تعودنا، نظاما بعد نظام، أن يكون المعارضون هم من يرفعون الصوت عاليا ضد الفساد، بينما يلتزم الموالون الصمت، إما لاعتقاد خاطئ بأن ذلك يحمي صورة النظام، أو مجاملة ودعما لمفسدين تربطهم بهم قرابة أو مصالح.
غير أن هذا التصور السائد يحتاج اليوم إلى مراجعة جادة، خاصة حين يكون النظام الذي ندعمه قد جعل من محاربة الفساد ركيزة أساسية في برنامجه الانتخابي، وتعهد بمحاربته في مختلف ولايات الوطن خلال الحملة الانتخابية الماضية.
لقد تعهد الرئيس محمد الشيخ الغزواني، خلال تلك الحملة، بالتزامات صريحة وقوية في مجال محاربة الفساد. ومن هنا فإن الموالي الصادق الذي صوّت لذلك البرنامج الانتخابي هو أولى من غيره بمحاربة الفساد، لأنه مسؤول أخلاقيا وسياسيا – بدرجة أو بأخرى – عن كل فساد يقع في هذه المأمورية، حتى وإن لم يشارك فيه مباشرة.
إن %56.2 من المصوّتين في الانتخابات الرئاسية الماضية أولى بمحاربة الفساد من الـ%44 المتبقية، لأن أي فساد يحدث في هذه المأمورية سيتحمل منه كل من صوَّت من تلك النسبة نصيبا ووزرا، وفي المقابل فهو سيكسب أجرا من كل جهد يُبذَل في محاربة الفساد، أو في أي إصلاح يتحقق بفضل النظام الذي انتخبه.
صحيح أن الفساد يضر بالجميع – معارضين وموالين ومستقلين – إلا أن ضرره على الموالي أشد وأخطر. فالمعارض، رغم تضرره كأي مواطن، إلا أنه ليس شريكا في ذلك الفساد، فهو لم ينتخب وفي الغالب لم يسير، وهو سيستفيد سياسيا من تفشي الفساد؛ فكلما انتشر الفساد في عهد نظام حاكم، ازدادت مصداقية المعارضة وشعبيتها، والعكس صحيح: كلما اشتدّت محاربة النظام للفساد، فقدت المعارضة إحدى أقوى أوراقها وأكثر شعاراتها جذبا. فلا شيء يُضعف المعارضة أكثر من نظام حاكم يحارب الفساد بشجاعة وقوة.
وفي المقابل، على الموالي الصادق، أن يدرك أن أي فساد يقع خلال هذه المأمورية يضرّ الشعب والدولة والرئيس ومشروعه الإصلاحي، وأنه لن يستطيع التنصل من مسؤولية المشاركة في ذلك الفساد مستقبلا، لأنه شريك في الاختيار، وشريك في النجاح والإخفاق على حد سواء.
وعليه أن يدرك كذلك أن الصمت عن الفساد ليس وفاءً للرئيس، بل خيانة له، وخيانة للشعب، وخيانة قبل ذلك لله ورسوله. فكل موظف يمارس فسادا من أي نوع يخون الرئيس الذي منحه الثقة، ويخون الشعب الذي يدفع له من ماله العام، ويخون قبل ذلك كله الله الذي حرَّم الفساد. ومثل هذا الموظف لا يستحق أي مجاملة ولا شفقة، لا من معارض صادق، ولا من موال مخلص، ولا من مستقل نزيه.
إن القلة التي تمارس الفساد اليوم، وتستفيد منه على الصعيد الشخصي الضيق، لا تضر الرئيس وحده، بل تضر كل داعميه المخلصين. وتضر كذلك الوطن بأكمله.
لقد آن الأوان لأن يدرك الموالون الصادقون أن محاربة الفساد هي أصدق مظاهر الولاء للرئيس، وأن الدفاع عن المفسدين هو أبشع خيانة له. فالرئيس الذي تعهد بمحاربة الفساد يحتاج اليوم إلى من يسانده بصدق وشجاعة، لا إلى من يبرر الخطأ، ويغطي على الخلل، ويسكت عن الفساد.
تنبيه:
لا يُقصد من هذا المقال التقليل من الدور المنتظر من المعارضة في محاربة الفساد، وإنما يقصد به لفت الانتباه إلى الدور الأخلاقي والسياسي الذي يجب أن يضطلع به الموالي الصادق في هذا المجال، إن كان قد صوَّت للرئيس اقتناعا ببرنامجه الإصلاحي، لا طمعا في مصلحة خاصة يسعى لتحقيقها من خلال الفساد والتواطؤ مع المفسدين.
حفظ الله موريتانيا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق