الخميس، 6 نوفمبر 2025

عندما يشوش الأطر على زيارة فخامة الرئيس


(1)

في موريتانيا هناك كارثة خربت كل شيء، ودمرت كل شيء، وأفسدت كل شيء، ومع ذلك فلا أحد يتوقف عندها، إنها كارثة الأطر، والأطر في موريتانيا هم السوس الأبيض الذي يخرب البلاد ودون أن يشعر أحد بذلك.

تنفق موريتانيا المليارات على تعليم هؤلاء الأطر، يتخرجون من أرقى الجامعات في العالم، ثم عندما يعودون إلى أرض الوطن يتركون كل ما تعلموا خلف ظهورهم ليتفرغوا بعد عودتهم إلى أرض الوطن في كل ما من شأنه أن يعجل من خراب هذه البلاد.

إن هؤلاء الأطر لهم قدرة عجيبة في تبديل جلودهم وفي تبديل ولائهم. هم آخر من يودع الرئيس المطاح به، وهم أول من يوالي الرئيس الجديد.

يذهب رئيس قديم ويأتي رئيس جديد، ومع ذلك فلا تتبدل وظائفهم بل على العكس، فإنهم يترقون في وظائفهم مع سقوط كل رئيس كانوا قد بالغوا في التصفيق والتطبيل له!!

من مقال قديم تحت عنوان: "في موريتانيا هناك كارثة اسمها الأطر" منشور قبل عقد من الزمن، وتحديدا في يوم الاثنين الموافق 1 يونيو 2015.

(2)

من النادر جدا أن يتم الحديث عن المخاطر التي تتعرض لها الأنظمة الحاكمة من داخلها، وجرت العادة أن ينحصر الحديث عن تهديد المعارضة كلما كان هناك حديث عن المخاطر التي تهدد الأنظمة الحاكمة، وفي ذلك خطأ كبير لأن التجارب أثبتت في الماضي ـ وما تزال تثبت في الحاضر ـ أن من أشد المخاطر التي تهدد الأنظمة الحاكمة هي تلك المخاطر التي تأتي من داخلها.

وإذا ما تحدثنا بشكل مجمل وعام عن الأنظمة الحاكمة، فيمكن القول بأن من يهددون الأنظمة الحاكمة من داخلها يمكن تتبعهم وتحديدهم من خلال الصفات أو المواصفات التالية:

1 ـ كبار الموظفين الذين لا يؤدون المهام الموكلة إليهم، ويتهربون من واجبهم الوظيفي، ولكنهم ـ وللتغطية على فشلهم في أداء واجبهم ـ يبالغون كثيرا في إظهار الولاء الزائف للرئيس؛

 2 ـ الموظفون الذين يضعون مصلحتهم الخاصة فوق مصلحة النظام والمصلحة العليا للبلد؛

 3 ـ الموظفون الذين ينخرطون بقوة في الأحلاف أو اللوبيات المتصارعة داخل الأنظمة الحاكمة، والذين يجعلون في كثير من الأحيان خصوماتهم مع بعضهم البعض فوق خصوماتهم مع معارضة تلك الأنظمة أو مع أي جهة أخرى يمكن أن تعادي تلك الأنظمة؛

4  ـ الموظفون الذين لا يملكون الكفاءة والأهلية لتأدية المهام الموكلة إليهم، هذا النوع من الموظفين يشكل خطرا مستديما على النظام الحاكم، حتى وإن كان صادق الولاء وشديد الإخلاص للنظام؛

5  ـ الموظفون الذين لا يستطيعون أن يضيفوا رصيدا من الإنجازات إلى رصيد الحكومة، أو السياسيون الذين لا يستطيعون أن يضيفوا رصيدا سياسيا للنظام، وإنما يقتاتون فقط من رصيد الرئيس ويسحبون منه باستمرار ودون أي إضافة؛

6  ـ الموظفون الذين يتغنون علنا بشعارات النظام (كتقريب خدمات الإدارة من المواطن مثلا)، ويقومون ببعض الأعمال المسرحية لتأكيد أنهم يقربون خدمات الإدارة من المواطنين، ولكنهم عند أي اختبار جدي يظهر زيف ادعائهم ذلك، وينكشف مدى احتقارهم للمواطنين.

من مقال سابق تحت عنوان: " هؤلاء هم الأكثر خطورة على الأنظمة الحاكمة!" منشور يوم الجمعة الموافق 02 سبتمبر 2022.

(3)

إن الموظف الذي يؤدي مهامه على أحسن وجه هو من يدعم حقا رئيس الجمهورية، والموظف الذي لا يؤدي واجبه اتجاه المواطن هو أخطر معارض لرئيس الجمهورية، حتى وإن أطلق ألف مبادرة ومبادرة.

إن الدعاية السياسية للنظام التي يمكن أن يقدمها مدير شركة الكهرباء أو شركة الماء مثلا من خلال العمل على عدم انقطاع خدمتي الماء والكهرباء عن المواطن، ووصولهما إليه على أحسن وجه وبأفضل الأسعار ...إن الدعاية السياسية للنظام من خلال تحسين خدمات الماء والكهرباء لهي خير من كل ما يمكن أن يقوم به حزب الإنصاف وكل النواب التابعين له من دعاية لصالح النظام، ولمأمورية كاملة.

وإن تعثر خدمات الماء والكهرباء سيؤديان إلى سخط المواطن، وسيكون تأثيرهما السلبي أكثر خطورة مما يمكن أن تقوم به المعارضة إن اجتمعت عن بكرة أبيها في صعيد واحد، واستمرت في نقد النظام ولمأمورية كاملة.

أيها الطبيب إذا كنتَ داعما بحق للرئيس فكن قريبا من المرضى وجاهد في خدمتهم، فذلك هو الدعم السياسي الحقيقي والمثمر للرئيس.

نفس الشيء يمكن أن نقوله عن المعلم والأستاذ وبشكل عام عن الموظف أينما كان، وخاصة إن كان يعمل في قطاع خدمي أو إنتاجي يتأثر به المواطن بشكل مباشر..     

ادعموا الرئيس بأداء واجبكم الوظيفي على أحسن وجه، فذلك هو الدعم الحقيقي. أما إذا قصرتم في أداء واجبكم الوظيفي فلتعلموا أنكم من أخطر معارضي الرئيس حتى وإن أطلقتم عشرات المبادرات الداعمة.

من مقال سابق تحت عنوان: " أفكار لدعم الرئيس" منشور يوم الأربعاء الموافق 17 أبريل 2024.

(4)

أطلق فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، اليوم من مدينة النعمة، برنامجا استعجاليا لصالح 11 ولاية، بميزانية تقديرية تصل إلى 260 مليار أوقية قديمة، ستستفيد منه 223  بلدية، وسيتدخل في 2300 مدينة وقرية.

يأتي إطلاق هذا البرنامج في إطار زيارة رئاسية هي الأولى من نوعها في تاريخ البلد، الأولى من حيث المدة، ومن حيث حجم المشاريع التي سيتم إطلاقها، ورغم أهمية هذه الزيارة إلا أنها تتعرض الآن للتشويش من طرف أطر الولاية، وهو ما قد يتسبب في التقليل من رمزيتها المعنوية، وأثرها التنموي، ويظهر ذلك التشويش من خلال:

1 ـ بدلا من التنافس في إبراز أهمية الزيارة وحجم المشاريع المنتظرة، ينشغل الأطر بالتنافس الإعلامي حول من هو أكثر حضورا وشعبية في الولاية، فهذا موقع يكتب أن الإطار الفلاني أثبت أنه رجل الحوض الشرقي الأول، وتلك منصة تكتب أن حلف الإطار الفلاني هو الحلف الأقوى في الولاية، وهذا مدون أو مجموعة من المدونين تزعم أن الإطار الفلاني أثبت بالفعل أنه يستحق ثقة رئيس الجمهورية الممنوحة له، وهكذا...

2 ـ تهدف هذه الزيارة إلى الاطلاع الميداني على أحوال المواطنين والاستماع إليهم عن قرب، لكن الأطر القادمين من نواكشوط يحولون دون ذلك، إذ يزاحمون السكان المحليين ويحرمونهم من لقاء الرئيس وطرح همومهم.

وإن التقى أحد هؤلاء الأطر بالرئيس، فإنه لن يحدثه عن مشاكل الولاية، بل عن مصالحه الخاصة: تعيين، صفقة، أو امتياز شخصي آخر من أي نوع.

3 ـ يُكثر الأطر من القول إنهم جاؤوا “لإنجاح الزيارة”، وكأنها لن تنجح إلا بقدومهم، بينما الحقيقة هي أنهم يُسهمون في إفشالها عبر حجب المواطنين عن الرئيس. من يريد حقا إنجاح الزيارة من أطر الولاية، عليه أن يواصل عمله في نواكشوط، وليترك فخامة الرئيس يلتقي بسكان الولاية المقيمين فيها، والذين لن يغادروها بعد انتهاء الزيارة، خلافا للوافدين إليها مؤقتا.

4 ـ إن ظهور أعداد كبيرة من السيارات الفاخرة في ولاية الحوض الشرقي لدى أطر يعرف الجميع مستوى رواتبهم، وبعضهم حديث العهد بالوظيفة، يعدُّ أخطر عملية تشكيك في الحرب التي يخوضها الرئيس ضد الفساد.

فمن أين لكم يا أطر ولاية الحوض الشرقي هذه السيارات الفاخرة وتلك المنازل الفخمة في الأحياء الراقية؟

لا أحد منكم يستطيع أن يتجرأ ويقول إنه اقتنى تلك السيارات الفاخرة وشيَّد تلك المنازل الفخمة من مدخرات راتبه.

5 ـ الأخطر من كل ذلك أن هذه المشاريع التي ستنجز في الولاية لن تحسب للدولة ولا لفخامة الرئيس، فكل قرية ستقول هذه المدرسة أنجزها لنا ابننا فلان، وتلك المضخة أنجزها ابننا فلان وهكذا..

إن الأطر في الولايات الداخلية يحاولون دائما أن يوهموا سكان قراهم ومدنهم بأنهم هم من تدخل لتشييد هذه المدرسة أو ذلك المركز الصحي أو تلك المضخة، وهكذا يُغيَّب دور الدولة ويُضعف حضورها في وعي المواطنين. فإذا لم تُنسب تلك المشاريع إلى الدولة، فلتُنسب على الأقل إلى فخامة الرئيس صاحب المبادرة في إنجازها.

تنبيهان

التنبيه الأول: ما قلته هنا عن أطر ولاية الحوض الشرقي ينطبق تماما على أطر كل ولاية من ولايات الوطن. إن الذي جعلني أقتصر على أطر هذه الولاية هو أنها هي الولاية التي يزورها حاليا فخامة الرئيس. 

التنبيه الثاني: أعلم أن بعض الأطر سيقول إن هذا كلام معارض، وهذا قول غير صحيح ولا يستقيم. لن أقبل أن يدعي أي شخص في الأغلبية مهما كان موقعه فيها، بأنه أكثر صدقا ولا إخلاصا منِّي في دعم فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، فأسباب دعمي له كثيرة، ولا يتسع هذا المقام لتعدادها ولا لبسطها.

إن صدق دعمي لفخامة الرئيس هو ما دفعني بالضبط لكتابة هذا المقال ونشره في مثل هذا الوقت بالذات.

حفظ الله موريتانيا...



البيان التأسيسي للائتلاف الوطني لمحاربة الفساد


انطلاقا من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، والتزاماتنا الوطنية، ووعيا بخطورة الفساد الذي يستنزف ثروات البلد، ويعطل مسيرة التنمية، ويهدد كيان الدولة والمجتمع، ويقوض مبادئ العدالة الاجتماعية،  ويزيد من تفكك المجتمع ويعمق من حجم التفاوت الطبقي والغبن بين أبنائه وشرائحه ومكوناته.

وقناعة منا بأنّ الإصلاح الحقيقي يبدأ بالمحاربة الجدية للفساد، وأن الحرب الجدية على الفساد تحتاج لإرادة سياسية صارمة، وتعبئة مجتمعية واسعة لخلق بيئة مناهضة للفساد،  فإننا نحن الموقعين على هذا البيان التأسيسي لنعلن - على بركة الله - عن تشكيل "الائتلاف الوطني لمحاربة الفساد"، إطارًا جامعًا للنخب الوطنية والمنظمات غير الحكومية والهيئات المهنية والشبابية والسياسية، وذلك سعيا  لتوحيد جهود الجميع لخوض معركة وطنية شاملة ضد الفساد بكل أشكاله وتجلياته، من فساد إداري، ومالي، وسياسي، ومجتمعي، وأخلاقي، وقيمي، وبيئي.

أولا / السياق العام

تشهد موريتانيا اليوم مرحلة فريدة من نوعها، بدأت تتشكل فيها ملامح إرادة سياسية جادة في مواجهة الفساد، بعد عقود من التغاضي والتردد. وقد جاءت سلسلة من الخطوات الرسمية الجريئة لتؤكد ذلك الاتجاه، بدءًا بنشر تقرير محكمة الحسابات للرأي العام، ومرورا بـإنهاء مهام عدد من كبار المسؤولين المشمولين في التقرير، ووصولا إلى إحالة الملفات إلى القضاء، مما أعاد الثقة في إمكانية قيام حرب حقيقية وجدية على الفساد لا استثناء فيها ولا تراجع عنها.

وقد صاحب هذه الإجراءات استنفار شعبي ووعي وطني غير مسبوق بخطورة الفساد وضرورة محاربته، غير أن تجارب الماضي علمتنا أن كل خطوة في اتجاه محاربة الفساد ستثير حتما مقاومةً قوية من شبكات المصالح والمنتفعين من الفساد، مما يستدعي منا اصطفافا وطنيًا واسعا يثمن ما تحقق من إجراءات، ويطالب ويضغط من أجل المزيد، وذلك سعيا لتحويل ما اتخذ من إجراءات، وما صاحب تلك الإجراءات من مواكبة شعبية واعية،  إلى حراك مجتمعي مستمر ودائم مناهض للفساد، يقف في الوقت نفسه ضد تمييع محاربة الفساد أو الانحراف بها عن وجهتها الصحيحة.

إننا في "الائتلاف الوطني لمحاربة الفساد" نؤمن بأن هذه اللحظة هي اختبار حقيقي لإرادة الدولة والمجتمع؛ فحين تتلاقى الإرادة الرسمية مع الإرادة الشعبية، ستتشكل حتما القوة القادرة على محاربة الفساد وكسر دوائر الإفلات من العقاب، واستعادة ثقة المواطن في مؤسسات بلده.

ثانيا/ الأهداف والوسائل

1. حماية الجهود الرسمية لمحاربة الفساد من حملات التشكيك والإرباك، ودعمها برأي عام وطني واع ومسؤول.

2- ممارسة دور ضاغط وسلمي لحث الجهات المعنية على المضي قدما في إجراءات مكافحة الفساد، والتحقيق في جميع الملفات دون محاباة أو انتقائية، مع متابعة تنفيذ التوصيات الصادرة عن هيئات الرقابة مثل محكمة الحسابات والمفتشية العامة للدولة.

3. تنظيم حملات توعوية واسعة لتثقيف المواطن بحقوقه وواجباته، وبيان خطر الفساد على الفرد والمجتمع، وتحصين الرأي العام ضد خطابات التبرير والتلميع للمشتبه فيهم.

4. نشر ثقافة النزاهة والشفافية وترسيخ قيم الإصلاح والمساءلة والعدالة.

5. التعاون مع الهيئات الوطنية والدولية المختصة في مكافحة الفساد، ضمن احترام السيادة الوطنية واستقلال القرار.

ثالثا/ التشكيل والبنية التنظيمية

يعتمد الائتلاف في هيكله التنظيمي على أربع هيئات رئيسية، تعمل في تكامل وانسجام وفق ميثاق داخلي تمت المصادقة عليه من طرف الجمعية العامة التأسيسية، وهذه الهيئات هي:

1. لجنة الإشراف والتوجيه: المرجعية العليا التي تضع التوجهات العامة وتراقب سلامة المسار.

2. المكتب التنفيذي: الجهاز التنفيذي المسؤول عن تنفيذ البرامج والأنشطة والتنسيق بين مختلف الهيئات.

3. لجنة الخبراء: الجهاز الاستشاري والفني الذي يزود الائتلاف بالدراسات والمقترحات والاستشارات.

4. منسقيات وتكتلات الأعضاء: البنية التعبوية الميدانية التي تمثل الائتلاف في أوساطها المتخصصة (الأئمة. الشباب، النساء، النقابات، منظمات المجتمع المدني ....إلخ).

رابعا/  المبادئ الحاكمة

1. الاستقلالية التامة عن أي جهة سياسية أو حزبية.

2. الشفافية في التسيير المالي والإداري وفق آليات رقابية داخلية دقيقة.

3. احترام القانون والاحتكام إلى القضاء في كل القضايا ذات الصلة.

4. العمل الجماعي المؤسسي القائم على التشاور والتكامل بين الهيئات والمكونات.

5. الالتزام الأخلاقي والإعلامي بعدم التشهير أوإدانة أي شخص دون حكم قضائي، وفي المقابل عدم القبول بتلميع أي مشتبه فيه من قبل أن يبرئه القضاء.

خامسا/ التمويل والموارد

يُمول الائتلاف من اشتراكات أعضائه ومساهماتهم التطوعية، ومن التبرعات غير المشروطة التي لا تمس استقلاليته، ويرفض رفضا قاطعًا تلقي أي دعم خارجي أو داخلي يتعارض مع أهدافه ومبادئه. وتخضع كل موارد الائتلاف لرقابة مالية شفافة وتدقيق دوري.

ختاما

إننا ندعو جميع القوى الوطنية المخلصة من مؤسسات وهيئات وأفراد: علماء وإعلاميين، وسياسيين وحقوقيين إلى الانضمام إلى هذا الائتلاف الوطني الأول من نوعه، وذلك لتوحيد الجهود في محاربة الفساد، فلا تنمية ولا إصلاح دون محاربة الفساد، ولا محاربة للفساد دون تكاتف جهود جميع المصلحين في هذا البلد.

إننا ندرك أن الطريق طويل وشاق، وأن شبكات المصالح ستقاوم بضراوة لحماية امتيازاتها، ولكننا نثق في إرادة شعبنا، وفي قدرة نخبه المخلصة، وفي دعم كل من ينشد لموريتانيا مستقبلاً أفضل.

 نواكشوط، بتاريخ 04 نوفمبر 2025م

الموقعون:

لجنة الإشراف والتوجيه

المكتب التنفيذي

لجنة الخبراء

البيان قرأه الأمين العام للائتلاف الأستاذ محمد الأمين ولد الداه .



الأربعاء، 5 نوفمبر 2025

كلمتي خلال الإعلان عن الائتلاف الوطني لمحاربة الفساد


الحمد لله الذي أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الفساد والإفساد، والصلاة والسلام على من قال: "إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد".

أيها السادة والسيدات،

حضورنا الكريم،

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،

نجتمع اليوم في لحظة فارقة، للإعلان عن ميلاد الائتلاف الوطني لمحاربةالفساد، كمِظلَة شعبية جامعة، قائمة على إرادةٍ وطنيةٍ صادقةٍ، تسعى إلى خلق مسار جديدٍ نسلكه معا لمحاربة الفساد الذي بات يهدد كِيان الدولة وتماسكَ المجتمع.

أيها الحضور الكريم،

لقد تابعنا خلال الأسابيع الماضية ما أثاره نشرُ تقرير محكمة الحسابات من ردود فعل شعبية واسعةٍ، وتفاعلٍ إيجابي للرأي العام، ويؤكد كل ذلك، على أن الشعب الموريتاني أصبح جاهزا أكثرَ من أي وقت مضى للتعبئة المجتمعية الشاملة ضد الفساد والمفسدين.


ثم تابعنا بعد ذلك، وفي إطار أضيق، يخصنا نحن القائمينَ على هذا الائتلاف، التفاعلَ الكبير مع التعهد الشخصي لمحاربة الفساد الذي أطلقناه مباشرة بعد صدور التقرير، فبعث لنا ذلك التفاعلُ الكبير رسالةً أوضح مفادُها أن القُوى الحيةَ في هذا البلد، أصبحت أكثرَ جاهزية للوقوف صفًا واحدًا في وجه الفساد والمفسدين.

ثم جاءتنا الرسالةُ الثالثة، وكانت هي الرسالة الأفصحُ والأوضحُ، في أعقاب يومين مفتوحين نظمناهما حول خطورة الفساد على الدولة والمجتمع، استمر النقاش فيهما لثلاثَ عشرةَ ساعة، وتضمنتا 90 مداخلة موثقة بالصوت والصورة، وتمثلت تلك الرسالة في توصية أجمع عليها كل المشاركين في النقاشات من أئمة ومنتخبين، وإعلاميين وحقوقيين، وشباب، ونشطاء جمعويين، فقد اتفق كل هؤلاء على توصية واحدة مفادها : أنه لابد من تأسيس تحالف أو جبهة أو ائتلاف وطني واسع لمحاربة الفساد، ولابد من الإسراع في ذلك.

واستجابةً لتلك التوصية المجمعِ عليها من مشاركين من مختلف المستويات والأعمار والتوجهات، تشكلت لجنةٌ تحضيرية، بدأت مباشرة في العمل على إعداد التصور الكامل والوثائق المرجعية اللازمة للحلف أو الائتلاف الذي أوصى المشاركون بضرورة الإسراع في تشكيله. 

وقد بذلت اللجنة جهدا كبيرا لتنفيذ تلك التوصية في أسرع وقت ممكن، ويكفي لتأكيد ذلك، أن أكشف لكم هنا أن اجتماعها ليوم أمس استمر لاثنتي عشرةَ ساعة متواصلة، فقد بدأ من الساعة العاشرة صباحًا ولم يُختتم إلا عند الساعة العاشرة ليلًا.

وكان من نتائج عمل هذه اللجنة، أننا اليوم، وبتوفيق من الله، نجتمع هنا لنعلن رسميًا عن تشكيل الائتلاف الوطني لمحاربة الفساد، وانطلاق أعماله، وهو ائتلاف نريده ائتلافًا مستقلا في قراراته وتوجهاته، مفتوحا أمام كل الفاعلين المهتمين بمحاربة الفساد من مختلِف التوجهات والمستويات والأعمار ، وقادرا على صهر جهود الجميع في برامج وأنشطة عملية وميدانية من شأنها أن تَحُدّ من تفشي الفساد في بلادنا.

ولعل ما يميز هذا الائتلاف الوطني الجامع هو الحضورُ القوي للأئمة والعلماء، والذين نعول عليهم كثيرا في حرب استعادة القيم وتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف التي تُحرم وبشكل قاطع الفساد بكل أشكاله وتجلياته.

كما يتميز الائتلاف أيضا بالانخراط الواسع لمنظمات المجتمع المدني، حيث زاد عدد المنظمات المُؤسِسَة للائتلاف على 150 منظمة، وهذا مما يزيد من أملنا في أن يكون دور المجتمع المدني في المستقبل دورا قياديًا ورائدًا في الحرب على الفساد بعد أن كان في الماضي دورا ضعيفا وهامشيا.

ثم إن من ميزات هذا الائتلاف هو حضورُ الشباب، فالشباب هو الضحية الأولى للفساد، وذلك سيتوجب عليه أن يكون في الصفوف الأولى في أي حرب ضده، وأن لا يقبل - بأي حال من الأحوال - أن تخاض تلك الحرب بالوكالة عنه.

ولم تغب المرأة - ودورها سيكون حاسما في أي جهد وطني لمحاربة الفساد - عن لجنة التحضير، ولا عن هيئات الائتلاف المشكلة له.

وبما أن النخب العلمية والفكرية ومراكز الدراسات والخبراء في مختلف الاختصاصات ذات الصلة يشكلون ركيزةً أساسية في أي حرب جدية على الفساد، فكان حضورهم في الائتلاف واضحا وبينا من خلال لجنة خاصة بالخبراء، ننتظر منها أن تُمِد الائتلاف بالرأي العلمي والفني الرصين، وبالمقترحات النافعة والدراسات المتخصصة.

أيها السادة والسيدات،

إننا في الائتلاف الوطني لمحاربة الفساد ندرك جيدا أن الحرب عليه أصبحت اليوم بالنسبة لبلدنا حربا مصيرية، فمصير بلدنا أصبح مرهونا بخوض هذه الحرب أولا، وبكسبها ثانيا، ولخوض هذه الحرب لابد من توفر إرادة سياسية صارمة وحازمةٍ، وبيئة مجتمعية رافضة للفساد ومناهضة له، وخلقُ هذه البيئة المجتمعية هو ما سنسعى إليه من خلال ائتلافنا هذا.

فلنجعل من هذا اليوم الذي أعلنا فيه عن الائتلاف الوطني لمحاربة الفساد بدايةً فعلية لخلق بيئة مجتمعية مناهضة للفساد، ولن يتحقق ذلك إلا بدعمكم وانخراطكم في هذا الائتلاف الوطني الجامع، وذلك هو ما نتوقع منكم في الأيام القادمة إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الكلمة بالصوت والصورة👇



الاثنين، 3 نوفمبر 2025

من بركات تقرير محكمة الحسابات


أطلقنا منذ مدة في "منتدى24 - 29" ميثاق شرف خاص بالأحزاب السياسية، وقد تواصلنا بالفعل مع بعض الأحزاب السياسية في الأغلبية التي وقعته (حزب الإنصاف، جبهة المواطنة والعدالة،  حزب الإصلاح، حزب حاتم)، وكنا نخطط بعد ذلك للتواصل مع أحزاب المعارضة، وكان البند الأول من هذا الميثاق يدعو الأحزاب السياسية إلى إعطاء مساحة أوسع للحديث عن الفساد في خطابها السياسي، وذلك باعتبار أن تفشي الفساد يعدُّ من أخطر التحديات التي يواجهها البلد.

بعد صدور تقرير محكمة الحسابات احتل الحديث عن الفساد المساحة الأكبر في الخطاب السياسي والإعلامي، وهذا أمر في غاية الأهمية، ويبشر بخير. فنظم حزب تواصل وقفات متزامنة للتنديد بالفساد، ونظم بعد ذلك حزب الإنصاف أنشطة متزامنة لدعم محاربة الفساد، وتحدث الرئيس بيرام مطولا عن الفساد، وأصدرت جبهة المواطنة والعدالة بيانا داعما للإجراءات المتخذة مؤخرا ضد الفساد، كما نشر حزب حاتم بيانا بهذا الخصوص، هذا فضلا عن بيانات وتصريحات أخرى صادرة من جهات سياسية أخرى.

أن يكون الفساد هو الحاضر الأول في الخطاب السياسي للأحزاب في المعارضة والموالاة فهذا أمر مهم جدا، خاصة وأن حضوره في الخطاب السياسي كان في الماضي ضعيفا وثانويا رغم خطورته وتهديده لاستقرار البلد.

إن التركيز على الفساد في الخطاب السياسي، ومحاربته بشكل جدي ليست مجرد معركة إدارية أو قضائية، بل هي نقطة التحول الكبرى التي يمكن أن تنعكس إيجابيا وبشكل فوري على معظم الملفات التي تشغلنا كمجتمع، مثل تعزيز الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي، والحد من الغبن والتهميش، وتوفير فرص العمل للشباب، وتحسين خدمات التعليم والصحة....إلخ

فحين تُوجَّه موارد الدولة إلى وجهتها الصحيحة، وتُسير بشكل شفاف، ويكون التعيين على أساس الكفاءة والاستقامة، فحينها ستبدأ كل الملفات الشائكة بالتحسن، وبشكل تلقائي، ذلك أن الفساد يعدُّ هو العقدة المركزية التي تعيق أي إصلاح حقيقي في أي مجال من المجالات المهمة.

إليكم بنود ميثاق الشرف الذي كنا نطلب من الأحزاب السياسية توقيعه:

1 ـ إعطاء مساحة واسعة لمحاربة الفساد وتعزيز قيم النزاهة في الخطاب السياسي للأحزاب الموقعة على الميثاق؛

2 ـ عدم ترشيح من أدين بالفساد في أية انتخابات قادمة، وحرمانه من أي منصب قيادي حزبي؛

3 ـ العمل على تعزيز البنية القانونية والتشريعية والقضائية في مجال محاربة الفساد وتعزيز قيم النزاهة، وذلك من خلال اقتراح القوانين ذات الصلة والتصويت عليها.

هناك نسخة من الميثاق خاصة بالمجتمع المدني قد تم توقيعها حتى الآن من طرف العشرات من منظمات المجتمع المدني. هذا فضلا عن نسخة خاصة بالأفراد، وقد أعيدت صياغتها مؤخرا وتحولت إلى "تعهد شخصي بمحاربة الفساد" وقد وقعها مؤخرا المئات من الشخصيات السياسية والثقافية والإعلامية، من بينها رؤساء أحزاب سياسية في الموالاة والمعارضة.

حفظ الله موريتانيا....

#معا_لمحاربة_الفساد



السبت، 1 نوفمبر 2025

الحياد الإيجابي يليق بنا في موريتانيا


بعد تصويت مجلس الأمن الدولي واعتباره مقترحَ الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية "الحلَّ الأكثر واقعية"، انقسم الرأي العام الموريتاني - كالعادة - بين مرحِّب بقوة بهذا القرار، ومندِّد به بشدة.

هذا الانقسام ليس جديدا، فهو يتجدد كلما طُرِح هذا الملف، إذ يتوزع الموريتانيون بين مؤيدين لجبهة البوليساريو والجزائر، وآخرين متضامنين مع الموقف المغربي، وتدور بينهم نقاشات حادة في مواقع التواصل الاجتماعي.

في تقديري الشخصي، فإن الموقف الأَسْلَم للنخب الموريتانية هو التمسك بالنهج الذي سارت عليه الأنظمة الوطنية المتعاقبة منذ عهد الرئيس معاوية ولد الطايع وحتى اليوم، وهو الحياد بين الأشقاء، الذي تطور في السنوات الأخيرة ليصبح حيادا إيجابيا يسعى إلى تقريب وجهات النظر، ودعم حلٍّ سلميٍّ متفقٍ عليه بين الطرفين، يراعي مصالح الدولة الموريتانية (لكويرة).

إن الأسلم لنا - كنخب فكرية وثقافية وإعلامية  موريتانية - أن نقف في الوسط بين الأشقاء، نُعلي من صوت الحكمة، وندعم كل مسعى يفضي إلى تسوية عادلة ودائمة تُنهي صراعا بين أشقاء مضى عليه أكثر من نصف قرن، وأعاق قيام اتحاد مغاربي كبير متعاون ومتكامل، إن لم أقل موحدا.

أدرك جيدا أن هذا الموقف الوسطي قد لا يُرضي الطرفين، سواء من يميل إلى الجزائر أو من ينحاز إلى المغرب، بل إنه سيثير غضبهما على حد سواء، لكنه يظل في اعتقادي الشخصي هو الموقف الأنسب والأسلم والأكثر انسجاما مع المصلحة العليا لموريتانيا، وهو - في الواقع - موقف الأغلبية الصامتة في هذا البلد.

الثلاثاء، 28 أكتوبر 2025

تغير المواقف.. دليل نضج لا تناقض!


في عالم سريع التحول، لا شيء يختبر وعي الإنسان مثل قدرته على مراجعة مواقفه. فالثبات على الموقف رغم تغيّر الظروف ليس دليل نضج وشجاعة، ومراجعة المواقف قد تكون في بعض الأحيان دليل نضج وعمق في فهم الواقع.

1- أن تتغير مواقفك فذلك أمر مطلوب، أما أن لا تتغير تلك المواقف، فذلك يعني أنك تعاني من خلل ما، فالعالم من حولك يتغير، وأنت يفترض فيك أنك تزداد نضجا ووعيا بما يدور حولك من أحداث، فكيف لا تتغير مواقفك مع تغير الظروف من حولك؟

2- التغير المذموم هو أن تتغير مبادئك أو ما تحسبه ثوابت، أو يكون تغيرك بهدف تحقيق مصلحة خاصة على حساب المصلحة العامة. أما إذا كنتَ تدور مع المصلحة العامة حيث دارت، فأنت صاحب مواقف سليمة، حتى ولو تناقضت ظاهريا مواقفك من فترة إلى أخرى.

3- هل يُعقل مثلًا أن يظل موقف الواحد منا من "الربيع العربي" أو "الصيف العربي" – بلغة أخرى – ثابتا لا يتغير؟

لا يستطيع أي شخص ذي فطرة سليمة إلا أن يقف مع تلك الاحتجاجات الشعبية السلمية التي فجرها الشباب العربي في بداية الربيع العربي، والتي رفعت مطالب مشروعة وملحة في وجه دكتاتوريين ظلمة.

ولكن بعد مآلات الربيع العربي، وبغض النظر عن المسؤول عن الانحرافات التي عرفتها الثورات العربية، سواء كانت تلك الانحرافات وراءها حكومات، أو ثورات مضادة، أو تدخل خارجي، أو عدم نضج قادة تلك الثورات.. مهما كان السبب، فإن النتائج كانت في المجمل كارثية على كل الدول التي عاشت تلك الثورات.

اليوم، لم يعد بإمكان أي شخص سوي ذي فطرة سليمة أن يظل متحمسا للربيع العربي بعد مرور أكثر من عقد من الحروب والفتن وما تسببت فيه من تفكك للدول.

لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ، ولو عاد بي الزمن إلى الأعوام 2010 و2011 في فترة سلمية تلك الثورات، لاتخذتُ نفس الموقف الداعم لها، أما الآن، وبعد ما شاهدتُ من كوارث في الدول التي وصلتها رياح الربيع العربي، فليس بإمكاني أن أتخذ موقفا إيجابيًا منها، بل بالعكس، فموقفي الآن من الربيع العربي هو في منتهى السلبية.

وفي سياق هذا التغير في المواقف، لا يمكنني أن أتجاهل العنصر الأمني الذي بات حاضرا بقوة في تفكيري. وأنا أتابع منذ فترة ما يجري في مالي، وما يجري حاليا في السودان.

في الماضي، كنتُ أتخذ مواقفي دون أن يكون هاجس الأمن حاضرا بقوة مع أنه كان حاضرا دائما. أما اليوم، وأنا أتابع ما يجري في دول غير مستقرة، وخاصة ما يجري في السودان من فظائع، فلم يعد بإمكاني أن أتبنى أي موقف دون أن أفكر بعمق في انعكاساته على أمن واستقرار بلدي.

فأي موقف قد يؤدي إلى احتمال هز استقرار البلد ولو بنسبة 10%، لن أتخذه، حتى ولو كان هذا الموقف صائبا بنسبة 90%.

إن من أفظع ما شاهدتُ في الفاشر هو أن قاتل المدنيين العُزَّل يسجد شكرًا لله ويُكبّر بعد إطلاق الرصاص.

يقتل بفظاعة ويُسيء إلى الدين بوقاحة، وما علمتُ بجريمة أسوأ من الجمع بين قتل الأبرياء العُزَّل وتشويه الدين الإسلامي.

ختامًا،

هل يمكن القول إنني صاحب مواقف متناقضة لأن موقفي في العام 2025 من الثورات العربية يُناقض تمامًا موقفي منها في الأعوام 2010، 2011، 2012؟

وهل يمكن القول إنني صاحب مواقف متناقضة لأن موقفي اليوم لم يعد كموقفي بالأمس نظرا لقوة حضور عنصر الاستقرار في أي موقف اتخذه اليوم؟

هل أنا صاحب مواقف متناقضة، أم أن الحقيقة هي أن المواقف الناضجة هي التي تتغير بتغير المعطيات، وأن الثابت الوحيد في موقفي هو الحرص على المصلحة العامة وصيانة أمن واستقرار بلدي؟

الاثنين، 27 أكتوبر 2025

في انتظار ميلاد جبهة وطنية ضد الفساد


يبدو أن موريتانيا تقف اليوم على أعتاب مرحلة قد تؤسس ـ إذا ما استُثمرت بذكاء ووعي ـ لحرب حقيقية ضد الفساد والمفسدين، بعد عقود طويلة ظل فيها هذا الداء ينخر جسد الدولة والمجتمع دون رادع فعلي.

بالفعل، هناك خطوات جريئة ومتسارعة اتخذت مؤخرًا يمكن استغلالها من طرف النخب المهتمة بمحاربة الفساد،  وجعلها منطلقا لتشكيل جبهة وطنية واسعة لمحاربة الفساد. أول هذه الخطوات كان نشر تقرير محكمة الحسابات للرأي العام، مباشرة بعد تسليمه لفخامة رئيس الجمهورية، وتمثلت الخطوة الثانية في إنهاء مهام عدد كبير من المسؤولين السامين في مجلس الوزراء الأخير، وهي خطوة غير مسبوقة من حيث عدد ومكانة الموظفين الذين تم إنهاء مهامهم، ثم جاءت الخطوة الثالثة، وهي إحالة ملف المشمولين في التقرير إلى القضاء، وهو ما يعطي الانطباع بالجدية، خاصة وأن ذلك سبقه خطاب لرئيس الجمهورية أكد من خلاله أنه لا تراجع عن محاربة الفساد.

خطوة استباقية

إن التجارب السابقة علمتنا أن كل خطوة في اتجاه محاربة الفساد  ستثير ردود فعل مضادة لدى بعض صناع الرأي العام، فشبكات المصالح لا تستسلم بسهولة، وتعمل دائما لإرباك اي خطوة في هذا الاتجاه، ووقوفا ضد أي محاولة من هذا النوع، جاءت مبادرة التعهد الشخصي العلني والموثق بعدم الدفاع أو التعاطف مع المشمولين في تقرير محكمة الحسابات، كخطوة استباقية ذكية لحماية تلك الإجراءات من حملات إعلامية مضادة، فكثيرون  ممن يرفعون شعار محاربة الفساد، لا يلبثون أن يتراجعوا إذا ما طال التحقيق قريبا أو صديقا أو شريكا في مصلحة ضيقة من أي نوع، فعندها يتبخر الشعار أمام العاطفة والمصلحة الضيقة. ومن هنا، جاء التعهد ليذكر كل موقع بأن الحرب على الفساد لا ينبغي أن تكون فيها استثناءات، وأن على من يطالب بمحاربة الفساد وتطبيق القانون أن يكون أول من يحترمه، إذا ما كان المستهدف قريبا أو شخصا تربطه به مصالح من أي نوع.

لقد نجحت هذه المبادرة نجاحا لافتا، إذ حظيت بعدد كبير من الموقعين، فيما كانت حالات الإخلال بالتعهد قليلة جدا بعد الإقالات.

وللتأكيد، فإننا في هذه المبادرة لا ندين أحدا، فالإدانة من اختصاص القضاء لوحده، وأكرر فأقول من اختصاص القضاء وحده، ومن ينادي بمحاربة الفساد عليه أن يكون هو الأشد حذرا  من الإساءة إلى سمعة أي شخص دون بينة، لكننا في المقابل نرفض تلميع المشمولين في التقرير قبل أن يقول القضاء كلمته.

بكلمة واحدة لا لإدانة المشمولين في الملف قبل أن يدينهم القضاء، ولا لتلميعهم إعلاميا والجزم ببراءتهم قبل أن يبرئهم القضاء.

خطوة حاسمة

أما الخطوة الحاسمة في التحضير لتشكيل هذه الجبهة، فقد تمثلت في تنظيم يومين مفتوحين حول مخاطر الفساد وآثاره على المجتمع والدولة. شكَّل هذان اليومان حدثا غير مسبوق من حيث التنوع والمشاركة والجرأة في الطرح، حيث استقطبا عددا كبيرًا من المهتمين بالشأن العام، وغطت النقاشات أكثر من 13 ساعة، وتم توثيق نحو 90 مداخلة بالصوت والصورة، لتشكل بذلك أكبر عملية عصف ذهني موثق حول الفساد وآليات محاربته في موريتانيا.

ورغم ضغط الوقت وصعوبة الإعداد، وضيق ذات اليد التي حالت دون التكفل بتوفير غداء أو استراحة شاي على الأقل للمشاركين، فقد كان الحرص على تنظيم اليومين المفتوحين في أسبوع واحد جزءا من رؤية واضحة تهدف إلى ملء الفراغ الإعلامي والسياسي قبل أن تملأه الأصوات المربكة والمشككة. وكانت المجازفة كبيرة ببث مباشر طويل ومفتوح، يسمح لكل مشارك أن يعبر عن رأيه بحرية تامة، وهو ما كان يمكن أن يُستغل لإفشال النشاط أو تشويهه. لكن النتيجة كانت - بفضل الله وتوفيقه - عكس ذلك تماما؛ فقد أثبت المشاركون قدرا عاليا من المسؤولية، ودار الحوار في أجواء ناضجة رغم التباينات الكبيرة في وجهات النظر.

و خلال اليومين المفتوحين، أجمع المشاركون على ضرورة تشكيل حلف أو جبهة وطنية واسعة لمحاربة الفساد، تكون بمثابة المظلة الجامعة لكل الجهود الفردية والجماعية المناهضة للفساد. وتم بالفعل تشكيل لجنة من أحد عشر عضوا من بين المشاركين، عقدت اجتماعها الأول مساء الأحد 26 أكتوبر 2025، وبدأت بالفعل في وضع اللبنات الأولى لتأسيس أكبر تحالف وطني لمحاربة الفساد في تاريخ البلاد.

إن أهمية هذه الجبهة تكمن في أنها ستقف في وجه جهتين تشكلان خطرا حقيقيا عل محاربة الفساد:

الجهة الأولى داخل الأغلبية، فمن الأغلبية من قد لا يكون متحمسا أصلا لهذه الحرب، ومنها من قد يسعى إلى تمييع المؤازرة الشعبية لها، وذلك من خلال إطلاق مبادرات قد يتصدرها مفسدون، مما يحوِّل واجهة الحراك ضد الفساد إلى واجهة تنفر أكثر مما تستقطب. أما الجهة الثانية فهي في صفوف المعارضة، وقد تحاول بخطاب عدمي تفريغ الخطوات المتخذة من مضمونها، وستعتبر  تلك الخطوات مجرد تصفية حسابات من أجل تبديل موظفين بآخرين، وهذا خطاب لا يخدم في مضمونه إلا المشمولين في الملف.

وإلى جانب هذا الدور المهم، فإن الجبهة المنتظرة ستعمل أيضا على حشد الطاقات الوطنية الجادة في محاربة الفساد من مختلف الفئات والاتجاهات والتخندقات، وجمعها تحت مظلة واحدة تناصر كل خطوة جادة في هذا الاتجاه، وتضغط باتجاه اتخاذ المزيد من الإجراءات الجريئة. 

نحو مرحلة جديدة

إن ما يجري اليوم يمكن اعتباره لحظة اختبار حقيقية لإرادة الدولة والمجتمع معا. فالحكومة أظهرت استعدادا واضحا لاتخاذ قرارات جريئة، والمجتمع المدني بدأ يتحرك لحماية هذا المسار ودعمه، وإذا ما التقت الإرادتان، الرسمية والشعبية، في اتجاه واحد، فإننا قد نشهد انطلاق حرب حقيقية على الفساد تضع حدا لثقافة الإفلات من العقاب، وتؤسس لعهد جديد تُحترم فيه القوانين، ويحمى فيه المال العام من النهب، وتُصان فيه المصلحة العامة.

الأحد، 26 أكتوبر 2025

نحو حلف وطني واسع لمحاربة الفساد


نظّم الموقعون على "التعهد الشخصي لمحاربة الفساد" اليومَ التوعوي الثاني حول خطورة الفساد وآثاره المدمرة على المجتمع والدولة، وذلك بمشاركة واسعة من خبراء ومنتخبين وحقوقيين وإعلاميبن وفاعلين في المجتمع المدني.

افتُتحت الجلسة الصباحية بمداخلتين رئيسيتين لكل من الوزيرين السابقين والخبيرين إسلم ولد محمد ومحمد العابد؛ حيث تناول الوزير إسلمُ في مداخلته المعنونة "أدوات محاربة الفساد" أهمية إصلاح الإدارة، وتفعيل القوانين، وتعزيز أداء أجهزة الرقابة، ولا سيما البرلمان باعتباره أهم أداة رقابية في مكافحة الفساد.

أما الوزير  محمد العابد، فتحدث في مداخلته عن التأثير السلبي للفساد على التنمية من خلال أربعة محاور أساسية: ضعف أداء المرفق العمومي نتيجة إسناد المسؤوليات إلى غير الأكفاء، وهدر موارد الدولة وتوجيهها خارج أولويات التنمية، والعجز عن تحصيل الموارد، ثم التواطؤ بين المسؤولين والموردين في المؤسسات العمومية.

وشهدت الجلسة الصباحية مداخلات متعددة أثرت النقاش، إضافة إلى قراءة بيان وقعته نحو خمسين منظمة غير حكومية أكدت التزامها بالانخراط الفاعل في محاربة الفساد.

أما الجلسة المسائية فقد تميزت بتنوع المداخلات، حيث قدَّم الدكتور الشيخ ولد الزين مداخلة شرعية، والمحامي محمذن اللود السفاح مداخلة قانونية، والكاتب الصحفي البشير عبد الرزاق مداخلة عامة حول الفساد، كما شاركت خديجة علوش من منتدى شبابي للتوعية حول مخاطر  الفساد بمداخلة عن دور الشباب في  محاربة الفساد، وقدَّم حامد سيد الأمين (كاشف الفساد) وهو ناشط في مواقع التواصل الاجتماعي مداخلة حول دور نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في كشف الفساد.

وفي ختام اليوم، أعلن المشاركون عن تشكيل لجنة تضم 11عضوا تم تكليفها بإعداد تصور متكامل لتأسيس حلف وطني واسع لمحاربة الفساد في أسرع وقت ممكن، وذلك تنفيذا لأهم توصية صدرت عن المشاركين وكانت محل إجماع خلال اليومين المفتوحين اللذين كانت حصيلتهما 13 ساعة نقاش أفرزت ما يقارب 90 مداخلة موثقة بالصوت والصورة.

نواكشوط: 26 أكتوبر 2025

المنظمون.

#معا_لمحاربة_الفساد



الخميس، 23 أكتوبر 2025

بيان من 35 منظمة غير حكومية


تتابع منظمات المجتمع المدني الموقعة أدناه باهتمام بالغ وتقدير عميق الإجراءات الحازمة التي اتُّخذت مؤخرا بناءً على مضامين تقرير محكمة الحسابات، والتي تمثل خطوة نوعية في مسار ترسيخ مبادئ الشفافية والنزاهة وحماية المال العام.

وهذه المنظمات إذ تُثمن عزم فخامة رئيس الجمهورية على مواجهة الفساد بجدية وشجاعة، وإعطاء هذا الملف ما يستحق من أولوية واهتمام، فإنها تؤكد على ما يلي:

1. توجيه خالص الشكر والتقدير لفخامة رئيس الجمهورية على القرارات والإجراءات الجريئة المتخذة مؤخرًا في إطار محاربة الفساد؛

2. التأكيد على ضرورة تكاتف جهود الجميع من أجل خلق بيئة مجتمعية مناهضة للفساد، دعما للجهود الحكومية في هذا المجال؛

3. الدعوة لمواصلة الحرب على الفساد دون هوادة، باعتبارها حربا حتمية لابد من خوضها بحزم، فلا تنمية ولا إصلاحَ دون حرب مستمرة طويلة النفس على الفساد؛

4. المطالبة بتعزيز قدرات محكمة الحسابات ومنحها الموارد البشرية والمالية اللازمة التي تمكنها من توسيع مجال رقابتها، وإصدار تقاريرها بشكل منتظم كل سنة؛

5. التشديد على ضرورة وضع معايير دقيقة وصارمة في التعيين في المناصب السامية والحساسة، لضمان تولي الأكفأ والأكثر نزاهة وكفاءة لتلك المناصب والمسؤوليات، مما سيحد من تكرار التجاوزات والأخطاء التسييرية التي كبَّدت الدولة خسائر  مالية فادحة.

كما تؤكد هذه المنظمات على أن محاربة الفساد بقدر ما تحتاج لإرادة سياسية قوية، فإنها تحتاج أيضا - وبنفس درجة الإلحاح - إلى ظهير شعبي متماسك، وتقع مسؤولية خلق ذلك الظهير على النخب المهتمة بمحاربة الفساد، وهو ما يستوجب من تلك النخب التحرك الفوري لخلق ظهير شعبي متماسك داعم للحرب على الفساد.

نواكشوط، 22 أكتوبر 2025

الموقعون:

1- منتدى 24-29 للرقابة الشعبية على الأداء الحكومي 

2 - أئمة ضد الفساد 

3- الجمعية الموريتانية لتغيير العقليات 

4 - المنظمة الموريتانية للمساعدة و التضامن الاجتماعى و دعم حماية البيئة (OMASSAPE )

5- منظمة أطر وكفاءات من أجل التنمية

6 - الجمعية الموريتانية للتنمية والبحث والمتابعة

7- منظمة المرصاد لمحاربة الفساد

8 - جمعية تمكين للتنمية

9- منظمة طموح وٱمال الحقوقية 

10- جمعية أخلاف النواب الموريتانيين

11- منظمة بوابة الشمس ألعالمية الخيرية

12- جمعية من باب إلى باب

13- جمعية ADIG

14- منظمة ٱفاق للبيئة والموارد الاساسية

15 - التجمع الموريتاني للعمل الاجتماعي 

16- جمعية العمل لعلاج مرضى القلب

17 - منظمة أمل لمكافحة التصحر والامية 

18 - جمعية التنمية الشاملة

19- الجمعية الموريتانية للتنمية القاعدية

20- جمعية العمل من أجل المعوقين

21- الجمعية الموريتانية للتوعية الصحية وسلامة البيئة

22- جمعية التنمية وحقوق الإنسان 

23- جمعية البناء والتطوير والتثقيف المدني

24- منظمة الدفاع عن حقوق ذوى الاعاقة والامراض النفسية والصحة

25 - منظمة حماية للبيئة والحيوانات السائبة

26- جمعية التنمية وحقوق الإنسان 

27- جمعية الصدق للتنمية والصحة وحماية التراث والبيئة

28- منظمة انبط للتنمية الشاملة

الجمعية الموريتانية للتنمية الجماعية

29 - جمعية التنمية الجماعية والصحة وحق التداوي

30- المنظمة الموريتانية للتنمية المساعدة

31- جمعية التوفيق للعمل والتنمية

32- الاتحاد من أجل التنمية والحكم الرشيد

33- منظمة شنقيط للثقافة والتربية والأعمال الخيرية

34 - الجمعية الموريتانية للتوعية الصحية ومكافحة التسرب المدرسي

35 - منظمة العمل من أجل الوحدة الوطنية.

يوم توعوي مفتوح حول خطورة الفساد وأضراره على المجتمع والدولة


في إطار التفاعل الواسع مع "التعهد الشخصي لمحاربة الفساد" نظمت مجموعة من الموقعين على هذا التعهد يوما توعويا مفتوحا حول مخاطر الفساد وأضراره على المجتمع والدولة.

وقد شاركت في هذا اليوم التوعوي نخبة من الشخصيات الوطنية من مختلف الاهتمامات والاتجاهات الفكرية والسياسية، واستمر النقاش لأكثر من 7 ساعات وزادت المداخلات على 50 مداخلة.

وغطت المداخلات أربعة محاور رئيسية:

1. مخاطر الفساد على تنمية واستقرار البلد؛

2. أضرار الفساد على الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي؛

3. قراءة في تقرير محكمة الحسابات والإجراءات الحكومية المرتقبة؛

4. عصف ذهني حول فكرة تشكيل حلف وطني واسع لمحاربة الفساد.

وفي كلمة الافتتاح، أكد  الكاتب محمد الأمين الفاظل على أن مواجهة الفساد "ليست مسؤولية جهة بعينها، بل هي معركة وطنية جامعة لا يليق أن يتخلف عنها أي مواطن ينشد الإصلاح"، مشيرًا في كلمته إلى أن هذا اليوم يأتي في لحظة مفصلية عقب نشر تقرير محكمة الحسابات وما تلاه من تعهد حكومي باتخاذ إجراءات صارمة ضد المشمولين فيه.

وثمّن ولد الفاظل نشر التقرير بوصفه "خطوة شجاعة في مسار الشفافية والمساءلة"، داعيا الحكومة إلى أن تكون إجراءاتها "حازمة، عادلة، ورادعة"، حتى لا يتحول التقرير إلى مجرد وثيقة تُقرأ ثم تُنسى.

وأضاف أن هذا اليوم التوعوي يسعى إلى خلق إجماع وطني حول أهمية التقرير، وخلق رأي عام يطالب بمحاسبة كل من عبث بالمال العام، فضلا عن تأسيس حلف وطني واسع لمحاربة الفساد يضم علماء، وساسة، وصحفيين، ومدونين، ونشطاء مجتمع مدني.

وقد أجمع أغلب المتدخلين على خطورة الفساد، وضرورة اتخاذ خطوات سريعة لتشكيل حلف وطني واسع لمحاربة الفساد.

تنبيه: كل المداخلات في اليوم التوعوي المفتوح ستظهر على حسابي في فيسبوك.  



الخميس، 16 أكتوبر 2025

أيهما أولى بمحاربة الفساد: الموالي أم المعارض؟


تعودنا، نظاما بعد نظام، أن يكون المعارضون هم من يرفعون الصوت عاليا ضد الفساد، بينما يلتزم الموالون الصمت، إما لاعتقاد خاطئ بأن ذلك يحمي صورة النظام، أو مجاملة ودعما لمفسدين تربطهم بهم قرابة أو مصالح.

غير أن هذا التصور السائد يحتاج اليوم إلى مراجعة جادة، خاصة حين يكون النظام الذي ندعمه قد جعل من محاربة الفساد ركيزة أساسية في برنامجه الانتخابي، وتعهد بمحاربته في مختلف ولايات الوطن خلال الحملة الانتخابية الماضية.

لقد تعهد الرئيس محمد الشيخ الغزواني، خلال تلك الحملة، بالتزامات صريحة وقوية في مجال محاربة الفساد. ومن هنا فإن الموالي الصادق الذي صوّت لذلك البرنامج الانتخابي هو أولى من غيره بمحاربة الفساد، لأنه مسؤول أخلاقيا وسياسيا – بدرجة أو بأخرى – عن كل فساد يقع في هذه المأمورية، حتى وإن لم يشارك فيه مباشرة.

إن %56.2 من المصوّتين في الانتخابات الرئاسية الماضية أولى بمحاربة الفساد من الـ%44 المتبقية، لأن أي فساد يحدث في هذه المأمورية سيتحمل منه كل من صوَّت من تلك النسبة نصيبا ووزرا، وفي المقابل فهو سيكسب أجرا من كل جهد يُبذَل في محاربة الفساد، أو في أي إصلاح يتحقق بفضل النظام الذي انتخبه.

صحيح أن الفساد يضر بالجميع – معارضين وموالين ومستقلين – إلا أن ضرره على الموالي أشد وأخطر. فالمعارض، رغم تضرره كأي مواطن، إلا أنه ليس شريكا في ذلك الفساد، فهو لم ينتخب وفي الغالب لم يسير، وهو سيستفيد سياسيا من تفشي الفساد؛ فكلما انتشر الفساد في عهد نظام حاكم، ازدادت مصداقية المعارضة وشعبيتها، والعكس صحيح: كلما اشتدّت محاربة النظام للفساد، فقدت المعارضة إحدى أقوى أوراقها وأكثر شعاراتها جذبا. فلا شيء يُضعف المعارضة أكثر من نظام حاكم يحارب الفساد بشجاعة وقوة.

وفي المقابل، على الموالي الصادق، أن يدرك أن أي فساد يقع خلال هذه المأمورية يضرّ الشعب والدولة والرئيس ومشروعه الإصلاحي، وأنه لن يستطيع التنصل من مسؤولية المشاركة في ذلك الفساد مستقبلا، لأنه شريك في الاختيار، وشريك في النجاح والإخفاق على حد سواء.

وعليه أن يدرك كذلك أن الصمت عن الفساد ليس وفاءً للرئيس، بل خيانة له، وخيانة للشعب، وخيانة قبل ذلك لله ورسوله. فكل موظف يمارس فسادا من أي نوع يخون الرئيس الذي منحه الثقة، ويخون الشعب الذي يدفع له من ماله العام، ويخون قبل ذلك كله الله الذي حرَّم الفساد. ومثل هذا الموظف لا يستحق أي مجاملة ولا شفقة، لا من معارض صادق، ولا من موال مخلص، ولا من مستقل نزيه.

إن القلة التي تمارس الفساد اليوم، وتستفيد منه على الصعيد الشخصي الضيق، لا تضر الرئيس وحده، بل تضر كل داعميه المخلصين. وتضر كذلك الوطن بأكمله.

لقد آن الأوان لأن يدرك الموالون الصادقون أن محاربة الفساد هي أصدق مظاهر الولاء للرئيس، وأن الدفاع عن المفسدين هو أبشع خيانة له. فالرئيس الذي تعهد بمحاربة الفساد يحتاج اليوم إلى من يسانده بصدق وشجاعة، لا إلى من يبرر الخطأ، ويغطي على الخلل، ويسكت عن الفساد.

 تنبيه:

لا يُقصد من هذا المقال التقليل من الدور المنتظر من المعارضة في محاربة الفساد، وإنما يقصد به لفت الانتباه إلى الدور الأخلاقي والسياسي الذي يجب أن يضطلع به الموالي الصادق في هذا المجال، إن كان قد صوَّت للرئيس اقتناعا ببرنامجه الإصلاحي، لا طمعا في مصلحة خاصة يسعى لتحقيقها من خلال الفساد والتواطؤ مع المفسدين.

حفظ الله موريتانيا...


الأربعاء، 15 أكتوبر 2025

مجرمون خارج السجن!


طالعتُ في وقت متزامن خبرين يستحق تزامنهما التوقف والتأمل. الخبر الأول يتعلق بإطلاق سراح لصٍّ أُلقي القبض عليه الساعة الرابعة فجرا، بعد محاولته السرقة والاعتداء بالسلاح الأبيض. وقد تمكن الضحية المستهدف (الشاب أحمد محمد غدة) رغم إصابته بجرح في يده، من السيطرة على اللص، وتسليمه للجهات الأمنية. لكن المفاجأة الصادمة كانت في إطلاق سراح اللص بعد وقت وجيز، ودون عقاب!

أما الخبر الثاني فيتعلق بجريمة هزت العاصمة نواكشوط يوم الجمعة الماضي، حين اقتحمت عصابة من المجرمين منزل أسرة جاءت للعاصمة لعلاج ابنها، فاستولت على ما في المنزل من مال وهواتف، ولم تكتف بذلك، بل حاول أحد أفرادها الاعتداء على شرف إحدى الفتيات، فما كان من الأب السبعيني إلا أن دافع عن شرف ابنته، فطعنه المجرم بسكين وأرداه قتيلا.

تدخل الجيران وأمسكوا بأحد الجناة، قبل أن يُلقى القبض على بقية أفراد العصابة، والراجح أنهم من أصحاب السوابق.

هذا التزامن أعاد إلى ذهني موضوعا بالغ الخطورة لم ينل بعدُ ما يستحق من نقاش، كنت قد تناولته في عدة مقالات خلال السنوات الماضية. من بينها مقال نشرته يوم 16 سبتمبر 2020 بعد جريمة اغتصاب وقتل الفتاة لميمة على شارع المقاومة، وكان عنوانه: "مجرمون وقتلة خارج السجن.. إلى متى ستستمر هذه الظاهرة؟"

تداول الناس آنذاك أن مرتكبي تلك الجريمة من أصحاب السوابق الذين سبق أن أوقفوا وأحيلوا إلى القضاء قبل سنتين، وصدر بحقهم حكم بالسجن لثماني سنوات.

ولم تكن تلك الحادثة الوحيدة التي ارتكبها مجرمون يُفترض أن يكونوا داخل السجن، فثمة حالات أخرى وثقتها في مقالات منشورة بمدونتي الشخصية "تصبحون على وطن".

من أبرز تلك الجرائم البشعة جريمة اغتصاب وقتل الطفلة زينب في أواخر عام 2014 بمقاطعة عرفات، حيث تعرضت للاغتصاب وهي في طريقها إلى المحظرة، ثم أُحرِق جسدها من طرف أصحاب سوابق كانوا معروفين في الحي.

وفي نهاية عام 2015، شهد السوق المركزي بالعاصمة جريمة قتل السيدة خدوج، على يد مجرم كان سجله حافلا بعمليات السطو والحرابة وتعاطي المخدرات. وقد أُفرج عنه بعد شهر واحد فقط من ارتكابه لجريمة أحالته بموجبها مفوضية السبخة رقم 2 إلى العدالة بمحضر متكامل يثبت تورطه في جرائم عدة!

إن أي بحث سريع في الجرائم المروّعة التي هزت العاصمة خلال السنوات الأخيرة، سيكشف أن نسبة معتبرة منها ارتكبها أصحاب سوابق كان يُفترض أن يكون بعضهم خلف القضبان ساعة وقوع الجريمة.

فمن المسؤول عن إطلاق سراح هؤلاء المجرمين؟

ومن الذي مكَّنهم من العودة إلى الشوارع ليحصدوا أرواح الأبرياء؟

حين يُلقى القبض على لصٍّ متلبس بجريمة اعتداء وسرقة، ثم يُفرج عنه في اليوم التالي، فإن السؤال الحقيقي لا يتعلق بالجريمة الموالية، بل بمن سمح بتكرارها!

فهل الخلل في التحقيق؟ أم في القضاء؟ أم في آليات تنفيذ الأحكام؟

وهل هناك ثغرات قانونية تُتيح لهؤلاء المجرمين الإفلات من العقاب؟

أسئلة مشروعة لا أملك إجابات قاطعة عليها، لكنها أسئلة تستحق أن تُطرح بجدية، كلما وقعت جريمة كان منفذها مجرما من أصحاب السوابق.

إن من يتتبع الجرائم الخطيرة في السنوات الأخيرة سيلاحظ قاسما مشتركا بين أغلبها. فمعظم مرتكبي تلك الجرائم هم من الشباب أو القُصَّر المتسربين من المدارس أو الذين لم يدرسوا أصلا، ويتعاطون المخدرات.

وهذا يعني أننا أمام ثلاث مؤسسات فاشلة:

أسرة فشلت في التربية، ومدرسة فشلت في التعليم، ومجتمع بأسره فشل في التحصين والتوجيه، بعلمائه ووعَّاظه وصحافته وجمعياته.

وللتذكير، فقد شهدت العاصمة نواكشوط في منتصف العام 2021 سلسلة جرائم متزامنة كان أغلب مرتكبيها من أصحاب السوابق، من بينها الجريمة المروِّعة التي راح ضحيتها الأستاذ أحمد سالم التاه رحمه الله.

وعقب تلك السلسلة من الجرائم، نظمت جمعية خطوة للتنمية الذاتية يوم السبت 10 يوليو 2021 جلسة نقاشية عن الجريمة وأسباب تفشيها، شارك فيها وزير عدل سابق، ومدير أمن سابق (مدير مساعد)، وخبير في الأدلة الجنائية، وعدد من الأساتذة والباحثين في علم الاجتماع.

وخلص المشاركون إلى حزمة من التوصيات الهامة، من أبرزها:


1. إشراك المواطن في حفظ الأمن عبر آلية مجتمعية فعالة؛

2. فرض إلزامية التعليم والتكفل بأبناء الأسر محدودة الدخل؛

3. إنشاء مراكز لعلاج الإدمان؛

4. تأسيس حاضنات ثقافية ورياضية للشباب؛

5. التصدي الجاد للغبن والتهميش ومظاهر غياب العدالة؛

6. تعزيز التوعية والتحسيس ضد الجريمة بمشاركة النخب؛

7. تحيين الترسانة القانونية وتطوير قدرات القضاة وأعوانهم؛

8. تفعيل المؤسسات الإصلاحية لإدماج الشباب ذوي السوابق؛

9. فرض الخدمة المدنية والتجنيد الإجباري؛

10. إنشاء مرصد وطني للجريمة وتحسين آليات الإحصاء؛

11. مراقبة الحدود ومراجعة نظام الدخول دون تأشيرة؛

12. إنشاء شرطة الجوار؛

13. تعزيز قدرات الأجهزة الأمنية وتشجيع التخصص؛

14. إنشاء معهد للطب الشرعي والأدلة الجنائية؛

15. وقف تعطيل الأحكام القضائية والصرامة في تنفيذها؛

16. إشراك مراكز البحث في إعداد السياسات الاستشرافية.

واليوم، أعيد نشر هذه التوصيات، مع تجديد الدعوة لتنفيذ ما لم يُنفذ منها بعد.

حفظ الله موريتانيا...

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2025

هل سيخرج المفسدون من تقرير محكمة الحسابات سالمين غانمين؟


قبل أيام كتبتُ هذا المنشور:

 "كان من المهم أن تنظم محكمة الحسابات مؤتمرا صحفيا بعد إصدار تقريرها، فتوضح للرأي العام ما كان من أخطاء في التسيير، وما كان من شبهات فساد. 

عموما، من الضروري اتخاذ إجراءات صارمة ضد من شملهم التقرير، من خلال عقوبات إدارية بحق من أخطأ، وإحالات قضائية ضد من تحوم حوله شبهات فساد." انتهى المنشور...

ما زال هذا هو رأيي، ولم يتغير حتى الآن، ومع ذلك، هناك إيضاحات لابد من تقديمها تعليقا على النقاش الذي أثاره صدور التقرير ونشره، وكذلك تعليقا على المؤتمر الصحفي أو النقطة الصحفية التي نظمها رئيس محكمة الحسابات، والتي زادت من حدة النقاش وأثارت من الأسئلة أكثر مما أجابت عليه.

1. غياب التواصل الأولي:

إن عدم تنظيم نقطة صحفية عند صدور التقرير سمح لقراءات سريعة وغير دقيقة بالهيمنة على المشهد الإعلامي، فبالغت تلك القراءات في تضخيم الأرقام وحجم الفساد الوارد فيه، فأوصلتها  إلى أكثر من 400 مليار أوقية! هذا رقم يفوق ميزانية المؤسسات التي شملها التفتيش، ويضاعف عشر مرات حجم "فساد العشرية"، أي أننا ـ وفق تلك القراءات ـ أمام فساد يعادل فساد عَشْر عشريات!

2. الردّ المبالغ فيه:

ربما كانت تلك القراءة التضخيمية هي ما دفع برئيس محكمة الحسابات إلى الخروج الإعلامي مساء أمس، ليقدم قراءة مناقضة لها تماما، فبالغ هو الآخر في الاتجاه المعاكس، حين أكد أن كل ما ورد في التقرير مجرد "أخطاء تسيير" لا أكثر، وأن التقرير لا يتضمن أي فساد. وهكذا انتقلنا في طرفة عين من المبالغة في الإدانة إلى المبالغة في التبرئة!

3. الواقع يغني عن التقارير:

المواطن الموريتاني اليوم لا يحتاج إلى تقرير من محكمة الحسابات أو غيرها ليقتنع بوجود الفساد. فهو يراه ماثلا أمامه في سوء الخدمات العمومية من ماء وكهرباء وتعليم وصحة... وهذه المظاهر وحدها كافية لإثبات أن هناك خللا عميقا في تسيير موارد البلد.

4. غياب المتابعة والمساءلة:

ما يقلق المواطن أكثر هو غياب المحاسبة. والتقرير الأخير لم يتضمن أي إشارة إلى الإجراءات المتخذة بشأن التقرير السابق الذي غطى سنوات 2019 و2020 و2021. هذا الغياب هو أقوى ثغرة في التقرير الحالي، وهو يعزز  من مخاوف الإفلات من العقاب.

إن هناك خوفا كبيرا من أن ينجو المفسدون في التقرير الحالي أو المخطئون في التسيير إذا شئتم من العقاب، كما  نجا سلفهم في التقرير السابق، وقد زادت تصريحات رئيس المحكمة التي نفت وجود أي فساد في التقرير الحالي من تلك المخاوف.

5. قوة الانطباع الأول:

ما فات رئيس المحكمة هو أن الانطباعات الأولى التي تنتشر لدى الرأي العام تتحول سريعا إلى "حقائق" يصعب تصحيحها حتى وإن كانت مغلوطة. لذلك فإن تأخر تواصل محكمة الحسابات مع الرأي العام كان خطأ جسيما لم يعد بالإمكان تدارك أضراره الآن.

6. التباين الحاد في القراءات:

بين قراءة تضخِّم الأرقام وتوصلها إلى مئات المليارات، وقراءة تنفي وجود فساد مطلقا، تبدو الحاجة ماسة إلى قراءة مهنية محايدة. ومن بين كل التحليلات المنشورة، لم أجد قراءة أقرب إلى المهنية من تلك التي قدمها الخبير المحاسبي مولاي كواد، وهو مفتش دولة مساعد سابق.

7. قراءة الخبير مولاي كواد:

قدّر الخبير في مقال نشره من جزأين، أن التقرير يتضمن:

60% أخطاء تسيير؛

23% ناتجة عن هشاشة النظم وضعف الكفاءة الإدارية؛

17% تمثل شبهات فساد أو أفعالا يمكن أن تفضي إلى جرائم بعد التحقيق.

8. دعوة لجلسة نقاشية:

بعد اطلاعي على ما نشره الخبير المحاسبي، تواصلت معه ودعوته إلى ندوة نقاشية كنت أنوي تنظيمها لتقديم قراءة موضوعية واحترافية تُخرجنا من القراءتين المتناقضتين: تلك التي تُضخِِّم الفساد في التقرير، وتلك تُنكره كليا. لكنه للأسف خارج البلد حاليا، مما سيؤجل عقد الجلسة النقاشية.

9. ما العمل الآن؟

نحن بحاجة إلى موقف متوازن، ورأي عام وطني متماسك  يطالب بـ:

- إحالة الملفات المشبوهة (17%) إلى القضاء بعد تعميق التحقيق؛

- اتخاذ عقوبات إدارية صارمة ضد المسؤولين عن الأخطاء التسييرية (60%)، لأن سوء التسيير ـ حتى دون نية إجرامية ـ يبدد أموال الشعب ويكشف ضعف الأهلية الإدارية؛

- إصلاح إداري شامل لتفادي الأخطاء البنيوية (23%) الناتجة عن هشاشة النظم.

10. نقطة وحيدة تحسب لرئيس المحكمة:

ربما النقطة الوحيدة التي كسبها رئيس المحكمة في مؤتمره الصحفي هي دفاعه عن نفسه، وذلك عندما تحدّى الجميع أن يأتوه لا بملف فساد، بل حتى بخطأ تسييري واحد ارتكبه خلال مساره المهني.

ختاما،

أعلم أن هذا المقال لن يرضي أيا من الطرفين: لا من يبالغون في تقدير حجم الفساد في التقرير ، ولا من ينفون وجوده كليا فيه، وأتوقع أن أتلقى سهام النقد من كليهما. ومع ذلك، تبقى هذه قناعتي، وسأتمسك بها حتى يثبت لي أحد الطرفين عكسها، ولا أظن أن فيهما من يستطيع إثبات ذلك.

ما يقلقني حقا هو بوادر معركة غبية تلوح في الأفق بين الرأي العام الوطني وأجهزة الرقابة. وإذا ما اندلعت هذه المعركة، فإن الخاسر الأول سيكون من يحارب الفساد، بينما سيخرج المفسدون سالمين غانمين، ولسان حالهم يقول اللهم اضرب بعضهم ببعض ( الراي العام والأجهزة الرقابية)، واخرجنا من معاركهم العبثية سالمين غانمين.

قلتُها سابقا وأكررها الآن:

 الفساد ليس خصما ضعيفا، ولن ننتصر عليه إلا بتشكيل حلف وطني واسع لا تقوده غوغاء مواقع التواصل، ولا من ترده اللقمة أو اللقمتان، ولا من يجامل المفسدين، مهما علت مناصبهم أو رُتَبهم.

المقلق أكثر هو أني لا أرى بوادر تلوح في الأفق لتأسيس ذلك الحلف.

حفظ الله موريتانيا...

السبت، 11 أكتوبر 2025

رسالة مفتوحة إلى النخب الصالحة والجادة


وجهنا يوم أمس رسالة مفتوحة إلى فخامة رئيس الجمهورية، انطلاقا من قناعتنا الراسخة بأن الشرط الأول لمحاربة الفساد هو وجود إرادة سياسية عليا تتبنى هذه الحرب بجدية. واليوم، نوجه رسالة ثانية إلى النخب الصالحة والجادة في هذا البلد، إيمانا منا بأن الشرط الثاني لمحاربة الفساد هو وجود ذراع شعبي قوي يساند هذه الحرب، ولا يمكن لهذا الذراع أن يتشكل دون نخبة واعية قادرة على تعبئته وتوجيه بوصلته إلى الاتجاه الصحيح.

ماذا يحدث عندما يُفتح ملف فساد؟

سؤال يستحق الطرح الآن. فعند فتح أي ملف فساد، تتحرك عادة ثلاث جهات، بوعي أو بغير وعي، ولأسباب ودوافع مختلفة، بهدف إرباك من بادر بفتحه. وإذا لم تعارض هذه الجهات فتح ذلك الملف، فإنها على الأقل لا تبدي حماسا لفتحه، ولا تقدم أي دعم لمن فتحه.

هذه الجهات الثلاث هي:

الجهة الأولى: وهي طائفة من الأغلبية المتنفذة داخل النظام الحاكم، تمارس الفساد وتدرك أن أي حرب جدية ضده ستضر بمصالحها. لذلك، فإنها تعمل على إرباك أي محاولة لمحاربته، أو على الأقل كبت الحماس داخل الأغلبية لدعم تلك المحاولة. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الصمت الحالي للأحزاب والمبادرات السياسية الداعمة للرئيس، والتي اعتادت إصدار بيانات التأييد، لكنها لم تعلن حتى الآن أي دعم لتقرير محكمة الحسابات، ولم تطالب بمحاسبة من وردت أسماؤهم فيه.

الجهة الثانية: وهي طائفة من المعارضة، لا تمارس الفساد، لكنها لا تتحمس لمحاربته من قبل النظام، لأنها تعتبر شعار محاربة الفساد مصدرا للرصيد السياسي والإعلامي للمعارضة، وكلما تفشى الفساد، زادت شعبية المعارضة، وكلما حاربه النظام، تقلصت تلك الشعبية، ولذا، فإن بعض أطراف المعارضة تسارع إلى تصنيف أي ملف فساد يُفتح على أنه تصفية حسابات، وتلك حجة يستخدمها المفسد للدفاع عن نفسه، واعتبار ما يتعرض له مجرد تصفية حسابات سياسية.

الجهة الثالثة: وهي الجهة الاجتماعية التي ينتمي إليها المفسد، من قبيلة أو شريحة أو جهة، وهي  تسارع دائما في الدفاع عنه بحجة أنه ليس المفسد الوحيد في البلد، فلماذا يُحاسب وحده. دون المفسدين الآخرين من القبائل والشرائح الأخرى؟  كما أن لكل مفسد معلوم الفساد شبكة من الأقارب والأصدقاء وأصحاب المصالح الذين استفادوا من فساده، وهؤلاء يظلون يطالبون - بأعلى الأصوات - بمحاربة الفساد، إلى أن  يُفتح ملف فساد ضد قريب لهم أو شخص كان ينفق عليهم مما سرق، فإذا بهم ينقلبون 180 درجة. شعارهم: نعم لمحاربة الفساد، ولكن بشرط ألا يصل رصاصها لقريب أو لشخص ننتفع منه.

ورغم التناقض الظاهري بين هذه الجهات، فإنها تتوحد دائما ضد أي ملف فساد يُفتح، وبطبيعة الحال فلكل جهة  أسبابها ودوافعها الخاصة بها.

غياب الذراع الشعبي المنظم

في ظل هذا الواقع، يُطرح سؤال جوهري: هل توجد جهة موازية منظمة قادرة على توفير الدعم السياسي والإعلامي، وتمثل غالبية الشعب الموريتاني الطامح لمحاربة الفساد، عندما يُفتح ملف فساد؟

للأسف، لا توجد مثل هذه الجهة، وهذا الغياب الدائم  يكشف نقاط ضعف النخب الصالحة، والتي يمكن تلخيصها في:

1. الاستقالة من الشأن العام: حيث تكتفي النخب الصالحة بالتفرج، بينما تتحرك النخب الانتهازية والفاسدة بنشاط وحيوية لإفساد البلد.

2. الخمول وغياب المبادرة: فالنخب الصالحة فشلت في إطلاق مبادرات إصلاحية أو خلق عناوين سياسية أو جمعوية توحد الجهود في عمل هادف، بينما تنشط النخب الفاسدة في إطلاق مبادرات "ذات ضرر عام".

3. غياب العمل المشترك: من النادر أن يجتمع عدد من المواطنين الصالحين في عمل مشترك يهدف للصالح العام، وهم لا يجتمعون في عمل مشترك لأنهم ينتظرون دائما حصول تطابق تام في الرؤى، وهذا لن يتحقق.

من الواضح أن نقاط الضعف هذه تتجلى اليوم، بعد صدور تقرير محكمة الحسابات،  وذلك في وقت بدأت  تتحرك فيه الجهات الثلاث التي تحدثنا عنها سابقا للتشكيك في أهمية صدور تقرير محكمة الحسابات، بل وللدفاع عن الذين شملهم التقرير، بينما تغيب بشكل كامل أي جهة منظمة تدعم هذا التقرير وتطالب بإجراءات صارمة ضد من شملهم.

دعوة لخلق مساحة مشتركة

من الممكن جدا أن نخلق مساحة نضال مشتركة حول هذا الملف، يلتقي فيها المعارض الصادق، والموالي المخلص، والمستقل الناصح، وذلك بعد أن يتفق الجميع على نقطتين جوهريتين:

الأولى: الترحيب بصدور تقرير محكمة الحسابات ونشره للرأي العام، وهذه خطوة يجب أن يرحب بها الجميع، يرحب بها المعارض قبل المستقل والموالي.

الثانية: المطالبة باتخاذ إجراءات صارمة ضد كل من شمله هذا التقرير، فعدم القيام  بذلك سيحوِّل صدور التقرير ونشره إلى خطوة سلبية، تُكرِّس المزيد من الفساد بدلا من الحد منه.

إن النخب الصالحة والجادة من مختلف الاتجاهات والأطياف السياسية مدعوة اليوم إلى التحرك العاجل، لاستغلال صدور تقرير محكمة الحسابات، وجعله نقطة انطلاق حقيقية لحرب جدية على الفساد والمفسدين.

فهل ستستغل هذه النخب فرصة صدور تقرير محكمة الحسابات لتشكيل حلف وطني لمحاربة الفساد، كنا قد طالبنا به أكثر من مرة؟

تنبيه: قد نضطر لتأجيل المعركة ضد التفاهة إذا ما ظهرت بوادر تشكيل مثل هذا الحلف، فمحاربة الفساد يجب أن تبقى دائما أولوية الأولويات، وأن تعطى لها الأسبقية إذا ما ظهرت فرصة يمكن  أن تستغل، وفي اعتقادي أن الفرصة قائمة حاليا.

حفظ الله موريتانيا...

الجمعة، 10 أكتوبر 2025

رسالة مفتوحة إلى فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني


فخامة الرئيس،

إننا نحن الأعضاء المؤسسين لمنتدى 24-29 للرقابة الشعبية على الأداء الحكومي، الداعمين لمساركم الإصلاحي، والساعين بجدية لتنفيذ برنامجكم الانتخابي "طموحي للوطن"، لا سيما في جوانبه المتعلقة بمحاربة الفساد، وتمكين الشباب، وإصلاح الإدارة، نتوجه إليكم بهذه الرسالة المفتوحة لنؤكد مجددا دعمنا الكامل لجهودكم في الإصلاح، وخاصة ما يتعلق منها بمحاربة الفساد.

فخامة الرئيس،

لقد ورد في رسالة إعلان ترشحكم لمأمورية ثانية، المنشورة يوم الأربعاء 24 إبريل 2024، تعهدٌ واضح وصريح بمحاربة الفساد، حيث قلتم: "سنضرب بيد من حديد، ونواجه بكل قوة وصرامة كافة مسلكيات وممارسات الفساد والرشوة والتعدي على المال العام."

كما افتتحتم حملتكم الانتخابية في يوم 14 يونيو 2024 بجملة لا تزال تتردد في آذان كل داعم مخلص:  "لن يكون هناك مكان بيننا لمن يُصرُّ على مد يده للمال العام، كائنًا من كان، ولن يُراعى في ذلك أي اعتبار."  

وقد تكرر هذا الالتزام القوي بمحاربة الفساد في كل ولاية زرتموها خلال الحملة، مما جعله أبرز تعهد في برنامجكم الانتخابي. ثم جددتم التأكيد عليه في خطاب التنصيب بتاريخ 01 أغسطس 2024، بعد أن حُسمت الانتخابات، ولم تعودوا بحاجة إلى أصوات الناخبين، وهو ما يحمل دلالة قوية على صدق عزمكم في محاربة الفساد، وقد قلتم في خطاب التنصيب:  "الحرب على الفساد والرشوة وسوء التسيير حرب الجميع: حرب المنظومات الإدارية والقضائية، حرب أجهزة الرقابة والتفتيش، حرب النخبة من مثقفين وقادة رأي ومجتمع مدني وصحافة ومؤثرين اجتماعيين، ولا سبيل للنصر في هذه الحرب بنحو حاسم، إلا بتضافر جهود الجميع."

فخامة الرئيس،

لقد شهدنا مؤخرا أداء رئيس السلطة الوطنية لمحاربة الفساد للقسم، وهي الهيئة التي استحدثتموها في إطار جهودكم لمحاربة الفساد، كما تابعنا بعد ذلك تسلمكم لتقرير محكمة الحسابات الذي نُشر للرأي العام، وكشف عن تجاوزات خطيرة في قطاعات حيوية.

إن صدور هذا التقرير ونشره للرأي العام يمثل، في نظرنا، خطوة أولى يجب أن تتبعها إجراءات صارمة ضد كل من ثبت تورطه في تلك التجاوزات. ونحن، بمناسبة صدور هذا التقرير، وفي انتظار ما سيترتب عليه، ندعو كافة الداعمين المخلصين لمساركم الإصلاحي إلى الوقوف معكم في حربكم المعلنة على الفساد، ومساندتكم في كل إجراء يُتخذ ضد المتورطين في ملفات الفساد التي كشفها التقرير الأخير.

ونؤكد في هذا السياق على ما يلي:

1. أن الأغلبية هي التي صوتت على برنامجكم الانتخابي "طموحي للوطن"، وهي اليوم مطالبة بدعمكم في تنفيذه، خصوصا في جانبه المتعلق بمحاربة الفساد، فلا إصلاح ولا تنمية دون محاربة جدية للفساد.

2 . إن نجاحكم في تنفيذ هذا البرنامج هو نجاح لنا جميعا في الأغلبية الداعمة لكم، والإخفاق فيه ـ لا قدر الله ـ هو إخفاق لنا جميعا، علينا أن نتحمل مسؤوليته.

3. إن الفساد لا يُمارس من قبل المعارضة التي لا تتولى تسيير شؤون البلاد، بل من بعض الأطراف داخل الأغلبية، بحكم مسؤوليتها عن التسيير. ومن هنا، فإن مسؤولية المطالبة بمحاربته، ودعم جهودكم في هذا الاتجاه، تقع أولا على الأغلبية الصادقة والمخلصة في دعمها لكم.

4. نثمن نشر تقارير محكمة الحسابات في عهدكم، ونعتبرها خطوة إيجابية في مسار الشفافية، لكننا نؤكد أن هذه الخطوة قد تتحول إلى عامل سلبي إذا لم تُتبع بإجراءات عقابية ورادعة بحق المتورطين، فعدم اتخاذ تلك الإجراءات سيزيد من جرأة المفسدين على نهب المال العام، وسيضعف من ثقة المواطن في الهيئات الرقابية.

5. من المعروف أن تقارير محكمة الحسابات لا تشمل جميع القطاعات، ولا تصدر بشكل سنوي، مما يعني أنها تكشف فقط عن جزء يسير من حجم الفساد. وهو ما يستدعي التعامل معها بجدية وحزم، ليكون ذلك رادعا لمن تسوّل له نفسه التعدي على المال العام.

6. إن أمن البلد واستقراره أصبح مرهونا بمحاربة الفساد بشكل جدي، فالمفسد اليوم لا ينهب المال العام فقط، رغم خطورة ذلك، وإنما يُهدد أيضا وحدة المجتمع وتماسكه، ويغذي مشاعر الغضب واليأس لدى الفقراء والمهمشين، الذين يعجزون عن توفير حاجياتهم الأساسية، في وقت يشاهدون فيه مظاهر البذخ الفاحش والتبذير التي يقف وراءها في الغالب مفسدون، يشاهدونها، وهي تُعرض علنا - ودون حياء - على منصات التواصل الاجتماعي.

فخامة الرئيس،

إننا نضع هذه الرسالة بين أيديكم، تعبيرا عن دعمنا الصادق، واستعدادنا الكامل للوقوف إلى جانبكم في هذه الحرب المصيرية ضد الفساد، وأنتم هم من وصفها في خطاب التنصيب بالحرب المصيرية، ونحن عندما نصف حربا ما في أي بلد من البلدان بأنها حرب مصيرية، فذلك يعني أن مصير ذلك البلد سيكون مرتبطا بنتائج تلك الحرب.

وفقكم الله لما فيه خير البلاد والعباد.

نواكشوط: 10 أكتوبر 2025

اللجنة التأسيسية لمنتدى 24-29 للرقابة الشعبية على الأداء الحكومي.

الخميس، 9 أكتوبر 2025

هذا فسادٌ لن نسكت عنه!


بدءًا، لا بد من التأكيد على أن الفساد هو الفساد، لا يُقبل منه وجه ولا يُبرَّر في أي حال، فليس هناك فساد يجوز السكوت عنه وآخر لا يجوز السكوت عنه. ومع ذلك، فقد توجد ظروف استثنائية أو اعتبارات شخصية تجعلنا ـ أحيانا ـ نُميّز بين فساد وفساد، وهذا هو  بالضبط ما حصل  معي عند مطالعة تقرير محكمة الحسابات الصادر مؤخرا.

فثمة نوع من الفساد ورد في هذا التقرير لا يمكنني، أنا بالذات، أن أسكت عنه، وأعني بذلك الفساد المرتبط بتسيير الصندوق الخاص للتضامن الاجتماعي ومكافحة فيروس كورونا المعروف اختصارا بصندوق كورونا.

لا يمكنني السكوت عن هذا الفساد لثلاثة أسباب وجيهة:

أولها: أن هذا الصندوق أُعلن عنه في ظرفٍ استثنائي بلغت فيه القلوبُ الحناجرَ خوفا من جائحة كورونا، تلك الجائحة التي شلَّت الحركة في العالم كله، وأغلقت الحدود، وأرعبت حتى الدول العظمى، فكيف بالدول الفقيرة الضعيفة؟

الفساد جريمة في كل وقت، ولا يُقبل تحت أي ظرف، غير أن ارتكابه في أوقات الأزمات والأوبئة والخوف الجماعي يُعدُّ أخطرَ، ويجعل الحديث عنه والمطالبة بمحاسبة الضالعين فيه أكثرَ وجوبا وأشد إلحاحا.

ثانيها: أن نهب المال العام جريمة لا تقبل تبريرا، ويتأكد الأمر أكثر حين تكون نسبة من هذا المال العام قد جُمِعت من تبرعات وهبات المواطنين.

إن موارد صندوق كورونا ليست كالمال العمومي الاعتيادي، رغم أن المال العمومي الاعتيادي لا يجوز المساس به. فالفرق هنا هو أن بعض المواطنين الفقراء تبرعوا للصندوق بمبالغ زهيدة لا يملكون غيرها؛ فمنهم من تبرَّع بمائتي أوقية قديمة فقط.

فإذا جاز – جدلا – التغاضي عن اختلاس مال عام متحصل من الإيرادات العادية، وهو ما لا يجوز في الأصل، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال السكوت عن نهب أموال تبرع بها مواطنون فقراء للمساهمة في مواجهة وباء عالمي أثار الخوف والذعر لدى الجميع.

ثالثها: وهذا سبب شخصي، وهو أني كنتُ عضوا في لجنة متابعة تسيير هذا الصندوق، وهذا مما يجعلني مسؤولا – بشكل أو بآخر – عن أمواله، حتى وإن لم تكن اللجنة ذات صلاحيات رقابية، إذ كانت تُقدَّم لها تقارير دورية كل شهرين، بما أُنفِق من موارد الصندوق، وتُطلب منها ملاحظات واقتراحات غير مُلزِمة للحكومة.

ولأنني كنتُ ممثلا للمجتمع المدني في هذه اللجنة، فقد شعرتُ بمسؤولية خاصة تجاه الشفافية في تسيير موارد هذا الصندوق، وحرصتُ على إطلاع الرأي العام على أوجه صرف موارده، وقد كتبتُ مقالا حينها بيّنتُ فيه بعض نفقات الصندوق، بعدما بالغ البعض في الحديث عن نهب شامل لأمواله، فتحدثوا حينها عن اختلاس أموال لا يمكن اختلاسها أصلا، كالإعانات التي وزعتها تآزر، وفواتير الماء والكهرباء التي سددها الصندوق عن بعض الفقراء، هذا فضلا عن الإعفاءات الضريبية.

وقد أوضحتُ في ذلك المقال أنه إذا كانت هناك نفقات لا يمكن نهب موارد الصندوق من خلالها، فهناك في المقابل بعض النفقات التي يمكن من خلالها نهب موارد الصندوق، كما هو الحال بالنسبة لنفقات وزارة الصحة، وقد قلتُ في هذا المقال، وبالحرف الواحد: "وصلت نفقات الصحة في مجموعها إلى 11.53 مليار أوقية قديمة، بالإضافة إلى نفقات قطاعات أخرى بلغت 0.93 مليار أوقية، ليصل المجموع إلى 12.46 مليار أوقية قديمة.

هذه النفقات يجب أن تبقى محل نظر، لأنها تتضمن العديد من الصفقات، ومن المعروف أن الصفقات في بلادنا هي المجال الأكثر شبهة لممارسة الفساد. ويؤكد ذلك أن الصندوق كان قد استعاد بعض الأموال من خلال عمليات تفتيش سابقة في بعض صفقات وزارة الصحة، وما تزال عمليات التفتيش هذه مستمرة، وتتولاها مفتشية الدولة ومحكمة الحسابات."

كنتُ أرى أن نفقات وزارة الصحة هي الأكثر إثارة للشبهات، ولذلك فقد كنتُ من أوائل من طالبوا في اللجنة باستدعاء وزير الصحة لأحد اجتماعاتها الدورية، وقد حضر بالفعل لأحد تلك الاجتماعات.

وقد تزامن حضوره مع نشر تفاصيل نفقات إحدى حملات التلقيح، وقدمتُ حينها ملاحظات على ما بدا لي من اختلالات في تلك النفقات، وهو ما أثار ضجة إعلامية وقتها، جعلت الوزير يعلِّق في المؤتمر الصحفي الموالي للحكومة على تلك الضجة، وقد حمَّلني المسؤولية في إثارتها.

صحيح أن لجنة المتابعة لم تكن لجنة رقابية، ولم يكن بوسع أعضائها القيام بتدقيق محاسبي، إذ تقتصر مهامها على تلقي التقارير وتقديم الملاحظات. لكن الصحيح أيضا أنها مسؤولة أخلاقيا عن أموال هذا الصندوق، ومن واجبها أن تقف ضد أي مظهر من مظاهر الفساد يمس موارده.

لم نكن، في اللجنة، نمتلك في السابق أدلة قاطعة على نهب موارد الصندوق، وإن كانت الشكوك قد ظلت قائمة. أما اليوم، وبعد صدور تقرير محكمة الحسابات، فقد صارت بين أيدينا أدلة واضحة على حدوث اختلاسات حقيقية. ولذلك، فعلينا أن نبذل كل ما نستطيع من جهد حتى يُحاسَب كل من تورط في هذا الفساد.

صحيح أن اللجنة لم تعد نشطة عمليا، حتى وإن لم تُحل رسميا، وكان آخر اجتماع لها في المأمورية الأولى، غير أن ذلك لا يُعفي أعضاءها من التحرك، كلٌّ من موقعه، لضمان محاسبة المسؤولين عن التجاوزات في موارد صندوق كورونا التي كشف عنها التقرير.

وبهذه المناسبة، فإني أدعو زملائي في لجنة المتابعة من ممثلي هيئة العلماء، والأحزاب السياسية، ومؤسسة المعارضة، والنقابات، والنواب، والجاليات، والصحافة إلى توحيد الجهود والقيام بما يلزم القيام. به حتى يُعاقَب كل من شارك في نهب موارد الصندوق.

وبمناسبة الحديث عن موارد الصندوق، أجدِّدُ في هذا المقام تقديم مقترح، كنت قد تقدّمتُ به عدة مرات داخل اللجنة، وهو المقترح المتعلق بتحويل ما تبقى من موارد صندوق كورونا، والتي تبلغ نحو 20 مليار أوقية قديمة، إلى صندوق خاص بالأزمات والكوارث، يتدخل بشكل فوري كلما واجهت البلاد أزمة أو كارثة تتطلب تعبئة موارد استثنائية وسريعة.

تعليق الوزير 👇

حفظ الله موريتانيا...

عن حوادث السير خلال الساعات الأخيرة، وضرورة الشفافية في الإعلان عنها


تلقت حملة "معًا للحد من حوادث السير" خلال الساعات الماضية عدة بلاغات عن حوادث سير مؤلمة شهدتها بعض طرق البلاد، كان من أبرزها:

- حادث سير  مؤسف وقع البارحة على الطريق الرابط بين “الشّارة و طب القلب”، حيث دهست سيارة من نوع تويوتا كورولا (2017) مسرعة جدا فتاة في العشرين من عمرها كانت تحمل العشاء لعائلتها، فأصيبت إصابة بليغة في الرأس، ونُقلت إلى المستشفى وهي في حالة حرجة جدا. نسأل الله تعالى لها الشفاء العاجل.

وساعات قبل ذلك، وصل إلى مستشفى ازويرات شاب في العشرينيات من عمره، وذلك بعد تعرضه لكسور إثر قفزه من شاحنة اشتعلت فيها النيران بشكل مفاجئ عند الكيلومتر 40 من المدينة.

وفي ولاية تيرس دائما، سُجِّل حادث سير آخر على بعد 100 كلم من ازويرات، وذلك عندما انقلبت سيارة من نوع "هيليكس" تقلّ مجموعة من المنقبين، وأدى هذا الحادث إلى وفاة شخصين، نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته.

كما وردت أنباء عن حادث سير آخر على طريق نواذيبو، قد يكون تسبب في سقوط ضحايا، ولكننا لم نتحصل على تفاصيله الدقيقة لننشرها.

ويُحتمل أن تكون هناك حوادث سير أخرى وقعت في الساعات الأخيرة لم تصلنا أخبارها، وكثيرا ما تغيب عنا أخبار بعض حوادث السير التي يسقط فيها ضحايا، فمصادرنا محدودة جدا.

وتعليقا على هذه الحوادث المؤلمة، فإن حملة "معا للحد من حوادث السير" تسجل ما يلي:

1. استغرابها الشديد للطابع السري الذي لا يزال يطغى على تعامل بعض الأجهزة الأمنية والإدارية مع أخبار حوادث السير، وكأن أخبار تلك الحوادث سر من أسرار الدولة التي يُحظر إفشاؤها أو تداولها. إن إخفاء مثل هذه المعلومات يحرم الرأي العام من حقه في المعرفة، ويؤثر سلبا على الجهود التوعوية للحد من نزيف الأرواح على طرقنا.

2. هناك مفارقة لافتة نلاحظها، فالقطاعات الحكومية تظهر شفافية كبيرة عندما يتعلق الأمر بضحايا الأوبئة، مثل حمى الوادي المتصدع حاليا وجائحة كورونا سابقا، أو حوادث الغرق والسيول خلال موسم الخريف، ولكنها في الوقت نفسه تمارس تعتيما كبيرا على أخبار حوادث السير، رغم أن خسائر حوادث السير  البشرية والمادية تفوق بكثير ما تسببه تلك الأوبئة والكوارث مجتمعة.

3. تمسكنا القوي بحق المجتمع في الاطلاع على كل تفاصيل حوادث السير بشكل دوري ومنتظم، وذلك لسببين أساسيين:

أولهما: تمكين المواطنين وصناع القرار من إدراك حجم المأساة اليومية التي يعيشها البلد بسبب حوادث السير المتزايدة.

ثانيهما: تزويد الفاعلين في مجال السلامة الطرقية بالمعلومات الدقيقة حول أسباب الحوادث وأماكن وقوعها (النقاط السوداء)، فبدون تلك المعلومات لا يمكن أن نتحدث عن حمالات توعوية ناجحة.

ختاما، تدعو الحملة كل الجهات المعنية إلى اعتماد سياسة شفافة في نشر بيانات يومية عن حوادث السير، على غرار ما يتم مع بقية الحوادث والكوارث، فنشر تلك البيانات حق للمواطن، وضرورة لتقويم الأداء، وخطوة أساسية في سبيل إنقاذ الأرواح وحماية الممتلكات.

حملة "معا للحد من حوادث السير"

نواكشوط، بتاريخ: الخميس 9 أكتوبر 2025.

تنبيه : نشر الإحصائيات المتعلقة بحوادث السير جاءت في المطلب رقم 4 من :نداء جوك للسلامة الطرقية".

الثلاثاء، 7 أكتوبر 2025

لجنة "نداء جوك" تلتقي رئيس الجمعية الوطنية لبحث سبل تعزيز السلامة الطرقية


في ظل تزايد حوادث السير في موريتانيا، وما تشكله من تهديد لحياة المواطنين، بدأت حملة "معا للحد من حوادث السير" وشركاؤها في السلامة الطرقية سلسلة لقاءات لتفعيل نداء جوك للسلامة الطرقية، والذي يمثل خريطة طريق شاملة للحد من حوادث السير..

وفي أول اتصال رسمي لها، عقدت لجنة الاتصال ومتابعة تنفيذ نداء جوك للسلامة الطرقية اليوم لقاءً مع رئيس الجمعية الوطنية السيد محمد بمب مگت في مكتبه بنواكشوط.

قدم  رئيس اللجنة، السيد محمد الأمين الفاضل، خلال اللقاء عرضا عن النداء، استعرض فيه حصيلة جهود حملة "معا للحد من حوادث السير" خلال العقد الأخير، والتي تُوِّجت بإطلاق نداء جوك، والذي  شاركت في صياغته وتحديد مطالبه منظمات المجتمع المدني الفاعلة، ونقابات السائقين، وخبراء السلامة الطرقية، وأهالي الضحايا.

وتوالت بعد ذلك مداخلات أعضاء اللجنة، حيث تحدثت السيدة العزة الشيخ العالم باسم المجتمع المدني، والسيد محمد محمود ولد الداه باسم خبراء السلامة الطرقية، والسيد أحمد باب الحاج ويس عن نقابات السائقين. كما شارك في اللقاء الأستاذ بوبكر سيلا عن أهالي الضحايا، والسيد عبد الله مانة الله من حملة "معًا للحد من حوادث السير".

وقد جرى اللقاء بحضور النائب عن مقاطعة أركيز وعضو حملة "معا للحد من حوادث السير"، السيد محمد عبد الله المصطفى.

من جانبه، رحب رئيس الجمعية الوطنية السيد محمد بمب مگت بأعضاء اللجنة، وأشاد بالجهود التي يبذلها المجتمع المدني في مجال التوعية، مؤكدا استعداد البرلمان لدعم تلك الجهود من خلال عمله التشريعي والرقابي.

وأعلن رئيس البرلمان أن الجمعية الوطنية تحضر حاليا لتشكيل فريق برلماني خاص بالسلامة الطرقية، سيتم الإعلان عنه قريبا، في خطوة تعكس مدى اهتمام البرلمان بهذا الملف الحيوي.

وفي ختام اللقاء، سلمت اللجنة رسميا نسخة من "نداء جوك" إلى رئيس الجمعية الوطنية، ويأتي ذلك في إطار سلسلة لقاءات ستقوم بها اللجنة مع مختلف الفاعلين الوطنيين طلبا لدعم هذا النداء والمساهمة في تنفيذ توصياته.

نواكشوط، 07 أكتوبر 2025

لجنة الاتصال ومتابعة تنفيذ نداء جوك للسلامة الطرقية