بعد ردود أفعال بعض دول الجوار، والتي لم تكن موضوعية، حاول البعض أن يقول إن ردود الأفعال تلك جاءت نتيجة لحملات الشحن التي يقوم بها داعمو جهود السلطة الموريتانية للحد من الهجرة غير النظامية.
تصبحون على وطن...
إني أحلم بأن أستيقظ ذات يوم على وطن حقيقي، يكون انتماء المواطن فيه للوطن من قبل أن يكون للقبيلة، أو للجهة ، أو للعرق، أو للشريحة.
السبت، 29 مارس 2025
وهذه مغالطة أخرى سنُفشلها إن شاء الله..
بعد ردود أفعال بعض دول الجوار، والتي لم تكن موضوعية، حاول البعض أن يقول إن ردود الأفعال تلك جاءت نتيجة لحملات الشحن التي يقوم بها داعمو جهود السلطة الموريتانية للحد من الهجرة غير النظامية.
الأربعاء، 26 مارس 2025
شكرا للسفير الفرنسي في بلادنا
أعجبتني كثيرا كلمة سعادة السفير الفرنسي المعتمد في بلادنا السيد ألكسندر غارسيا التي ألقاها بلغة عربية جميلة على هامش توقيعه مع معالي وزير الاقتصاد والمالية لاتفاقية تمويل مشروع خط الجهد العالي نواكشوط - النعمة، ومحطة لإنتاج الطاقة الكهربائية بمدينة كيفة.
لقد قلتها سابقا في عدة مقالات إن فرنسا يجب أن تكون أقرب لبلدنا من كل الدول الغربية الأخرى، وأن علاقتنا معها يجب أن تكون أقوى من علاقاتنا مع أي دولة غربية أخرى، واللغة الفرنسية يجب أن تكون هي اللغة الأجنبية الأولى في موريتانيا بحكم العلاقات التاريخية، حتى وإن كانت تلك العلاقات على حسابنا في كثير من الأحيان.
من مصلحة فرنسا، وفي ظل تراجع نفوذها في إفريقيا، أن تحافظ على علاقاتها القوية مع موريتانيا، ولن يتحقق لها ذلك في المستقبل إلا إذا قبلت - عن طيب خاطر - بأن تكون لغتها هي اللغة الأجنبية الأولى في موريتانيا، ودون أي سعي لأن تنافس اللغة العربية ( اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية) في الإدارة، أو في أي فضاء عمومي آخر، فاستمرار سعي فرنسا لأن تحتل لغتها مساحة كان يجب أن تبقى حكرا للغة الرسمية لموريتانيا هو الذي قد يجعل بعض الموريتانيين يعادون اللغة الفرنسية، مع أن اللغات ليست أصلا محل عداء أو كره، ولكن استمرار إحساس الموريتانيين بأن اللغة الفرنسية تحاول ان تغتصب مساحة في الإدارة لا يحق لها أن تغتصبها، لأنها مساحة كان يجب أن تبقى حكرا للغة الرسمية للبلد هو الذي قد يتسبب في خلق ذلك العداء، وربما يتسبب ذلك مستقبلا في مطالبة الموريتانيين بإحلال اللغة الانجليزية محل اللغة الفرنسية، وجعلها هي اللغة الأجنبية الأولى في موريتانيا.
أذكرأني تلقيتُ في نهاية العام 2019 دعوة من السفارة الفرنسية في نواكشوط، وقلت لمن دعاني في السفارة بأنه ليست لدي أي مشكلة مع اللغة الفرنسية، وأني أرى أن هذه اللغة الجميلة تستحق أن تكون هي اللغة الأجنبية الأولى في موريتانيا.
ما زلتُ على هذا الرأي، وفي اعتقادي أن العمل به هو الذي سيضمن مصالح البلدين في الحاضر والمستقبل، فهو سيضمن لنا في موريتانيا تفعيل ترسيم اللغة العربية، وسيضمن لفرنسا بقاء لغتها حاضرة بقوة في موريتانيا، وذلك بصفتها هي اللغة الأجنبية الأولى في موريتانيا.
مرة أخرى أسجل إعجابي بحديث سعادة السفير الفرنسي بلغة عربية جميلة في هذا النشاط الرسمي، وأرجو أن يُقَلِّده في ذلك بعض الموظفين الرسميين في موريتانيا، والذين لا يدركون أهمية وضرورة التحدث باللغة الرسمية للبلد في الأنشطة الرسمية التي يحضرونها.
محمد الأمين الفاضل
الأمين العام للحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية.
للاستماع للكلمة👇
الثلاثاء، 25 مارس 2025
لا تنحرفوا بالنقاش إلى مواضيع أخرى!
(1)
انتقاد النائب خالي جالو للنظام الحاكم في القناة السنغالية لم يكن من أقوى انتقاداته للنظام، بل إنه كان ينتقد النظام من داخل البرلمان الموريتاني بما هو أشد وأقسى، وكانت مداخلاته تبث عبر البرلمانية، وكان يُشاركها الكثير من المدونين الذين ينتقدوه الآن. المشكلة ليست في نقد النظام، والدليل على ذلك أن كثيرا ممن ينتقدون النائب خالي جالو حاليا هم من معارضي النظام، وكان بعضهم يُشارك من قبل مداخلات النائب التي تنتقد النظام من داخل البرلمان الموريتاني.
في هذه النقطة دعونا نتفق على الحقيقة التالية: المشكلة ليست في محتوى المداخلة، ولا في نقد النظام، بل المشكلة تكمن في شيء واحد وهو المنصة التي اختارها النائب خالي جالو لينتقد من خلالها النظام؛
(2)
موريتانيا والسنغال دولتان شقيقتان وجارتان، وتجمعهما الكثير من الروابط، لا خلاف على ذلك، ولكن ذلك لا يعني أن العلاقات بينهما لم تعرف في الماضي القريب أزمات كبيرة، ولا أحد نسي كيف كان يشوى الموريتانيون في الأفران في السنغال، ولا كيف كان يقتل السنغاليون هنا في موريتانيا، ولذا فمن الطبيعي جدا أن تنشأ حساسيات قوية بين البلدين بسبب تلك الأزمة لا أعادها الله.
فلو قَدِم اليوم نائب من البرلمان السنغالي إلى موريتانيا، واستضافته قناة صحراء 24 مثلا، وانتقد بلده من تلك القناة، وهذا لن يحدث أصلا لأنه لا يوجد نائب سنغالي سيقبل بذلك، ولا يوجد نائب سنغالي إلا ويعرف حساسية ذلك، حتى ولو كان من أشرس معارضي النظام الحاكم في السنغال، وهو إن فعل ذلك، فسيعتبره السنغاليون خائنا للسنغال، وحُقَّ لهم ذلك.
(3)
دعونا نفترض الآتي، أن أذهب أنا مثلا إلى أوروبا، أو إلى إحدى الدول العربية، وألتقي هناك بنواب أو مسؤولين حكوميين، وأبدأ في انتقاد بلدي، والتهجم على إحدى مكوناته من المكونات التي لا أنتمي إليها...تصوروا ماذا كان سيحدث لو فعلتُ ذلك؟ وتصوروا ماذا كان سيقول عني أولئك الذين يدافعون اليوم عن خرجة النائب خالي في البرلمان الأوروبي؟
(4)
من المغالطات القول بأن الإعلام الموريتاني مغلق أمام النائب خالي جالو، فالنائب يتحدث من داخل البرلمان كغيره من النواب، وتنقل مداخلاته من خلال قناة البرلمانية، ويحظى باستضافة القنوات والمنصات المستقلة. وحده الإعلام الرسمي الفاشل قد لا يستضيفه، وليس ذلك تمييزا خاصا به، وإنما يشمل الجميع.
دعونا هنا نتوقف عن ترداد كذبة كبيرة مفادها أن النائب خالي جالو لم يجد منابر إعلامية في بلده، ولذا فقد لجأ إلى منابر إعلامية خارجية.
(5)
أعرف جيدا أن المشاركة في هذا النقاش تخدم النائب خالي جالو كثيرا، فنحن في هذه البلاد نعاني من خلل كبير، وصناعة القادة السياسيين عندنا تتم بالتصريحات المستفزة، وبردود الأفعال عليها، وبما تستجلب من نقاشات أغلبها يكون في العادة تافها، فمن ينتقد الآن النائب خالي جالو إنما يُشارك في تسويقه وفي تسويق الخطاب الشعبوي والشرائحي الذي يضر الوطن أكثر مما ينفعه.
نعم أنا أعرف ذلك، ولكن في النهاية لا يمكنني أن اسكت عن موضوع شغل المدونين، ولا أسكت عن نائب ينتقد بلدي من منبر في دولة لدينا معها حساسيات معروفة حتى وإن كانت دولة شقيقة وجارة.
في النهاية هناك أسئلة أتمنى أن أجد عليها جوابا شافيا. أذكر أن النائب خالي جالو في مداخلته له أمام الوزير الأول اتهم السلطة بالتمييز ضد اللغات الوطنية، وقد طالب النائب في مداخلته بترسيم اللغات الوطنية.
هذا النائب الذي اتهم السلطة بالتمييز ضد اللغات الوطنية، هو نفسه النائب الذي رفض بشكل قاطع وحاسم وفي أول إطلالة له من داخل البرلمان أن يتحدث بلغته الأم ( إحدى لغاتنا الوطنية)، مع العلم أن الجمعية الوطنية توفر الترجمة من وإلى كل اللغات الوطنية، ولا توفرها لمن تحدث باللغة الفرنسية، والتي اختار النائب أن يتحدث بها متاجهلا لغته الأم.
فكيف لنائب وطني يدافع عن وطنه في كل المنابر أن يرفض أن يتحدث بلغته الأم في برلمان بلده، ويفضل عنها لغة أجنبية؟
سؤال آخر: لماذا كلما ازداد الشباب الإفريقي في دول الجوار كمالي والسينغال وبوركينافوسو والنيجر تحررا من فرنسا، وزاد من إظهار حجم عدائه لهذه الدولة المستعمرة، حصل العكس عندنا، من خلال إظهار بعض شبابنا المزيد من الولاء والتقديس لفرنسا، واختيار الحديث بلغتها عن الحديث بإحدى لغاتنا الوطنية من داخل البرلمان، ليبقى بذلك برلماننا هو البرلمان الوحيد في العالم الذي يمكن لأي كان أن يتحدث فيه بلغة أجنبية، تتراجع مكانتها بشكل واضح ومتسارع في العالم وفي دول الجوار؟
الاثنين، 24 مارس 2025
على الجالية المالية في بلادنا أن تضبط بوصلتها
ارتكب ممثلو الجالية المالية في موريتانيا خطأ جسيما عندما قرروا زيارة الرئيس بيرام، وطرح مشاكهم عليه، والتي كان من بينها حسب قولهم: المعاملة غير الإنسانية، والترحيل دون اصطحاب الأمتعة، واقتحام المنازل وترويع النساء والأطفال..إلخ، وارتكب الرئيس بيرام خطأ لا يقل جسامة عندما استقبلهم، وعبَّر ـ حسب المتداول إعلاميا ـ عن تفهمه لمطالبهم، وتعهد لهم بمتابعتها، والسعي لإيجاد حلول عادلة لها تحترم حقوقهم كمهاجرين.
أخطأ ممثلو الجالية المالية خطأ جسيما، فالعناوين التي كان عليهم أن يتوجهوا إليها لطرح مشاكلهم عناوين معروفة ومحددة، ولا يجوز تجاوزها ولو بأمتار معدودة، نظرا لحساسية أي تجاوز من ذلك القبيل، ولما قد يترتب عليه من الاعتداء على سيادة بلد شقيق استضافهم، ولم يقصر يوما في حسن ضيافتهم وإيوائهم، حتى وإن أسروا بعكس ذلك في أذن الرئيس بيرام.
لدى الجالية المالية في موريتانيا سفارة لبلدهم كان عليهم أن يطرحوا عليها مشاكلهم، وهناك مؤسسات حكومية محددة يمكن أن يتجهوا إليها إذا ما أردوا أن يتحركوا خارج سفارتهم، وإذا كانت هناك جهة غير حكومية يمكن أن يتجهوا إليها، فهي يجب أن تكون حصرا، لجان الصداقة الشعبية، أو فريق الصداقة البرلمانية الموريتانية المالية، والذي تأسس منذ عام تقريبا، ويرأسه النائب بالاَّ عبدو توري.
ليس من المقبول إطلاقا، أن تتجاوز الجالية المالية هذه العناوين المحددة لطرح مشاكلها، ولا يمكن تجاوز هذه العناوين المحددة في الأعراف الدبلوماسية إلا إذا كان الأمر يتعلق بنشاط ديني أو ثقافي أو رياضي أو اقتصادي، فهنا يمكن للمقيمين الماليين وممثلي جاليتهم أن يزوروا ويتعاونوا مع جهات رسمية أو شبه رسمية أو حتى شعبية ذات صلة بتلك الأنشطة.
نعم، لقد أخطأ ممثلو الجالية المالية في موريتانيا خطأ جسيما عندما قرروا أن يولوا وجوههم شطر شخصية سياسية لها أنصارها، ولها أيضا خصومها السياسيين، لطرح مشاكلهم، فبذلك يكونون قد انتهكوا سيادة البلد الذي يستضيفهم، وقد أقحموا جاليتهم في صراعات سياسية داخلية قد يتطاير إليهم بعض شررها، وليعلم ممثلو الجالية المالية في موريتانيا أن مشاكلهم إذا لم تزدد تعقيدا بعد هذه الزيارة، فالمؤكد أن حلولها لن تصبح أسهل بعدها.
لقد أخطأ ممثلو الجالية المالية في موريتانيا خطأ جسيما ، وعلى الحكومة الموريتانية أن تنبههم على ذلك الخطأ بالطرق التي تراها مناسبة، فمثل هذا الخطأ الجسيم يجب أن لا يمرَّ دون تنبيه، فهو إن مرَّ دون تنبيه ـ يُترك للحكومة تحديد طبيعته ومقداره ـ فسيعني ذلك أن حكومتنا فتحت مجال التعامل مع الجاليات الموجودة على أراضي بلادنا للسياسيين، وفتحت باب التعامل مع تلك الجاليات على مصراعيه، للصراعات السياسية المحلية، ولا تخفى خطورة ذلك على سيادة بلدنا، وعلى أمنه واستقراره.
وأخطأ الرئيس بيرام وهو الحاصل على الرتبة الثانية في ثلاث انتخابات رئاسية متتالية، وهو ما يلزمه بأن يتصرف كما يتصرف الرؤساء، أخطأ باستقباله لممثلي الجالية المالية في بلادنا، فاستقباله لهم بعث بثلاث رسائل غير مطمئنة:
1 ـ بعث بصورة مفادها أن الرئيس بيرام لا يهتم بمظاهر سيادة بلده، وأنه غير معني في هذا الوقت الحساس بإرسال رسائل طمأنة تؤكد على حرصه على أمن واستقرار البلد؛
2 ـ بعث برسائل سلبية جدا لأسر الموريتانيين الذين قتلوا في مالي، والذين بخل عليهم عند قتلهم من طرف الجيش المالي ببيان تضامن أو تنديد، بل وبخل عليهم، حتى بزيارة مواساة أو برسالة تعزية؛
3 ـ بعث برسالة غير مطمئنة للفئات والشرائح الهشة، والتي يرفع شعار الدفاع عنها، فمن المعروف أن المهاجرين الذين يأتون إلى بلادنا من البلدان الشقيقة المجاورة ليسوا رجال أعمال لينافسوا رجال أعمالنا، وليسوا من أصحاب الشهادات العليا لينافسوا أطرنا وعمالنا السامين، إنما هم عبارة عن أفواج بشرية من بسطاء الناس الذين يطاردهم الفقر وعدم الاستقرار في بلدانهم، وليس أمامهم عندما يصلون إلى بلدنا إلا مضايقة فقرائنا في مصادر رزقهم، والتي هي مصادر ضيقة أصلا، ومحدودة جدا، وكثيرا ما ينجح المهاجرون نجاحا كبيرا في تلك المنافسة.
حفظ الله موريتانيا...
الأحد، 23 مارس 2025
عن مساهمة موريتانيا في تحرير عبيد أمريكا
هدية صباحية إلى رئيس هيئة الساحل صديقي أبراهيم بلال رمظان
المتحدث هنا هو حسن أوريد مؤرخ المملكة المغربية، وأول ناطق رسمي باسم القصر الملكي في المغرب، وهو كاتب ومؤلف شهير يتقن ثلاث لغات (العربية، الفرنسية، الانجليزية)، له العديد من المؤلفات في التاريخ والأدب والفكر.
صديقي براهيم بما أنك تنتقد دائما آباءنا وأجدادنا "الاستعباديين" وتصفهم بأوصاف لا يمكن أن أذكرها هنا، احتراما لمن يقرأ منشوراتي، ولأنك تمدح دائما الغرب على ما قام به في مجال تحرير العبيد في موريتانيا، وتقول أن كل الأفضال التي حصلتم عليها كانت من المستعمر الفرنسي.
بما انك تقول ذلك دائما، وتكرره بمناسبة وبغير مناسبة، فإني أدعوك لأن تسمع هذا المقطع، وأن تذكر القصة التي وردت فيه، ولو لمرة واحدة، حتى يكون خطابك شبه متوازن.
بعض أجدادنا الذين تقول عنهم ما تقول، ساهموا هم أيضا في تحرير العبيد في أمريكا...أظن أن هذه الجملة الأخيرة قوية جدا، أليس كذلك يا صديقي؟
شكرا لمركز مبدأ ولأخي وصديقي د. محمد سيد أحمد فال (بوياتي) على تنظيم هذه الندوة المهمة، وعلى الدعوة لها.
شاهد المقطع 👇
السبت، 22 مارس 2025
ورقة كاشفة / كيف يشوه "صُنَّاع المغالطات" سمعة موريتانيا؟
لعل من أغرب وأبلغ ما سمعتُ من توصيف لحال موريتانيا، ما يُنسب لخبير أجنبي قيل إنه عمل في بلادنا لفترة من الزمن، وأنه خَلُصَ إلى استنتاج مفاده أن موريتانيا تعدُّ من أقوى الدول، وحجته في ذلك، أنها ما تزال صامدة حتى الآن، رغم أن أبناءها ـ كل أبنائها ـ لا يفكرون عندما يستيقظون في كل صباح، إلا في شيء واحد، وهو تدميرها من خلال نهب ما يمكن نهبه من أموالها ومقدَّراتها.
وبغض النظر عن صحة القصة، وما رُوِيَّ عن الخبير الأجنبي، فسيبقى
هذا التصنيف ـ في كل الأحوال ـ تصنيفا قويا في دلالته، عميقا في جوهره، فأن يَصمُد
بلد أمام فسادٍ عمَّ واستشرى واستمرَّ لعقود، وقلَّ من نجا منه من أبناء ذلك
البلد، فتلك معجزة حقيقية تُجيز وصف ذلك البلد بأنه قوي جدا، فلو لم يكن قويا لما
صمد كل هذه السنين أمام كل ذلك الفساد.
ومحاكاة للخبير الأجنبي، وفي مجال آخر غير الفساد، فيمكنني أنا
أيضا أن أصنف موريتانيا بأنها بلد قوي، وحجتي في ذلك، أنها تتعرض منذ عقود لحملات
تشويه إعلامية وحقوقية وسياسية واسعة من طرف الكثير من أبنائها، وبعض الأجانب، ومع
ذلك فلم تتمكن تلك الحملات الواسعة، من أن تشوه سمعتها إلى درجة تجعل الأمم
المتحدة تُلَوِّح ـ مثلا ـ باستخدام البند
السابع من ميثاقها لوقف ما يمارس داخلها من "عنصرية واضطهاد"، تستك منه
المسامع، وتصطك له الركب، هذا إذا ما صدَّقنا ما ينشر محليا ودوليا عمَّا يمارس في
بلادنا من عنصرية، ضد بعض المواطنين، وضد بعض الأجانب كذلك.
في هذه الورقة الكاشفة سنستعرض ـ وبشيء من التفصيل ـ صورا من تلك الحملات والمغالطات الهادفة إلى تشويه سمعة بلادنا، وسنستعرض كل صورة من تلك الصور من خلال عنوان خاص بها.
لماذا تُغْمض الأعين دائما عن أفضالنا؟!
في مطلع العام 2022، وردا على تمديد قادة الانقلاب في مالي للفترة الانتقالية،
والقفز بها من 6 أشهر إلى 5 سنوات، انعقد مؤتمر استثنائي لرؤساء دول وحكومات
الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقياUEMOA) ) والمنظمة الاقتصادية
لغرب أفريقيا (ECOWAS)، في العاصمة الغانية
أكرا، وقرر هذا المؤتمر فرض عقوبات قاسية جدا على دولة مالي الشقيقة، تمثلت
في تجميد أصولها المالية في البنك المركزي لدول غرب أفريقيا، وإغلاق الحدود معها،
وسحب السفراء...إلخ
وعلى النقيض من ذلك، وفي موقف أصيل، رفضت بلادنا أن تُشارك في حصار
أو مقاطعة الجارة مالي، وتجويع شعبها الشقيق، فأبقت حدودها معها ـ والتي تبلغ 2237 كلم ـ مفتوحة على طول.
بعد ذلك بفترة قصيرة، وبدلا من الرد على الحسنة بالحسنة، ارتكب
الجيش المالي مجازر وحشية وفظيعة في فترات متقاربة جدا ضد موريتانيين عُزَّل، فقتل
العشرات من مواطنينا. ومن غرائب الصدف أننا لم
نسمع في تلك الفترة عن قتل الجيش المالي لمواطنين من دول أخرى، تمتلك حدودا
مع مالي، شاركت في المقاطعة أو لم تشارك فيها، فلم نسمع مثلا أنه قتل مواطنين
سنغاليين أو عاجيين أو نيجريين أو بركابيين على الحدود مع تلك الدول، أو داخل
الأراضي المالية.
كان بإمكان موريتانيا أن ترد بالمثل، وهي تمتلك القدرة العسكرية
لذلك، ولكنها لم تفعل، وكان بإمكانها ـ وهذا هو أضعف الإيمان ـ أن تغلق حدودها كما
فعلت دول أخرى في المنطقة، أو تُجَمِّد علاقاتها مع مالي، أو تطرد الماليين اللاجئين
والمهاجرين من أراضيها، ولكنها لم تفعل أي شيء من ذلك، بل إنها لم تفكر أصلا في
فعله، وقد أحسنت التصرف في عدم القيام بأي شيء من ذلك.
حافظت بلادنا ـ حكومة وشعبا ـ على أقصى درجات ضبط النفس، واكتفت
الحكومة بتوجيه رسائل دبلوماسية، اعتبرها كثيرون رسائل باردة جدا، وكأنها أخرجت
للتو من ثلاجة، وذلك على الرغم من فظاعة تلك المجازر وتكررها، وغرابة وحساسية التوقيت الذي اختير لتنفيذها.
قمنا بكل ذلك لأننا كنا، وما زلنا، وسنبقى دائما، نعتبر مالي دولة جارة
وشقيقة، وأنها يجب أن تبقى كذلك مهما حدث، ولو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما
فعلنا غير ذلك، لأن الحكمة كانت تقتضي بالفعل فعل ذلك.
في تلك الفترة لم نسمع من يقول بعنصرية النظام الحاكم في مالي، ولا
بعنصرية جيشها، ولم تشن النخب الحقوقية والإعلامية والسياسية في إفريقيا حملة
إعلامية منظمة أو غير منظمة تندد فيها بقتل الجيش المالي لعشرات الموريتانيين بدم
بارد.
والأغرب من ذلك كله، وهذا هو بيت القصيد في هذه الفقرة، أن "المنظمات
الحقوقية" في موريتانيا، والتي ترق قلوب من يديرونها دائما للضحايا الأجانب،
لم تذرف دمعة واحدة على الموريتانيين الذين قتلوا في مالي بدم بارد، ولم تصدر بيانا
واحدا من سطر أو سطرين للتضامن مع الضحايا، أو لتعزية ذويهم.
يبقى أن أقول في ختام هذه الفقرة، وحتى لا أظلم مالي، أن الموقف
الرسمي للجارة الشقيقة في الوقت الحالي، يُعَدُّ موقفا إيجابيا ويستحق الإشادة، فالحكومة
المالية تقف الآن وبصرامة ضد أي اعتداء على الموريتانيين أو على ممتلكاتهم، ونرجو
أن تستمرَّ في ذلك.
ما مشكلة "منظماتنا الحقوقية" مع المواطن الموريتاني؟
تستقبل موريتانيا عددا كبيرا من المهاجرين القادمين من دول الجوار،
ولا يمكن ـ بأي حال من الأحوال ـ أن نُقارن ما تستقبله بلادنا من مهاجرين من دول
الجوار بجالياتنا في تلك الدول، لا مجال للمقارنة، لا من حيث العدد، ولا من حيث
نسبة المهاجرين إلى عدد السكان، ولا على مستوى المردود الاقتصادي، ولا حتى على
مستوى الانضباط واحترام قوانين بلد الإقامة.
على الرغم من هذا الاختلال البيِّن، فلم يحدث أن أغلقت بلادنا حدودها،
أو قيدت دخول المهاجرين إليها، أو أبدت انزعاجها من إيواء اللاجئين، وذلك على الرغم من التدفق
الكبير للمهاجرين، وعندما حاولت موريتانيا أخيرا أن تحدَّ من الهجرة غير الشرعية
أو غير النظامية، ودون المساس بالمهاجرين النظاميين، قامت قيامة البعض، داخل
موريتانيا وخارجها، فعادت بعض النخب الأفريقية لحديثها القديم الجديد الذي يصنف
موريتانيا على أنها بلد عنصري، يُنَكِّل بالأفارقة السود المقيمين به، ويتعامل
معهم وكأنهم حيوانات، ليس هذا فقط، بل إن من يطلقون حملات التشويه تلك يقولون أيضا بأن بلادنا تنكل بمواطنيها السود،
وتمارس ضدهم العنصرية بأبشع أشكالها، وهكذا تستمر حملات تشويه سمعة بلادنا، فلا
تكاد تتوقف حملة تشويه إلا وبدأت حملة تشويه أخرى.
لم تقتصر حملات التشويه على بعض النخب الأفريقية خارج موريتانيا، والتي
قد تكون معذورة لأنها لا تعرف الشيء الكثير عن بلدنا المضياف والمنفتح على الآخر،
والذي كثيرا ما يبالغ في حسن الضيافة ومستوى الانفتاح، لم تقتصر الحملة على النخب الإفريقية
الأفريقية من خارج بلادنا، بل إنها كانت أشد وأشرس عند بعض مواطنينا من داخل
موريتانيا ومن خارجها، وخاصة منهم بعض
المقيمين في دول غربية.
سارعت "المنظمات الحقوقية" التي تغافلت ـ كعادتها ـ عن
الموريتانيين الذين قتلوا في مالي بدم
بارد، إلى إصدار بيانات شديدة اللهجة للتنديد بتعامل موريتانيا الوحشي مع الأجانب،
فإذا أخذنا مثلا الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان، والتي تعدُّ واحدة من أشهر
المنظمات الحقوقية في موريتانيا، فهي عضو في الاتحاد الدولي لحقوق الانسان، فسنجد
أن هذه المنظمة التي ترأسها المحامية المعروفة "فاتيمتا أمباي" قد أعربت
في بيان قوي اللهجة أصدرته يوم 06 مارس 2025 عن استيائها الشديد مما تعرض له
المهاجرون الأفارقة في موريتانيا، وأدانت في البيان ـ وبأشد العبارات ـ عمليات:
"الاعتقال الجماعي والتعسفي"، و ظروف "الاحتجاز اللاإنسانية"
التي تعرض لها المهاجرون في موريتانيا، وأكدت الجمعية في بيانها أن ما ترتكبه موريتانيا
في حق المهاجرين يشكل "انتهاكا صارخا للكرامة الإنسانية، وللالتزامات الدولية
والإقليمية". ولم يفُت الجمعية في بيانها أن تتحدث عن "المأساة الإنسانية
التي تكشفت في مراكز الشرطة"، ولا عن "المهاجرين المكدسين في ظروف مهينة
في مراكز الشرطة في نواكشوط ونواذيبو".
وطالبت الجمعية في بيان 06 مارس بالوقف الفوري "للاعتقالات
التعسفية" و"الترحيل القسري للمهاجرين"، ودعت المجتمع المدني وكل
المدافعين عن حقوق الإنسان إلى التدخل العاجل ل"حماية كرامة المهاجرين"
في موريتانيا، وذلك مع العلم بأن كل من تم ترحيلهم من الأجانب في الفترة الأخيرة
تم ترحيلهم بحضور ممثلي جالياتهم، وقد اعترف كل واحد منهم أمام ممثل جاليته أنه
استوفى كل حقوقه، وأنه لم يكن يملك إقامة شرعية في موريتانيا.
لم تكن جمعية الدفاع عن المهاجرين في موريتانيا، عفوا على تغيير اسمها ليتناسب مع مهامها الفعلية، أقصد الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان، هي الوحيدة التي انتصرت لكرامة المهاجرين غير النظاميين، وتغاضت عن الموريتانيين الذين قتلوا في مالي، بل كانت هناك "جمعيات حقوقية" أخرى، تحدثتُ عنها في مقال سابق، ولم تكن الجمعيات الحقوقية هي وحدها التي وقفت وساندت وتضامنت مع المهاجرين في "مأساتهم الإنسانية"، بل كان هناك سياسيون ونواب وأساتذة جامعيون وإعلاميون ومدونون موريتانيون، دافعوا ـ وبحماس ـ عن كرامة المهاجرين، ونددوا ـ وبشدة ـ بانتهاك بلدنا لحقوق المهاجرين الأفارقة، ولذا فيمكن القول بأن وزيرة الاندماج الإفريقي والشؤون الخارجية السنغالية قد استخدمت لغة دبلوماسية مهذبة جدا، بالمقارنة مع لغة حقوقيي موريتانيا، وذلك عندما اكتفت باستخدام عبارة "المعاملة اللاإنسانية" لوصف ما جرى، فلا شك أن الوزيرة قد اطلعت على بيانات بعض "المنظمات الحقوقية الموريتانية"، وعلى تصريحات بعض النواب والسياسيين الموريتانيين، وعلى ما يكتبه بعض الإعلاميين والمدونين الموريتانيين، والذين كانوا يصفون ما يجري في موريتانيا من تنكيل بالأجانب بعبارات قاسية جدا، فلو أن الوزيرة استخدمت في تصريحها العبارات التي كانت تسمعها من بعض الموريتانيين، استخدمتها في إطار (وشهد شاهد من أهلها)، لفاض تصريحها بعبارات أقسى بكثير من عبارة "المعاملة اللاانسانية" التي جاءت في تصريحها.
الغريب في الأمر أن "منظماتنا الحقوقية"، والتي لا ترصد إلا ما يسيء إلى سمعة بلادنا، تجاهلت تماما تصريح السيد "بولايا كيتا" مستشار وزير الخارجية المالي، والذي أدلى به في يوم 13 مارس 2025 ، وأكد من خلاله أن موريتانيا رحلت 528 مهاجرا ماليا غير نظامي، ولم يتعرض أي منهم لأي معاملة سيئة.
وبطبيعة الحال، فإن ما نُشر من مغالطات تسيء إلى سمعة بلدنا، وما
نسب إليه ـ كذبا ـ من تنكيل بالمهاجرين في الأيام الأخيرة، سيبقى في الإنترنت وهنا
تكمن خطورته، لينضاف إلى ما سبقه من أرشيف مضلل عن موريتانيا، شارك في توثيقه
موريتانيون لا يترددون في القيام بأي شيء من شأنه أن يثبت للعالم أن موريتانيا
دولة عنصرية تنتهك حقوق السود بشكل فج.
عن جثة الموريتاني المعرضة للحرق في بلجيكا!
في يوم 06 يوليو من العام 2023
نشر الناشط السياسي الموريتاني المقيم في بلجيكا "آداما با" نداءً
إنسانيا عاجلا على حسابه في الفيسبوك باللغتين العربية والفرنسية، وتم تداول هذا النداء
بشكل واسع، وهذا ما جاء تقريبا في نسخته العربية:
"رسالة إلى الموريتانيين: هناك مواطن موريتاني يدعى انجاي
سيدي مولود 1952 في روصو، توفي منذ شهرين تقريبا في مدينة انفرس ببلجيكا، والشرطة أعطت
مهلة 72 ساعة، إن لم يعثر على ذويه، فسيتم تسليمه لمؤسسة المحرقة، نعوذ بالله،
فليبلغ الحاضر الغائب".
تم تداول هذا النداء الإنساني بشكل واسع في الفيسبوك، واستُغِل ـ كالعادة ـ من طرف بعض الموريتانيين للتأكيد على عنصرية النظام الحاكم في بلادنا، فحسب أولئك، فلو كان هذا المتوفي من مكونة أخرى لتم نقله بسرعة، ولما تُركت جثته مرمية في أحد مستشفيات بلجيكا لقرابة شهرين.
اعتبرت جاليتنا في بلجيكا هذا المتوفي موريتانيا، وذلك لكونه يمتلك
بطاقة تعريف وطنية تؤكد أنه ولد في روصو في العام 1952، والحقيقة أنه ليس
موريتانيا، وإنما كانت لديه وثائق موريتانية مزورة، حاله في ذلك كحال الآلاف ـ إن
لم أقل عشرات الآلاف أو مئات الآلاف ـ من الأفارقة المقيمين في الغرب. بعد تلك
الضجة الكبيرة، وبعد أن ألصقت تهمة العنصرية من جديد بموريتانيا، نقل موقع "La Dépêche" عن مصادر
سنغالية أن الجثة تعود لمواطن سنغالي جاء إلى بلجيكا منذ فترة، وأنه خلال بحثه عن
اللجوء، وسعيا لدعم ملفه كلاجئ مضطهد تقدم ببطاقة تعريف موريتانية، وادعى أنه
مواطن موريتاني!!
المثير للاستغراب أن من أطلق النداء، ومن شاركوه، بخلوا بكتابة
منشور واحد يقولون فيه ـ وبعد أن تكشفت حقيقة الجثة ـ أن المتوفي سنغالي وليس موريتانيا،
فالنداء ما زال موجودا ـ حتى الآن ـ في
حسابات من شاركه، وفي حساب الناشط "آداما با" (المصدر الأصلي) دون أي
تعديل، ودون أي اعتذار عن هذه الكذبة التي امتدت في الآفاق، والتي تقول بأن النظام
الموريتاني العنصري تخلَّى عن جثة أحد مواطنيه، لأسباب عنصرية، وتركها عرضة للحرق
في بلجيكا.
وبطبيعة الحال، فإن كل ما نُشِر في تلك الفترة عن عنصرية النظام
الموريتاني الذي ترك "جثة موريتاني" مسلم معرضة للحرق في بلجيكا، ما زال
موجودا على الأنترنت دون أي تعديل، وسيبقى كذلك، لينضاف إلى الكثير من المعلومات
المضللة التي تُنشر بكثافة واستمرار عن بلدنا، والتي تحاول في مجملها أن تؤكد بأنه
بلدٌ عنصري يضطهد الأفارقة السود، مواطنين كانوا أو أجانب.
إنه لمؤلم حقا، أن يُجمع لبلادنا في حادثة الجثة التي كانت معرضة للحرق في بلجيكا، شران في وقت واحد. شرٌّ يتعلق بتزوير وثائقنا المدنية، وشرٌّ ثانٍ يتمثل في أن من يزور تلك الوثائق، لا يكتفي فقط بتزويرها، وإنما يَدَّعِي ـ إضافة إلى ذلك ـ بأنه تعرض للكثير من الاضطهاد والعنصرية في "بلده" موريتانيا، بسبب بشرته السوداء، يَدَّعِي ذلك سعيا للحصول على حق اللجوء، وتسريعا لإجراءاته.
الوثائق المؤمنة والمغالطات الكبرى
تُظهر قصة أنجاي سيدي، وما هي إلا قصة من آلاف القصص المشابهة، مدى
حاجتنا في هذه البلاد إلى تأمين وثائقنا الثبوتية لوقف تجَنُّس الأجانب، وفي وضعية
كهذه فقد كان من المفترض أن يُلاقي تأسيس وكالة وطنية لسجل السكان والوثائق
المؤمنة ترحيبا ودعما سياسيا وإعلاميا غير مسبوق من طرف الجميع: موالاة ومعارضة،
ولكن للأسف، فما حصل كان على العكس من ذلك تماما، فقد تعرضت هذه الوكالة لحملة
تشويه غير مسبوقة قائمة على مغالطات كبرى، سنستعرضها تحت هذا العنوان الفرعي من
ورقتنا الكاشفة هذه.
لقد كنتُ شاهدا على حملات تشويه الوكالة، وعلى ما كان يروج له من
مغالطات في تلك الفترة من طرف المعارضة الموريتانية والإعلام المحسوب عليها،
وواكبتُ تأسيس حركة "لا تلمس جنسيتي" منذ أن كانت مشروعا قيد التأسيس،
يُخَطِّط للقيام بسلسلة من الاحتجاجات ضد وكالة الوثائق المؤمنة.
كان التسويق السياسي والإعلامي والحقوقي لهذه المغالطات الكبرى
إحدى نقاط خلافي مع المعارضة التي كنتُ أنتمي إليها، وقد نشرتُ في تلك الفترة
مقالات عديدة حاولتُ من خلالها أن أفند تلك المغالطات، وقد أغضبت تلك المقالات بعض
زملائي في المعارضة.
لقد بذلت المعارضة الموريتانية جهودا سياسية وحقوقية وإعلامية
كبيرة ـ عن وعي أو عن غير وعي ـ لترسخ في أذهان الناس مغالطة كبيرة، مفادها أن الموريتانيين
في ولايات الضفة، هم المتضررون حصرا من الوكالة الوطنية لسجل السكان والوثائق
المؤمنة، ومن إجراءاتها المعقدة للحصول على وثائقها المؤمنة.
ولقد تأسست حركة "لا
تلمس جنسيتي" على هذا الأساس، وعلى مضامين هذه المغالطة، وللأسف فإن هذه
الحركة كانت تتجه في كثير من احتجاجاتها العنيفة إلى الأسواق والتجمعات الشعبية
بدلا من الإدارات الحكومية، وكانت تحدث عمليات نهب في بعض احتجاجاتها، بل كان
يُعتدى في بعض الأحيان على مواطنين أبرياء لا علاقة لهم بالموضوع، وحسب الجهات
الأمنية، فإن بعض الأجانب كانوا يشاركون في تلك الاحتجاجات، ومما لا شك فيه أن
الأجانب كانوا هم الأكثر تضررا من ضبط حالتنا المدنية، فمثل ذلك الضبط سيحرمهم من
تزوير وثائق موريتانية، كانت ستسهل لهم الحصول على حق اللجوء في بعض الدول
الغربية.
كانت إجراءات التسجيل في الإحصاء الإداري معقدة جدا في العام 2011،
وهذا مما يجب الاعتراف به، ولكن ذلك التعقيد كان يتم التعامل معه بشكل مزدوج، فهو
مجرد تعقيد إداري عادي عندما يكون المتضرر من مكونة وطنية معينة، ولذلك فلم يثر رفض بعثة الإحصاء في النعمة تسجيل والي
الولاية حينها السيد محمد سالم ولد محمد راره
بحجة أنه لم يستطع أن يتقدم ببطاقة تعريف والدته الموجودة في ذلك الوقت في
المملكة العربية السعودية، لم يثر ذلك الرفض استكارا حقوقيا أو سياسيا أو إعلاميا،
حاله في ذلك كحال رفض لجان أخرى تسجيل السيد محمد يحظيه ولد المختار الحسن وهو
وزير داخلية سابق، ورئيس سابق لحزب حاكم، والسيد بيجل ولد هميد وهو وزير سابق وكان
يرأس في ذلك الوقت حزب الوئام، وغيرهم كثير ممن رُفض تسجيله لنفس السبب المذكور
آنفا. ولكن في المقابل، فإن هذه الإجراءات المعقدة كانت تتحول ـ وبشكل تلقائي ـ
إلى عمل عنصري تمييزي بغيض يستحق التنديد إعلاميا وحقوقيا وسياسيا من طرف المعارضة،
بل وربما يستحق الاحتجاج ميدانيا، إذا ما كان المتضرر ينتمي لإحدى المكونات
الوطنية الأخرى، ومن الأمثلة على ذلك ردود الأفعال على رفض تسجيل مستشار بلدي،
ومفوض شرطة متقاعد، ينحدران من إحدى مدن الضفة، لنفس الأسباب التي رُفض بسببها
تسجيل وزير داخلية سابق، ووالٍ ما زال يزاول مهامه الإدارية.
كان الخطاب السياسي والإعلامي والحقوقي المعارض في ذلك الوقت خطابا تشويهيا لوكالة الوثائق المؤمنة، ينظر إليها بعين واحدة، فيصنف كل حالة من الحالات التي يتضرر منها أحد المنحدرين من إحدى مكوناتنا الوطنية، بأنها عمل عنصري بغيض، ومع تكرر السكوت عن تعقيدات الحصول على الوثائق الثبوتية، إن كانت الضحية من مكونة معينة، واستحضار تلك التعقيدات والتنديد بها، وتصنيفها على أنها عمل عنصري وإقصائي إذا كانت الضحية من المكونة المراد تسويقها على أنها هي المستهدفة بتلك الإجراءات المعقدة، مع تكرر ذلك، ألصقتْ تهمة ممارسة العنصرية بالوكالة الوطنية لسجل السكان والوثائق المؤمنة، وبمن يُديرها في تلك الفترة، وهو الذي يرجع له الفضل، بأنه جعل منها مفخرة وطنية حقيقية تنافس إقليميا، ولكم أن تسألوا الوزير الأول السنغالي الذي أشاد بها في تصريح علني، خلال رئاسته للجنة وزارية، واعترف في تصريحه ذاك بأن بلاده متأخرة جدا في هذا المجال بالمقارنة مع موريتانيا، رغم انخراط البلدين في مسار تطوير حالتيْهما المدنية في نفس السنة (2011).
ومع تزايد حملات التشويه ضد الوكالة، تم فيما بعد تشكيل لجنة
لدراسة المشاكل المتعلقة بالحصول على الوثائق المؤمنة، وتولى رئاسة تلك اللجنة الوزير
السابق السيد "تام جمبار"، وتوصلت هذه اللجنة إلى أرقام إحصائية أصابت
المغالطة التي تقول بعنصرية إجراءات وكالة الوثائق المؤمنة في مقتل، فقد ظهر أن
عدد الذين لم يحصلوا في الحوض الشرقي على وثائقهم الثبوتية نتيجة للتعقيدات التي
تم وضعها من أجل التأكد من انتمائهم الموريتاني يفوق عدد كل الذين تم حرمانهم من
وثائقهم لنفس السبب في ولايتي لبراكنة وكوركول معا.
يعني هذا أنه إذا كانت هناك عنصرية أو تمييز بين المواطنين
الموريتانيين تُمارسه وكالة الوثائق المؤمنة، فإن الضحايا كانوا أكثر في ولاية
الحوض الشرقي من أي ولاية أخرى، ومع ذلك، لا أحد تكلم خلال السنوات الماضية عن
ضحايا الحوض الشرقي، ولم يؤسس أبناء تلك الولاية نسخة من حركة "لا تلمس
جنسيتي"، وإنما ظل الحديث خلال السنوات الماضية مقتصرا على حرمان بعض
المنحدرين من ولايات الضفة من وثائقهم
المؤمنة لأسباب عنصرية، وكانت تلك إحدى المغالطات الكبرى التي بُذِلت جهود سياسية
وإعلامية وحقوقية كبيرة لتسويقها للرأي العام الوطني، بل ولتسويقها خارجيا، وما
زالت تلك الجهود تبذل حتى يوم الناس هذا.
ويبقى أن أقول ختاما لهذه الفقرة، إن كل ما نُشر من مغالطات وتلفيقات عما تتعرض له بعض مكوناتنا الوطنية من عنصرية وإقصاء من طرف وكالة الوثائق المؤمنة، وكل ما صرح به السياسيون والإعلاميون والحقوقيون خلال السنوات الماضية، بخصوص التمييز بين المواطنين الذي تقوم به الوكالة، كل ذلك "المنتوج الكبير" من المغالطات الذي يسيء إلى سمعة البلد، تم توثيقه في الانترنت، لينضاف إلى أرشيف كبير سبقه، وآخر سيأتي بعده، وكل هذا الأرشيف من المغالطات هو من أجل أن تُصنَّفَ موريتانيا على أنها دولة تُمارس العنصرية والاضطهاد ضد مواطنيها السود.
عن ازدواجية التمييز الإعلامي والسياسي بين الضحايا
لا خلاف على أن هناك
بقايا عنصرية تقليدية تُمارس في بلادنا، إن جاز استخدام هذه العبارة، وهي عنصرية في
تراجع كبير ولله الحمد، وتجد دائما من يتحدث عنها إعلاميا وسياسيا وحقوقيا، بل
إنها تجد دائما من يبالغ كثيرا، بل يُغالط، عند الحديث عنها، وهو ما أوضحته هذه
الورقة الكاشفة. لكن في المقابل، هناك عنصرية أخرى وتمييز بين الضحايا من نوع آخر
مسكوتٌ عنه، ولا يجد من يدينه، بل لا يجد من يتحدث عنه أصلا.
نعم هناك تمييز سياسي
وإعلامي وحقوقي بين الضحايا مسكوتٌ عنه، ولا أحد يتجرأ للحديث عنه، فهناك ضحايا
يجدون تضامنا إعلاميا وسياسيا وحقوقيا كبيرا، بل إن واجب التضامن معهم يجيز للبعض استخدام
كل وسائل التلفيق والتضليل، وهناك ـ في المقايل ـ ضحايا آخرون لا يجدون الحد الأدنى من التضامن الإعلامي
أو السياسي أو الحقوقي.
ولفهم ما أريد قوله تحت
هذا العنوان الفرعي من الورقة الكاشفة، فسأقدم لكم بعض الحالات المحددة كأمثلة عن
التمييز الإعلامي والسياسي والحقوقي بين الضحايا، مع العلم أن بعض هذه الحالات
كنتُ قد استعرضته في وقت سابق.
في يوم 16 مارس 2019 تسبب إطلاق نار من طرف جندي موريتاني في وفاة
شيخ طاعن في السن (80 عاما)، وكان ذلك في مقاطعة أنبيكت لحواش شرق البلاد.
بعد أقل من خمسة عشر شهرا من تلك الحادثة، وتحديدا في يوم 28 مايو
2020، تسبب إطلاق نار من طرف جندي
موريتاني آخر في وفاة شاب موريتاني (35عاما)،
وكان ذلك في مقاطعة أمبان جنوب البلاد.
دعونا نجري مقارنة سريعة بين هاتين الحادثتين الأليمتين:
من حيث التوقيت: حادثة أمبان وقعت ليلا (الساعة التاسعة)، وفي فترة
حظر تجوال شامل بسبب جائحة كورونا، أما حادثة انبيكت لحواش فقد وقعت ضُحًى، وفي
فترة لا يوجد فيها أي حظر تجوال من أي نوع.
في حادثة أمبان كان الأمر يتعلق بمطاردة مجموعة من المهربين، وفي
حادثة انبيكت لحواش كان الأمر يتعلق بشيخ أعزل يبحث عن قطيع سائم، وإن شئتم قطيع
سائب.
وبخصوص الأجواء السياسية، فإن حادثة أنبيكت لحواش وقعت في فترة
تجاذب وصدام قوي بين المعارضة والنظام، وهو ما يفترض أن المعارضة لن تترك فرصة
يمكن أن تنتقد فيها السلطة، وتدين فعلا من أفعالها، إلا واستغلتها. أما حادثة
أمبان فقد وقعت في ظل تهدئة سياسية غير مسبوقة بين المعارضة والنظام، لم يعرف
البلد مثيلا لها منذ عقود، وهو ما يفترض أن المعارضة ستتغاضى عن أخطاء السلطة
وتتجاهلها، كلما كان ذلك ممكنا.
ومع ذلك، فقد حدث العكس تماما، فالتغطية الإعلامية لحادثة أنبيكت
لحواش كانت شبه معدومة تماما، ولم يصدر على الإطلاق ـ وأكررـ لم يصدر على الإطلاق أي بيان من أي حزب
سياسي معارض أو غير معارض يندد بالحادثة، ولم تتحدث عنها أي منظمة مجتمع مدني، حتى
ولو كانت من منظمات الحقائب، ولذا فقد فمرت تلك الحادثة وكأن شيئا لم يكن، ولولا
ذوي الضحية لما علمنا بها أصلا. أما في حادثة أمبان فكانت التغطية الإعلامية واسعة،
وتسابقت الأحزاب السياسية إلى إصدار بيانات تنديد قوية، وكان من بين الأحزاب التي
أصدرت بيانات تنديد بعد ساعات قليلة من وقوع الحادثة : تواصل ـ اتحاد قوى التقدم ـ
التكتل ـ إيناد..إلخ
ولم يتوقف الأمر على الأحزاب السياسية، بل إن بعض الشخصيات الوطنية
التي لم تكن تنتمي إلى أحزاب في ذلك الوقت، أصدرت هي الأخرى بيانات تنديد بأسمائها
الشخصية، فأصدر الراحل محمد المصطفى بدر الدين رحمه الله تعالى بيان تنديد باسمه،
وأصدر المثقف الموريتاني الكبير بدي ولد أبنو المرابطي بيانا مطولا باسمه، وعبر
كثيرون عن تنديدهم القوي بالحادثة من خلال آلاف المنشورات في الفيسبوك.
لم يقتصر التنديد بتلك
الحادثة، التي صُنفت وبشكل تلقائي، على أنها من ضمن جرائم الجيش الكثيرة التي
يرتكبها ضد الموريتانيين السود، لم يقتصر على الداخل الموريتاني، بل إنه تجاوز
الحدود، وسمعنا خطابات تنتقد موريتانيا بقوة بسبب تلك الحادثة، وتتهمها بممارسة
أبشع أشكال العنصرية والتصفية العرقية ضد السود، سمعنا ذلك من منابر حقوقية في
العاصمة السويسرية جنيف، وسمعناه من عواصم دول غربية أخرى.
ولكم أن تسألوا بأي منطق تتم إدانة إطلاق جندي للرصاص ليلا على شاب
موريتاني كان يمارس التهريب في فترة حظر تجوال شاملة، ولا تتم إدانة إطلاق جندي
آخر للرصاص على شيخ موريتاني في وضح النهار، كان يبحث عن قطيع سائم؟!!
وهذا مثال آخر: في الحادي عشر من يوليو من العام 2020 تعرض منزل "صمبا تام" لمحاولة عملية سرقة فاشلة، تركت آثارا عادية جدا في الجزء الخارجي من المنزل، وكانت أضرارها شبه معدومة، حسب الصور التي نشرت عن الحادثة. جاءت محاولة السرقة الفاشلة هذه، بعد عمليات سرقة ناجحة كان ضحاياها سياسيون آخرون من بينهم النائب المعارض محمد الأمين سيدي مولود، ولم يفكر أي واحد من هؤلاء في إخراج عملية السرقة عن إطارها العادي لإعطائها بُعدا سياسيا.
أحدثت عملية السرقة
الفاشلة التي تعرض لها منزل صمبا تام حالة استنفار إعلامي وسياسي وحقوقي في بعض
الأوساط السياسية والإعلامية والحقوقية، وتم إعطاؤها بُعدا عنصريا، وصُنُّفت في
بعض بيانات التضامن على أنها عمل مدبر من أجل "تخويف وتهديد" السيد صمبا
تام.
بعد الحادثة بيومين، وتحديدا في يوم الاثنين الموافق 13 يوليو 2020
أصدر
"التحالف من أجل إعادة تأسيس الدولة الموريتانية" بيانا
شديد اللهجة دعا فيه إلى تسريع البحث عن المعتدين على منزل السيد صمبا تام، وحذَّر
فيه من تداعيات هذا الحادث "على السلام والتماسك الاجتماعي في بلد يُعاني من
صدمات الماضي ومن تهور في الحاضر". تضامنت بعض جالياتنا في الخارج مع السيد
صمبا تام، وبدا واضحا أن هناك محاولة جادة لتسييس عملية السرقة الفاشلة هذه، وتصنيفها
في إطار أعمال العنصرية والاضطهاد التي تمارس ضد بعض الموريتانيين، لتُضاف بعد ذلك
إلى كم كبير من المغالطات التي تحاول أن تلصق تهمة العنصرية والاضطهاد بالجمهورية
الإسلامية الموريتانية (حكومة وشعبا).
وهذا مثالٌ ثالثٌ وأخير عن ازدواجية التمييز بين الضحايا سأكتفي به، رغم وجود أمثلة عديدة أخرى.
الدكتورة آمنة بوبكر جوب، والدكتورة مروة محمد الأمين سيف، طبيبتان
موريتانيتان، شاركتا في مسابقة نظمتها وزارة الصحة، جمعت 60 طبيبا، وظهرت نتائجها
النهائية في الأسبوع الثاني من شهر يناير من العام 2023.
لم ينجح من تخصص الطبيبتين أي متسابق، وقد حصلت كل واحدة منهما على
نتيجة جيدة في مادة التخصص، ونتيجة متدنية جدا في مادة الثقافة العامة، والتي كانت
أسئلتها بسيطة جدا، ولكنها طُرحت بغير لغة التخصص، فبالنسبة لآمنة فكانت أسئلة
الثقافة العامة باللغة العربية، وبالنسبة لمروة فكانت أسئلة الثقافة العامة باللغة
الفرنسية.
حصلت مروة على معدل 13.4، وتفوقت قليلا على أمنة التي حصلت على
معدل 13.2. أما بخصوص التضامن فقد حظيت الطبيبة آمنة بوبكر جوب بحملة تضامن واسعة في
مواقع التواصل الاجتماعي، فهناك من تضامن معها على أساس أنها من مكونة وطنية تتعرض
للعنصرية والإقصاء، وهناك من تضامن معها لأن لديه مشكلة ما مع اللغة العربية التي
تسببت في إقصائها، لقد كتب أخصائي الأعصاب الشهير أحمد سالم أكليب متضامنا مع
الدكتورة آمنة: "العربية جديدة في امتحان الوظيفة العمومية، وسيأتي زمان يكون
معها حفظ القرآن، وهذا كله من أجل إقصاء بعص الشرائح"!!!
كانت حملة التضامن مع الدكتورة آمنة واسعة جدا، وربما غير مسبوقة، حتى
الحساب الذي يحمل اسم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، تضامن معها، وقد نُشِر فيه
باسم الرئيس السابق: "أدين بشدة إقصاء الدكتورة آمنة بوبكر جوب بهذه الطريقة
المشينة، كما أدين واشجب عجز السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية، وتهاونها
بالحفاظ على اللحمة الوطنية، وعدم السهر على تساوي الفرص بين ابنائنا خصوصًا أنهم
لا تقع عليهم مسؤولية ذلك".
وفي المقابل، فلم يذكر
ذاكر حالة الدكتورة مروة، ولم تجد هذه الدكتورة أي تضامن من أي نوع، على الرغم من
تطابق حالتها مع حالة الدكتورة آمنة، وإن كانت هناك من فوارق في الحالتين، فهي
لصالح مروة، ذلك أنها تفوقت قليلا في المسابقة على أمنة، هذا من جهة، ومن جهة
ثانية فإن اللغة التي أقصتها هي لغة أجنبية، أما اللغة التي أقصت الدكتورة آمنة
فلم تكن لغة أجنبية، وإنما كانت اللغة الرسمية الوحيدة للجمهورية الإسلامية
الموريتانية.
كانت مشكلة الدكتورة
مروة الأولى هي أنها تنحدر من مكونة وطنية تعاني اليوم من تمييز سلبي في مجال التضامن
مع ضحاياها. أما مشكلتها الثانية فهي أن اللغة التي أقصتها هي لغة أجنبية تجد هي
الأخرى تمييزا إيجابيا لصالحها على حساب اللغة الرسمية للبلد، وهو تمييز لا يمكن
أن نجد له أي تفسير منطقي.
المهم أنه، وفي ظل
استمرار حملة التضامن الواسعة مع الدكتورة آمنة، وبعد أن أصبح الجميع على قناعة بأن الدافع لإقصائها كان
دافعا عنصريا بحتا، تفضل أحدهم مشكورا، ممن يغرد خارج السرب، بأن كشف لنا في منشور على الفيسبوك عن حالة الدكتورة مروة،
والتي تتطابق تماما مع حالة الدكتورة آمنة، وإن كان هناك من فوارق بسيطة، فهي
ـ وكما قلتُ سابقا ـ لصالح الدكتورة مروة.
لستُ بحاجة لأن أقول
لكم بأن كل ما نُشِر عن "الإقصاء العنصري" للدكتورة آمنة، مازال موجودا
على الانترنت، ولا أحد ممن قالوا بذلك الإقصاء العنصري اعتذروا عن قولهم ذاك، أو
صححوه بعد ظهور حالة الدكتورة مروة، ومما لا شك فيه أن هذا "الأقصاء
العنصري" القائم على مغالطة بَيِّنة، سينضاف إلى ما سبقه، وإلى ما سيأتي بعده
من مغالطات يتم توثيقها على الانترنت على أنها حقائق مؤكدة، وهي مغالطات تسعى في
مجملها إلى إلصاق تهم العنصرية والإقصاء والاضطهاد ببلدنا الصامد حتى الآن أمام
هذا السيل العارم من المغالطات.
ويبقى السؤال: لماذا
هذا التمييز الكبير والواضح والبيِّن في التضامن بين طبيبتين موريتانيتين تعرضتا
للإقصاء من نفس المسابقة ولنفس الأسباب؟
لن أجيب على هذا السؤال، وسأترك لكم الحق في أن تختاروا الجواب الذي يناسبكم، ولكن أودُّ فقط أن أشير إلى أن ما يحصل من تمييز في التضامن، قد يحصل شيء مشابه له في مجال التنديد، فهناك أيضا تمييز سلبي في التنديد، ولذا فإن أعمال العنف المشينة التي تكررت مؤخرا في الجامعة، والتي تقف وراءها نقابة طلابية محددة، لم تجد ما تستحق من تنديد، خوفا من أن يُتهم المندد بالعنصرية، ولأني لا أخاف من تلك التهمة (وما فِيَّ لعظام منها)، فإني أشهدكم بأني أندد بشدة بأعمال العنف تلك، سواء منها ما صاحب الانتخابات الطلابية، أو ما كان بعد إفطار الرئيس في الجامعة.
فلنسارع لوأد مغالطة تصنع الآن
في الوقت الحالي يحاول "صنَّاع المغالطات" أن يدفعوا بمغالطة
جديدة، من خلال إلصاق تهمة العنصرية ونشر
خطاب الكراهية بكل من يدعو الآن إلى وقف الهجرة غير النظامية التي تهدد بلادنا،
تهددها أمنيا واقتصاديا واجتماعيا وديمغرافيا. إن "صنَّاع المغالطات"
يحاولون أن يضعونا أمام خيارين سيئين، فإما أن نفتح حدودنا على طول أمام تدفق المهاجرين غير النظاميين، وهو ما يعني
أننا قد نضطر لقراءة الفاتحة بعد سنوات قليلة على روح موريتانيا، وإما أن نستمر في
رفض تدفق المهاجرين غير الشرعيين، فيلصقون بنا تهمة العنصرية ونشر خطاب الكراهية.
على "صناع المغالطات" في بلادنا أن يعلموا أن ألاعيبهم
وحيلهم أصبحت مكشوفة، وأننا لن نقبل ـ تحت أي ظرف ـ باستمرار تدفق المهاجرين غير
النظاميين إلى بلادنا، وأننا لن نقبل كذلك بأن نُتهم ـ زورا وبهتانا ـ بممارسة العنصرية ونشر خطاب الكراهية، لن نقبل
لا بهذا ولا بذاك، بل أكثر من ذلك فإننا سنمارس ـ هذه المرة ـ سياسة الهجوم بدلا من الدفاع، وذلك لنقول ـ
وبأعلى أصواتنا ـ بأن أي مواطن موريتاني يشجع استمرار الهجرة غير النظامية إلى
بلده، أو يُطالب بالتغاضي عنها، يستحق أن يوصف بأنه خائن لوطنه، معادٍ للفئات
والشرائح الهشة في بلده، لأنها هي المتضرر الأول من الهجرة غير النظامية، مع أن كل
المكونات والشرائح والفئات متضررة، وإن بدرجات غير متساوية، والخائن لوطنه لا يحق
له ـ بأي حال من الأحوال ـ أن يُقدِّم الدروس لمن يقف في الخطوط الأمامية للدفاع
عن بلده وحمايته، وحماية كل مكوناته وأعراقه وشرائحه، وخاصة الهشة منها، من جيوش
المهاجرين غير النظاميين الذين يحاولون التسلل إلى بلادنا من كل فج عميق.
حفظ الله موريتانيا..
الاثنين، 17 مارس 2025
جلسة عصف ذهني عن الحوار
خصص صالون المدونين جلسته النقاشية ليوم الأحد 16 مارس 2025 لموضوع الحوار، وكانت الجلسة النقاشية عبارة عن عصف ذهني مفتوح للإجابة على السؤال: أيُّ حوار نريد؟
الكلمة التأطيرية للجلسة قدمها الكاتب البشير ولد عبد الرزاق، وقد تحدث فيها عن أهمية الحوار وضرورته، منبها أن بلادنا إذا كانت لا تعرف أزمة في السلطة، وهو ما قد يقلل من أهمية الحوار المرتقب عند البعض، إلا أنها في المقابل تعيش أزمة عميقة في الممارسة الديمقراطية منذ عقود، والدول من حولنا التي تعاني اليوم من أزمة في السلطة، كانت تعاني من قبل ذلك من أزمة في الممارسة الديمقراطية، ومن هنا يجب علينا أن نتحاور حتى لا تتحول أزمتنا في ممارسة الديمقراطية إلى أزمة سلطة.
ثم إن الحوار مهم جدا ـ يضيف الكاتب البشير ـ للاستعداد للانتخابات الرئاسية الحاسمة، والتي سنكون معها على موعد في العام 2029.
وتساءل الكاتب البشير عبد الرزاق في كلمته التأطيرية عما إذا كان يجب علينا أن ننظم حوارا يشمل كل القضايا والملفات، أم أن نقتصر على حوار سياسي، وذلك باعتبار أن السياسة هي المضغة التي إذا صلحت صلحت الدولة كلها، وإذا فسدت فسدت الدولة كلها.
ويترتب على جواب هذا السؤال ـ يقول البشير ـ طبيعة إجابتنا على السؤال الذي يليه : من سيشارك في الحوار؟ فإذا كان الحوار شاملاً ينبغي أن تكون المشاركة واسعةً، وإذا كان الحوار سياسيا ستكون المشاركةُ أقل، ولكن في كل الأحوال علينا أن نضع جملةً من المعايير للمشاركين في الحوار حتى لا يَضيعَ الحوار والقضايا في زحمة المشاركين وكَمِّ المداخلات.
ويبقى السؤال الأخيرـ يضيف البشير ـ سؤالا مهما رغم تأخره، فأي حكامةٍ للحوار نريد؟ فالحوار لا بد له من حكامةٍ، وهذه الحكامة يجب أن تغطي الفترة التي تسبق الحوار، وفترة الحوار، وما بعد الحوار. وبخصوص حكامة الحوار، فهل سنستمر في لجنة مناصفة بين المعارضة والمولاة وهذه أثبتت عدم نجاعتها، وأكبر دليل على ذلك اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، أم أنه علينا في الحوار القادم إيجاد لجنة من الأكاديميين والفنيين والشخصيات المستقلة تُشرفُ عليه وتتابع تنفيذ مخرجاته، أم أنه علينا تشكيل لجنة مختلطة تضم السياسيين من الموالاة والمعارضة وتضم أيضا شخصيات مستقلة من الفنيين والأكاديميين؟.
وختم البشير كلمته بالقول إنَّ تاريخ الأمم يؤكد أنّ المشاكل والمعضلات الكبرى تحل دائما عن طريق الحوار.
بعد ذلك توالت مداخلات الحضور، فتعددت الآراء وتنوعت حول موضوع النقاش وكان من بين الحضور نقيب المحامين، ونواب ونشطاء في المجتمع المدني وسياسيون ومدونون.
الجلسة اختتمها باسم الصالون الكاتب محمد الأمين ولد الفاظل الذي وعد بالمزيد من الجلسات النقاشية التي سيخصصها الصالون لملف الحوار والتحضير له، وذلك باعتباره من الملفات المهمة التي تحتاج لمزيد من النقاش.
للاستماع للكلمة التأطيرية 👇
الأربعاء، 12 مارس 2025
الشباب المعارض والمقعد الشاغر في الحوار
طالعتُ بياناً موقعاً من طرف بعض القيادات الشبابية المعارضة ( 4 نواب + رئيس جزب غير مرخص + رئيس حركة شبابية)، أعلنوا من خلاله عن مقاطعتهم لما أسموه بالحوارات واللقاءات الصورية، وذلك بعد "اقتراح" رئيس الجمهورية للسياسي المخضرم موسى فال ليلعب دور "نقطة الربط" مع مختلف الطيف السياسي، سعيا لبلورة رؤية مشتركة للتحضير للحوار المنتظر، وذلك من خلال تحديد القضايا الجوهرية التي ستناقش، والمنهجية التي ستعتمد، وآليات التنظيم، ومتابعة تنفيذ المخرجات، ويمكن إضافة نقطة أخرى إلى هذه النقاط الأربع من طرف المعنيين بالحوار، حسب ما جاء في كلمة الرئيس التي ألقاها على هامش الإفطار الذي نظمه بهذه المناسبة.
يظهر من كلمة الرئيس أنه جاد في دعوته للحوار، والذي كان قد التزم
به في برنامجه الانتخابي، حتى وإن كان الهدف من هذا الحوار الذي يأتي في بداية
مأمورية، وفي ظل غياب أي ضغط احتجاجي للمعارضة، ما زال غامضا لدى الكثير من المهتمين بالشأن العام.
ويظهر أيضا من كلمته بأنه
يسعى بالفعل لإنجاح هذا الحوار، وذلك من خلال التمهيد له بشكل مختلف عن كل
الحوارات السابقة، ولذا فقد أعلن عن "نقطة ربط" سيتولى إدارتها السياسي
المخضرم موسى فال هدفها بلورة رؤية تحضيرية للحوار، وذلك من خلال استقبال التصورات
والمقترحات القادمة من مختلف القوى السياسية، وصياغتها وإيصالها لرئيس الجمهورية،
ثم إعادتها لجميع الأطراف بعد أن تتم حوصلتها للموافقة عليها من قبل اعتمادها بشكل نهائي.
من المهم الإشارة هنا، إلى أن كل ما يجري الحديث عنه حاليا لا
يتعلق بالحوار، وإنما يتعلق فقط بالتحضير له، ولذا فلم يكن من الحكمة ـ حسب وجهة
نظري ـ الإعلان عن مقاطعة الحوار في مثل هذا الوقت، من طرف بعض الشباب المعارض،
خاصة وإذا ما استحضرنا النقاط التالية:
1 ـ لدي قناعة شخصية بقدرة السياسي المخضرم موسى فال على إنجاز
المهمة الموكلة إليه على أحسن وجه، والمتمثلة في استقبال المقترحات والتصورات
وصياغتها وتقديمها لرئيس الجمهورية، تمهيدا للحوار، أقول ذلك لأني عرفتُ الرجل عن
قرب في محطات سياسية عديدة خلال العقد المنصرم، وبناءً على تلك المعرفة فيمكنني أن
أتوقع، إن لم أقل أجزم، بما يلي :
ا ـ أن السيد موسى فال لن يدخر جهدا في سبيل إنجاح المهمة الجسيمة
الموكلة إليه، وهو سيسعى ـ بكل نزاهة وجدية ـ لإنجاح الحوار، حتى يختم مساره السياسي المتميز
بعمل سياسي متميز تذكره له الأجيال القامة، وسيكون ذلك ـ وبكل تأكيد ـ هو شغله
الشاغل في المرحلة القادمة؛
ب ـ أن الانتماء الإيديولوجي للسيد موسى فال لن يكون له أي تأثير
سلبي على المهمة التي كلف بها، فموسى يمتلك من الوعي والخبرة والنضج ما يكفي لأن يجعله
يفرق بين المهام التي يجب أن تحضر فيها الإيديولوجيا، وتلك التي يجب أن تغيب عنها
الأيديولوجيا بشكل كلي؛
ج ـ أن المرحلة العمرية للسيد موسى فال لن تكون عائقا في تعامله مع
الشباب، وتفهم قضاياهم واهتماماتهم.
نعم، إني أتوقع كل ذلك لمعرفتي بالسيد موسى فال عن قرب، فقد جمعتني
به لقاءات عديدة ونقاشات متشعبة ومشاريع وأنشطة سياسية مختلفة خلال العقد الماضي.
ومع ذلك، ورغم قناعتي تلك، فإني أتفهم أيضا، وهذا ما لمسته من خلال بعض النقاشات
التي أجريتها مع شخصيات سياسية معنية بالحوار من مختلف الأعمار والانتماءات الأيدولوجية،
أتفهم تخوف البعض من أن يُهمش في الحوار القادم.
إني أتفهم تخوف بعض الشباب في المعارضة والموالاة من أن يُقصى
الشباب في هذه المرحلة التمهيدية للحوار، وأتفهم كذلك تخوف بعض المنتمين لحركات
إيديولوجية كانت ـ وربما ما تزال ـ على خلاف إيديولوجي مع الحركة التي ينتمي إليها
موسى فال، أتفهم تخوف أولئك من أن يهمشوا
في فترة التحضير للحوار.
وأتفهم كذلك تخوف بعض الزملاء في المجتمع المدني من أن يقتصر
الحوار القادم على السياسة وأهلها، وأن يُقصى المجتمع المدني من مختلف محطاته،
سواء تعلق الأمر بلقاءات رئيس الجمهورية، أو بالمرحلة التمهيدية، أو عند الدخول في
مرحلة الحوار الفعلي.
إني أتفهم كل هذه التخوفات،
وهي تخوفات مشروعة، وبالأخص منها التخوفات الشبابية، ولكن التعبير عن هذه التخوفات
المشروعة، يجب أن لا يكون بالتسرع في إصدار بيانات إعلان مقاطعة الحوار، كما فعل
الشباب الموقعون على البيان المذكور أعلاه.
يعكس هذا البيان تسرعا لا يليق بمن يُمارس السياسة، والمقلق أنه
ليس حالة فريدة من نوعها، فبعض الشباب المعارض لم يتمكن خلال الفترة الأخيرة من
الاستقرار تحت عنوان واحد، بسبب التسرع في اتخاذ القرارات والمواقف دون دراسة،
فبعض الشباب المعارض قد يظهر الآن في مشروع سياسي، ويظهر غدا في مشروع آخر، وبعد
غد في مشروع ثالث، وهكذا، ولعل ما حدث من تحالفات خلال الانتخابات الرئاسية الماضية،
وفض تلك التحالفات، يعكس نماذج من التسرع، ويكشف عن عجز لدى الشباب المعارض في
القدرة على خلق مشاريع سياسية مستقرة.
لقد بلغ الأمر ببعض الشباب المعارض إلى أن منح أحد المترشحين
للانتخابات الرئاسية الماضية كل الصفات والألقاب السامية التي يمكن أن نتخيلها، ثم
وصفه بعد أقل من شهر من ذلك بأبشع صفة يمكن أن يوصف بها سياسي، وهي صفة الخيانة!
وبما أننا هنا نتحدث عن ضرورة مشاركة الشباب المعارض في الحوار
القادم، فلابد من التنبيه إلى أن المعارضة الموريتانية في عمومها تمر اليوم بمرحلة
انتقالية صعبة، فقادتها التاريخيون لم يعلنوا انسحابهم رغم فقدانهم لثقلهم الشعبي
و السياسي، وشبابها الذي سيحمل المشعل غدا، لم يستطع أن يخلق ـ حتى الآن ـ أرضية مشتركة يجتمع عليها، ولا أن يؤسس لتحالفات
قوية، فما زال بعض القادة الشباب في المعارضة يمارسون هواية الانتقال من هنا إلى
هناك، ومن هناك إلى هنا، وذلك مما يؤكد أن الشباب المعارض لم يثبت حتى الآن أنه أصبح
يمتلك الشرعية القيادية للتحدث باسم المعارضة.
ولأن المعارضة ما تزال تعيش مرحلة انتقالية، فقادتها التاريخيون فقدوا
الشرعية الجماهرية، ومشاريع قادتها الشباب لم يثبتوا حتى الآن أنهم يمتلكون
الشرعية القيادية، لهذا وذاك، فلابد من تمثيل شيوخ المعارضة وشبابها في الحوار
المرتقب، وأي تغييب لأي منهما، سيعني تغييب بعض الطيف المعارض، وإذا كانت من دعوة لتمييز إيجابي في هذا المجال، فيجب أن تكون
لصالح الشباب، وذلك لأنه هو من يمثل المستقبل.
إن مسارعة بعض الشباب المعارض في إصدار بيان مقاطعة الحوار لم يكن موقفا
سياسيا ناضجا، وكان الأنسب لمن أصدر ذلك البيان أن يطالب في بيانه بأن يمُثل
الشباب في "نقطة الربط"، بدلا
من إعلان مقاطعة الحوار، وأن "يقترح" ذلك على رئيس الجمهورية.
ثم إن تبرير الشباب الموقعين على البيان مقاطعتهم للحوار بالإسهاب
في نقد النظام وتعداد إخفاقاته يفتقد هو أيضا للنضج السياسي، فلو كان النظام بلا
أخطاء كبيرة حسب وجهة نظر الموقعين على البيان، فلماذا تعارضونه أصلا؟
وتبقى نقطة أخيرة، من المهم أن نلفت إليها انتباه الشباب المعارض،
وهي أن من أساسيات العمل السياسي التحرك في دائرة المتاح، والعمل على توسيع تلك
الدائرة من خلال استغلال المتاح حاليا، فالمعارضة بشكلها الحالي غير قادرة على
انتزاع مطالبها أو حتى بعض مطالبها من خلال تحريك الشارع، وكل المتاح أمامها الآن
هو أن تعمل لانتزاع بعض تلك المطالب من خلال الحوار، ومن ذلك يظهر أن الإسراع في
إصدار بيان مقاطعة الحوار لم يكن موقفا سياسيا ناضجا، والتلويح بترك المقعد
الشبابي شاغرا في الحوار ستكون كلفته كبيرة على الشباب المعارض مستقبلا، ولن تختلف
تلك الكلفة عن الكلفة التي ما زال يدفعها الشباب المعارض حتى يومنا هذا بسبب خطوة
متسرعة أخرى اتُخِذَتْ ذات مساء من مساءات شهر فبراير من العام 2014 باسم حركة شبابية شغلت الميادين الاحتجاجية في
تلك الفترة.
لقد كنتُ شاهدا على تلك الخطوة المتسرعة، وذلك القرار غير الناضج
سياسيا، والذي تُرِك بموجبه المقعد الشبابي في أكبر تشكيلة معارضة فارغا، وما زال
الشباب المعارض يدفع حتى اليوم كلفة ذلك القرار الخاطئ، وتلك قصة أخرى، سأفصلها
تفصيلا في الجزء الثاني من سلسلة كتب الإصلاح في موريتانيا، والذي سيخصص لنقد
المعارضة، مع تقديم الوصفة الطبية التي
يمكن أن تخرج المعارضة من مستنقع فشلها المزمن.
حفظ الله موريتانيا..