في شهر سبتمبر، شهدت دول مثل النيبال ومدغشقر، وأخيرا المغرب، موجات احتجاجية شبابية غير مسبوقة، قادها "جيل Z"، ذلك الجيل الذي ظل خارج حسابات السياسيين، والحكومات حتى فاجأ الجميع بتنظيمه لاحتجاجات واسعة، سلمية في مطالبها، قوية في حضورها، ومقلقة في احتمالات تطورها وانزلاقها إلى أعمال عنف وشغب تضرُّ البلد وتهز استقراره، ولا تنفع الشباب المحتج.
"جيل Z" لا يُعلن عن غضبه مسبقا، ولا يُمهِّد لاحتجاجاته، بل يتحرك فجأة، وبقوة غير متوقعة، وهذا هو ما يجعل التعامل معه تحديا حقيقيا للحكومات التي اعتادت على نمط احتجاجي تقليدي، يمكن التنبؤ به واحتواؤه.
لم يعد الاحتجاج التقليدي يهدد الحكومات، ولم يعد قادة ومحركو الاحتجاجات التقليدية - إن حدثت - هم من يهدد الأنظمة الحاكمة، ولذا فإن اهتمام الحكومات يجب أن يتوجه أولا للشباب، وخاصة لجيلz ، الذي قد لا تعني له السياسة التقليدية شيئا، ولا يعطي للصراع التقليدي بين الأغلبية والمعارضة أي قيمة واهتمام.
لقد رفع هذا الجيل شعارات مشروعة: فرص عمل، تعليم نوعي، محاربة الفساد بجدية. لكن كما علمتنا تجارب سابقة في بعض محطات الربيع العربي (سلف جيل z)، فإن سلمية الاحتجاجات لا تبقى مضمونة دائما، خاصة حين يغيب الإنصات، ويتأخر الإصلاح. وقد ظهرت بالفعل مؤشرات انزلاق في بعض احتجاجات هذا الجيل، تنذر بما هو أخطر إن لم يُتدارك الأمر.
إن الإجراءات الاستباقية لم تعد ترفا ولا خيارا، بل أصبحت ضرورة وطنية عاجلة وملحة، ومن أهم تلك الإجراءات الاستباقية:
1 - مكافحة البطالة ببرامج واقعية.
2 - مواجهة الفساد بصرامة لا مجاملة فيها.
3- إصلاح التعليم ليكون بوابة الأمل لا باب الإحباط.
إن كل تأخير في هذه الملفات هو دعوة مفتوحة لانفجار اجتماعي، قد يبدأ بمطالب مشروعة وينتهي بأعمال شغب تُهدد الاستقرار.
ولا بد من القول إن مسؤولية أي عنف أو تخريب لا تقع على الشباب لوحدهم، بل يتحملها أيضا المسؤولون الحكوميون الذين فشلوا في تلبية تطلعات أولئك الشباب، وتركوا جيلا كاملا بلا أفق، بلا قدوات، بلا حاضنات، يتخبط في عالم الجريمة والمخدرات، ومحاصرا بمحتوى تافه، وكلام ساقط، ونماذج لا تُلهم ولا تُربّي.
في بلد تتجاوز فيه نسبة الشباب 70% من السكان، فإن تجاهل هذا الجيل هو تجاهل للمستقبل نفسه. "جيل Z" ليس مجرد جيل عابر، بل هو الجيل الذي سيحدد مصير البلدان. والتعامل معه بجدية اليوم هو السبيل الوحيد لتجنب أزمات الغد.
صحيح
ردحذف