزة الرقابة، ولا سيما البرلمان باعتباره أهم أداة رقابية في مكافحة الفساد.

أما الوزير  محمد العابد، فتحدث في مداخلته عن التأثير السلبي للفساد على التنمية من خلال أربعة محاور أساسية: ضعف أداء المرفق العمومي نتيجة إسناد المسؤوليات إلى غير الأكفاء، وهدر موارد الدولة وتوجيهها خارج أولويات التنمية، والعجز عن تحصيل الموارد، ثم التواطؤ بين المسؤولين والموردين في المؤسسات العمومية.

وشهدت الجلسة الصباحية مداخلات متعددة أثرت النقاش، إضافة إلى قراءة بيان وقعته نحو خمسين منظمة غير حكومية أكدت التزامها بالانخراط الفاعل في محاربة الفساد.

أما الجلسة المسائية فقد تميزت بتنوع المداخلات، حيث قدَّم الدكتور الشيخ ولد الزين مداخلة شرعية، والمحامي محمذن اللود السفاح مداخلة قانونية، والكاتب الصحفي البشير عبد الرزاق مداخلة عامة حول الفساد، كما شاركت خديجة علوش من منتدى شبابي للتوعية حول مخاطر  الفساد بمداخلة عن دور الشباب في  محاربة الفساد، وقدَّم حامد سيد الأمين (كاشف الفساد) وهو ناشط في مواقع التواصل الاجتماعي مداخلة حول دور نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في كشف الفساد.

وفي ختام اليوم، أعلن المشاركون عن تشكيل لجنة تضم 11عضوا تم تكليفها بإعداد تصور متكامل لتأسيس حلف وطني واسع لمحاربة الفساد في أسرع وقت ممكن، وذلك تنفيذا لأهم توصية صدرت عن المشاركين وكانت محل إجماع خلال اليومين المفتوحين اللذين كانت حصيلتهما 13 ساعة نقاش أفرزت ما يقارب 90 مداخلة موثقة بالصوت والصورة.

نواكشوط: 26 أكتوبر 2025

المنظمون.

#معا_لمحاربة_الفساد



الخميس، 23 أكتوبر 2025

بيان من 35 منظمة غير حكومية


تتابع منظمات المجتمع المدني الموقعة أدناه باهتمام بالغ وتقدير عميق الإجراءات الحازمة التي اتُّخذت مؤخرا بناءً على مضامين تقرير محكمة الحسابات، والتي تمثل خطوة نوعية في مسار ترسيخ مبادئ الشفافية والنزاهة وحماية المال العام.

وهذه المنظمات إذ تُثمن عزم فخامة رئيس الجمهورية على مواجهة الفساد بجدية وشجاعة، وإعطاء هذا الملف ما يستحق من أولوية واهتمام، فإنها تؤكد على ما يلي:

1. توجيه خالص الشكر والتقدير لفخامة رئيس الجمهورية على القرارات والإجراءات الجريئة المتخذة مؤخرًا في إطار محاربة الفساد؛

2. التأكيد على ضرورة تكاتف جهود الجميع من أجل خلق بيئة مجتمعية مناهضة للفساد، دعما للجهود الحكومية في هذا المجال؛

3. الدعوة لمواصلة الحرب على الفساد دون هوادة، باعتبارها حربا حتمية لابد من خوضها بحزم، فلا تنمية ولا إصلاحَ دون حرب مستمرة طويلة النفس على الفساد؛

4. المطالبة بتعزيز قدرات محكمة الحسابات ومنحها الموارد البشرية والمالية اللازمة التي تمكنها من توسيع مجال رقابتها، وإصدار تقاريرها بشكل منتظم كل سنة؛

5. التشديد على ضرورة وضع معايير دقيقة وصارمة في التعيين في المناصب السامية والحساسة، لضمان تولي الأكفأ والأكثر نزاهة وكفاءة لتلك المناصب والمسؤوليات، مما سيحد من تكرار التجاوزات والأخطاء التسييرية التي كبَّدت الدولة خسائر  مالية فادحة.

كما تؤكد هذه المنظمات على أن محاربة الفساد بقدر ما تحتاج لإرادة سياسية قوية، فإنها تحتاج أيضا - وبنفس درجة الإلحاح - إلى ظهير شعبي متماسك، وتقع مسؤولية خلق ذلك الظهير على النخب المهتمة بمحاربة الفساد، وهو ما يستوجب من تلك النخب التحرك الفوري لخلق ظهير شعبي متماسك داعم للحرب على الفساد.

نواكشوط، 22 أكتوبر 2025

الموقعون:

1- منتدى 24-29 للرقابة الشعبية على الأداء الحكومي 

2 - أئمة ضد الفساد 

3- الجمعية الموريتانية لتغيير العقليات 

4 - المنظمة الموريتانية للمساعدة و التضامن الاجتماعى و دعم حماية البيئة (OMASSAPE )

5- منظمة أطر وكفاءات من أجل التنمية

6 - الجمعية الموريتانية للتنمية والبحث والمتابعة

7- منظمة المرصاد لمحاربة الفساد

8 - جمعية تمكين للتنمية

9- منظمة طموح وٱمال الحقوقية 

10- جمعية أخلاف النواب الموريتانيين

11- منظمة بوابة الشمس ألعالمية الخيرية

12- جمعية من باب إلى باب

13- جمعية ADIG

14- منظمة ٱفاق للبيئة والموارد الاساسية

15 - التجمع الموريتاني للعمل الاجتماعي 

16- جمعية العمل لعلاج مرضى القلب

17 - منظمة أمل لمكافحة التصحر والامية 

18 - جمعية التنمية الشاملة

19- الجمعية الموريتانية للتنمية القاعدية

20- جمعية العمل من أجل المعوقين

21- الجمعية الموريتانية للتوعية الصحية وسلامة البيئة

22- جمعية التنمية وحقوق الإنسان 

23- جمعية البناء والتطوير والتثقيف المدني

24- منظمة الدفاع عن حقوق ذوى الاعاقة والامراض النفسية والصحة

25 - منظمة حماية للبيئة والحيوانات السائبة

26- جمعية التنمية وحقوق الإنسان 

27- جمعية الصدق للتنمية والصحة وحماية التراث والبيئة

28- منظمة انبط للتنمية الشاملة

الجمعية الموريتانية للتنمية الجماعية

29 - جمعية التنمية الجماعية والصحة وحق التداوي

30- المنظمة الموريتانية للتنمية المساعدة

31- جمعية التوفيق للعمل والتنمية

32- الاتحاد من أجل التنمية والحكم الرشيد

33- منظمة شنقيط للثقافة والتربية والأعمال الخيرية

34 - الجمعية الموريتانية للتوعية الصحية ومكافحة التسرب المدرسي

35 - منظمة العمل من أجل الوحدة الوطنية.

يوم توعوي مفتوح حول خطورة الفساد وأضراره على المجتمع والدولة


في إطار التفاعل الواسع مع "التعهد الشخصي لمحاربة الفساد" نظمت مجموعة من الموقعين على هذا التعهد يوما توعويا مفتوحا حول مخاطر الفساد وأضراره على المجتمع والدولة.

وقد شاركت في هذا اليوم التوعوي نخبة من الشخصيات الوطنية من مختلف الاهتمامات والاتجاهات الفكرية والسياسية، واستمر النقاش لأكثر من 7 ساعات وزادت المداخلات على 50 مداخلة.

وغطت المداخلات أربعة محاور رئيسية:

1. مخاطر الفساد على تنمية واستقرار البلد؛

2. أضرار الفساد على الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي؛

3. قراءة في تقرير محكمة الحسابات والإجراءات الحكومية المرتقبة؛

4. عصف ذهني حول فكرة تشكيل حلف وطني واسع لمحاربة الفساد.

وفي كلمة الافتتاح، أكد  الكاتب محمد الأمين الفاظل على أن مواجهة الفساد "ليست مسؤولية جهة بعينها، بل هي معركة وطنية جامعة لا يليق أن يتخلف عنها أي مواطن ينشد الإصلاح"، مشيرًا في كلمته إلى أن هذا اليوم يأتي في لحظة مفصلية عقب نشر تقرير محكمة الحسابات وما تلاه من تعهد حكومي باتخاذ إجراءات صارمة ضد المشمولين فيه.

وثمّن ولد الفاظل نشر التقرير بوصفه "خطوة شجاعة في مسار الشفافية والمساءلة"، داعيا الحكومة إلى أن تكون إجراءاتها "حازمة، عادلة، ورادعة"، حتى لا يتحول التقرير إلى مجرد وثيقة تُقرأ ثم تُنسى.

وأضاف أن هذا اليوم التوعوي يسعى إلى خلق إجماع وطني حول أهمية التقرير، وخلق رأي عام يطالب بمحاسبة كل من عبث بالمال العام، فضلا عن تأسيس حلف وطني واسع لمحاربة الفساد يضم علماء، وساسة، وصحفيين، ومدونين، ونشطاء مجتمع مدني.

وقد أجمع أغلب المتدخلين على خطورة الفساد، وضرورة اتخاذ خطوات سريعة لتشكيل حلف وطني واسع لمحاربة الفساد.

تنبيه: كل المداخلات في اليوم التوعوي المفتوح ستظهر على حسابي في فيسبوك.  



الخميس، 16 أكتوبر 2025

أيهما أولى بمحاربة الفساد: الموالي أم المعارض؟


تعودنا، نظاما بعد نظام، أن يكون المعارضون هم من يرفعون الصوت عاليا ضد الفساد، بينما يلتزم الموالون الصمت، إما لاعتقاد خاطئ بأن ذلك يحمي صورة النظام، أو مجاملة ودعما لمفسدين تربطهم بهم قرابة أو مصالح.

غير أن هذا التصور السائد يحتاج اليوم إلى مراجعة جادة، خاصة حين يكون النظام الذي ندعمه قد جعل من محاربة الفساد ركيزة أساسية في برنامجه الانتخابي، وتعهد بمحاربته في مختلف ولايات الوطن خلال الحملة الانتخابية الماضية.

لقد تعهد الرئيس محمد الشيخ الغزواني، خلال تلك الحملة، بالتزامات صريحة وقوية في مجال محاربة الفساد. ومن هنا فإن الموالي الصادق الذي صوّت لذلك البرنامج الانتخابي هو أولى من غيره بمحاربة الفساد، لأنه مسؤول أخلاقيا وسياسيا – بدرجة أو بأخرى – عن كل فساد يقع في هذه المأمورية، حتى وإن لم يشارك فيه مباشرة.

إن %56.2 من المصوّتين في الانتخابات الرئاسية الماضية أولى بمحاربة الفساد من الـ%44 المتبقية، لأن أي فساد يحدث في هذه المأمورية سيتحمل منه كل من صوَّت من تلك النسبة نصيبا ووزرا، وفي المقابل فهو سيكسب أجرا من كل جهد يُبذَل في محاربة الفساد، أو في أي إصلاح يتحقق بفضل النظام الذي انتخبه.

صحيح أن الفساد يضر بالجميع – معارضين وموالين ومستقلين – إلا أن ضرره على الموالي أشد وأخطر. فالمعارض، رغم تضرره كأي مواطن، إلا أنه ليس شريكا في ذلك الفساد، فهو لم ينتخب وفي الغالب لم يسير، وهو سيستفيد سياسيا من تفشي الفساد؛ فكلما انتشر الفساد في عهد نظام حاكم، ازدادت مصداقية المعارضة وشعبيتها، والعكس صحيح: كلما اشتدّت محاربة النظام للفساد، فقدت المعارضة إحدى أقوى أوراقها وأكثر شعاراتها جذبا. فلا شيء يُضعف المعارضة أكثر من نظام حاكم يحارب الفساد بشجاعة وقوة.

وفي المقابل، على الموالي الصادق، أن يدرك أن أي فساد يقع خلال هذه المأمورية يضرّ الشعب والدولة والرئيس ومشروعه الإصلاحي، وأنه لن يستطيع التنصل من مسؤولية المشاركة في ذلك الفساد مستقبلا، لأنه شريك في الاختيار، وشريك في النجاح والإخفاق على حد سواء.

وعليه أن يدرك كذلك أن الصمت عن الفساد ليس وفاءً للرئيس، بل خيانة له، وخيانة للشعب، وخيانة قبل ذلك لله ورسوله. فكل موظف يمارس فسادا من أي نوع يخون الرئيس الذي منحه الثقة، ويخون الشعب الذي يدفع له من ماله العام، ويخون قبل ذلك كله الله الذي حرَّم الفساد. ومثل هذا الموظف لا يستحق أي مجاملة ولا شفقة، لا من معارض صادق، ولا من موال مخلص، ولا من مستقل نزيه.

إن القلة التي تمارس الفساد اليوم، وتستفيد منه على الصعيد الشخصي الضيق، لا تضر الرئيس وحده، بل تضر كل داعميه المخلصين. وتضر كذلك الوطن بأكمله.

لقد آن الأوان لأن يدرك الموالون الصادقون أن محاربة الفساد هي أصدق مظاهر الولاء للرئيس، وأن الدفاع عن المفسدين هو أبشع خيانة له. فالرئيس الذي تعهد بمحاربة الفساد يحتاج اليوم إلى من يسانده بصدق وشجاعة، لا إلى من يبرر الخطأ، ويغطي على الخلل، ويسكت عن الفساد.

 تنبيه:

لا يُقصد من هذا المقال التقليل من الدور المنتظر من المعارضة في محاربة الفساد، وإنما يقصد به لفت الانتباه إلى الدور الأخلاقي والسياسي الذي يجب أن يضطلع به الموالي الصادق في هذا المجال، إن كان قد صوَّت للرئيس اقتناعا ببرنامجه الإصلاحي، لا طمعا في مصلحة خاصة يسعى لتحقيقها من خلال الفساد والتواطؤ مع المفسدين.

حفظ الله موريتانيا...


الأربعاء، 15 أكتوبر 2025

مجرمون خارج السجن!


طالعتُ في وقت متزامن خبرين يستحق تزامنهما التوقف والتأمل. الخبر الأول يتعلق بإطلاق سراح لصٍّ أُلقي القبض عليه الساعة الرابعة فجرا، بعد محاولته السرقة والاعتداء بالسلاح الأبيض. وقد تمكن الضحية المستهدف (الشاب أحمد محمد غدة) رغم إصابته بجرح في يده، من السيطرة على اللص، وتسليمه للجهات الأمنية. لكن المفاجأة الصادمة كانت في إطلاق سراح اللص بعد وقت وجيز، ودون عقاب!

أما الخبر الثاني فيتعلق بجريمة هزت العاصمة نواكشوط يوم الجمعة الماضي، حين اقتحمت عصابة من المجرمين منزل أسرة جاءت للعاصمة لعلاج ابنها، فاستولت على ما في المنزل من مال وهواتف، ولم تكتف بذلك، بل حاول أحد أفرادها الاعتداء على شرف إحدى الفتيات، فما كان من الأب السبعيني إلا أن دافع عن شرف ابنته، فطعنه المجرم بسكين وأرداه قتيلا.

تدخل الجيران وأمسكوا بأحد الجناة، قبل أن يُلقى القبض على بقية أفراد العصابة، والراجح أنهم من أصحاب السوابق.

هذا التزامن أعاد إلى ذهني موضوعا بالغ الخطورة لم ينل بعدُ ما يستحق من نقاش، كنت قد تناولته في عدة مقالات خلال السنوات الماضية. من بينها مقال نشرته يوم 16 سبتمبر 2020 بعد جريمة اغتصاب وقتل الفتاة لميمة على شارع المقاومة، وكان عنوانه: "مجرمون وقتلة خارج السجن.. إلى متى ستستمر هذه الظاهرة؟"

تداول الناس آنذاك أن مرتكبي تلك الجريمة من أصحاب السوابق الذين سبق أن أوقفوا وأحيلوا إلى القضاء قبل سنتين، وصدر بحقهم حكم بالسجن لثماني سنوات.

ولم تكن تلك الحادثة الوحيدة التي ارتكبها مجرمون يُفترض أن يكونوا داخل السجن، فثمة حالات أخرى وثقتها في مقالات منشورة بمدونتي الشخصية "تصبحون على وطن".

من أبرز تلك الجرائم البشعة جريمة اغتصاب وقتل الطفلة زينب في أواخر عام 2014 بمقاطعة عرفات، حيث تعرضت للاغتصاب وهي في طريقها إلى المحظرة، ثم أُحرِق جسدها من طرف أصحاب سوابق كانوا معروفين في الحي.

وفي نهاية عام 2015، شهد السوق المركزي بالعاصمة جريمة قتل السيدة خدوج، على يد مجرم كان سجله حافلا بعمليات السطو والحرابة وتعاطي المخدرات. وقد أُفرج عنه بعد شهر واحد فقط من ارتكابه لجريمة أحالته بموجبها مفوضية السبخة رقم 2 إلى العدالة بمحضر متكامل يثبت تورطه في جرائم عدة!

إن أي بحث سريع في الجرائم المروّعة التي هزت العاصمة خلال السنوات الأخيرة، سيكشف أن نسبة معتبرة منها ارتكبها أصحاب سوابق كان يُفترض أن يكون بعضهم خلف القضبان ساعة وقوع الجريمة.

فمن المسؤول عن إطلاق سراح هؤلاء المجرمين؟

ومن الذي مكَّنهم من العودة إلى الشوارع ليحصدوا أرواح الأبرياء؟

حين يُلقى القبض على لصٍّ متلبس بجريمة اعتداء وسرقة، ثم يُفرج عنه في اليوم التالي، فإن السؤال الحقيقي لا يتعلق بالجريمة الموالية، بل بمن سمح بتكرارها!

فهل الخلل في التحقيق؟ أم في القضاء؟ أم في آليات تنفيذ الأحكام؟

وهل هناك ثغرات قانونية تُتيح لهؤلاء المجرمين الإفلات من العقاب؟

أسئلة مشروعة لا أملك إجابات قاطعة عليها، لكنها أسئلة تستحق أن تُطرح بجدية، كلما وقعت جريمة كان منفذها مجرما من أصحاب السوابق.

إن من يتتبع الجرائم الخطيرة في السنوات الأخيرة سيلاحظ قاسما مشتركا بين أغلبها. فمعظم مرتكبي تلك الجرائم هم من الشباب أو القُصَّر المتسربين من المدارس أو الذين لم يدرسوا أصلا، ويتعاطون المخدرات.

وهذا يعني أننا أمام ثلاث مؤسسات فاشلة:

أسرة فشلت في التربية، ومدرسة فشلت في التعليم، ومجتمع بأسره فشل في التحصين والتوجيه، بعلمائه ووعَّاظه وصحافته وجمعياته.

وللتذكير، فقد شهدت العاصمة نواكشوط في منتصف العام 2021 سلسلة جرائم متزامنة كان أغلب مرتكبيها من أصحاب السوابق، من بينها الجريمة المروِّعة التي راح ضحيتها الأستاذ أحمد سالم التاه رحمه الله.

وعقب تلك السلسلة من الجرائم، نظمت جمعية خطوة للتنمية الذاتية يوم السبت 10 يوليو 2021 جلسة نقاشية عن الجريمة وأسباب تفشيها، شارك فيها وزير عدل سابق، ومدير أمن سابق (مدير مساعد)، وخبير في الأدلة الجنائية، وعدد من الأساتذة والباحثين في علم الاجتماع.

وخلص المشاركون إلى حزمة من التوصيات الهامة، من أبرزها:


1. إشراك المواطن في حفظ الأمن عبر آلية مجتمعية فعالة؛

2. فرض إلزامية التعليم والتكفل بأبناء الأسر محدودة الدخل؛

3. إنشاء مراكز لعلاج الإدمان؛

4. تأسيس حاضنات ثقافية ورياضية للشباب؛

5. التصدي الجاد للغبن والتهميش ومظاهر غياب العدالة؛

6. تعزيز التوعية والتحسيس ضد الجريمة بمشاركة النخب؛

7. تحيين الترسانة القانونية وتطوير قدرات القضاة وأعوانهم؛

8. تفعيل المؤسسات الإصلاحية لإدماج الشباب ذوي السوابق؛

9. فرض الخدمة المدنية والتجنيد الإجباري؛

10. إنشاء مرصد وطني للجريمة وتحسين آليات الإحصاء؛

11. مراقبة الحدود ومراجعة نظام الدخول دون تأشيرة؛

12. إنشاء شرطة الجوار؛

13. تعزيز قدرات الأجهزة الأمنية وتشجيع التخصص؛

14. إنشاء معهد للطب الشرعي والأدلة الجنائية؛

15. وقف تعطيل الأحكام القضائية والصرامة في تنفيذها؛

16. إشراك مراكز البحث في إعداد السياسات الاستشرافية.

واليوم، أعيد نشر هذه التوصيات، مع تجديد الدعوة لتنفيذ ما لم يُنفذ منها بعد.

حفظ الله موريتانيا...

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2025

هل سيخرج المفسدون من تقرير محكمة الحسابات سالمين غانمين؟


قبل أيام كتبتُ هذا المنشور:

 "كان من المهم أن تنظم محكمة الحسابات مؤتمرا صحفيا بعد إصدار تقريرها، فتوضح للرأي العام ما كان من أخطاء في التسيير، وما كان من شبهات فساد. 

عموما، من الضروري اتخاذ إجراءات صارمة ضد من شملهم التقرير، من خلال عقوبات إدارية بحق من أخطأ، وإحالات قضائية ضد من تحوم حوله شبهات فساد." انتهى المنشور...

ما زال هذا هو رأيي، ولم يتغير حتى الآن، ومع ذلك، هناك إيضاحات لابد من تقديمها تعليقا على النقاش الذي أثاره صدور التقرير ونشره، وكذلك تعليقا على المؤتمر الصحفي أو النقطة الصحفية التي نظمها رئيس محكمة الحسابات، والتي زادت من حدة النقاش وأثارت من الأسئلة أكثر مما أجابت عليه.

1. غياب التواصل الأولي:

إن عدم تنظيم نقطة صحفية عند صدور التقرير سمح لقراءات سريعة وغير دقيقة بالهيمنة على المشهد الإعلامي، فبالغت تلك القراءات في تضخيم الأرقام وحجم الفساد الوارد فيه، فأوصلتها  إلى أكثر من 400 مليار أوقية! هذا رقم يفوق ميزانية المؤسسات التي شملها التفتيش، ويضاعف عشر مرات حجم "فساد العشرية"، أي أننا ـ وفق تلك القراءات ـ أمام فساد يعادل فساد عَشْر عشريات!

2. الردّ المبالغ فيه:

ربما كانت تلك القراءة التضخيمية هي ما دفع برئيس محكمة الحسابات إلى الخروج الإعلامي مساء أمس، ليقدم قراءة مناقضة لها تماما، فبالغ هو الآخر في الاتجاه المعاكس، حين أكد أن كل ما ورد في التقرير مجرد "أخطاء تسيير" لا أكثر، وأن التقرير لا يتضمن أي فساد. وهكذا انتقلنا في طرفة عين من المبالغة في الإدانة إلى المبالغة في التبرئة!

3. الواقع يغني عن التقارير:

المواطن الموريتاني اليوم لا يحتاج إلى تقرير من محكمة الحسابات أو غيرها ليقتنع بوجود الفساد. فهو يراه ماثلا أمامه في سوء الخدمات العمومية من ماء وكهرباء وتعليم وصحة... وهذه المظاهر وحدها كافية لإثبات أن هناك خللا عميقا في تسيير موارد البلد.

4. غياب المتابعة والمساءلة:

ما يقلق المواطن أكثر هو غياب المحاسبة. والتقرير الأخير لم يتضمن أي إشارة إلى الإجراءات المتخذة بشأن التقرير السابق الذي غطى سنوات 2019 و2020 و2021. هذا الغياب هو أقوى ثغرة في التقرير الحالي، وهو يعزز  من مخاوف الإفلات من العقاب.

إن هناك خوفا كبيرا من أن ينجو المفسدون في التقرير الحالي أو المخطئون في التسيير إذا شئتم من العقاب، كما  نجا سلفهم في التقرير السابق، وقد زادت تصريحات رئيس المحكمة التي نفت وجود أي فساد في التقرير الحالي من تلك المخاوف.

5. قوة الانطباع الأول:

ما فات رئيس المحكمة هو أن الانطباعات الأولى التي تنتشر لدى الرأي العام تتحول سريعا إلى "حقائق" يصعب تصحيحها حتى وإن كانت مغلوطة. لذلك فإن تأخر تواصل محكمة الحسابات مع الرأي العام كان خطأ جسيما لم يعد بالإمكان تدارك أضراره الآن.

6. التباين الحاد في القراءات:

بين قراءة تضخِّم الأرقام وتوصلها إلى مئات المليارات، وقراءة تنفي وجود فساد مطلقا، تبدو الحاجة ماسة إلى قراءة مهنية محايدة. ومن بين كل التحليلات المنشورة، لم أجد قراءة أقرب إلى المهنية من تلك التي قدمها الخبير المحاسبي مولاي كواد، وهو مفتش دولة مساعد سابق.

7. قراءة الخبير مولاي كواد:

قدّر الخبير في مقال نشره من جزأين، أن التقرير يتضمن:

60% أخطاء تسيير؛

23% ناتجة عن هشاشة النظم وضعف الكفاءة الإدارية؛

17% تمثل شبهات فساد أو أفعالا يمكن أن تفضي إلى جرائم بعد التحقيق.

8. دعوة لجلسة نقاشية:

بعد اطلاعي على ما نشره الخبير المحاسبي، تواصلت معه ودعوته إلى ندوة نقاشية كنت أنوي تنظيمها لتقديم قراءة موضوعية واحترافية تُخرجنا من القراءتين المتناقضتين: تلك التي تُضخِِّم الفساد في التقرير، وتلك تُنكره كليا. لكنه للأسف خارج البلد حاليا، مما سيؤجل عقد الجلسة النقاشية.

9. ما العمل الآن؟

نحن بحاجة إلى موقف متوازن، ورأي عام وطني متماسك  يطالب بـ:

- إحالة الملفات المشبوهة (17%) إلى القضاء بعد تعميق التحقيق؛

- اتخاذ عقوبات إدارية صارمة ضد المسؤولين عن الأخطاء التسييرية (60%)، لأن سوء التسيير ـ حتى دون نية إجرامية ـ يبدد أموال الشعب ويكشف ضعف الأهلية الإدارية؛

- إصلاح إداري شامل لتفادي الأخطاء البنيوية (23%) الناتجة عن هشاشة النظم.

10. نقطة وحيدة تحسب لرئيس المحكمة:

ربما النقطة الوحيدة التي كسبها رئيس المحكمة في مؤتمره الصحفي هي دفاعه عن نفسه، وذلك عندما تحدّى الجميع أن يأتوه لا بملف فساد، بل حتى بخطأ تسييري واحد ارتكبه خلال مساره المهني.

ختاما،

أعلم أن هذا المقال لن يرضي أيا من الطرفين: لا من يبالغون في تقدير حجم الفساد في التقرير ، ولا من ينفون وجوده كليا فيه، وأتوقع أن أتلقى سهام النقد من كليهما. ومع ذلك، تبقى هذه قناعتي، وسأتمسك بها حتى يثبت لي أحد الطرفين عكسها، ولا أظن أن فيهما من يستطيع إثبات ذلك.

ما يقلقني حقا هو بوادر معركة غبية تلوح في الأفق بين الرأي العام الوطني وأجهزة الرقابة. وإذا ما اندلعت هذه المعركة، فإن الخاسر الأول سيكون من يحارب الفساد، بينما سيخرج المفسدون سالمين غانمين، ولسان حالهم يقول اللهم اضرب بعضهم ببعض ( الراي العام والأجهزة الرقابية)، واخرجنا من معاركهم العبثية سالمين غانمين.

قلتُها سابقا وأكررها الآن:

 الفساد ليس خصما ضعيفا، ولن ننتصر عليه إلا بتشكيل حلف وطني واسع لا تقوده غوغاء مواقع التواصل، ولا من ترده اللقمة أو اللقمتان، ولا من يجامل المفسدين، مهما علت مناصبهم أو رُتَبهم.

المقلق أكثر هو أني لا أرى بوادر تلوح في الأفق لتأسيس ذلك الحلف.

حفظ الله موريتانيا...

السبت، 11 أكتوبر 2025

رسالة مفتوحة إلى النخب الصالحة والجادة


وجهنا يوم أمس رسالة مفتوحة إلى فخامة رئيس الجمهورية، انطلاقا من قناعتنا الراسخة بأن الشرط الأول لمحاربة الفساد هو وجود إرادة سياسية عليا تتبنى هذه الحرب بجدية. واليوم، نوجه رسالة ثانية إلى النخب الصالحة والجادة في هذا البلد، إيمانا منا بأن الشرط الثاني لمحاربة الفساد هو وجود ذراع شعبي قوي يساند هذه الحرب، ولا يمكن لهذا الذراع أن يتشكل دون نخبة واعية قادرة على تعبئته وتوجيه بوصلته إلى الاتجاه الصحيح.

ماذا يحدث عندما يُفتح ملف فساد؟

سؤال يستحق الطرح الآن. فعند فتح أي ملف فساد، تتحرك عادة ثلاث جهات، بوعي أو بغير وعي، ولأسباب ودوافع مختلفة، بهدف إرباك من بادر بفتحه. وإذا لم تعارض هذه الجهات فتح ذلك الملف، فإنها على الأقل لا تبدي حماسا لفتحه، ولا تقدم أي دعم لمن فتحه.

هذه الجهات الثلاث هي:

الجهة الأولى: وهي طائفة من الأغلبية المتنفذة داخل النظام الحاكم، تمارس الفساد وتدرك أن أي حرب جدية ضده ستضر بمصالحها. لذلك، فإنها تعمل على إرباك أي محاولة لمحاربته، أو على الأقل كبت الحماس داخل الأغلبية لدعم تلك المحاولة. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الصمت الحالي للأحزاب والمبادرات السياسية الداعمة للرئيس، والتي اعتادت إصدار بيانات التأييد، لكنها لم تعلن حتى الآن أي دعم لتقرير محكمة الحسابات، ولم تطالب بمحاسبة من وردت أسماؤهم فيه.

الجهة الثانية: وهي طائفة من المعارضة، لا تمارس الفساد، لكنها لا تتحمس لمحاربته من قبل النظام، لأنها تعتبر شعار محاربة الفساد مصدرا للرصيد السياسي والإعلامي للمعارضة، وكلما تفشى الفساد، زادت شعبية المعارضة، وكلما حاربه النظام، تقلصت تلك الشعبية، ولذا، فإن بعض أطراف المعارضة تسارع إلى تصنيف أي ملف فساد يُفتح على أنه تصفية حسابات، وتلك حجة يستخدمها المفسد للدفاع عن نفسه، واعتبار ما يتعرض له مجرد تصفية حسابات سياسية.

الجهة الثالثة: وهي الجهة الاجتماعية التي ينتمي إليها المفسد، من قبيلة أو شريحة أو جهة، وهي  تسارع دائما في الدفاع عنه بحجة أنه ليس المفسد الوحيد في البلد، فلماذا يُحاسب وحده. دون المفسدين الآخرين من القبائل والشرائح الأخرى؟  كما أن لكل مفسد معلوم الفساد شبكة من الأقارب والأصدقاء وأصحاب المصالح الذين استفادوا من فساده، وهؤلاء يظلون يطالبون - بأعلى الأصوات - بمحاربة الفساد، إلى أن  يُفتح ملف فساد ضد قريب لهم أو شخص كان ينفق عليهم مما سرق، فإذا بهم ينقلبون 180 درجة. شعارهم: نعم لمحاربة الفساد، ولكن بشرط ألا يصل رصاصها لقريب أو لشخص ننتفع منه.

ورغم التناقض الظاهري بين هذه الجهات، فإنها تتوحد دائما ضد أي ملف فساد يُفتح، وبطبيعة الحال فلكل جهة  أسبابها ودوافعها الخاصة بها.

غياب الذراع الشعبي المنظم

في ظل هذا الواقع، يُطرح سؤال جوهري: هل توجد جهة موازية منظمة قادرة على توفير الدعم السياسي والإعلامي، وتمثل غالبية الشعب الموريتاني الطامح لمحاربة الفساد، عندما يُفتح ملف فساد؟

للأسف، لا توجد مثل هذه الجهة، وهذا الغياب الدائم  يكشف نقاط ضعف النخب الصالحة، والتي يمكن تلخيصها في:

1. الاستقالة من الشأن العام: حيث تكتفي النخب الصالحة بالتفرج، بينما تتحرك النخب الانتهازية والفاسدة بنشاط وحيوية لإفساد البلد.

2. الخمول وغياب المبادرة: فالنخب الصالحة فشلت في إطلاق مبادرات إصلاحية أو خلق عناوين سياسية أو جمعوية توحد الجهود في عمل هادف، بينما تنشط النخب الفاسدة في إطلاق مبادرات "ذات ضرر عام".

3. غياب العمل المشترك: من النادر أن يجتمع عدد من المواطنين الصالحين في عمل مشترك يهدف للصالح العام، وهم لا يجتمعون في عمل مشترك لأنهم ينتظرون دائما حصول تطابق تام في الرؤى، وهذا لن يتحقق.

من الواضح أن نقاط الضعف هذه تتجلى اليوم، بعد صدور تقرير محكمة الحسابات،  وذلك في وقت بدأت  تتحرك فيه الجهات الثلاث التي تحدثنا عنها سابقا للتشكيك في أهمية صدور تقرير محكمة الحسابات، بل وللدفاع عن الذين شملهم التقرير، بينما تغيب بشكل كامل أي جهة منظمة تدعم هذا التقرير وتطالب بإجراءات صارمة ضد من شملهم.

دعوة لخلق مساحة مشتركة

من الممكن جدا أن نخلق مساحة نضال مشتركة حول هذا الملف، يلتقي فيها المعارض الصادق، والموالي المخلص، والمستقل الناصح، وذلك بعد أن يتفق الجميع على نقطتين جوهريتين:

الأولى: الترحيب بصدور تقرير محكمة الحسابات ونشره للرأي العام، وهذه خطوة يجب أن يرحب بها الجميع، يرحب بها المعارض قبل المستقل والموالي.

الثانية: المطالبة باتخاذ إجراءات صارمة ضد كل من شمله هذا التقرير، فعدم القيام  بذلك سيحوِّل صدور التقرير ونشره إلى خطوة سلبية، تُكرِّس المزيد من الفساد بدلا من الحد منه.

إن النخب الصالحة والجادة من مختلف الاتجاهات والأطياف السياسية مدعوة اليوم إلى التحرك العاجل، لاستغلال صدور تقرير محكمة الحسابات، وجعله نقطة انطلاق حقيقية لحرب جدية على الفساد والمفسدين.

فهل ستستغل هذه النخب فرصة صدور تقرير محكمة الحسابات لتشكيل حلف وطني لمحاربة الفساد، كنا قد طالبنا به أكثر من مرة؟

تنبيه: قد نضطر لتأجيل المعركة ضد التفاهة إذا ما ظهرت بوادر تشكيل مثل هذا الحلف، فمحاربة الفساد يجب أن تبقى دائما أولوية الأولويات، وأن تعطى لها الأسبقية إذا ما ظهرت فرصة يمكن  أن تستغل، وفي اعتقادي أن الفرصة قائمة حاليا.

حفظ الله موريتانيا...

الجمعة، 10 أكتوبر 2025

رسالة مفتوحة إلى فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني


فخامة الرئيس،

إننا نحن الأعضاء المؤسسين لمنتدى 24-29 للرقابة الشعبية على الأداء الحكومي، الداعمين لمساركم الإصلاحي، والساعين بجدية لتنفيذ برنامجكم الانتخابي "طموحي للوطن"، لا سيما في جوانبه المتعلقة بمحاربة الفساد، وتمكين الشباب، وإصلاح الإدارة، نتوجه إليكم بهذه الرسالة المفتوحة لنؤكد مجددا دعمنا الكامل لجهودكم في الإصلاح، وخاصة ما يتعلق منها بمحاربة الفساد.

فخامة الرئيس،

لقد ورد في رسالة إعلان ترشحكم لمأمورية ثانية، المنشورة يوم الأربعاء 24 إبريل 2024، تعهدٌ واضح وصريح بمحاربة الفساد، حيث قلتم: "سنضرب بيد من حديد، ونواجه بكل قوة وصرامة كافة مسلكيات وممارسات الفساد والرشوة والتعدي على المال العام."

كما افتتحتم حملتكم الانتخابية في يوم 14 يونيو 2024 بجملة لا تزال تتردد في آذان كل داعم مخلص:  "لن يكون هناك مكان بيننا لمن يُصرُّ على مد يده للمال العام، كائنًا من كان، ولن يُراعى في ذلك أي اعتبار."  

وقد تكرر هذا الالتزام القوي بمحاربة الفساد في كل ولاية زرتموها خلال الحملة، مما جعله أبرز تعهد في برنامجكم الانتخابي. ثم جددتم التأكيد عليه في خطاب التنصيب بتاريخ 01 أغسطس 2024، بعد أن حُسمت الانتخابات، ولم تعودوا بحاجة إلى أصوات الناخبين، وهو ما يحمل دلالة قوية على صدق عزمكم في محاربة الفساد، وقد قلتم في خطاب التنصيب:  "الحرب على الفساد والرشوة وسوء التسيير حرب الجميع: حرب المنظومات الإدارية والقضائية، حرب أجهزة الرقابة والتفتيش، حرب النخبة من مثقفين وقادة رأي ومجتمع مدني وصحافة ومؤثرين اجتماعيين، ولا سبيل للنصر في هذه الحرب بنحو حاسم، إلا بتضافر جهود الجميع."

فخامة الرئيس،

لقد شهدنا مؤخرا أداء رئيس السلطة الوطنية لمحاربة الفساد للقسم، وهي الهيئة التي استحدثتموها في إطار جهودكم لمحاربة الفساد، كما تابعنا بعد ذلك تسلمكم لتقرير محكمة الحسابات الذي نُشر للرأي العام، وكشف عن تجاوزات خطيرة في قطاعات حيوية.

إن صدور هذا التقرير ونشره للرأي العام يمثل، في نظرنا، خطوة أولى يجب أن تتبعها إجراءات صارمة ضد كل من ثبت تورطه في تلك التجاوزات. ونحن، بمناسبة صدور هذا التقرير، وفي انتظار ما سيترتب عليه، ندعو كافة الداعمين المخلصين لمساركم الإصلاحي إلى الوقوف معكم في حربكم المعلنة على الفساد، ومساندتكم في كل إجراء يُتخذ ضد المتورطين في ملفات الفساد التي كشفها التقرير الأخير.

ونؤكد في هذا السياق على ما يلي:

1. أن الأغلبية هي التي صوتت على برنامجكم الانتخابي "طموحي للوطن"، وهي اليوم مطالبة بدعمكم في تنفيذه، خصوصا في جانبه المتعلق بمحاربة الفساد، فلا إصلاح ولا تنمية دون محاربة جدية للفساد.

2 . إن نجاحكم في تنفيذ هذا البرنامج هو نجاح لنا جميعا في الأغلبية الداعمة لكم، والإخفاق فيه ـ لا قدر الله ـ هو إخفاق لنا جميعا، علينا أن نتحمل مسؤوليته.

3. إن الفساد لا يُمارس من قبل المعارضة التي لا تتولى تسيير شؤون البلاد، بل من بعض الأطراف داخل الأغلبية، بحكم مسؤوليتها عن التسيير. ومن هنا، فإن مسؤولية المطالبة بمحاربته، ودعم جهودكم في هذا الاتجاه، تقع أولا على الأغلبية الصادقة والمخلصة في دعمها لكم.

4. نثمن نشر تقارير محكمة الحسابات في عهدكم، ونعتبرها خطوة إيجابية في مسار الشفافية، لكننا نؤكد أن هذه الخطوة قد تتحول إلى عامل سلبي إذا لم تُتبع بإجراءات عقابية ورادعة بحق المتورطين، فعدم اتخاذ تلك الإجراءات سيزيد من جرأة المفسدين على نهب المال العام، وسيضعف من ثقة المواطن في الهيئات الرقابية.

5. من المعروف أن تقارير محكمة الحسابات لا تشمل جميع القطاعات، ولا تصدر بشكل سنوي، مما يعني أنها تكشف فقط عن جزء يسير من حجم الفساد. وهو ما يستدعي التعامل معها بجدية وحزم، ليكون ذلك رادعا لمن تسوّل له نفسه التعدي على المال العام.

6. إن أمن البلد واستقراره أصبح مرهونا بمحاربة الفساد بشكل جدي، فالمفسد اليوم لا ينهب المال العام فقط، رغم خطورة ذلك، وإنما يُهدد أيضا وحدة المجتمع وتماسكه، ويغذي مشاعر الغضب واليأس لدى الفقراء والمهمشين، الذين يعجزون عن توفير حاجياتهم الأساسية، في وقت يشاهدون فيه مظاهر البذخ الفاحش والتبذير التي يقف وراءها في الغالب مفسدون، يشاهدونها، وهي تُعرض علنا - ودون حياء - على منصات التواصل الاجتماعي.

فخامة الرئيس،

إننا نضع هذه الرسالة بين أيديكم، تعبيرا عن دعمنا الصادق، واستعدادنا الكامل للوقوف إلى جانبكم في هذه الحرب المصيرية ضد الفساد، وأنتم هم من وصفها في خطاب التنصيب بالحرب المصيرية، ونحن عندما نصف حربا ما في أي بلد من البلدان بأنها حرب مصيرية، فذلك يعني أن مصير ذلك البلد سيكون مرتبطا بنتائج تلك الحرب.

وفقكم الله لما فيه خير البلاد والعباد.

نواكشوط: 10 أكتوبر 2025

اللجنة التأسيسية لمنتدى 24-29 للرقابة الشعبية على الأداء الحكومي.

الخميس، 9 أكتوبر 2025

هذا فسادٌ لن نسكت عنه!


بدءًا، لا بد من التأكيد على أن الفساد هو الفساد، لا يُقبل منه وجه ولا يُبرَّر في أي حال، فليس هناك فساد يجوز السكوت عنه وآخر لا يجوز السكوت عنه. ومع ذلك، فقد توجد ظروف استثنائية أو اعتبارات شخصية تجعلنا ـ أحيانا ـ نُميّز بين فساد وفساد، وهذا هو  بالضبط ما حصل  معي عند مطالعة تقرير محكمة الحسابات الصادر مؤخرا.

فثمة نوع من الفساد ورد في هذا التقرير لا يمكنني، أنا بالذات، أن أسكت عنه، وأعني بذلك الفساد المرتبط بتسيير الصندوق الخاص للتضامن الاجتماعي ومكافحة فيروس كورونا المعروف اختصارا بصندوق كورونا.

لا يمكنني السكوت عن هذا الفساد لثلاثة أسباب وجيهة:

أولها: أن هذا الصندوق أُعلن عنه في ظرفٍ استثنائي بلغت فيه القلوبُ الحناجرَ خوفا من جائحة كورونا، تلك الجائحة التي شلَّت الحركة في العالم كله، وأغلقت الحدود، وأرعبت حتى الدول العظمى، فكيف بالدول الفقيرة الضعيفة؟

الفساد جريمة في كل وقت، ولا يُقبل تحت أي ظرف، غير أن ارتكابه في أوقات الأزمات والأوبئة والخوف الجماعي يُعدُّ أخطرَ، ويجعل الحديث عنه والمطالبة بمحاسبة الضالعين فيه أكثرَ وجوبا وأشد إلحاحا.

ثانيها: أن نهب المال العام جريمة لا تقبل تبريرا، ويتأكد الأمر أكثر حين تكون نسبة من هذا المال العام قد جُمِعت من تبرعات وهبات المواطنين.

إن موارد صندوق كورونا ليست كالمال العمومي الاعتيادي، رغم أن المال العمومي الاعتيادي لا يجوز المساس به. فالفرق هنا هو أن بعض المواطنين الفقراء تبرعوا للصندوق بمبالغ زهيدة لا يملكون غيرها؛ فمنهم من تبرَّع بمائتي أوقية قديمة فقط.

فإذا جاز – جدلا – التغاضي عن اختلاس مال عام متحصل من الإيرادات العادية، وهو ما لا يجوز في الأصل، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال السكوت عن نهب أموال تبرع بها مواطنون فقراء للمساهمة في مواجهة وباء عالمي أثار الخوف والذعر لدى الجميع.

ثالثها: وهذا سبب شخصي، وهو أني كنتُ عضوا في لجنة متابعة تسيير هذا الصندوق، وهذا مما يجعلني مسؤولا – بشكل أو بآخر – عن أمواله، حتى وإن لم تكن اللجنة ذات صلاحيات رقابية، إذ كانت تُقدَّم لها تقارير دورية كل شهرين، بما أُنفِق من موارد الصندوق، وتُطلب منها ملاحظات واقتراحات غير مُلزِمة للحكومة.

ولأنني كنتُ ممثلا للمجتمع المدني في هذه اللجنة، فقد شعرتُ بمسؤولية خاصة تجاه الشفافية في تسيير موارد هذا الصندوق، وحرصتُ على إطلاع الرأي العام على أوجه صرف موارده، وقد كتبتُ مقالا حينها بيّنتُ فيه بعض نفقات الصندوق، بعدما بالغ البعض في الحديث عن نهب شامل لأمواله، فتحدثوا حينها عن اختلاس أموال لا يمكن اختلاسها أصلا، كالإعانات التي وزعتها تآزر، وفواتير الماء والكهرباء التي سددها الصندوق عن بعض الفقراء، هذا فضلا عن الإعفاءات الضريبية.

وقد أوضحتُ في ذلك المقال أنه إذا كانت هناك نفقات لا يمكن نهب موارد الصندوق من خلالها، فهناك في المقابل بعض النفقات التي يمكن من خلالها نهب موارد الصندوق، كما هو الحال بالنسبة لنفقات وزارة الصحة، وقد قلتُ في هذا المقال، وبالحرف الواحد: "وصلت نفقات الصحة في مجموعها إلى 11.53 مليار أوقية قديمة، بالإضافة إلى نفقات قطاعات أخرى بلغت 0.93 مليار أوقية، ليصل المجموع إلى 12.46 مليار أوقية قديمة.

هذه النفقات يجب أن تبقى محل نظر، لأنها تتضمن العديد من الصفقات، ومن المعروف أن الصفقات في بلادنا هي المجال الأكثر شبهة لممارسة الفساد. ويؤكد ذلك أن الصندوق كان قد استعاد بعض الأموال من خلال عمليات تفتيش سابقة في بعض صفقات وزارة الصحة، وما تزال عمليات التفتيش هذه مستمرة، وتتولاها مفتشية الدولة ومحكمة الحسابات."

كنتُ أرى أن نفقات وزارة الصحة هي الأكثر إثارة للشبهات، ولذلك فقد كنتُ من أوائل من طالبوا في اللجنة باستدعاء وزير الصحة لأحد اجتماعاتها الدورية، وقد حضر بالفعل لأحد تلك الاجتماعات.

وقد تزامن حضوره مع نشر تفاصيل نفقات إحدى حملات التلقيح، وقدمتُ حينها ملاحظات على ما بدا لي من اختلالات في تلك النفقات، وهو ما أثار ضجة إعلامية وقتها، جعلت الوزير يعلِّق في المؤتمر الصحفي الموالي للحكومة على تلك الضجة، وقد حمَّلني المسؤولية في إثارتها.

صحيح أن لجنة المتابعة لم تكن لجنة رقابية، ولم يكن بوسع أعضائها القيام بتدقيق محاسبي، إذ تقتصر مهامها على تلقي التقارير وتقديم الملاحظات. لكن الصحيح أيضا أنها مسؤولة أخلاقيا عن أموال هذا الصندوق، ومن واجبها أن تقف ضد أي مظهر من مظاهر الفساد يمس موارده.

لم نكن، في اللجنة، نمتلك في السابق أدلة قاطعة على نهب موارد الصندوق، وإن كانت الشكوك قد ظلت قائمة. أما اليوم، وبعد صدور تقرير محكمة الحسابات، فقد صارت بين أيدينا أدلة واضحة على حدوث اختلاسات حقيقية. ولذلك، فعلينا أن نبذل كل ما نستطيع من جهد حتى يُحاسَب كل من تورط في هذا الفساد.

صحيح أن اللجنة لم تعد نشطة عمليا، حتى وإن لم تُحل رسميا، وكان آخر اجتماع لها في المأمورية الأولى، غير أن ذلك لا يُعفي أعضاءها من التحرك، كلٌّ من موقعه، لضمان محاسبة المسؤولين عن التجاوزات في موارد صندوق كورونا التي كشف عنها التقرير.

وبهذه المناسبة، فإني أدعو زملائي في لجنة المتابعة من ممثلي هيئة العلماء، والأحزاب السياسية، ومؤسسة المعارضة، والنقابات، والنواب، والجاليات، والصحافة إلى توحيد الجهود والقيام بما يلزم القيام. به حتى يُعاقَب كل من شارك في نهب موارد الصندوق.

وبمناسبة الحديث عن موارد الصندوق، أجدِّدُ في هذا المقام تقديم مقترح، كنت قد تقدّمتُ به عدة مرات داخل اللجنة، وهو المقترح المتعلق بتحويل ما تبقى من موارد صندوق كورونا، والتي تبلغ نحو 20 مليار أوقية قديمة، إلى صندوق خاص بالأزمات والكوارث، يتدخل بشكل فوري كلما واجهت البلاد أزمة أو كارثة تتطلب تعبئة موارد استثنائية وسريعة.

تعليق الوزير 👇

حفظ الله موريتانيا...

عن حوادث السير خلال الساعات الأخيرة، وضرورة الشفافية في الإعلان عنها


تلقت حملة "معًا للحد من حوادث السير" خلال الساعات الماضية عدة بلاغات عن حوادث سير مؤلمة شهدتها بعض طرق البلاد، كان من أبرزها:

- حادث سير  مؤسف وقع البارحة على الطريق الرابط بين “الشّارة و طب القلب”، حيث دهست سيارة من نوع تويوتا كورولا (2017) مسرعة جدا فتاة في العشرين من عمرها كانت تحمل العشاء لعائلتها، فأصيبت إصابة بليغة في الرأس، ونُقلت إلى المستشفى وهي في حالة حرجة جدا. نسأل الله تعالى لها الشفاء العاجل.

وساعات قبل ذلك، وصل إلى مستشفى ازويرات شاب في العشرينيات من عمره، وذلك بعد تعرضه لكسور إثر قفزه من شاحنة اشتعلت فيها النيران بشكل مفاجئ عند الكيلومتر 40 من المدينة.

وفي ولاية تيرس دائما، سُجِّل حادث سير آخر على بعد 100 كلم من ازويرات، وذلك عندما انقلبت سيارة من نوع "هيليكس" تقلّ مجموعة من المنقبين، وأدى هذا الحادث إلى وفاة شخصين، نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته.

كما وردت أنباء عن حادث سير آخر على طريق نواذيبو، قد يكون تسبب في سقوط ضحايا، ولكننا لم نتحصل على تفاصيله الدقيقة لننشرها.

ويُحتمل أن تكون هناك حوادث سير أخرى وقعت في الساعات الأخيرة لم تصلنا أخبارها، وكثيرا ما تغيب عنا أخبار بعض حوادث السير التي يسقط فيها ضحايا، فمصادرنا محدودة جدا.

وتعليقا على هذه الحوادث المؤلمة، فإن حملة "معا للحد من حوادث السير" تسجل ما يلي:

1. استغرابها الشديد للطابع السري الذي لا يزال يطغى على تعامل بعض الأجهزة الأمنية والإدارية مع أخبار حوادث السير، وكأن أخبار تلك الحوادث سر من أسرار الدولة التي يُحظر إفشاؤها أو تداولها. إن إخفاء مثل هذه المعلومات يحرم الرأي العام من حقه في المعرفة، ويؤثر سلبا على الجهود التوعوية للحد من نزيف الأرواح على طرقنا.

2. هناك مفارقة لافتة نلاحظها، فالقطاعات الحكومية تظهر شفافية كبيرة عندما يتعلق الأمر بضحايا الأوبئة، مثل حمى الوادي المتصدع حاليا وجائحة كورونا سابقا، أو حوادث الغرق والسيول خلال موسم الخريف، ولكنها في الوقت نفسه تمارس تعتيما كبيرا على أخبار حوادث السير، رغم أن خسائر حوادث السير  البشرية والمادية تفوق بكثير ما تسببه تلك الأوبئة والكوارث مجتمعة.

3. تمسكنا القوي بحق المجتمع في الاطلاع على كل تفاصيل حوادث السير بشكل دوري ومنتظم، وذلك لسببين أساسيين:

أولهما: تمكين المواطنين وصناع القرار من إدراك حجم المأساة اليومية التي يعيشها البلد بسبب حوادث السير المتزايدة.

ثانيهما: تزويد الفاعلين في مجال السلامة الطرقية بالمعلومات الدقيقة حول أسباب الحوادث وأماكن وقوعها (النقاط السوداء)، فبدون تلك المعلومات لا يمكن أن نتحدث عن حمالات توعوية ناجحة.

ختاما، تدعو الحملة كل الجهات المعنية إلى اعتماد سياسة شفافة في نشر بيانات يومية عن حوادث السير، على غرار ما يتم مع بقية الحوادث والكوارث، فنشر تلك البيانات حق للمواطن، وضرورة لتقويم الأداء، وخطوة أساسية في سبيل إنقاذ الأرواح وحماية الممتلكات.

حملة "معا للحد من حوادث السير"

نواكشوط، بتاريخ: الخميس 9 أكتوبر 2025.

تنبيه : نشر الإحصائيات المتعلقة بحوادث السير جاءت في المطلب رقم 4 من :نداء جوك للسلامة الطرقية".

الثلاثاء، 7 أكتوبر 2025

لجنة "نداء جوك" تلتقي رئيس الجمعية الوطنية لبحث سبل تعزيز السلامة الطرقية


في ظل تزايد حوادث السير في موريتانيا، وما تشكله من تهديد لحياة المواطنين، بدأت حملة "معا للحد من حوادث السير" وشركاؤها في السلامة الطرقية سلسلة لقاءات لتفعيل نداء جوك للسلامة الطرقية، والذي يمثل خريطة طريق شاملة للحد من حوادث السير..

وفي أول اتصال رسمي لها، عقدت لجنة الاتصال ومتابعة تنفيذ نداء جوك للسلامة الطرقية اليوم لقاءً مع رئيس الجمعية الوطنية السيد محمد بمب مگت في مكتبه بنواكشوط.

قدم  رئيس اللجنة، السيد محمد الأمين الفاضل، خلال اللقاء عرضا عن النداء، استعرض فيه حصيلة جهود حملة "معا للحد من حوادث السير" خلال العقد الأخير، والتي تُوِّجت بإطلاق نداء جوك، والذي  شاركت في صياغته وتحديد مطالبه منظمات المجتمع المدني الفاعلة، ونقابات السائقين، وخبراء السلامة الطرقية، وأهالي الضحايا.

وتوالت بعد ذلك مداخلات أعضاء اللجنة، حيث تحدثت السيدة العزة الشيخ العالم باسم المجتمع المدني، والسيد محمد محمود ولد الداه باسم خبراء السلامة الطرقية، والسيد أحمد باب الحاج ويس عن نقابات السائقين. كما شارك في اللقاء الأستاذ بوبكر سيلا عن أهالي الضحايا، والسيد عبد الله مانة الله من حملة "معًا للحد من حوادث السير".

وقد جرى اللقاء بحضور النائب عن مقاطعة أركيز وعضو حملة "معا للحد من حوادث السير"، السيد محمد عبد الله المصطفى.

من جانبه، رحب رئيس الجمعية الوطنية السيد محمد بمب مگت بأعضاء اللجنة، وأشاد بالجهود التي يبذلها المجتمع المدني في مجال التوعية، مؤكدا استعداد البرلمان لدعم تلك الجهود من خلال عمله التشريعي والرقابي.

وأعلن رئيس البرلمان أن الجمعية الوطنية تحضر حاليا لتشكيل فريق برلماني خاص بالسلامة الطرقية، سيتم الإعلان عنه قريبا، في خطوة تعكس مدى اهتمام البرلمان بهذا الملف الحيوي.

وفي ختام اللقاء، سلمت اللجنة رسميا نسخة من "نداء جوك" إلى رئيس الجمعية الوطنية، ويأتي ذلك في إطار سلسلة لقاءات ستقوم بها اللجنة مع مختلف الفاعلين الوطنيين طلبا لدعم هذا النداء والمساهمة في تنفيذ توصياته.

نواكشوط، 07 أكتوبر 2025

لجنة الاتصال ومتابعة تنفيذ نداء جوك للسلامة الطرقية



إلى وزيرة التربية وإصلاح نظام التعليم


 دعوة لتخصيص درس موحد في السلامة الطرقية بمناسبة افتتاح العام الدراسي الجديد  

معالي الوزيرة،  

لقد شهد يوم الخامس من أكتوبر، اليوم الذي سبق افتتاح العام الدراسي لهذا العام، عدة حوادث سير فقدنا فيها عددا من الشباب في مقتبل العمر، وذكَّرتنا هذه الحوادث بحوادث سير أليمة أخرى كان أغلب ضحاياها من الشباب.

ومع أنه ليست لدينا إحصائيات وطنية تقدم نسب وفيات حوادث السير في بلادنا حسب الفئات العمرية، إلا أن متابعتنا الميدانية في الحملة لحوادث السير خلال العقد الأخير تجعلنا نجزم بأن أغلب ضحايا حوادث السير في موريتانيا هم من فئة الشباب. وارتفاع نسبة الشباب في وفيات حوادث السير ليست مسألة خاصة بموريتانيا، فتقرير منظمة الصحة العالمية للعام 2018 يؤكد أن حوادث السير هي القاتل الأول للأطفال والشباب في الفئة العمرية ما بين 5 و29 سنة، وهذه الفئة هي التي تشكل مجموع التلاميذ والطلاب في مختلف مراحل التعليم الأساسي والثانوي والجامعي.

معالي الوزيرة،  

إننا ندرك تماما أن هذا الملف يهمكم شخصيا، ومن عدة زوايا. فأنتم أولا من فئة ذوي الضحايا، فأسرتكم الكريمة فقدت عدة ضحايا في حوادث سير، ونسأل الله تعالى أن يرحم من توفي من أفراد الأسرة في الحادث الأليم الذي وقع في شكار بتاريخ 31 مارس 2024. ولأن دور الضحايا وذويهم في التوعية في مجال السلامة الطرقية ما زال ضعيفا، إن لم نقل غائبا تماما، فنحن نعوِّل عليكم في الحملة لإحياء هذا الدور.

ثم إن هذا الملف يهمكم شخصيا، وهذه هي الزاوية الثانية، بصفتكم من الوزراء الشباب في الحكومة، وكما بيّنا فإن حوادث السير هي القاتل الأول للأطفال والشباب، عالميا ومحليا، ولذا فمن الطبيعي جدا أن تهتموا على المستوى الشخصي والمهني أيضا بكل ما يهدد حياة الشباب. وحوادث السير هي المهدد الأول لحياة الشباب.

أما الزاوية الثالثة التي تجعل هذا الملف من الملفات التي تهمكم شخصيا أكثر من غيركم، فهي إدراككم أن المدرسة هي البيئة الأمثل لغرس القيم وتعديل السلوك نحو الأفضل، ومما لا شك فيه أننا اليوم بأمسِّ الحاجة إلى خلق وعي مروري يساعد في التقليل من نزيف الطرق، خاصة في فئة الشباب.

لكل ذلك، فإننا في حملة "معًا للحد من حوادث السير" ندعوكم إلى تخصيص درس موحد في السلامة الطرقية، يُقدََّم في يوم واحد، في كل المدارس والمؤسسات التعليمية، وفي كل المراحل الدراسية (الابتدائية - الإعدادية - الثانوية).

إن تخصيص درس موحد في السلامة الطرقية، تزامنا مع افتتاح العام الدراسي لهذا العام، سيكون بمثابة رسالة قوية من وزارتكم مفادها أن حياة التلميذ غالية، وأن الوزارة يهمها ترسيخ ثقافة السلامة الطرقية لدى الجيل الصاعد. وتلك خطوة عملية للمساهمة في إنقاذ الأرواح، وخاصة في صفوف الشباب الذين يمثلون الشريحة الأكثر تضررا من حوادث السير.

معالي الوزيرة،  

إننا نأمل، بل نتوقع، أن يكون ردكم على هذه الرسالة إيجابيا، ولأسباب عديدة أشرنا إليها في مقدمة هذه الرسالة، تتداخل فيها دوافع شخصية ووطنية وإنسانية عديدة. وفي انتظار ذلك الرد الإيجابي، فإننا نعلن لكم عن استعدادنا التام للتعاون مع قطاعكم في إعداد المحتوى المناسب لهذا الدرس، والذي لا نريد منه أن يكون درسا بجعل التلميذ مجرد متلقٍّ لإرشادات توعوية في مجال السلامة الطرقية، رغم أهمية ذلك، وإنما نريده درسا يجعل من التلميذ فاعلا في مجال توعية الآخرين من حوله، وذلك هو الدور الذي على الشباب أن يقوم به، وهو الدور الذي لم يقم به حتى الآن، وللأسف الشديد.

وفي الأخير، تقبلوا معالي الوزيرة، تمنياتنا لكم بسنة دراسية ناجحة. 

نواكشوط: 06 أكتوبر 2025

المنسق العام لحملة "معا للحد من حوادث السير"

محمد الأمين الفاضل.

السبت، 4 أكتوبر 2025

نداء "جوك" للسلامة الطرقية (نص النداء)


نظرا للارتفاع المقلق في حوادث السير، وما تخلٍّفه من خسائر بشرية جسيمة، وأضرار اقتصادية كبيرة، فإننا في حملة معا للحد من حوادث السير نتقدم  من منطقة جوك ذات الدلالة الرمزية في السلامة الطرقية، بهذا النداء إلى السلطات العمومية، وإلى كل الجهات المعنية، آملين أن يلقى ما يلزم من عناية.

لقد استخلصنا هذه المطالب التي تضمنها النداء بعد متابعة دقيقة استمرت ما يقارب عقدا من الزمن، شملت الوقوف الميداني على العديد من الحوادث المميتة، والاستماع إلى السائقين والناقلين والخبراء ومنظمات المجتمع المدني، هذا فضلا عن إشراف الحملة على عدة قوافل توعوية، كان آخرها قافلة "معًا من أجل خريف آمن" التي جابت مختلف ولايات الوطن.

إن حوادث السير ليست إشكالية تعني قطاعا حكوميا محددا دون غيره، وليست خاصة بالحكومة لوحدها، بل هي شأن وطني جامع، يمس حياة كل أسرة موريتانية، وللحد منها فلا بد من تضافر جهود الجميع، من خلال معالجة شاملة ومستدامة، تضع حياة الإنسان وحماية ممتلكاته في صدارة الأولويات.

إن هذا النداء يتضمن 19 مطلبا، موزعة على خمسة محاور:

أولا: المحور الاستراتيجي والمؤسسي

1. تأسيس هيئة عليا للسلامة الطرقية تتبع لرئاسة الجمهورية، تتولى الإشراف على تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية، وتنسق العمل بين القطاعات الحكومية المعنية بالسلامة الطرقية؛

2. تنظيم منتديات وطنية حول السلامة الطرقية يرأسها الوزير الأول، وتشارك فيها كافة القطاعات الحكومية والأمنية المعنية، ونقابات السائقين، ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة. ويمكن لهذه المنتديات أن تناقش نداء جوك للسلامة الطرقية، وتضع خطة عملية لتنفيذ مطالبه التسعة عشر.

3. اعتماد نظام وقائي للسلامة الطرقية، مع إعداد خطة طوارئ قبل كل موسم خريف للحد من زيادة الحوادث التي تسجل كل عام خلال هذا الموسم.

4.توفير ونشر كل الإحصائيات المتعلقة بحوادث السير، وإدراج مادة السلامة الطرقية في المناهج الدراسية، بما يضمن غرس ثقافة احترام القانون المروري لدى الأجيال الصاعدة.

5. تعزيز الشراكة مع المجتمع المدني، والتكثيف من حملات التوعية والتحسيس في مجال السلامة الطرقية.

ثانيا: محور البنية التحتية والبيئة الطرقية

6. تشييد طرق باتجاهين، خصوصا على المقطع الرابط بين بوتلميت ونواكشوط، والحرص على أن يكون تشييد الطرق مستقبلا يتم وفق أحدث المعايير المعتمدة دوليا.

7. إنشاء محطات نقل حديثة في الولايات الكبرى، ومحطات استراحة لائقة للسائقين على الطرق الطويلة.

8. إعطاء عناية أكبر للصيانة الطرقية، ووضع نظام صيانة فعَّال يشمل مختلف محاور الشبكة الطرقية، بإمكانه أن يتدخل بشكل فوري كلما ظهرت حاجة لذلك.

ثالثا: محور ضبط القوانين والتطبيق الميداني لها

9. فرض الصرامة في نقاط التفتيش لضبط السرعة والحمولة، وعدم التساهل في حظر تحرك سيارات النقل بعد منتصف الليل.

10. توحيد الشكل والهوية البصرية لمختلف نقاط الأمن والتفتيش على المحاور الطرقية، لمنحها هيبة أكثر، وقدرة أكبر على الردع.

11. إلزامية الفحص الفني الدوري للمركبات لضمان صلاحيتها للسير على الطرق.

12. مراجعة مبلغ الدية، وتفعيل نظام التأمين الخاص بالسيارات، وإنشاء محكمة مختصة بحوادث المرور لضمان إنصاف الضحايا وتسريع البت في الملفات، مع تحديث المنظومة القانونية بكاملها  لتتلاءم مع تحديات المرحلة وتطور وسائل النقل.

13. تفعيل نظام مراقبة ذكي عبر الكاميرات والرادارات على الطرق والمحاور الرئيسية للحد من السرعة المفرطة، وضمان تطبيق إجراءات السلامة الطرقية بصرامة وشفافية.

رابعا: محور إصلاح منظومة تكوين السائقين ورخص السياقة

14. تأسيس أكاديمية متخصصة وفق المعايير الدولية لتعليم وتدريب السائقين.

15. وقف منح رخص سياقة صالحة مدى الحياة، واعتماد فترة صلاحية محددة (10 سنوات)، إضافة إلى تطبيق نظام تنقيط وسحب رخص السياقة.

16. فرض تقييم نفسي بشكل دوري للسائقين المهنيين، مع إشراك أطباء نفسيين في لجان منح الرخص.

خامسا: محور التدخل السريع وإنقاذ الأرواح

17. توفير آليات ثقيلة للتدخل السريع، لرفع الشاحنات التي تنقلب على الطرق وتعيق حركة السير.

18. توفير فرق من الحماية المدنية مجهزة بالكامل في النقاط الأكثر خطورة على الشبكة الطرقية، لضمان سرعة الوصول إلى الضحايا الذين قد تشتعل سياراتهم، أو تسقط عليها شاحنات فيتعذر الوصول إليهم في الوقت المناسب.

19. الاستمرار في التحسين من أداء العون الطبي الاستعجالي، واقتناء مروحيات طبية للتدخل السريع في حالة وقوع حوادث سير في أماكن نائية تتسبب في سقوط عدد كبير من الضحايا.

حُرِّر في جوك بتاريخ: 18 سبتمبر 2025

ُأعلن ووُقِّع في نواكشوط بتاريخ: 02 أكتوبر 2025

حملة معا للحد من حوادث السير



الجمعة، 3 أكتوبر 2025

حملة "معا للحد من حوادث السير" تختتم موسمها التوعوي التاسع بحفل لتوقيع "نداء جوك للسلامة الطرقية"


نظمت حملة "معا للحد من حوادث السير" اليوم في العاصمة نواكشوط حفلا للإعلان عن "نداء جوك للسلامة الطرقية"وتوقيعه من طرف نقابات السائقين، ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة، وخبراء السلامة الطرقية. 

جاء حفل الإعلان عن النداء وتوقيعه في ختام الموسم التوعوي التاسع للحملة، وبعد انتهاء فعاليات "قافلة معًا من أجل خريف آمن" التي جابت مؤخرا مختلف ولايات الوطن.

افتتح الحفل بكلمة لعضو الحملة النائب عن مقاطعة أركيز محمد عبد الله المصطفى، بدأها بالحديث عن جهود الحملة في مجال السلامة الطرقية، ثم قرأ نص النداء كاملا، 

ووعد في ختام كلمته بأن الحملة ستطلق نسخة إلكترونية من النداء لإتاحة الفرصة أمام كل المهتمين بالسلامة الطرقية لتوقيعه. 

ثم ​توالت بعد ذلك الكلمات من المنصة، فتحدث كل من ​أعمر أعل سالم، الأمين العام لسلطة تنظيم النقل الطرقي، و​المقدم أحمدو ممادو جالو، عن المندوبية العامة للأمن المدني وتسيير الأزمات، و​عزة الشيخ العالم باسم المجتمع المدني.

ثم بعد ذلك تناول الكلام نقابيون وخبراء في السلامة الطرقية، فتحدث  أحمد باب الحاج ويس، والسالك ولد معطل، ومحمد محمود الداه، والشيخ المستعين محمد.

وقد ثمن جميع المتحدثين جهود الحملة، وأهمية نداء جوك، وأجمعوا على ضرورة تكاتف جهود الجميع للحد من حوادث السير في البلاد. 

و​في كلمته بالمناسبة، أوضح المنسق العام للحملة، السيد محمد الأمين الفاضل، أن النداء هو نتاج جهد توعوي استمر لعقد من الزمن، وخلاصة لقاءات مكثفة مع الموظفين الحكوميين، ونقابات السائقين، ومنظمات المجتمع المدني، وخبراء السلامة الطرقية.

و​أكد المنسق العام للحملة أن النداء يجسد مطالب كل هؤلاء الفاعلين ولذلك فهو يشكل "خارطة طريق وطنية للحد من حوادث السير في موريتانيا". 

واختتم المنسق العام للحملة كلمته بالتأكيد على التزام الحملة بإيصال وثيقة النداء إلى كل القطاعات الحكومية المعنية.

ويتضمن النداء 19 مطلبا من أهمها: تأسيس هيئة عليا للسلامة الطرقية تتبع لرئاسة الجمهورية، وتنظيم منتديات وطنية حول السلامة الطرقية، وتشييد طرق باتجاهين في المحاور الطرقية الأكثر حيوية، وإعطاء عناية أكبر للصيانة الطرقية، ومراجعة مبلغ الدية، وتفعيل نظام التأمين الخاص بالسيارات.

كما يوصي النداءُ بإنشاء محكمة مختصة بحوادث المرور، وتحديث المنظومة القانونية بكاملها لتتلاءم مع تحديات المرحلة وتطور وسائل النقل، وتفعيل نظام مراقبة ذكي عبر الكاميرات والرادارات على الطرق والمحاور الرئيسية للحد من السرعة المفرطة، ووقف منح رخص سياقة صالحة مدى الحياة، وتطبيق نظام تنقيط وسحب رخص السياقة.

وعقب انتهاء كلمة المنسق العام، بدأت عملية توقيع النسخة الورقية من النداء، حيث وقعها جميع ممثلي نقابات السائقين، ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة، وخبراء السلامة الطرقية الذين شاركوا في الحفل.

المرفقات: ثلاثة مقاطع مصورة من الحفل، يمكنكم مشاهدتها  من خلال الروابط التالية ( نص النداء مع النائب محمد المصطفى وكلمة منسق الحملة، وتقرير لصحراء 24 عن النداء):

نص النداء مع النائب محمد المصطفى

كلمة منسق الحملة

تقرير عن النداء



الأربعاء، 1 أكتوبر 2025

"جيل Z" واحتجاجات المستقبل!


في شهر سبتمبر، شهدت دول مثل النيبال ومدغشقر، وأخيرا المغرب، موجات احتجاجية شبابية غير مسبوقة، قادها "جيل Z"، ذلك الجيل الذي ظل خارج حسابات السياسيين، والحكومات حتى فاجأ الجميع بتنظيمه لاحتجاجات واسعة، سلمية في مطالبها، قوية في حضورها، ومقلقة في احتمالات تطورها وانزلاقها إلى أعمال عنف وشغب تضرُّ البلد وتهز استقراره، ولا تنفع الشباب المحتج.

"جيل Z" لا يُعلن عن غضبه مسبقا، ولا يُمهِّد لاحتجاجاته، بل يتحرك فجأة، وبقوة غير متوقعة، وهذا هو ما يجعل التعامل معه تحديا حقيقيا للحكومات التي اعتادت على نمط احتجاجي تقليدي، يمكن التنبؤ به واحتواؤه.

لم يعد الاحتجاج التقليدي يهدد الحكومات، ولم يعد قادة ومحركو الاحتجاجات التقليدية - إن حدثت -  هم من يهدد الأنظمة الحاكمة، ولذا فإن اهتمام الحكومات يجب أن يتوجه أولا للشباب، وخاصة لجيلz ، الذي قد لا تعني له السياسة التقليدية شيئا، ولا يعطي للصراع التقليدي بين الأغلبية والمعارضة أي قيمة واهتمام.

لقد رفع هذا الجيل شعارات مشروعة: فرص عمل، تعليم نوعي، محاربة الفساد بجدية. لكن كما علمتنا تجارب سابقة في بعض محطات الربيع العربي (سلف جيل z)،  فإن سلمية الاحتجاجات لا تبقى مضمونة دائما، خاصة حين يغيب الإنصات، ويتأخر الإصلاح. وقد ظهرت بالفعل مؤشرات انزلاق في بعض احتجاجات هذا الجيل، تنذر بما هو أخطر إن لم يُتدارك الأمر.

إن الإجراءات الاستباقية لم تعد  ترفا ولا خيارا، بل أصبحت ضرورة وطنية عاجلة وملحة، ومن أهم تلك الإجراءات الاستباقية:

1 - مكافحة البطالة ببرامج واقعية.

2 - مواجهة الفساد بصرامة لا مجاملة فيها.

3- إصلاح التعليم ليكون بوابة الأمل لا باب الإحباط.

إن كل تأخير في هذه الملفات هو دعوة مفتوحة لانفجار اجتماعي، قد يبدأ بمطالب مشروعة وينتهي بأعمال شغب تُهدد الاستقرار.

ولا بد من القول إن مسؤولية أي عنف أو تخريب لا تقع على الشباب لوحدهم، بل يتحملها أيضا المسؤولون الحكوميون الذين  فشلوا في تلبية تطلعات أولئك الشباب، وتركوا جيلا  كاملا بلا أفق، بلا قدوات، بلا حاضنات، يتخبط في عالم الجريمة والمخدرات، ومحاصرا بمحتوى تافه، وكلام ساقط، ونماذج لا تُلهم ولا تُربّي.

في بلد تتجاوز فيه نسبة الشباب 70% من السكان، فإن تجاهل هذا الجيل هو تجاهل للمستقبل نفسه. "جيل Z" ليس مجرد جيل عابر، بل هو الجيل الذي سيحدد مصير البلدان. والتعامل معه بجدية اليوم هو السبيل الوحيد لتجنب أزمات الغد.

الثلاثاء، 30 سبتمبر 2025

صعود التفاهة في موريتانيا.. أزمة قدوة تهدد مستقبل الشباب!


لم يعد خافيا أن التفاهة في موريتانيا قد تحولت من مجرد ظاهرة هامشية إلى "تيار جارف" يكاد أن يجرف ويبتلع كل شيء يقع على طريقه، وذلك بعد أن بهر - أي تيار التفاهة الجارف -  عقول الشباب، وخطف أبصارهم، وخلق لهم قدوات وهمية من "اللاشيء".

يحدث هذا في وقت تكتفي فيه النخب الجادة، أو التي يفترض أنها جادة بالتفرج، أو تنشغل في أحسن الأحوال بصراع عبثي غير ناضج، يضع فيه الموالون النظام الذين يدعمون فوق المصالح العليا للبلد، ويضع فيه المعارضون المصالح العليا للبلد في درجة ثانية بعد مصالحهم السياسية الضيقة.

إن هذا الاختلال البيِّن في التوازن بين نخب جادة تكتفي بالتفرج، وتفاهة تتسع وتتمدد بشكل سريع، ينذر بخطر كبير يهدد مستقبل البلد. ومما يزيد من خطورة التهديد أنه لم تعد توجد في بلادنا نخبٌ جادة مقنعة وملهمة للشباب، قادرة على مقاومة تيار التفاهة الجارف، ويعود ذلك لأسباب كثيرة ذكرتها في مقالات سابقة، ولا يتسع المقام لاستعراضها هنا، ويبقى الزهد الإعلامي لبعض النخب التي كان يمكن أن تشكل قدوات للشباب في مجالها، أحد تلك الأسباب. وبخصوص الزهد الإعلامي لبعض النخب الجادة، فإني سأقدم لكم مثالا حيا يتعلق بصديقين فاضلين، قد لا يرتاحان لذكرهما في هذا المقام، ولكني سأذكرهما لأنهما خير مثال يمكن أن يقدم في هذا المقام، فهما من أوائل الموريتانيين الذين دشنوا الانترنت في بلادنا، ومع ذلك فلا يعرفهما إلا القليل جدا، ويمكنني أن أجزم  بأن نسبة من يعرفهما من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي قد لا تصل إلى 1%.

ويمكنني أن أجزم كذلك أن أغلبية من سيقرأ هذا المقال، لم تسمع من قبل عن إبراهيما با، وهو الموريتاني الوحيد الذي يشغل اليوم وظيفة سامية في شركة "ميتا" (فيسبوك)، ولا عن إسلمو ولد المعلوم، وهو أول موريتاني عمل في شركة "غوغل".

با إبراهيما وإسلمو ولد المعلوم يرجع لهما الفضل في تسجيل أول اتصال لموريتانيا بالانترنت من خلال تأسيسهما - بالتعاون مع آخرين - لأول مجموعة بريدية موريتانية على الإنترنت، وكان ذلك في العام 1994، وتبادلا من خلال تلك المجموعة أول رسالة إلكترونية يبعثها موريتاني لموريتاني عبر مجموعة بريدية موريتانية، إنهما من "الآباء المؤسسين" للإنترنت في موريتانيا، ومع ذلك فعندما نُجري اليوم بحثا في الانترنت عن صورهما فأقصى ما سنجد صورة أو صورتين، وعندما نزر حساباتهم في فيسبوك فستجدها شبه خاملة، إسلمو لديه عدد من الأصدقاء لا يتجاوز 180، وابراهيما با لديه حساب أكثر خمولا، مع عدد من الأصدقاء يقارب عدد أصدقاء إسلمو. 

إن زهد هذين الصديقين الفاضلين في الإعلام والظهور، حتى وإن  كان مفهوما ومتفهما على المستوى الشخصي، ويعكس مستوى من التواضع النادر في أيامنا هذه، إلا أنه في المقابل ترك فراغا في هذا الفضاء، وساهم في غياب رموز وقدوات حقيقية وملهمة للشباب في مجال الانترنت وعوالمه الواسعة.

عندما يصبح "اللاشيء" قدوة!

إن غياب إسلمو وابراهيما با وغيرهم ممن كان يمكن أن يشكل قدوات للشباب في عوالم الانترنت، يعدُّ أحد أهم أسباب سيطرة التفاهة والسطحية في فضاءات الانترنت، فمن المعروف أن الانترنت أصبح اليوم، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، هو صانع القدوات والمشاهير من التافهين والسطحيين،  فهو يأخذ الواحد منهم من اللاشيء فيجعل منه في غمضة عين شخصا مشهورا، مع أنه لا يملك أي شيء مفيد يمكن أن يقدمه للمجتمع، لا يملك غير الكلام  الساقط والبذيء، وأكثر نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بذاءة وإساءة هم اليوم الأكثر شهرة ومتابعة، وعندما يشعر الواحد من هؤلاء تباطؤا في تصاعد شهرته، يفتعل معركة مع أخ له في التفاهة والسطحية، يستخدمان فيها مخزونهما من الكلام السيء والبذيء الذي لا ينضب، فيزداد بذلك عدد أصدقائهما ومتابعيهما، وتكثر التعاليق والإعجابات والمشاركة لما ينشران من تفاهة، ويتحول تبادلهما للشتائم إلى "قضية رأي عام" يتابعها الجميع.

لقد أصبح من العادي جدا أن تزداد شهرة كل ناشط في مواقع التواصل الاجتماعي إذا خاصم فجر، ولعلكم تتذكرون الآن نشطاء في هذا الفضاء ارتفعت أسهمهم وازدادت شهرتهم بعد معارك سخيفة استخدموا فيها ما استخدموا من كلام هابط وبذيء.

وعلى النقيض من زهد الصديقين إسلمو وابراهيم با في الإعلام، وهم الذين يمتلكون ما يمكن أن يقدموه للإعلام،  نجد أن نجوم التفاهة والسطحية في الانترنت، وهم الذين لا يملكون أي إنجاز معرفي أو مهني، ولم يقدموا في حياتهم شيئا مفيدا سوى الصراخ بالكلام السيء والبذيء،  نجدهم مع ذلك حريصين على الظهور باستمرار  في مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى تقديم "اللاشيء" في أحسن الأحوال، وتقديم السيء والبذيء في أغلب الأحوال، فيتحولون بتكرار ظهورهم، وبما يتلفظون به من كلام سيء وبذيء إلى قدوات لآلاف المراهقين والشباب الذين ربما يكونون قد أعياهم البحث عن قدوات صالحة في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يقضون فيها جل أوقاتهم، فلم يجدوها.

في مثل هذا الوقت الذي اختارت فيه النخب الجادة - أو أجبرت- على الأنزواء والتفرج، وعلا فيه ضجيج التافهين واتسع حضورهم في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت هي الموجه الأول للشباب، فسنجد أن شبابنا قد انقسم إلى ثلاث فئات أساسية:

1. شباب متسرب من المدارس: يمثل نسبة كبيرة من الشباب، انخرط جله في عالم الجريمة وتعاطي المخدرات. أغلب الجرائم المسجلة في السنوات الأخيرة يقف وراءها شباب أو مراهقون تسربوا من التعليم.

2. شباب منشغل بالتفاهة: لا يتعاطى المخدرات ولا يرتكب جرائم، ولكنه ضائع في متابعة محتوى فارغ، يصنع من التافهين الذين يجمعون مالا سهلا من هذه المواقع رموزا وقدوات يحتذى بها.

3. شباب جاد وناجح في مساره التعليمي، وفيه من يمتلك مواهب في مجالات نافعة، لكنه بلا قدوات ملهمة، ولا يجد حاضنات ترعاه.

الحاجة إلى صناعة القدوة والحاضنة

إن غياب الرموز القابلة للتسويق إعلاميا وثقافيا للشباب يُعدُّ مشكلة كبرى، فالشباب الجاد بحاجة إلى حاضنات ترعاه وقدوات ملهمة. ولذلك فقد اقترحتُ سابقا أن يعلن عن يوم وطني للمواهب الشبابية يستقبل فيه رئيس الجمهورية في القصر الرئاسي كل الموهوبين الذين مثلوا بلادنا في مسابقات إقليمية أو دولية في شتى المجالات العلمية والثقافية والرياضية، هذا فضلا عن إطلاق جائزة وطنية للمواهب الشبابية تحمل اسم رئيس الجمهورية، ليكرم من خلالها شبابنا المتميز علميا أو ثقافيا أو رياضيا.

إن الأخذ بهذه المقترحات سيساعد في خلق رموز شبابية من الوسط الشبابي نفسه، ويمكن لهذه الرموز  أن تشكل مستقبلا قدوات ملهمة للشباب الضائع في مواقع التواصل الاجتماعي، ويمكنها أن تعيد الاعتبار للجدية في صفوف الشباب، بدلا من تركه يتخبط في في التفاهة ويسير خلف التافهين.

ختاما

إن موريتانيا بلد شاب، 70% من سكانه تحت سن الثلاثين. ومصير هذا البلد مرتبط بمصير شبابه. فإذا تُركوا لسطوة التفاهة وضجيجها، فإن المستقبل سيكون مقلقا. أما إذا تم الاستثمار في المواهب والقدوات الحقيقية، فإن موريتانيا يمكن أن تحجز مكانة لائقة في عالم يتغير بسرعة.

في الصورة أتوسط صديقي الفاضلين إبراهيما با وإسلمو وقد التقطها لبرفسير محمد باب سعيد. منذ فترة وأنا أدعو الصديقين الفاضلين لحضور حلقة من صالون المدونين للحديث عن تجاربهما في غوغل وفيسبوك، وعن قصة أول اتصال لموريتانيا بالانترنت، وأرجو أن يتحقق ذلك في أحد مواسم الصالون القادمة. 

حفظ الله موريتانيا..

عن مبادرة ترامب!


مما لا شك فيه أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أكثر الرؤساء الأمريكيبن انحيازا للعدو الإسرائيلي، ومبادرته الأخيرة تعكس ذلك الانحياز الفج، فهي مجرد وثيقة استسلام تمت صياغتها في شكل مبادرة.

ورغم ذلك، فقد قوبلت هذه المبادرة  بترحيب كبير من قادة الدول العربية والإسلامية، بل رحبت بها كذلك حكومات غربية كانت مواقفها السابقة مشرفة وشجاعة اتجاه فلسطين، كما هو الحال بالنسبة لحكومة إسبانيا على سبيل المثال. 

إن هذا التباين بين مضمون المبادرة المشكوك فيه، وموجة الترحيب بها حتى من طرف حكومات كان موقفها مشرفا، يضعنا أمام حيرة شديدة، ويثير  العديد من الأسئلة الصعبة حول ما يجري بالفعل.

ولفهم هذا المشهد المعقد، يمكن تصور ثلاثة فرضيات رئيسية:

الفرضية الأولى: أن يكون العالم قد قرر التخلي كليا ونهائيا عن فلسطين، والتوقف عن الدفاع عن حقوقها، وذلك بعد أن خذلها عسكريا في حرب الإبادة، وخذلها دبلوماسيا في كسر  الحصار والتجويع، وها هو يخذلها اليوم تفاوضيا بقبول مبادرة ترامب التي تمثل في حقيقتها مجرد استسلام بشروط نتنياهو.

الفرضية الثانية: أن تكون المبادرة، رغم صدورها من ترامب، أقل سوءا مما نتصور، فربما تكون قد تضمنت الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، ولهذا فقد رحب بها العديد من قادة الدول العربية والإسلامية والأوروبية .

الفرضية الثالثة: أن المبادرة سيئة بالفعل، وهي مجرد محاولة لتحقيق ما عجز عنه نتنياهو بالحرب من خلال المفاوضات، ولكن الدول التي كانت تتخذ مواقف أكثر إيجابية اتجاه فلسطين وصلت إلى مرحلة من اليأس جعلتها تدرك أنه في ظل إدارة ترامب لا أمل بحل عادل.

ولأن حرب الإبادة تحولت إلى مأساة إنسانية غير محتملة، على الأقل على مستوى بعض الشعوب الغربية، فقد قبلت هذه الدول مكرهة لا بطلة بمبادرة ترامب. قبلتها فقط من أجل إيقاف القتل والتجويع والحصار ولو بشكل مؤقت، على أمل أن تتاح فرصة أخرى مستقبلا لفتح باب تفاوضي جدي أكثر إنصافا.

في النهاية، تكشف الفرضيات الثلاث أن القضية الفلسطينية لا تزال رهينة لمعادلات دولية معقدة، وأن موازين القوى والخيارات السياسية تُدار غالبا بمعزل عن العدالة والحق التاريخي. غير أن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن فلسطين ستظل، ومهما تواطأ العالم أو يئس، قضية حية في وجدان الشعوب، وأن أي مبادرة ظالمة كمبادرة ترامب لن تغلق ملف الصراع، حتى وإن رحبت بها كل دول العالم.

يبقى أن أقول بأن أي موقف ستتخذه حــ.مـاs من هذه المبادرة سيكون هو الموقف الأسلم الذي علينا أن ندعمه، سواء كان موقفا رافضا أو قابلا لها.

ويبقى الأمل قائما، فحــ.مـاس حتى وإن خذلها العالم كله، فذلك لا يعني هزيمتها، فالنصر والهزيمة لا يأتيان من أمريكا، والكون لا يسير وفق مزاج وغطرسة ترامب ولا وفق جبن القادة العرب والمسلمين المتخاذلين.

إن النصر لا يأتي إلا من عند الله، والله قادر على أن ينصر المستضعفين، ويهزم الجبارين الظالمين، متى أراد، وكيفما أراد.

حفظ الله فلسطين.

الاثنين، 29 سبتمبر 2025

مقترح لتخفيف كثافة حركة السير على المقطع (نواكشوط – ألاك)


في إطار الجهود الوطنية الرامية إلى الحد من حوادث السير، وسعيا لتخفيف الضغط المروري على مقاطع حيوية من طريق الأمل، فإننا في حملة معا للحد من حوادث السير  نتقدم إلى الجهات المعنية بهذا المقترح العملي، الذي نرى أنه يستحق الدراسة الجادة، لما له من أثر مباشر على السلامة الطرقية، واستغلال البنية التحتية الطرقية - وبمختلف محاورها - بشكل أمثل.

من المعروف أن مقطع (نواكشوط – ألاك) يشهد كثافة مرورية كبيرة، تتسبب في زيادة حوادث السير على هذا المقطع، ومع أن الحل الجذري لهذا المشكل يتمثل في تشييد طريق مزدوج على هذا المقطع، إلا أن ذلك قد يتطلب وقتا وتمويلا، مما يستدعي التفكير في حلول مؤقتة وفعالة.

وعليه، فإننا في حملة معا للحد من حوادث السير نقترح اتخاذ إجراء يُلزم الشاحنات القادمة من المملكة المغربية والمتجهة إلى جمهورية مالي بالمرور عبر  المسار التالي: نواذيبو – الشامي – أكجوجت – أطار – تجكجة – صنكرافة، وذلك بدلا من المسار التقليدي: نواذيبو – نواكشوط – بوتلميت – ألاك - صنكرافة.

لقد لاحظنا في قافلة "معا من أجل خريف آمن" التي جابت مؤخرا  كل الولايات وسلكت كل المحاور الطرقية أن طريق (تجكجة – أطار)  شبه خالٍ من حركة السير، حيث لم تمر عليه سوى عشر سيارات خلال 12 ساعة قضيناها على هذا الطريق، وهو رقم لا يتناسب مع حجم الاستثمار  الكبير الذي خُصص لهذا الطريق.

ولذا فإن اتخاذ إجراء يقضي بإلزام الشاحنات المغربية المتجهة إلى مالي بالمرور بهذا الطريق، سيساهم في استغلاله، وسيخفف ذلك من الضغط المروري على المقطع (نواكشوط - ألاك)، ولا يحتاج هذا التعديل في مسار الشاحنات المغربية المتجهة إلى مالي إلا لبعض التحسينات والتعديلات في بعص الممرات الجبلية على هذا الطريق.

وسيكتسب  هذا المقترح وجاهة أكبر بعد افتتاح معبر "امكالة" الحدودي بين بلادنا والمملكة المغربية، وكذلك بعد تشييد الطريق الرابط بين تجكجة وكيفة.

إننا نعتقد أن العمل بهذا المقترح سيُسهم في:

1 - التقليل من حوادث السير على محور (نواكشوط – ألاك).

2 - استغلال المحور الطرقي الرابط بين الشامي -  أكجوجت - أطار - تجكجة - صنكرافة، أحسن استغلال .

3- تعزيز  التوازن في حركة السير على مختلف المحاور الطرقية.

إننا نأمل في حملة معا للحد من حوادث السير  من الجهات المعنية دراسة هذا المقترح بجدية، واتخاذ ما يلزم من إجراءات للتخفيف من الضغط المروري على بعض المقاطع الحيوية من طريق الأمل، والتقليل - بالتالي - من حوادث السير على هذه المقاطع.

نواكشوط بتاريخ: الاثنين 29 سبتمبر 2025

معا للحد من حوادث السير.