مما لا شك فيه أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أكثر الرؤساء الأمريكيبن انحيازا للعدو الإسرائيلي، ومبادرته الأخيرة تعكس ذلك الانحياز الفج، فهي مجرد وثيقة استسلام تمت صياغتها في شكل مبادرة.
ورغم ذلك، فقد قوبلت هذه المبادرة بترحيب كبير من قادة الدول العربية والإسلامية، بل رحبت بها كذلك حكومات غربية كانت مواقفها السابقة مشرفة وشجاعة اتجاه فلسطين، كما هو الحال بالنسبة لحكومة إسبانيا على سبيل المثال.
إن هذا التباين بين مضمون المبادرة المشكوك فيه، وموجة الترحيب بها حتى من طرف حكومات كان موقفها مشرفا، يضعنا أمام حيرة شديدة، ويثير العديد من الأسئلة الصعبة حول ما يجري بالفعل.
ولفهم هذا المشهد المعقد، يمكن تصور ثلاثة فرضيات رئيسية:
الفرضية الأولى: أن يكون العالم قد قرر التخلي كليا ونهائيا عن فلسطين، والتوقف عن الدفاع عن حقوقها، وذلك بعد أن خذلها عسكريا في حرب الإبادة، وخذلها دبلوماسيا في كسر الحصار والتجويع، وها هو يخذلها اليوم تفاوضيا بقبول مبادرة ترامب التي تمثل في حقيقتها مجرد استسلام بشروط نتنياهو.
الفرضية الثانية: أن تكون المبادرة، رغم صدورها من ترامب، أقل سوءا مما نتصور، فربما تكون قد تضمنت الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، ولهذا فقد رحب بها العديد من قادة الدول العربية والإسلامية والأوروبية .
الفرضية الثالثة: أن المبادرة سيئة بالفعل، وهي مجرد محاولة لتحقيق ما عجز عنه نتنياهو بالحرب من خلال المفاوضات، ولكن الدول التي كانت تتخذ مواقف أكثر إيجابية اتجاه فلسطين وصلت إلى مرحلة من اليأس جعلتها تدرك أنه في ظل إدارة ترامب لا أمل بحل عادل.
ولأن حرب الإبادة تحولت إلى مأساة إنسانية غير محتملة، على الأقل على مستوى بعض الشعوب الغربية، فقد قبلت هذه الدول مكرهة لا بطلة بمبادرة ترامب. قبلتها فقط من أجل إيقاف القتل والتجويع والحصار ولو بشكل مؤقت، على أمل أن تتاح فرصة أخرى مستقبلا لفتح باب تفاوضي جدي أكثر إنصافا.
في النهاية، تكشف الفرضيات الثلاث أن القضية الفلسطينية لا تزال رهينة لمعادلات دولية معقدة، وأن موازين القوى والخيارات السياسية تُدار غالبا بمعزل عن العدالة والحق التاريخي. غير أن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن فلسطين ستظل، ومهما تواطأ العالم أو يئس، قضية حية في وجدان الشعوب، وأن أي مبادرة ظالمة كمبادرة ترامب لن تغلق ملف الصراع، حتى وإن رحبت بها كل دول العالم.
يبقى أن أقول بأن أي موقف ستتخذه حــ.مـاs من هذه المبادرة سيكون هو الموقف الأسلم الذي علينا أن ندعمه، سواء كان موقفا رافضا أو قابلا لها.
ويبقى الأمل قائما، فحــ.مـاس حتى وإن خذلها العالم كله، فذلك لا يعني هزيمتها، فالنصر والهزيمة لا يأتيان من أمريكا، والكون لا يسير وفق مزاج وغطرسة ترامب ولا وفق جبن القادة العرب والمسلمين المتخاذلين.
إن النصر لا يأتي إلا من عند الله، والله قادر على أن ينصر المستضعفين، ويهزم الجبارين الظالمين، متى أراد، وكيفما أراد.
حفظ الله فلسطين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق