الخميس، 24 أبريل 2025

بأي منطق يتضامن "الحقوقي" مع المجرم الأجنبي ويتجاهل الضحية الموريتاني؟


قادني "الفضول الاستقصائي" لأن أزور حساب المجرم القاتل يحيى سيسي على الفيسبوك، فصادفتني ـ في هذه الزيارة السريعة ـ منشورات ومقاطع صوتية وبعض الصور التي تستحق التعليق، وكان مما صادفني مقطعا صوتيا نشره حساب يحمل اسم "بوكاري سيسي" في يوم: 02 ـ 12 ـ 2023 ، وشاركه المجرم القاتل يحيى سيسي على حسابه، وتحدثت في هذا المقطع المحامية فاتيمتا أمباي رئيسة الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان  (AMDH)، فشجعت في حديثها المجرم يحيى سيسي، ووصفته بأخيها، وأكدت له أن معركته هي معركة الجميع، وبمن في ذلك أولئك الذين يشتغلون في الخفاء بعيدا عن الأضواء.

لما استمعتُ لهذا المقطع الصوتي وجدتني ملزما بطرح السؤال: لماذا تُدافع فاتيمتا أمباي الحقوقية الشهيرة ـ وغيرها من "الحقوقيين والحقوقيات" ـ عن مجرم أجنبي قاتل؟

ولأن الجريمة تُذَّكِر بالجريمة، والتضامن يذكر بالتضامن، والسؤال يقود إلى السؤال، فلنطرح  سؤالا آخر: لماذا تتضامن المنظمات الحقوقية دائما مع عتاة المجرمين الذين يرتكبون أبشع الجرائم؟ ولكم أن تتذكروا قصة أستاذ اللغة الفرنسية الذي حُكِم عليه بعشرين سنة في جريمة  قتل كانت ضحيتها والدته، فهذا السجين الذي سيصبح فيما بعد ممثلا لبعض المنظمات الحقوقية في السجن، سيرتكب في سجنه جريمة بشعة أخرى تتعلق هذه المرة بتصوير أفلام إباحية من داخل السجن.

إن علاقة المنظمات الحقوقية بمرتكبي الجرائم البشعة بحاجة إلى تحقيق استقصائي، ونرجو أن تبادر إحدى المؤسسات الصحفية الجادة بإجراء ذلك التحقيق.  

هذا عن التضامن مع المجرمين، ولكن ماذا عن غياب التضامن مع الضحايا؟

فلماذا لم تتضامن هذه المنظمات الحقوقية مع  مسن موريتاني، كان ضحية لجريمة بشعة نفذها من وصفته الحقوقية بالأخ، وذلك بالتعاون مع شركائه الأجانب، فقتلوا ذلك المسن، وقطَّعوا جسده إربا إربا في جريمة بشعة هزت مدينة نواذيبو؟

إنه لشيءٌ مؤلمٌ حقا، ومحزنٌ حقا، ومثيرٌ للاستغراب والتعجب حقا، أن تتضامن منظمات حقوقية مع  القاتل الأجنبي، ولا تتضامن مع المقتول الموريتاني؟

فهل يمكن أن نستحضر اللون هنا للإجابة على هذا السؤال؟

وإذا لم نستحضر اللون، فدعونا نسأل من جديد: ما هي مشكلة هذه "المنظمات الحقوقية" مع بعض الضحايا الموريتانيين؟

في يوم 9 سبتمبر 2012 ارتكبت فرقة من الجيش المالي مجزرة راح ضحيتها تسعة دعاة موريتانيين، وقد أجمع الكل على إدانة تلك المجزرة باستثناء المنظمات الحقوقية الموريتانية التي بخلت بإصدار بيان تضامن من سطر أو سطرين، وذلك على الرغم من أن منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية أصدرت بيانا نددت فيه وبشدة بقتل الدعاة الموريتانيين، وطالبت بتطبيق العدالة على الجناة في أسرع وقت ممكن.

ولماذا لم تتضامن هذه المنظمات الحقوقية مع الشعب الموريتاني والدولة الموريتانية، ومع أسر 29 موريتانيا قتلتهم فرقة من الجيش المالي في قرية "ربينة العطاي" في مطلع شهر مارس من العام 2022 ؟

ولماذا لم تتضامن هذه المنظمات الحقوقية مع سبعة موريتانيين آخرين قتلهم جنود ماليين بدم بارد في يوم 19 يناير 2022؟

من الغريب حقا، أن هذه المنظمات الحقوقية التي بخلت بالتضامن مع موريتاني قُتل من طرف  مجرمين من مالي في مدينة نواذيبو، وبخلت كذلك بالتضامن مع عشرات الضحايا الموريتانيين الذين قتلهم الجيش المالي في مناسبات مختلفة، هي نفسها المنظمات التي تكون شديدة الحساسية، وسريعة التضامن، عندما يكون الضحايا أجانب!

ويكفي لتأكيد ذلك، أن نتوقف مع البيان الذي سارعت الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان، والتي ترأسها المحامية فاتيماتا أباي إلى إصداره، عندما بدأت الحكومة في ترحيل المهاجرين غير النظاميين من بلادنا.

لقد عبرت هذه المنظمة، وفي بيان شديد اللهجة أصدرته يوم 06 مارس 2025، عن استيائها الشديد مما تعرض له المهاجرون الأفارقة في موريتانيا، وأدانت في بيانها ـ وبأشد العبارات ـ عمليات: "الاعتقال الجماعي والتعسفي"، و ظروف "الاحتجاز اللاإنسانية" التي تعرض لها المهاجرون في موريتانيا، واعتبرت المنظمة في بيانها أن ما ترتكبه موريتانيا في حق المهاجرين يشكل "انتهاكا صارخا للكرامة الإنسانية، وللالتزامات الدولية والإقليمية". ولم يفُت المنظمة أن تُطالب في بيانها  بالوقف الفوري "للاعتقالات التعسفية" و"الترحيل القسري للمهاجرين"، داعية المجتمع المدني وكل المدافعين عن حقوق الإنسان إلى التدخل العاجل ل"حماية كرامة المهاجرين" في موريتانيا.

هذه المنظمة التي تبالغ دائما في إظهار الانحياز للأجانب على حساب المواطنين، هي نفسها المنظمة التي زكتها النائب كادياتا مالك جالو في بيانها الذي نشرته في يوم  09 أبريل 2025، والذي جاء فيه: "يتعلق هذا الاستجواب بعمليات الطرد الجماعي للأجانب الذين يُعتقد أنهم في وضعية غير قانونية في بلادنا. ووفقًا لشهادات الضحايا، ولمنظمات حقوقية موثوقة مثل الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان (AMDH)".

ألم تظهر هذه المنظمة ومن بعدها النائب كادياتا انحيازا واضحا لصالح الأجانب على حساب المواطنين الموريتانيين، والمصلحة العليا للبلد؟

مرة أخرى أجدني مضطرا لإعادة طرح السؤال السابق: هل يمكن أن نستحضر اللون هنا للإجابة على هذا السؤال؟

وإذا لم نستحضر اللون، فدعونا نسأل من جديد: متى سيتوقف هذا التمييز الذي تمارسه بعض نخبنا السياسية والحقوقية لصالح الأجانب على حساب حقوق المواطنين ومصلحة الوطن؟

ألا يمكن أن نضع هذا التمييز لصالح الأجنبي، ولأسباب تتعلق باللون، في خانة العنصرية المسكوت عنها؟

المقطع الصوتي 👇



حفظ الله موريتانيا..

الأربعاء، 23 أبريل 2025

جلسة نقاشية لتقييم أداء البرلمان


المداخلات الرئيسة في حلقة الصالون ليوم الأحد 20 أبريل 2025 التي خُصصت لتقييم أداء البرلمان في إنابته الحالية، والإجابة على السؤال: هل يحق للنواب أن يستثنوا أنفسهم من التصريح بالممتلكات والمصالح؟

ما أشبه الليلة بالبارحة..


تعرضت الوكالة الوطنية لسجل السكان والوثائق المؤمنة عند تأسيسها لحملات إعلامية وسياسية قوية، كانت تهدف في مجملها لوأد هذه الوكالة في مهدها، وكانت الاتهامات بالعنصرية جاهزة، وكان هناك من يقول بأن هذه الوكالة لم تؤسس أصلا إلا لغرض واحد، وهو إقصاء السود في موريتانيا، وحرمانهم من أوراقهم المدنية.

تبيَّن فيما بعد أن ما كان يُقال في تلك الحملات لا أساس له من الصحة، وها هي الوكالة تشكل اليوم مفخرة للبلد، تشيد بها حكومات الدول المجاورة في السنغال ومالي، بل وتحاول تلك الحكومات أن تقلد النموذج الموريتاني لضبط وثائقها المؤمنة.

اليوم تتعرض جهود الحكومة للحد من الهجرة غير النظامية لنفس الأساليب والحملات المغرضة من طرف بعض الساعين لإرباك هذا العمل الوطني الهام، فيقولون كذبا بأن جهود الدولة في مجال الحد من الهجرة غير النظامية موجهة أساسا ضد السود في موريتانيا، وأنها تستهدف إبعادهم  من بلدهم.

طبعا هذا كلام سخيف وبلا معنى، ولا يستحق الرد أصلا، ومع ذلك فدعونا نفترض جدلا أن الحكومة تريد فعلا أن تبعد بعض الموريتانيين السود من وطنهم، فحتى ولو افترضنا أنها تريد ذلك، فإنها لن تنجح فيه، لسبب بسيط جدا، وهو أنها لن تجد دولة تستقبلهم.

إن دول الجوار لا تقبل أن تستقبل مواطنيها الذين يحملون جنسياتها إلا بعد الكثير من التحقيق والتثبت، ولو كان بإمكانها أن لا تستقبلهم أصلا لفعلتْ، فكيف لها أن تقبل باستقبال مواطنين موريتانيين تسعى حكومتهم ان ترحلهم عنها لأسباب عنصرية، كما يقول البعض.

لا يوجد أي احتمال لترحيل أي مواطن موريتاني في إطار جهود الحكومة الرامية للحد من الهجرة غير النظامية، وحتى في حالة تفكير الحكومة في ذلك، فإنها لن تجد أي دولة تقبل باستقبال ذلك المواطن الموريتاني المرحل من بلده.

 ما تسمعونه الآن هو مجرد مغالطات لإرباك جهود موريتانيا للحد من الهجرة غير النظامية تقف وراءه جهات خارجية متضررة من ترحيل المهاجرين غير النظاميين من موريتانيا. 

على كل موريتاني مخلص لوطنه أن يدعم إعلاميا وتوعويا الجهود المبذولة للحد من الهجرة غير النظامية في بلادنا، وسيأتي اليوم الذي ستصبح فيه هذه الجهود محل إشادة من دول الجوار، وربما يستنسخونها مستقبلا لحماية بلدانهم من أي هجرة غير منظمة قد تستهدف تلك البلدان.

حفظ الله موريتانيا.

الثلاثاء، 22 أبريل 2025

إلى النائب كادياتا، مع التحية


طالعتُ منشورك الذي أشرتِ إليَّ فيه، وقلتِ فيه إني دخلتُ في حالة من التوتر، أفقدتني السيطرة على الأعصاب، وأن سبب ذلك هو أنك تجرأتِ على مساءلة معالي وزير الداخلية.

حسناً، لا مشكلة لدي في أن أسايرك في قولك هذا، فلنفترض جدلا أن كل انتقادي لك وللنائب خالي جالو جاء فقط كردة فعل على تجرئك لمساءلة معالي وزير الداخلية، لنفترض ذلك، ولننطلق منه في هذا النقاش، ولكن المشكلة أنه ستبقى هناك حجج قوية تُصيب هذه الفرضية في مقتل، وعليك أن تحضري لها ردا متماسكا يحترم عقل المتلقي، إن فكرتِ في الرد على هذا المقال، ولا أظنك فاعلة، ومن تلك الحجج:

1 ـ أنتِ تعلمين جيدا أن هناك طائفة كبيرة من المهتمين بالشأن العام، تنتقد معالي وزير الداخلية بالعشي والإبكار، وأن هذه الطائفة انتقدتك هي أيضا في الأيام الأخيرة، وبأقسى مما انتقدتُك أنا به، فهل سبب انتقاد هؤلاء لك، أنهم هم أيضا فقدوا أعصابهم، ودخلوا في حالة من التوتر الشديد لما علموا بأنك ستسألين وزير الداخلية؟

2 ـ  إن كل من يمتلك القدرة على تحليل الأمور وتقدير المواقف، سيصل حتما إلى خلاصة مفادها، أن وزير الداخلية لن يجد ـ على المستوى الشخصي ـ  موقفا  أحسن من هذا الموقف الذي ستضعينه  فيه من خلال مساءلتك له حول ملف الهجرة غير النظامية.

فلتعلمي ـ يا نائبتنا الموقرة ـ أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بخصوص ملف الهجرة غير النظامية، تدعمها غالبية الشعب الموريتاني، ويمكنك أن تقومي بعملية بحث سريعة في منصات مواقع التواصل الاجتماعي، وعندها ستدركين أن الكثير من معارضي الحكومة يدعمونها في جهودها الرامية للحد من الهجرة غير النظامية، أما من كان يدعمها أصلا، فدعمه لها في الحد من الهجرة غير النظامية كان أقوى وأوضح، وإن كان هناك من ينتقد إجراءات الحكومة في تعاملها مع ملف الهجرة، فسينتقدها على أنها تأخرت كثيرا في اتخاذها لتلك الإجراءات، وأن تلك الإجراءات لم تصل حتى الآن إلى المستوى المطلوب من الصرامة التي يتوقعها الكثير من الموريتانيين.

هناك ـ يا نائبتنا الموقرة ـ  طريقة واحدة وواحدة فقط، يمكنك من خلالها إحراج معالي وزير الداخلية عند سؤاله في ملف الهجرة، وهي أن تنتقديه على تأخر الحكومة في التعامل مع  هذا الملف، أو تنتقديه على أن الإجراءات ما زالت دون الحد المأمول من الصرامة، أو تعبري له عن قلقك وخوفك من أن تتوقف الحكومة في منتصف الطريق، وأن لا تستمر في إجراءاتها الهادفة للتصدي للهجرة غير النظامية، بهذا النوع من الأسئلة يمكنك فعلا أن تحرجي معالي وزير الداخلية، ولكن المشكلة أنك لن تطرحي عليه هذا النوع من الأسئلة، بل العكس، فأنت ستطلبين منه إلغاء هذه الإجراءات التي ما زال الكثير من الموريتانيين يعتبرها دون المستوى المطلوب.

لن يجد معالي وزير الداخلية ـ يا نائبتنا الموقرة ـ  أي حرج على المستوى الشخصي بسبب سؤالك هذا، بل على العكس من ذلك فسيجد نفسه في وضع مريح جدا يوم مساءلتك له، ولا أظن أن وزيرا موريتانيا وجد أو سيجد مساءلة أفضل من هذه.

3 ـ لو أن معالي  وزير الداخلية استشارني، ولا أظنه سيفعلها، فهو لم يستشرني من قبل، حتى يستشيرني في هذه، أقول لو أنه استشارني لقلتُ له: يا معالي الوزير لقد أتاحت لكم النائب كادياتا فرصة لم تتح لوزير داخلية قبلكم، ولا أظنها ستتاح لوزير داخلية بعدكم، ولكم أن تشكروها على هذه الفرصة الثمينة التي أتاحت لكم.

بالفعل، لقد أعطت النائب كادياتا فرصة عظيمة لمعالي وزير الداخلية بإصرارها على سؤاله عن ملف الهجرة غير النظامية، فمثل هذا السؤال بالذات سيجعل  الوزير يتحول من وزير يسائله نائب إلى وزير يسائل نائبا.

نعم يمكن لمعالي الوزير أن يحول الجلسة إلى جلسة لمساءلة النائب كادياتا،  فيسألها عن الدوافع التي جعلتها تخرج عن  الإجماع  الوطني والإقليمي والدولي في استخدام ما عُهِدَ من المصطلحات لوصف ما جرى مؤخرا مع المهاجرين غير النظاميين في موريتانيا، فالجميع يصف ما جرى في بلادنا في الفترة الأخيرة بأنه عمليات ترحيل للمهاجرين غير النظامين، فلماذا خرجت هي وحدها عن هذا الإجماع،  فأبدلت عبارة "ترحيل المهاجرين غير النظاميين"  بعبارة "عمليات الطرد الجماعي"، ثم أبدلت  بعد ذلك "المهاجرين غير النظاميين"  بعبارة "يعتقد أنهم في وضعية غير قانونية"، فبأي منطق يتفق الدبلوماسيون والصحفيون المحليون والإقليميون والدوليون، وكل من تحدث عن هذا الملف في العالم، يتفقوا جميعا على اعتبار أن من رُحِّل من موريتانيا مؤخرا يصنف في خانة "مهاجر غير نظامي" ، فتأتي النائب كادياتا لتخرج عن هذا الإجماع، فتصف المرحلين غير النظاميين من بلادنا، بأنهم "ممن يعتقد أنهم في وضعية غير قانونية"؟

ولماذا تُحاولين يا نائبتنا الموقرة ـ وهذا مما يمكن أن يسألكم عنه معالي الوزير ـ أن تكوني ملكية أكثر من الملك، وأن تكوني أكثر شفقة وأشد تضامنا مع المهاجرين غير النظاميين من حكومات بلدانهم، وممثلي جالياتهم، ومن نخبهم، وحتى من بعض نوابهم  الذين زاروا مؤخرا بلادنا؟

 فهل  تريدين منا أن نكذب تصريحات كل أولئك المعنيين بالملف بشكل مباشر، ونكذب شهادات مجتمعنا المدني، بما في ذلك شهادة رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الانسان الذي نظم زيارات ميدانية لمقر احتجاز المهاجرين غير الشرعيين، وشهادة رئيس الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب الذي نظم هو أيضا زيارات ميدانية لأماكن الاحتجاز، نكذب كل أولئك، ونصدق روايتك أنت لما جرى، والتي تعتبر أن ما جرى كان عبارة عن عمليات "طرد جماعي" لأجانب من لون واحد؟

يبدو أن مسألة اللون الواحد للمهاجرين غير النظاميين الذين تم ترحيلهم مؤخرا من موريتانيا، هي التي أغضبتك، وهي التي أخرجتك من "وقارك السياسي" الذي عرفناك به، وربما تدفعك للخروج ـ بعد تضحيات كبيرة ـ  من النضال في الفضاء الوطني الجامع، إلى النضال في الفضاء العرقي الضيق.

يمكن لمعالي وزير الداخلية أن يثبت لك أن هناك أجانب آسيويين تم ترحيلهم، ويمكنه بالإضافة إلى ذلك، أن يسألك عن اقتراحك الذي ستتقدمين به للزيادة  من حجم أو نسبة "تلوين" المرحلين من المهاجرين غير النظاميين، مع العلم أن لون المرحلين سيعتمد أساسا على لون من يدخل بلادنا من المهاجرين غير النظاميين،  ومع العلم  كذلك أن موقعنا الجغرافي الذي لم نختره، هو الذي جعلنا في منطقة جغرافية توجد فيها حاليا عدة دول غير مستقرة، ويوجد بها حسب بعض الدراسات الموثوقة أكثر من 17 مليون شخص من لون واحد يتأهبون للهجرة، ويعتبرون أن موريتانيا هي الوجهة الأفضل.

فماذا نفعل ـ  يا نائبتنا الموقرة ـ لحل إشكالية اللون الواحد للمرحلين من بلادنا من المهاجرين غير النظاميين؟ فهل تقترحين مثلا أن نرسل سفينة لإحدى الدول العربية، أو نرسلها لإحدى الدول غير العربية في آسيا، ونطلب من حكومات تلك الدول أن تقدم لنا مساعدة من مواطنيها الذين يفكرون في الهجرة، لنأتي بتلك المساعدة إلى بلادنا، ثم نوزع أفرادها على مجموعات، وعند كل عملية ترحيل لمهاجرين غير نظاميين نأخذ مجموعة من تلك "المساعدة البشرية" لنلون بها من سيتم ترحيلهم من بلادنا من المهاجرين غير النظاميين، وبهذا نحل مشكلة اللون الواحد للمهاجرين غير النظاميين المرحلين من بلادنا، فهل تقبلين ـ يا نائبتنا الموقرة ـ  بهذا المقترح؟

4 ـ يظهر مما سبق أن معالي وزير الداخلية لن يتضرر من سؤال النائب كادياتا، بل إن هذا السؤال سيفيده شخصيا، لا شك في ذلك. إن المتضرر الحقيقي من هذا السؤال ـ وهذا ما على النائب أن تدركه ـ  هو الدولة الموريتانية والمصلحة العليا للبلد، فهذا السؤال سيشكل إرباكا للجهود التي قيم بها مؤخرا للحد من تدفق المهاجرين غير النظاميين إلى بلادنا، وهو تدفق بات يهدد بلدنا أمنيا واقتصاديا واجتماعيا.

وإذا ما كان لسؤالك أن يضرَّ بوزير بعينه، فهو سيضرُّ بمعالي وزير الخارجية الذي بذل جهودا كبيرة في الآونة الأخيرة لإقناع الدول التي توجد لها جاليات في بلادنا تضم مهاجرين غير شرعيين، بأن ما تقوم به موريتانيا من ترحيل للمهاجرين غير النظاميين، هو حق سيادي من حقوقها، يجب أن لا يؤثر سلبا على العلاقات الأخوية مع تلك الدول، حتى وإن تضرر بعض مواطنيها من عمليات الترحيل تلك.

إنك بسؤالك هذا ـ يا نائبتنا الموقرة ـ تربكين هذا الجهد الدبلوماسي الكبير، والذي بدأنا بالفعل نقطف ثماره، فاليوم لم نعد نسمع أصواتا في دول الجوار تندد بترحيل مواطنيها الذين يوجدون في بلادنا بطريقة غير شرعية.

الغريب في الأمر أنه لما سكت الجميع، قررتِ أنت أن تطرحي سؤالك هذا، وأن تطلقي قبل طرحه حملة إعلامية وسياسية، لإثبات مغالطة مفادها أن ما جرى في موريتانيا لم يكن عملية ترحيل لأجانب غير نظاميين، بل كان عملية طرد جماعي لأجانب من لون واحد، تم تعذيبهم في أماكن الاحتجاز، وسرقت أموالهم، وحرموا من الأكل والشرب في شهر رمضان الكريم، مع أن أغلبهم من المسلمين.

إن هذه المغالطة قد تعتبرها بعض نخب الدول المتضررة شهادة لا يمكن التشكيك فيها من داخل موريتانيا، فيضعوها في خانة "وشهد شاهد من أهلها"، ويكسرون بموجبها صمتهم، ويطلقون من جديد حملاتهم  التحريضية ضد "موريتانيا العنصرية"، والتي تمارس ـ  حسب شهادة شاهد من أهلها ـ عمليات الطرد الجماعي للأفارقة السود، على أساس اللون، هذا بالإضافة إلى تعذيب من تطرد منهم،  وسرقة أمواله،  وحرمانه من الأكل والشرب في شهر رمضان.

فما هي المصلحة الوطنية التي ستحققينها من هذا يا نائبتنا الموقرة؟

إن كل ما يمكن أن نفهمه من مواقفك الأخيرة، هو أنك لستِ مرتاحة لصمت دول الجوار عن ترحيل الأجانب غير النظاميين في موريتانيا، وأنت تريدين اليوم أن توقفي ذلك الصمت بسؤالك الموجه للوزير، وبإطلالاتك الإعلامية، والتي استحضرتِ فيها عبارات ملغمة من شأنها أن تساهم في كسر ذلك الصمت.  

5 ـ إننا بلد متعدد الأعراق والمكونات، ولكل مكونة وطنية امتداداتها في دول الجوار، شمالا أو جنوبا، وهذا له بكل تأكيد تأثيره السلبي على تعزيز الانتماء والشعور الوطني لدى المواطن الموريتاني، سواء كان ذلك المواطن له امتداد عرقي شمالا أو كان له امتداد عرقي جنوبا. إن ضعف الشعور لدى بعض المواطنين بالانتماء الوطني هو الذي جعل يعض الموريتانيين في فترة من الفترات يفضلون انتمائهم العرقي على حساب انتمائهم الوطني، وقد تجلى ذلك في حالتين بارزتين، تتعلق الأولى منهما بموريتانيين حملوا السلاح مع الصحروايين ضد بلدهم، وتتعلق الثانية بموريتانيين آخرين حملوا السلاح في السنغال ضد بلدهم، بعد أحداث 1989 الأليمة.

هناك صورٌ أخرى "ناعمة" من تغليب الانتماء العرقي على الانتماء الوطني، وهذه لا يحمل أصحابها السلاح، وإنما يكتفون بالعمل السياسي أو الإعلامي لمناصرة امتداداتهم العرقية على حساب المصلحة العليا للوطن، وفي اعتقادي الشخصي، فإن "ترحيل المهاجرين غير النظامين" يضع المصلحة العليا للبلد في كفة، ومصلحة الامتدادات العرقية لبعض مكوناتنا الوطنية في كفة أخرى، وإني أخاف من أن يُغَلِّب البعض مصالح امتداداته العرقية على حساب المصلحة العليا للبلد.

ومما يجب ذكره هنا، أن موريتانيا الدولة لم تقصر في حق تلك الامتدادات العرقية، سواء كانت امتدادات في الشمال أو الجنوب، فموريتانيا تستضيف اليوم الكثير من اللاجئين الهاربين من نيران التصفيات العرقية التي يتعرضون لها يوميا في بعض الدول الشقيقة، وخاصة في مالي، ولذا فالدولة الموريتانية لا يمكن أن يُزايد عليها أحد  بخصوص مد يد العون لتلك الامتدادات العرقية، كلما كانت هناك ضرورة لذلك.

وهي تستقبل اليوم عشرات الآلاف، بل مئات الآلاف، من ضحايا التصفيات العرقية التي ترتكبها أنظمة عسكرية لا تجد من يصفها بأنها أنظمة عنصرية، فهل اللون هو الذي يحمي تلك الأنظمة من أن توصف بالعنصرية؟

6 ـ صحيحٌ أن أول مرة انتقد فيها النائب كادياتا كانت في اليوم الذي نشرت فيه بيانها الذي تحدثت فيه عن مساءلتها لمعالي وزير الداخلية، ولذا فمن حقها الطبيعي أن تربط ذلك الانتقاد بالانتصار لشخص معالي وزير الداخلية.

وصحيح كذلك أني كنتُ على خلاف دائم مع النائب كادياتا في قضايا اللغة والهوية، وقد دار بيننا نقاش في تلك المواضيع، ومع ذلك فلم يحدث أن انتقدتها يوما ولو بمنشور قصير، فلماذا انتقدها الآن والآن بالذات، أي بعد أن أعلنت عن مساءلتها لمعالي وزير الداخلية؟

هذا سؤال مشروع يمكن أن تطرحه النائب لدعم فرضيتها القائلة بانتصاري لمعالي وزير الداخلية، ولكن يبقى السؤال الأهم: هل كنتُ وحدي في ذلك؟ أم أن هناك أعدادا كبيرة من المهتمين بالشأن العام لم ينتقدوا النائب كادياتا سابقا، وبدؤوا انتقادها بشكل مكثف بعد بيانها المذكور؟

نعم كنتُ على خلاف مع النائب كادياتا في قضايا وطنية جوهرية، ولكني كنتُ أحترم لها تاريخها النضالي الطويل، ولم أتجرأ يوما على انتقادها في فضاء عام احتراما لذلك التاريخ، ولكن المشكلة أن النائب كادياتا بدأت تتصرف الآن، وكأنها أرادت أن تلغي كل ذلك التاريخ في سلة المهملات.

ربما يكون سبب ذلك، أنها كانت في الماضي تناضل من داخل  حزب وطني وهو حزب اتحاد قوى التقدم، فخرجت أو أخرجت منه، وولت وجهها شطر تحالف جود، ولكنها في الانتخابات الرئاسية الماضية دعمت مرشحا من خارج ذلك التحالف، وذلك من قبل أن تتبرأ من دعم ذلك المرشح، وتصدر بيانا مع آخرين يتهمون فيه مرشحهم بالخيانه لاعترافه بالنتائج. هكذا وجدت النائب نفسها خارج أي إطار سياسي، وربما جعلها ذلك تغير من خطابها، فتتخلى عن الخطاب الوطني الجامع، وتأتي بخطاب ضيق لعله يستقطب لها بعض أبناء المكونة.

لا يليق بمناضلة وسياسية بحجم النائب كادياتا أن تلغي تاريخا مشرفا من النضال، ولا يليق بها أن تغير اتجاه بوصلة نضالها بعد كل هذه التضحيات، ويبدو ـ للأسف الشديد ـ بأنها  ماضية في تغيير اتجاه تلك البوصلة.

إن هذا التغير الحاصل في اتجاه بوصلتك النضالية، يا نائبتنا الموقرة، هو الذي جعلني ومعي آخرين كثر ننتقدك لأول مرة،  ونحن لم ننتقدك انتصارا لوزير أو غيره، وإنما انتصارا لكِ أنتِ، في محاولة ـ شبه يائسة ـ  لثنيك عن السير في اتجاه خاتمة سياسية لا تليق بك.

وفي الأخير، أرجو يا نائبتنا الموقرة، أن تتقبلي كامل استغرابي وحيرتي.

حفظ الله موريتانيا ...

الأحد، 20 أبريل 2025

بيان


حرصا منا على تعزيز الشفافية، وسن ترسانة قانونية من شأنها أن تجفف منابع الإثراء غير المشروع، وتَحُدَّ من الفساد، ومشاركة منا في النقاش الدائر حاليا حول استثناء النواب البرلمانيين من التصريح بالممتلكات والمصالح، فإننا نحن المنظمات الموقعة أدناه، لنؤكد على الآتي:


1 ـ ترحيبنا بقرار مؤتمر الرؤساء بالجمعية الوطنية القاضي بتأجيل نقاش مشاريع القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد، آملين أن يشكل ذلك التأجيل فرصة لإدراج النواب في قائمة الموظفين العموميين الملزمين بالتصريح بممتلكاتهم ومصالحهم؛ 


2 ـ أن تصريح النواب بممتلكاتهم ليس إجراءً محليا متعلقا بالشفافية والحكامة فحسب، بل إنه يشكل تجسيدا لالتزامات موريتانيا الدولية التي صادقت عليها (اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، الاتفاقية الافريقية لمنع ومكافحة الفساد)، ومخالفة هذه الاتفاقيات والإخلال بتطبيقها يعتبر خرقا للدستور، وقد يعرض بلادنا لمساءلة دولية، ويقوض مصداقيتها في المحافل الدولية، كما أكد ذلك الخبير القانوني إدريس حرمة بابانا في مقال منشور في العديد من المواقع والمنصات؛


3 ـ أن المشرع الموريتاني إذا ما ألزم النواب بالتصريح بممتلكاتهم ومصالحهم لا يكون قد جاء باستثناء في المنطقة، فأغلب دول الجوار كالمغرب وتونس والجزائر والسنغال، تُلزم النواب بذلك؛


4 ـ  أنه ليس من المناسب أخلاقيا ولا سياسيا أن يتم استثناء النواب من التصريح بممتلكاتهم ومصالحهم، خاصة وأنهم يمارسون سلطة تشريعية ورقابية على الجميع، فمثل ذلك الاستثناء سيضعف كثيرا من مصداقية الجهود المبذولة لمحاربة الفساد؛


لكل تلك الأسباب، فإننا نؤكد على مطالبتنا بإجراء تعديل على مشروع  نص القانون رقم 010 ـ 25 المتعلق  بالتصريح بالممتلكات والمصالح، وذلك لإدراج النواب في قائمة الأشخاص الملزمين بالتصريح بممتلكاتهم ومصالحهم.


نواكشوط : 20 أبريل 2025


تم توقيع هذا البيان على هامش الجلسة النقاشية التي نظمها صالون المدونين، وطرح فيها على المشاركين السؤال: هل يحق للنواب أن يستثنوا أنفسهم من التصريح بالممتلكات والمصالح؟


الموقعون:


1 ـ  الجمعية الموريتانية لتغيير العقليات


2 ـ  منظمة التدخل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية


3 ـ جمعية الصادق للتنمية والصحة وحماية التراث والبيئة


4 ـ  جمعية رجال الغد


5 ـ  منظمة انبط للتنمية الشاملة


6 ـ  المنظمة الموريتانية لمكافحة الهجرة السلبية.


7 ـ  جمعية نور القمر


8 ـ  منظمة بوابة الشمس العالمية الخيرية


9ـ  جمعية العمل من أجل المعوقين في ازويرات


10 ـ  جمعية كنوز لإحياء  الثقافة والتراث


11 ـ  ينبوع اتحاد الحكم الرشيد من اجل التنمية


12 ـ  منظمة طموح وآمال الحقوقية


13 ـ  جمعية الفتح للصحة والتعليم الخيرية


14 ـ  المنظمة الموريتانية للتنمية المستدامة وترقية التعليق


15 ـ جمعية هبة


16 ـ  جمعية اطر وكفاءات من أجل التنمية


17 ـ  التجمع الموريتاني للعمل الاجتماعي   


18 ـ جمعية العمل لعلاج مرضى القلب


19 ـ جمعية خطوة للتنمية الذاتية


20 ـ منتدى 24 ـ 29 للرقابة الشعبية على الأداء الحكومي.

للاستماع للبيان 




السبت، 19 أبريل 2025

النائب كادياتا مرة أخرى!

 


النائب كادياتا:

 - لا يمكن التغاضي عن عمليات ترحيل المهاجرين وجميعهم من لون واحد؛

-  كشفي لحصر الترحيل في الأفارقة دون غيرهم، هو ما جرّ لي اتهامات بالعنصرية؛

- تأكد لدي وقوع انتهاكات بحق المهاجرين غير النظاميين، في مراكز الإيواء؛

- أرى بأن إشادة وزراء خارجية بعض الدول التي تم ترحيل مواطنيها لا يعدو كونه حديثا دبلوماسياً تمليه اللباقة السياسية، ولا يعبّر عن الحقيقة بأي حال.

----

هذه مختصرات من مقابلة النائب كادياتا مع "صحراء 24"، وتؤكد هذه المختصرات بأن النائب انتصرت للمهاجرين المرحلين لأسباب لونية، وتؤكد مرة أخرى بأنها ملكية أكثر من الملك، فهي أشد تعاطفا مع المهاجرين من وزراء خارجية دولهم، فأولئك قد "يتغاضون" عن ظلم المهاجرين، وقد "يجاملون" الحكومة الموريتانية لدوافع دبلوماسية، أما هي فلا تجامل أبدا في حق المهاجرين!!!!

عندما كتبتُ مقالا ردا على بيانها السابق أنبني ضميري، فقد اعتقدت للحظة بأنها ربما تكون قد أخطأت في بيانها ذلك عن غير قصد، وأنها ربما تراجع موقفها مستقبلا، وأكون حينها غير قادر على سحب المقال. أما بعد هذه المقابلة، فقد أيقنتُ أن بيانها السابق أصدرته عن وعي ودراسة دون تسرع، وأن ما جاء فيه هو موقفها الحقيقي.

الآن، أصبحتُ في غاية الارتياح لمسارعتي في نشر ذلك المقال، والذي تجدونه في هذه المدونة. 

الجمعة، 18 أبريل 2025

أليست هذه ازدواجية في التعامل مع المسيئين؟


1 ـ النائب مريم الشيخ والناشط السياسي سيدي ولد الجيلاني مواطنان موريتانيان، كلاهما استخدم عبارات عنصرية مسيئة؛

2 ـ الناشط سيدي ولد الجيلاني أساء إلى المواطن موسى ولد بلال ووصفه ب"العبد"، والنائب مريم الشيخ أساءت لشريحة كاملة، ووصفت البيظان "ببودوات"؛

3 ـ إساءة سيدي ولد الجيلاني كانت عبر مجموعة واتسابية مغلقة ومحدودة الانتشار، وإساءة مريم الشيخ كانت من خلال فيديو منشور على الفيسبوك متاح للجميع مشاهدته؛

4 ـ الناشط سيدي ولد الجيلاني سارع إلى الاعتذار عن إساءته، وحذفها من المجموعة الواتسابية، والنائب مريم الشيخ لم تعتذر عن إساءتها، ولم تحذفها من حسابها؛

5 ـ الناشط سيدي ولد الجيلاني حُكِم عليه بالسجن سنتين نافذتين وغرامة قدرها ثلاثة ملايين أوقية، والنائب مريم الشيخ لم ترفع عنها الحصانة، ولم تحاكم، ولم تعتذر، وإنما اعتذر الرئيس بيرام نيابة عنها وعن غيرها.

هذه المقارنة يمكن أن نوردها في حالات أخرى، فهي تنطبق أيضا على النائب قامو وعلى الناشطة الإيراوية وردة.

شخصيا أدين كل الإساءات، سواءً كانت إساءة لمواطن أو لشريحة، وكل من يسيء يستحق أن يعاقب، ومع ذلك فكنتُ من أوائل المرحبين باعتذار الرئيس بيرام باسم النائبتين، فمن المهم أن نتفادى التصعيد كلما كان ذلك ممكنا، ولكني مع ذلك لا أرى أن التمييز بين المسيئين والإساءات يخدم العدالة وبناء دولة القانون والمؤسسات، فالعفو يجب أن يشمل الجميع، ودون تمييز.

فالناشط السياسي أحمد صمبه، أصبح الآن ضحية للتمييز، ذلك أن إساءته كانت أقل حدة من إساءة النائب مريم الشيخ، فلماذا يبقى في السجن؟ فهل ذنبه الذي يحول دون إطلاق سراحه أنه لا ينتمي لحركة إيرا حتى يعتذر الرئيس بيرام نيابة عنه؟

إني من الذين يقفون بقوة ضد الإساءة لشخص رئيس الجمهورية، فالإساءة إلى شخص رئيس الجمهورية هي إساءة لمنصب رئيس الجمهورية من قبل أن تكون إساءة لشخص الرئيس، ولم يحدث في الفترة التي كنتُ معارضا فيها للنظام أن خاطبتُ الرئيس السابق إلا بأحسن عبارة يمكن أن يُخاطب بها الرئيس، وبطبيعة الحال، فلم يمنعني احترامه ومخاطبته بالرئيس من أن انتقاده بقوة.

إن من واجبنا جميعا أن نحترم رئيس الجمهورية، ولا يمنع ذلك الاحترام  معارضيه من انتقاده وانتقاد نظامه بقوة،  فمنصب رئيس الجمهورية يجب أن يُحمى من الإساءة اللفظية، وهذه ليست حماية لشخص الرئيس، وإنما هي حماية للمنصب نفسه، ويمكنني أن أجزم بأن بعض القادة الذين يطمحون للوصول للرئاسة، والذين ينتقدون اليوم معاقبة من يسيء لرئيس الجمهورية سيدركون أنهم مخطئون عندما يصلون إلى الرئاسة، ولن يترددوا حينها في معاقبة من يسيء إليهم، وليس ذلك حماية لأشخاصهم، وإنما حماية لمنصب رئيس الجمهورية أعلى منصب في الدولة، فحماية هذا المنصب من حماية الدولة.

ختاما

إن العفو الذي استفاد منه البعض يجب أن يشمل الجميع، ولكن من الآن فصاعدا فإنه يجب عدم التساهل مستقبلا مع أي  مسيء، كائنا من كان.

على النظام أن يعمم العفو ليشمل الجميع، وعليه أيضا أن يتعامل  بصرامة مع كل من يرتكب إساءة مستقبلا ضد أي مواطن أو شريحة أو ضد رئيس الجمهورية. 

فلتتوقف الإساءات من الآن، وبعد أن يكون الجميع قد استفاد من العفو.

الخميس، 17 أبريل 2025

نعم لتصريح النواب بممتلكاتهم ومصالحهم


علمنا في "منتدى 24 ـ 29 للرقابية الشعبية على الأداء الحكومي"، أن النواب قد تم استثناءهم من لائحة الموظفين العموميين الملزمين بالتصريح بالممتلكات والمصالح في مشروع القانون رقم 010 ـ 25، والذي سيعرض على التصويت في جلسة علنية يوم الخميس 24 أبريل 2025.

إننا ندعو نوابنا الموقرين، وخاصة في الأغلبية الداعمة لفخامة رئيس الجمهورية، إلى تعديل مشروع القانون، حتى يشملهم، وذلك نظرا للاعتبارات التالية:

1 ـ إن استثناء النواب من التصريح بالممتلكات والمصالح سيعطي انطباعا سلبيا للرأي العام عن جدية أحزاب الأغلبية في دعم الحرب على الفساد التي تعهد بها رئيس الجمهورية في برنامجه الانتخابي "طموحي للوطن"، وهو البرنامج الذي صوت عليه النواب، وسوقوه في دوائرهم الانتخابية، وكان مما تعهد به رئيس الجمهورية في ذلك البرنامج: "مراجعة قانون مكافحة الرشوة، لا سيما فيما يتعلق بأحكام تجريم قضايا الرشوة، والتصريح بالممتلكات، وتضارب المصالح، سعيا إلى مواءمتها مع أفضل الممارسات الدولية في هذا المجال." إن عدم إلزام النواب في بلادنا بالتصريح بالممتلكات، وفي وقت يصرح فيه النواب في المغرب وتونس بممتلكاتهم، سيعني ذلك أن التصريح بالممتلكات في بلادنا لم تتم مواءمته مع أفضل الممارسات الدولية في هذا المجال، وكما تعهد بذلك فخامة رئيس الجمهورية.

2 ـ إن استثناء النواب من التصريح بالممتلكات والمصالح قد يفسره البعض بأنه يدخل في إطار مقاومة الإصلاح، والتي تحدث عنها فخامة رئيس الجمهورية بشكل صريح في إطار حديثه عن الحرب على الفساد في خطاب التنصيب، وذلك عندما قال: "إننا ندرك أن ما تتطلبه الإصلاحات العميقة من تغيير في المقاربات، والعقليات، والمسلكيات، وآليات العمل، غالبا ما يصطدم بمقاومة اجتماعية وإدارية قوية، ونحن مطالبون جميعا بالعمل على منع هذه المقاومة من كبح ديناميكية الإصلاح أو إعاقتها عن تحقيق أهدافها."

3 ـ إن استثناء النواب من التصريح بالممتلكات والمصالح لا ينسجم مع روح "ميثاق منتدى 24 ـ 29 لمحاربة الفساد"، والذي تبناه حزب الإنصاف في يوم 23 يناير 2025، وتبنته أحزاب أخرى في الأغلبية، فقد جاء في البند الثالث من هذا الميثاق أن الحزب الذي يتبناه سيعمل: "على تعزيز البنية القانونية والتشريعية والقضائية في مجال محاربة الفساد وتعزيز قيم النزاهة، وذلك من خلال اقتراح القوانين ذات الصلة والتصويت عليها".

4 ـ لا يُناسب النواب أخلاقيا ولا سياسيا أن يستثنوا أنفسهم من التصريح بالممتلكات والمصالح، وهم الذين يمارسون سلطة رقابية وتشريعية على الجميع، فبأي منطق يُستثنى النواب من التصريح بالممتلكات، والذي شمل كل المنتخبين من رؤساء جهات وعمد؟ وبأي منطق يستثنون من التصريح بالممتلكات في وقت ستشمل فيه قائمة الملزمين بالتصريح 2231 موظفا عموميا؟

نواكشوط: 16 أبريل 2025

منتدى 24 ـ 29 للرقابة الشعبية على الأداء الحكومي.

الأربعاء، 16 أبريل 2025

كيف تقيم أداء البرلمان الموريتاني في إنابته هذه؟


كيف تقيم أداء البرلمان الموريتاني في إنابته هذه، وذلك مع العلم

1 ـ أن بعض نواب الأغلبية ضغطوا على الحكومة ـ دون اعتراض من بقية زملائهم ـ  لحذف النواب من لائحة الموظفين العموميين الملزمين بالتصريح بالممتلكات والمصالح في مشروع القانون رقم 010 ـ 25، والذي سيصوت عليه النواب في جلسة علنية يوم الخميس 24 أبريل 2025؛

2 ـ أن بعض نواب المعارضة لم يعد له من دور إلا نشر الإساءة والكلام البذيء،  ولا أحد من نواب المعارضة يعترض علنا على ذلك؛

3 ـ أن بعض نواب الأغلبية يظهر خلال فترة إنابته، وكأن المواطن انتخبته للدفاع عن الحكومة والتغطية على أخطائها، بدلا من الدفاع عن المواطن الذي انتخبه؛  

4 ـ  أن بعض نواب المعارضة يخلط بين الغاية والوسيلة، فهو يعتقد أن الغاية من وجوده في البرلمان تتمثل في نقد الحكومة، وأن يظهر أمام الناخب وهو يجلدها بأقسى العبارات، ولا يهمه بعد ذلك أن تصحح الأخطاء أم لا تصحح، بل إن بعضهم لم يتورع عن انتقاد الحكومة والدولة خارج البلد، وهناك من دفعه انتقاد الحكومة لأن يظهر وكأنه ينتصر لمصالح المهاجرين غير الشرعيين أكثر من مصالح المواطن؛

5 ـ الغياب المتكرر لنواب الأغلبية والمعارضة على حد سواء، وقد وصل الأمر إلى أن إحدى الجلسات العلنية المهمة في الدورة البرلمانية الماضية،  لم يحضرها إلا 17 نائبا فقط، من مجموع 176 نائبا، أي بنسبة حضور أقل من 10%. أما الغياب عن اجتماعات اللجان الخمس الدائمة في البرلمان، والتي تتم بعيدا عن الإعلام، فحدث عن كثرة الغياب ولا حرج.

6 ـ التعطيل المستمر لعقوبة الحرمان من تعويض الجلسات التي يتغيب عنها النائب، وهذا إجراء تأديبي منصوص عليه في النظام الداخلي للجمعية، ولكنه لم يطبق ـ ولو لمرة واحدة ضد أي نائب ـ منذ العام 1992، وحتى يوم الناس هذا. لا يقبل النواب أي عملية اقتطاع على التغيب رغم أنهم يتلقون رواتب كبيرة من أعلى الرواتب في البلد، وتوزع عليهم القطع الأرضية في أرقى أحياء العاصمة مع كل إنابة، ويمنحون عطلة سنوية من أربعة أشهر، إذا لم تكن هناك دورة استثنائية، وقلما تكون هناك دورة استثنائية، ومع كل ذلك يبخلون بالحضور للجلسات العلنية، وليس في كل يوم من الدورة البرلمانية جلسة علنية، بل إن الأسبوع قد يمر، وقد يمر الأسبوعان والثلاثة دون أن تكون هناك جلسة علنية واحدة.

سيكون تقييم البرلمان في إنابته هذه هو موضوع الجلسة النقاشية القادمة لصالون المدونين (الأحد 20 أبريل 2025)، وسيفرز بعض المتدخلين في الجلسة من خلال تعليقاتهم على هذه التدوينة، سواء بتعميق إحدى النقاط الموجودة فيها، أو بإضافة نقطة جديدة.

الاثنين، 14 أبريل 2025

هل من خيط فاصل بين حرية التعبير وخطاب الكراهية؟

 


ناقش #صالون_المدونين في حلقته لهذا الأسبوع (الأحد 13 أبريل 2025) إشكالية التداخل بين حرية التعبير وخطاب الكراهية، وتساءلت الحلقة عن " الخيط الفاصل بين حرية التعبير وخطاب الكراهية؟"، مستنطقةً مجموعة من الخبراء والباحثين المهتمين بالشأن العام.

وتعددت مداخلات الحلقة ضمن محاولة الإجابة على السؤال، ورصد مختلف جوانبه الشرعية والقانونية والحقوقية والسياسية والإعلامية.

الحلقة أثارت نقاشا معمقا بين ضيوفها حول حرية التعبير، والحدود الفاصلة بينها مع خطاب الكراهية، وتبيانِ الجهة التي يمكنها أن تصنف خطابا ما بأنه تجاوز دائرة حرية التعبير وأصبح في خانة خطاب كراهية.

وقد اتفق أغلب المتدخلين على أن نقد الواقع، ومناصرة المظلوم، أي مظلوم، هي مهمة يجب أن يقوم بها ويشارك فيها الجميع دون استثناء، مع مراعاة الحكمة، ودون إساءة أو خطاب كراهية أو أي ممارسة للعنف اللفظي ضد الآخر. 

حلقة النقاش استمرت لساعات وفي ختامها أوصى بعض المتدخلين بضرورة تأسيس مرصد مستقل يكون معنيا بحماية حرية التعبير ورصد خطابات الكراهية، وطالبوا بتقديم دروس للتلاميذ في مادة التربية المدنية في مواضيع تتعلق بتعزيز السلم الاجتماعي والعيش المشترك، 

كما دعوا إلى تنظيم الندوات والبرامج التلفزيونية والإذاعية لمناقشة كل المواضيع ذات الصلة بالانسجام الاجتماعي والعيش المشترك، ونبذ التطرف، وخطاب الكراهية، والعنف اللفظي.

#معا_نرتقي_بالحوار

للاستماع إلى المداخلات الرئيسية..👇

مداخة الشيخ سيد أحمد الزحاف

مداخلة المهندس الحقوقي أحمد سالم أحمد دكله

مداخلة الصحفي كيسيما جاكانا

مداخلة الدكتورة خديجة سيدنا

مداخلة الأستاذ محمد الأمين الداه

مداخلة النائب محمد الأمين سيدي مولود

مداخة الإمام حبيب الله أحمد

مداخة المحام جعفر أبيه




الأحد، 13 أبريل 2025

كيف نرفع من مستوى الانتماء الوطني؟


لا علم لي بوجود مؤشر دولي لقياس مستوى الوطنية لدى الشعوب، ولو وُجِد مثل هذا المؤشر، لكان الشعب الموريتاني في أسفل اللائحة، ذلك أن انتماء وولاء حاملِ الجنسية الموريتانية لوطنه يكون في الغالب الأعم انتماءً ضعيفا، إذا ما قورن بانتماء وولاء الآخرين لأوطانهم.

يمكننا القول بأن هناك أسباباً وعوامل عديدة أدت في مجملها إلى ضعف الانتماء الوطني لدى الموريتانيين، ويمكننا أن نُفَصِّل في تلك الأسباب من خلال العودة إلى ثلاث مراحل من تاريخ الدولة الموريتانية، شهدت كل واحدة منها عوائق خاصة بها، حالت دون تعزيز وتقوية الانتماء الوطني لساكنة هذه الأرض.

المرحلة الأولى: فترة الاستعمار

لم يعرف الموريتانيون الدولة بمفهومها الحديث من قبل الاستقلال، فمن المعروف أن الدولة لم تظهر على هذه الأرض قبل مجيء الاستعمار، وبعد مجيء الاستعمار ارتبطت في أذهان ساكنة هذه الأرض بالمستعمر الكافر، ولذا فلم يكن غريبا، أن ينظر ساكنُ هذه الأرض إلى الدولة في ذلك العهد نظرة سلبية جدا، بل عدائية، فاعتبرها دولة كافرة، لا يجوز أن تحظى بأي ولاء أو انتماء من طرفه، بل إن من واجبه، وواجب مجتمعه أن يعاديها، ويعادي مرافقها العمومية القليلة التي أقامتها في فترة الاستعمار كالمدارس مثلا.

لا يمكن في هذه المرحلة من تاريخ البلد أن ننتقد الموريتاني لضعف انتمائه أو ولائه لدولة المستعمر، بل على العكس من ذلك، فذلك الموقف يستحق عليه التقدير والثناء، فالوطنية الحقة تقتضي دائما معاداة دولة المستعمر.

المرحلة الثانية: من ( 1960 ـ 1991)  

 من الناحية النظرية تعدُّ هذه هي المرحلة المثالية في تاريخ البلد، والتي كان من المفترض أن تُزرع فيها بذرة الانتماء الوطني، لتنمو وتثمر في نفس كل موريتاني، ولكن هذه الفترة شهدت ـ للأسف ـ بعض العوائق التي حالت دون نمو تلك البذرة بشكل طبيعي، ويمكن تقسيم هذه العوائق إلى قسمين:

1 ـ العائق الإيديولوجي: لقد تجذرت الإيديولوجيا في نفوس الكثير من الموريتانيين، من قبل أن تتجذر الوطنية في نفوسهم، ولذا فقد أصبح في موريتانيا كادحون وبعثيون وناصريون وإسلاميون من قبل أن يكون فيها موريتانيون، فهرم الانتماء بدأ مقلوبا، حيث غُرست في نفوس الكثير من الموريتانيين بذرة الانتماء الإيديولوجي من قبل أن تغرس في نفوسهم بذرة الانتماء الوطني، أي أن الوعي الإيديولوجي في بلادنا كان سابقا للوعي الوطني، وهذه حالة غريبة من نوعها، ربما تكون بلادنا قد امتازت بها عن بقية بلدان العالم؛

2 ـ  وجود امتداد عرقي خارج حدود البلاد: من المعروف أنه توجد ببلادنا عدة مكونات وأعراق، وأن لكل مكون أو عرق امتداداته الخارجية شمالا أو جنوبا، وتوجد تلك الامتدادات العرقية في دول ظهرت وتشكلت من قبل أن تتشكل الدولة الموريتانية، وهذا كان له أيضا تأثيره السلبي، حيث أدى إلى إضعاف الشعور بالانتماء الوطني للكثير من الموريتانيين، وكانت هناك دعوات صريحة من بعض النخب السياسية قبيل الاستقلال ومن بعده إلى الانضمام لدول قائمة شمالا أو جنوبا، وحتى من بعد اعتراف الجميع بالدولة الموريتانية المستقلة، فمازال هناك بعض الموريتانيين يضع انتماءه لامتداده العرقي الخارجي فوق انتمائه الوطني، ويعتبر أن الشخص الذي ينحدر من نفس العرق أو المكونة أخا قريبا، حتى ولو كان يحمل جنسية بلد آخر، وهو أقرب إليه من أخيه في الوطن، إذا كان ذلك الأخ في الوطن  ينتمي إلى مكونة أخرى، وينحدر من عرق آخر غير عرقه، وهذا مما جعل بعض الموريتانيين من مختلف الأعراق والمكونات يرى بأن تعزيز صلته بامتداد عرقه الخارجي، أولى من تعزيز صلته بإخوته في الوطن الذين ينتمون إلى مكونات وطنية أخرى.

المرحلة الثالثة:  من 1991 إلى اليوم

لقد شكل انطلاق المسار الديمقراطي في بلادنا بداية التسعينيات من القرن الماضي، من قبل تَشَكُّل أحزاب سياسية ونقابات ومنظمات مجتمع مدني تتمتع بالحد الأدنى من المؤسسية، إلى انتعاش الخطاب القبلي والعرقي والجهوي، وإلى العودة إلى القبيلة والعرق والجهة لتعزيز المكانة السياسية، ولاستقطاب أكبر عدد من الناخبين، وفي مرحلة لاحقة انتعش الخطاب الفئوي والشرائحي، وكان لابد له من أن ينتعش، كردة فعل من طرف أولئك الذين لا يستطيعون أن يستنفروا القبائل، فما كان منهم إلا أن استنفروا الشرائح، لتحقيق مكاسب سياسية، ولاستقطاب الناخبين في فترة المواسم الانتخابية.

لقد كان من النتائج السلبية لما عرف عندنا بالمسلسل الديمقراطي ـ وهذه مفارقة مؤلمة ـ أنه أدى في المحصلة النهائية، إلى انتعاش الخطاب القبلي والعرقي والجهوي والشرائحي، على حساب الخطاب الوطني الجامع، فتجذرت وتعززت الولاءات والانتماءات الضيقة بشكل لم تعرفه بلادنا من قبل، وكان ذلك ـ بطبيعة الحال ـ على حساب الانتماء لوطن جامع.

إن المتتبع الفطن لهذه المراحل التاريخية الثلاث، سيستخلص ـ ودون عناء فكري ـ أن الانتماء الوطني لموريتانيا لم يتعزز بشكل كافٍ في أي مرحلة من تلك المراحل المذكورة آنفا، ففي فترة الاستعمار كان من الطبيعي جدا أن يغيب الولاء والانتماء الوطني لموريتانيا المحكومة من طرف المستعمر، وبعد الاستقلال، وفي الفترة التي كان يُفترض فيها أن يتعزز الانتماء الوطني ويبلغ ذروته، ظهرت الأيدولوجيات، فنافس الانتماء لها الانتماء الوطني، هذا فضلا عن التأثير السلبي للامتداد الخارجي للمكونات الوطنية، ومع انطلاق المسار الديمقراطي برزت الانتماءات الضيقة وتجذرت في نفوس الكثير من الموريتانيين بشكل غير مسبوق، كبديل للأحزاب السياسية التي ظلت ضعيفة، وكان لذلك أثره السلبي الكبير على الانتماء الوطني.

يمكن أن نضيف إلى  كل تلك العوائق السلبية غياب الإنجاز لدى الأنظمة الحاكمة المتعاقبة، فلو أنه حصلت إنجازات كبرى خلال العقود الماضية من عمر الدولة الموريتانية، لتعزز الانتماء الوطني بشكل تلقائي، حتى في ظل وجود عوائق كتلك التي تحدثنا عنها سابقا، ولكن المشكلة أن الإنجازات الكبرى غابت، وصاحب غيابها وجود العوائق المذكورة آنفا، وهو ما أدى في المحصلة النهائية إلى ضعف، بل وإلى غياب، الشعور بالانتماء الوطني لدى الكثير من حاملي الجنسية الموريتانية، وتجلَّى غياب ذلك الشعور في حصول انقلاب لدى النخبة الموريتانية  فيما يمكن تسميته بهرم ترتيب المصالح، فهرم ترتيب المصالح الطبيعي هو أن يأتي تحقيق المصلحة الوطنية (المصلحة العامة) أولا، وأن يكون هو الأكثر حضورا في نفوس المهتمين بالشأن العام أثناء ممارستهم لمهامهم أو أنشطتهم ذات الصلة بالمجال العام، ثم تأتي بعد ذلك، وفي الرتبة الثانية، مصلحة الحزب أو المنظمة أو النقابة أو أي تجمع من أي نوع ينخرط فيه من يتحرك في المجال العام، ثم تأتي ثالثا المصلحة الشخصية الضيقة لمن يهتم بالشأن العام.

الحاصل في بلادنا ومنذ عقود، هو أن هناك انقلابا قويا في هرم ترتيب المصالح، فكثير من المهتمين بالشأن العام يضعون مصالحهم الضيقة في قمة الهرم (الرتبة الأولى)، أي أن مصالحهم الشخصية تكون هي الحاضر الأول في تفكيرهم أثناء ممارستهم لوظائفهم الإدارية، أو أثناء تدخلاتهم في المجال العام، ومهما كانت طبيعة تلك التدخلات.

ثم تأتي في الرتبة الثانية، من هرم ترتيب المصالح، مصلحة الحزب أو النقابة أو الجمعية أو أي تجمع ينتمي له من يهتم بالشأن العام، ولأن الانتماء الحزبي والنقابي والجمعوي ضعيف جدا لدى النخب، فقد استبدِلت هذه الانتماءات بالانتماء للمكونة أو القبيلة أو الشريحة، ولذا ففي ترتيب المصالح، فإن مصلحة القبيلة أو الشريحة أو الجهة تأتي في الرتبة الثانية بعد المصلحة الشخصية الضيقة التي تأتي أولا.

وفي الرتبة الدنيا، أي الرتبة الثالثة، تأتي المصلحة الوطنية (المصلحة العامة)، ويعني هذا أن أغلب الفاعلين في الشأن العام يسعون في كل ما يقومون به من تحرك في المجال العام إلى تحقيق مصالحهم الضيقة الخاصة أولا، ويسعون ثانيا إلى تحقيق مصالح قبائلهم أو شرائحهم، وفي الرتبة الثالثة والأخيرة في ترتيب المصالح التي تدفعهم للتحرك في المجال العام، يضعون المصلحة العليا للبلد، ومما لاشك فيه أن هذا انقلابٌ بَيِّنٌ في ترتيب المصالح، وهو يعتبر ظاهرة مرضية في منتهى الخطورة تعانيها النخب التي كنا نتوقع منها أن تقود الإصلاح في موريتانيا، وليست هذه الظاهرة أو العرض المرضي إلا حالة واحدة من 15عرضا مرضيا عددتها في كتاب: "أيها المواطنون الصالحون أنتم المشكلة"، وأدت هذه الأعراض المرضية في مجملها إلى أن النخب الصالحة في موريتانيا أصبحت نخبا بلا فعل إصلاحي، أو على الأصح، بلا أثر إصلاحي على أرض الواقع.

والآن، لنعد إلى السؤال الذي طرحه عنوان المقال: كيف نرفع من مستوى الانتماء الوطني؟

مما لاشك فيه أن هذا سؤال في غاية الأهمية، وقد بات من الملح أن نبحث له عن جواب شاف، ومساهمة مني في البحث عن جواب لهذا السؤال المهم، فإني أتقدم بمقترحين، أحدهما مفصل على مقاس المواطن العادي، والثاني مفصل على مقاس النخب السياسية.

مقترحٌ خاصٌ بالمواطن العادي.

سأقدم هنا مقترحا في ثنايا قصة مواطن أمريكي عادي، أوردتها في مقال: "وماذا قدمتَ أنتَ للوطن؟"، المنشور لأول مرة يوم الأحد الموافق 15 مايو 2011، ثم أعيد نشره في كتاب: "أيها المواطنون الصالحون أنتم المشكلة".

تقول القصة إن مواطنا أمريكيا يدعى "مارتن تربتو"، وُجِد مقتولا في العام 1917 في ساحة المعركة، فيما يعتقد هو أنه كان دفاعا عن أمريكا. لقد دفع الشعور الوطني بهذا المواطن الأمريكي البسيط إلى ترك محل الحلاقة الصغير الذي كان يعمل به، والذهاب إلى ساحة الحرب للدفاع عن أمريكا.
لقد وجدوه مقتولا، ووجدوا معه ورقة كتب عليها: "العهد الذي أخذته على نفسي: يجب أن تنتصر أمريكا في هذه الحرب. سأعمل، سأدخر، سأضحي، سأتحمل، سأحارب وأفعل كل ما بوسعي، كما لو أن الأمر برمته متوقف عليَّ أنا وحدي".
لا يمكن أن نجد للوطنية تفسيرا أبلغ من هذه الكلمات القليلة التي كتبها هذا الأمريكي البسيط، فهل بإمكان أي واحد منا ـ نحن سكان هذه البقعة من الأرض ـ أن يأخذ ورقة ويكتب فيها: "العهد الذي أخذته على نفسي: يجب أن تنتصر موريتانيا في حربها ضد التخلف والفساد والهجرة والمخدرات والبطالة. سأعمل، سأدخر، سأضحي، سأتحمل، سأحارب وأفعل كل ما بوسعي، كما لو أن الأمر برمته متوقف عليَّ أنا لوحدي".
أشك أن فينا من بإمكانه أن يتجرأ بكتابة تعهد كهذا، وأشك أن فينا من يمكنه أن ينفذ هذا التعهد إن تجرأ واتخذه، والسبب في ذلك معروف وهو ضعف الانتماء الوطني لدينا، فهل فينا من يستطيع أن يبدأ من الآن في تعزيز الانتماء الوطني لديه، حتى يكون بإمكانه أن يكتب تعهدا من هذا القبيل، ويعمل ـ بعد ذلك ـ على تنفيذ ما جاء فيه من التزامات وتعهدات؟

حاول ـ وأنا هنا أخاطب كل من سيقرأ هذه السطور ـ أن تعزز في نفسك الشعور بالانتماء الوطني، إلى أن تصل إلى درجة تجعلك قادرا على أن تضع مصلحة موريتانيا في أعلى قمة هرم ترتيب المصالح لديك، وقادرا كذلك على كتابة تعهد تلتزم فيه بتخصيص ساعة ـ على الأقل ـ  من كل أسبوع للخدمة العامة التي لا تنتظر منها مكاسب شخصية.

مقترحٌ خاص بالنخب السياسية

إن المطلوب من النخب السياسية هو أن تغرس بذرة الوطنية في نفوسها أولا، ثم تغرسها من بعد ذلك في نفوس المواطنين، وأول خطوة لتحقيق ذلك تتمثل في أن يكون خطاب النخبة السياسية بمختلف توجهاتها وتخندقاتها خطابا وطنيا جامعا، لا خطابا قبليا أو فئويا أو شرائحيا أو عرقيا أو جهويا.

أذكر أني لما ترشحتُ لمقعد نائب عن دائرة نواكشوط الشمالية في انتخابات مايو 2023، كان أول شيء أقوم به هو أني أطلقتُ قبل الحملة ميثاقا شرفيا من خمسة بنود، ووجهتُ دعوة إلى كل المترشحين في دائرتي الانتخابية لتوقيعه، وكان ذلك من خلال نقطة صحفية نظمتها قبل انطلاق الحملة، وللأسف، فلم يقبل أي مترشح بتوقيعه، ومع ذلك فقد التزمت حرفيا ببنوده الخمسة، وهذا نص الميثاق:

"دعوة لرؤساء اللوائح المتنافسة في نيابيات نواكشوط الشمالية لتوقيع ميثاق شرف انتخابي :

سعيا منا لتنظيم انتخابات نيابية في ولاية نواكشوط الشمالية ذات مصداقية، لا يمكن الطعن فيها، وتعكس الإرادة الحقيقية للناخب، يمتلك فيها الفائز منا شرعية لا يمكن التشكيك فيها، وتحظى باعترافنا جميعا بصفتنا متنافسين في هذه الولاية؛

وسعيا منا كذلك لأن نَسُنَّ سنة انتخابية حسنة في دائرتنا الانتخابية يمكن للدوائر الأخرى أن تستفيد منها، فإننا ندعوكم بصفتكم مترشحين لنيابيات نواكشوط الشمالية إلى توقيع ميثاق شرف انتخابي يتضمن البنود الخمسة التالية:

 1 ـ الابتعاد بشكل كامل عن الخطاب القبلي والفئوي والشرائحي والعرقي، وعن كل ما من شأنه أن يمس بالوحدة الوطنية؛

 2 ـ مقاطعة الاجتماعات والمهرجانات التي يكون فيها الحضور على أساس قبلي أو جهوي أو شرائحي؛

3 ـ رفض شراء الذمم وعدم استخدام أي وسيلة غير شريفة للتأثير على الإرادة الحرة للناخب؛

4  ـ عدم ممارسة أي شكل من أشكال التزوير؛

 5 ـ التركيز خلال الحملة الانتخابية على البرامج، والأفكار، والحوارات، والمناظرات التي من شأنها أن تثقف الناخب، وترسخ الممارسة الديمقراطية في البلد.

 

إن اعتماد ميثاق شرف كهذا، وتوقيعه من طرف المترشحين للانتخابات ـ أي انتخابات قادمة ـ  سيكون ضروريا لضمان وجود مُنْنتَخبين وطنيين، يتبنون خطابا وطنيا جامعا، وذلك لأنهم فازوا في الانتخابات بذلك الخطاب الوطني الجامع، أما من فاز بخطاب قبلي أو شرائحي أو عرقي أو فئوي، فسيكون ولاؤه للقبيلة أو الشريحة أو العرق الذي أوصله إلى ذلك المقعد الانتخابي، أو يكون ولاؤه للمال إن كان المال هو الذي أوصله لذلك المقعد، وليس من المتوقع أن ننتظر من مثل أولئك ولاءً للوطن، ولا أن نتوقع منهم أن يغرسوا قيم المواطنة في نفوس المواطنين الذين صوتوا لهم في دوائرهم الانتخابية.

لقد أصبحت هناك ضرورة ملحة لإطلاق ميثاق شرف قبل أي انتخابات قادمة، يكون التوقيع عليه إلزاميا لكل مترشح، ومن المؤكد أن ذلك سيساعد مستقبلا في تعزيز الخطاب الوطني الجامع، وفي الحد من حضور الخطاب العرقي والقبلي والشرائحي والجهوي، والذي أصبح ـ للأسف الشديد ـ هو الخطاب السائد لدى غالبية النخبة السياسية في البلاد.

 

حفظ الله موريتانيا

الجمعة، 11 أبريل 2025

أين هؤلاء الوزراء الثلاثة؟


تابعتُ مساء اليوم بثا مباشرا من أمام مستشفى التخصصات المعروف محليا ب "طب كوبا" حيث يوجد 32 عاملا  ـ حسب معلومات صحفية ـ تعرضوا فجر اليوم لتسرب غاز "المونياك" من أحد مصانع السمك، مما استوجب نقلهم إلى المستشفى.

يوجد أمام المستشفى أهالي العمال، وكان من المفترض أن يتنقل معالي وزير الصحة إلى المستشفى ليطلع بشكل مباشر على الإجراءات الطبية، ويتابع وضعية العمال عن قرب.

وتابعتُ كذلك ـ وبشكل متزامن ـ بثا مباشرا من أمام مقر خفر السواحل بنواذيبو، حيث  تجمهر أهالي 5 بحارة كانوا على متن زورق اختفى في المياه الإقليمية بعد اصطدامه ليلة البارحة بباخرة.

تابعتُ بثا مباشرا من التجمهر، وكان من المفترض أن ينتقل  معالي وزير الصيد إلى عين المكان، ويتابع عمليات البحث مع خفر السواحل، ويواسي أهالي البحارة المفقودين، نسأل الله تعالى أن يعيدهم إلى ذويهم سالمين. 

حتى السلطات الجهوية في مدينة نواذيبو غابت عن التجمهرين.

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فكثيرا ما ننظم في حملة معا للحد من حوادث السير  زيارات لمواقع حوادث سير مميتة، ونواسي ذوي الضحايا، ولم يحدث أن شاهدنا وزيرا للتجهيز والنقل ولا أي مسؤول في الوزارة ينظم زيارة ميدانية لموقع حادث سير مميت أو يعزي ذوي الضحايا.

نتابع هذا الموضوع منذ تسع سنوات، ونحاول دائما أن نتحرك إلى مواقع حوادث السير التي تكون حصيلتها ثقيلة، وكل ذلك على حسابنا في الحملة مع ان جل أعضائها من العاطلين عن العمل، نقوم بذلك دون أي مساعدة من أي جهة حكومية أو خاصة، أي أنه على حسابنا الخاص، ولم يحدث أن صادفنا وجود موظف في الوزارة عند موقع حادث سير.

حتى حادث السير الأخير الذي وقع عند منعرج جوك وتوفي فيه ثلاثة من عمال مؤسسة أشغال صيانة الطرق ETER، وأصيب فيه خمسة آخرون، فحتى هذا الحادث لم يجعل الوزير يتحرك إلى موقعه رغم أن المتوفين والجرحى عمالا في شركة تتبع إلى الوزارة.

فإلى متى سيبقى الوزراء في مكاتبهم عند وقوع مثل هذه الحوادث التي تستدعي تحركهم العاجل؟

#السلامة_الطرقية_مسؤولية_الجميع

،#معا_للحد_من_حوادث_السير

الخميس، 10 أبريل 2025

ماذا يُراد بهذا البيان الغريب في محتواه وتوقيته؟


"في الثالث من أبريل 2025، وبموجب الصلاحيات التي يمنحها الدستور للبرلمان ووفقًا لأحكام النظام الداخلي للجمعية الوطنية، وجهتُ استجوابًا إلى وزير الداخلية واللامركزية والتنمية المحلية. يتعلق هذا الاستجواب بعمليات الطرد الجماعي للأجانب الذين يُعتقد أنهم في وضعية غير قانونية في بلادنا. ووفقًا لشهادات الضحايا، ولمنظمات حقوقية موثوقة مثل الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان
(AMDH)، وعدد من النواب البرلمانيين، فإن عمليات الترحيل هذه تتم مع انتهاكات جسيمة لحقوق المهاجرين، مما يسبب حالة من الإحراج العميق والاستياء لدى دول شقيقة ومجاورة، ويعرض مواطنينا في هذه الدول لخطر الانتقام والمعاملة بالمثل.

إن دافع هذا الاستجواب هو الطابع الاستعجالي والخطورة البالغة للوضعية، التي لا تخلو من تذكيرنا بالأحداث المؤسفة لعام 1989، والتي لا نزال ندفع ثمنها حتى اليوم".

 

كانت تلكم مقدمة بيان صادر في نواكشوط بتاريخ: 09 أبريل 2025، وموقع من طرف النائب كادياتا مالك جالو.

دعونا نتوقف بعجالة عند هذه الفقرة من بيان النائب كادياتا مالك جالو، وذلك من خلال النقاط التالية:

1 ـ  صنَّفت هذه الفقرة من بيان النائب كادياتا ما حدث في الأسابيع الماضية في بلادنا من ترحيل لمهاجرين غير نظاميين "بعمليات الطرد الجماعي".

من المؤسف حقا أن  تستخدم  النائب كادياتا في بيانها عبارة "طرد جماعي" لوصف ما جرى، وذلك في وقت يصف فيه ساسة ونواب ووزراء ورؤساء جاليات الدول المتضررة ما حدث  بأنه ترحيل لمهاجرين غير النظاميين.

 فلماذا كانت نائبتنا الموقرة ملكية أكثر من الملك في بيانها هذا؟ ولماذا أظهرت تعاطفا مع المهاجرين المرحلين أقوى من تعاطف نواب من دول أولئك المهاجرين، حيث لم يتجرأ أحدهم أن يُصَنِّف ما جرى بكونه "طردا جماعيا"؟

2 ـ حددت النائب كادياتا في بيانها الضحايا الذين تعرضوا لعمليات الطرد الجماعي، بأنهم "الأجانب الذين يعتقد أنهم في وضعية غير قانونية في بلادنا". ويمكنكم أن تضعوا أكثر من خط تحت كلمة "يعتقد". لا يستطيع أي سنغالي أو مالي أو أي مواطن من الدول التي رحل بعض مواطنيها أن يدعي بأن المرحلين كانوا في وضعية قانونية. إن كل من تم ترحيلهم مؤخرا من المهاجرين غير النظاميين صرحوا أمام ممثلي جالياتهم، بأنهم قد استوفوا جميع حقوقهم، وأنهم لا يمتلكون إقامة، وكانت الحكومة الموريتانية قد أعطتهم من قبل ترحيلهم مهلة زمنية طويلة جدا لا تعطيها لمواطنيها، وفتحت لهم التسجيل المجاني بصفته أجانب مقيمين لدى الحالة المدنية، وكل ذلك كان من أجل أن يسووا وضعيتهم القانونية، ولكنهم لم يفعلوا.

إن كل هذه الإجراءات هي التي حالت دون التشكيك في قانونية الترحيل من طرف نخب الدول المتضررة، والكل كان يعلم بأنهم في وضعية غير قانونية، وحدها النائب كادياتا لا تستطيع أن تجزم بأنهم كانوا في وضعية غير قانونية، ولذا فقد لجأت إلى استخدام كلمة: "يعتقد" في بيانها، حيث قالت:" الأجانب الذين يعتقد أنهم في وضعية غير قانونية في بلادنا".

3 ـ أظهر البيان أن النائب كادياتا تستقي معلوماتها  عن المهاجرين غير النظاميين المرحلين مؤخرا من بلادنا من ثلاثة مصادر فقط: الضحايا أولا،  والمنظمات الحقوقية الموثوقة ثانيا، مثل الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان (AMDH)، ولكم أن تضعوا أكثر من خط تحت كلمة موثوقة، أما المصدر الثالث فهو "عدد من النواب البرلمانيين".

في مقابل شهادات الضحايا، ومن أجل الحد الأدنى من التوازن في مصادر المعلومات، لم  تأخذ النائب بعض المعلومات من المصادر الرسمية، وإنما اكتفت هنا بشهادات الضحايا فقط. أما بخصوص منظمات المجتمع المدني، فقد تجاهلت النائب البيان الذي أصدره منتدى المجتمع المدني في يوم 28 مارس 2025، ووقعه ممثلو عشرات المنظمات الحقوقية، نذكر من بينها على سبيل المثال: "منظمة نجدة العبيد". يبدو أن كل هذه المنظمات ليست منظمات موثوقة حسب النائب كادياتا.

تجاهل البيان أيضا شهادة رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الانسان الذي نظم زيارات ميدانية لمقر احتجاز المهاجرين غير الشرعيين، وتجاهل كذلك تصريح رئيس الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب في أعقاب زيارته لمراكز احتجاز المهاجرين غير النئاميين في نواكشوط. وكل هؤلاء يعتبرون ـ حسب النائب كادياتا ـ مصادر غير موثوقة، ولا يمكن أن يأخذ بشهادتهم عن ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، ووحدها الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان (AMDH)، والتي ترأسها المحامية  "فاتيمتا أمباي"، هي التي يمكن اعتبارها مصدرا موثوقا، وذلك لأنها أصدرت بيانا قويا يوم 06 مارس 2025، عبرت فيه عن استيائها الشديد مما تعرض له المهاجرون الأفارقة في موريتانيا، وأدانت فيه ـ وبأشد العبارات ـ عمليات: "الاعتقال الجماعي والتعسفي"، و ظروف "الاحتجاز اللاإنسانية" التي تعرض لها المهاجرون في موريتانيا، وأكدت الجمعية في بيانها أن ما ترتكبه موريتانيا في حق المهاجرين يشكل "انتهاكا صارخا للكرامة الإنسانية، وللالتزامات الدولية والإقليمية".

وطالبت الجمعية في بيان 06 مارس بالوقف الفوري "للاعتقالات التعسفية" و"الترحيل القسري للمهاجرين"، ودعت المجتمع المدني وكل المدافعين عن حقوق الإنسان إلى التدخل العاجل ل"حماية كرامة المهاجرين" في موريتانيا.

فقط، وللتذكير، فإن هذه الجمعية لم تعلم حتى الآن بأن الجيش المالي قد ارتكب مجزرة في يوم 9 سبتمبر من العام 2012  في حق تسعة من الدعاة الموريتانيين، حتى تُصدر بيان تنديد أو رسالة تعزية من سطر أو سطرين لضحايا تلك المجزرة، ولم تعلم هذه الجمعية أيضا بأن عشرات الموريتانيين قتلوا في السنوات الأخيرة في مالي حتى تُصدر بيانا لتعزية ذويهم. هذه هي المنظمة الحقوقية الموثوقة، والتي تستقي منها النائب كادياتا المعلومات عن أوضاع المهاجرين في موريتانيا.

أما المصدر الثالث المعتمد لدى النائب كادياتا (عدد من النواب)، فلن أعلق عليه، فأنتم تعرفون من هم النواب المقصودين هنا.

4 ـ توصلت النائب كادياتا، واعتمادا على شهادات المصادر المعتمدة لديها إلى الاستنتاجات التالية :

 ا ـ أن عمليات الترحيل  تتم مع انتهاكات جسيمة لحقوق المهاجرين؛

ب ـ أن ذلك يسبب حالة من الإحراج العميق والاستياء لدى دول شقيقة ومجاورة؛

ج ـ أنه يعرض مواطنينا في هذه الدول لخطر الانتقام والمعاملة بالمثل؛

د ـ أن الخطورة البالغة للوضعية، تذكر بالأحداث المؤسفة في العام 1989، والتي لا نزال ندفع ثمنها حتى اليوم.

هذه هي الاستنتاجات التي توصلت إليها النائب كادياتا في بيانها الغريب في محتواه وتوقيته، وسأكتفي للتعليق عليها بالقول بأن من يحرج حقا الدول الشقيقة والمجاورة هو من يصدر مثل هذه البيانات الغريبة المحتوى والتوقيت، خاصة وبعد أن وصلتنا شهادة في منتهى الإيجابية من رئيس دولة شقيقة كالسنغال، يقول فيها  بأنه  تلقى خلال مباحثات "بناءة" حول أوضاع  السنغاليين في موريتانيا "تطمينات" قوية من شقيقه الرئيس الموريتاني بخصوص تلك الأوضاع ، داعيا في الوقت نفسه مواطنيه المقيمين في موريتانيا إلى احترام قوانين البلد المضيف، ومؤكدا أن الرئيس غزواني كان يُدافع عن مصالح السنغال في ملفات حساسة كانت الحكومة السنغالية تجهل تفاصيلها، مما يعكس قوة العلاقة بين البلدين الشقيقين.

ومن يُحرج حقا الدول الشقيقة، هو من يُصدر مثل هذا البيان الغريب في محتواه وفي توقيته، بعد أسبوع واحد من عزل رئيس الجالية المالية في موريتانيا في خطوة تؤكد أن الجالية المالية ومن ورائها الحكومة المالية أصبحت تتفهم كثيرا ما قامت به الحكومة الموريتانية من ترحيل للأجانب غير النظاميين.

ومن يحرج حقا الدول الشقيقة هو من يُصدر هذا البيان الغريب في مثل هذا التوقيت بالذات، وكأنه أراد أن يبعث من خلاله برسالة في غاية الاستعجال إلى الرئيسين السنغالي والمالي، يقول من خلالها : لقد أخطأت يا رئيس السنغال بحديثك عن "التطمينات بخصوص جاليتكم في موريتانيا"، ولقد أخطأت يا رئيس مالي عندما قبلت بتغيير رئيس جاليتكم في موريتانيا، فمثل ذلك سيفهم منه رضاكم عن تعامل حكومة موريتانيا مع جاليتاكم في بلدنا.

وإن من يعرض مواطنينا في السنغال وفي بقية الدول الأخرى لخطر حقيقي، وإن من يستدعي أحداث 1989 المؤلمة، هو من يصدر مثل هذا البيان الغريب في محتواه وتوقيته، وذلك بعد أن لاحظ الجميع أن النخب في البلدان الشقيقة والمجاورة بدأت تتفهم ما جرى في موريتانيا، وبدأت تلتزم بالصمت حيال ممارسة موريتانيا لحقها السيادي في ترحيل المهاجرين غير النظاميين.

إن النائب كادياتا تقول بلسان الحال من خلال إصدارها لهذا البيان الغريب في محتواه وتوقيته، لنخب الدول الشقيقة التي اختارت السكوت، لم صمتم الآن؟ لماذا لا تعودوا إلى حملتكم ضد موريتانيا تضامنا مع مواطني بلدكم الذين يتعرضون للطرد الجماعي وللانتهاكات الجسيمة لحقوقهم؟

فهل تريدون دليلا على ذلك؟.

إليكم هذا الدليل القوي، والذي أقدمه إليكم من خلال هذا البيان، فهل هناك دليل يمكن أن تنتظروه أقوى من دليل: "وشهد شاهد من أهلها"؟ أليس ذلك دليلا قويا، وخاصة إذا كان الشاهد ليس مواطنا موريتانيا عاديا، وإنما هو نائب مثلي له مكانته المعتبرة في البرلمان الموريتاني؟

حفظ الله موريتانيا