إني أحلم بأن أستيقظ ذات يوم على وطن حقيقي، يكون انتماء المواطن فيه للوطن من قبل أن يكون للقبيلة، أو للجهة ، أو للعرق، أو للشريحة.
السبت، 11 يناير 2020
هل هناك جديد في التعامل مع الكوارث؟
هل يختلف النظام الحالي عن النظام السابق في تعامله مع
الكوارث؟ هل هناك من جديد في هذا المجال؟ وإذا كان هناك من جديد فما هو ذلك
الجديد؟
سأحاول في هذا المقال أن أجيب على هذه الأسئلة من خلال التوقف
مع أخطر ثلاث أحداث أو كوارث وقعت خلال الأشهر الماضية من حكم الرئيس محمد ولد
الشيخ الغزواني، وسأتوقف تحديدا مع سيول سيلبابي، وحادث طريق نواذيبو الذي أدى إلى وفاة
9 أشخاص، وفاجعة دار النعيم التي تسببت في وفاة خمسة أطفال حرقا، وحتى تكون
الإجابة على الأسئلة أعلاه دقيقة وتتسم بالموضوعية، فسأقسم مراحل التعامل مع
الكوارث إلى ثلاث مراحل، وسأخصص لكل مرحلة فقرة من فقرات هذا المقال.
المرحلة الأولى: الحضور
الفوري ومواساة الضحايا
بعد أقل من 24 ساعة من سيول سيلبابي، وتحديدا في يوم 27 أغسطس
2019، وصل إلى مدينة سيلبابي وفدا وزاريا يتكون من زير الداخلية ووزيرة الإسكان،
وكان الوفد محملا برسالة مواساة وتضامن من رئيس الجمهورية، وقد قدم هذا الوفد باسم
رئيس الجمهورية التعازي إلى ذوي الضحايا. في يوم 25 دجمبر 2019، وبعد ساعات من الحادث
الأليم الذي وقع على طريق نواذيبو، أدى وزير الشؤون الإسلامية زيارة لجرحى الحادث،
وفي نفس اليوم تقدمت رئاسة الجمهورية ببرقية تعزية إلى ذوي الضحايا. مساء 8 يناير 2020 قدم الوزير الأول رفقة وزير الداخلية
ووزيرة الإسكان التعازي والمواساة باسم رئيس الجمهورية لوالدة الأطفال الخمسة
الذين توفوا في حريق دار النعيم.
على مستوى الإعلام وإنارة الرأي العام فيمكن القول بأن الحكومة
واكبت موسم الأمطار والأضرار الناتجة عنه
بنشرة يومية كانت تصدرها وزارة الداخلية، وترصد أولا بأول الأضرار في مختلف
ولايات الوطن ومستوى التعامل معها، كما لوحظ أيضا بأن الإعلام الرسمي (الوكالة؛
الإذاعة؛ التلفزيون) قد حاول مواكبة بعض هذه الكوارث، ومن المعروف أن الإعلام
الرسمي كان يتجاهل بشكل كامل نشر أي خبر عن مثل هذه الكوارث التي تتسبب في وفاة
أشخاص، خاصة إذا ما تعلق الأمر بحادث سير أو بحريق.
يمكن القول بخصوص ردود الفعل الأولى على الكوارث، بأن هناك أسلوبا مختلفا لدى النظام الحالي فيما
يخص الزيارات الميدانية ومواساة الضحايا، ولقد حاول البعض أن يقلل من أهمية ذلك
بحجة أن الحكومة عليها أن تفعل شيئا آخر غير تقديم التعازي والتقاط الصور مع ذوي
الضحايا. في اللحظات الأولى بعد وقوع أي كارثة يكون أهم شيء يجب فعله هو توفير
الإسعاف والإنقاذ ومواساة الضحايا من خلال زيارتهم في أماكنهم وتقديم التعازي لهم.
فيما يخص الشق الأول المتعلق بالإسعاف والإنقاذ فسأترك الحديث عنه للفقرة الختامية
من هذا المقال، والتي سأخصصها لتقديم مقترح في هذا المجال، وفيما يخص الزيارات
الميدانية ومواساة الضحايا فهذا أمرٌ قد حرص عليه النظام الحالي، وأذكر بأني كنتُ قد
طالبتُ به النظام السابق في أكثر من مقال، كما طالبه به آخرون. طالبتُه به بعد
فاجعة الأربعاء 1 يونيو 2016، والتي أدت إلى وفاة تسع نساء فقيرات بسبب التدافع
على زكاة أحد رجال الأعمال، وطالبتُه به بمناسبة الحادث الأليم الذي وقع صباح الأربعاء
الموافق 7 نوفمبر 2018 قرب أغشوركيت، والذي أدى إلى وفاة 11 شخصا بشكل فوري، وقد
طالبتُه بتقديم التعازي لذوي ضحايا ذلك الحادث، خاصة أنه كان قد وجه من
قبل ذلك الحادث بثلاثة أسابيع فقط، وتحديدا في يوم 17 أكتوبر 2018 رسالة
تعزية إلى الملك محمد السادس، وذلك بمناسبة انحراف قطار قرب الرباط تسبب في وفاة
سبعة أشخاص. فبأي منطق يعزي رئيس دولة في وفاة 7 أشخاص من دولة شقيقة بسبب انحراف
قطار، ولا يعزي في وفاة 11 شخصا من شعبه بسبب تصادم حافلتي ركاب؟
المرحلة الثانية: معالجة الأضرار المباشرة ومواساة الضحايا
ماديا
الجديد هنا هو أن رئاسة الجمهورية تحملت كافة المصاريف
المتعلقة بعلاج جرحى حادث نواذيبو، كما أنها منحت قطعة أرضية ومبلغا ماليا يمكن من
تشييد سكن لائق لأم الأطفال الذين توفوا في حريق دار النعيم، ومثل هذا لم يكن
معهودا في الفترة الماضية في مثل هذا النوع الحوادث. فيما يخص التعامل مع سيول
سيلبابي فقد يكون التدخل لم يخرج عن الأنماط التقليدية المعروفة عند حدوث سيول
وفيضانات، فتم إطلاق قوافل إغاثة، وتوزيع مساعدات على المتضررين، وتمويل أنشطة
مدرة للدخل لصالح الضحايا الأكثر تضررا....
المرحلة الثالثة : الاستعداد للكوارث ومعالجة أسبابها حتى لا
تتكرر
لا خلاف على أن هذه المرحلة تعد هي المرحلة الأهم، ولذا فسأحاول
في هذه الفقرة من المقال أن أرصد جديد النظام الحالي في هذه الجزئية، مثلما رصدتُ
جديده في المرحلتين الأولى والثانية، ولكنني بالإضافة إلى ذلك فسأحاول أن أبين بعض
النواقص وأقدم مقترحا للتغلب على تلك النواقص.
فيما يخص سيول سيلبابي فقد تم اتخاذ الإجراءات التالية:
ـ إقامة مستشفى ميداني تابع للجيش في مدينة ألاك، وذلك
استعدادا لأي طارئ قد يحدث بسبب السيول والفيضانات التي قد تنتج عن الأمطار والتي
كانت متوقعة في تلك الفترة.
ـ منح قطع أرضية بصفة مجانية للأسر المتضررة من الفيضانات مقابل
إخلائها لمناطق الخطر.
ـ تحديد مجال المناطق المعرضة للفيضانات من خلال وضع معالم
ماثلة للعيان .
ـ البدء في إنشاء منطقة إيواء، تضمن تمددا منتظما للمدينة،
وتشمل قطعا سكنية وأخرى تجارية، تؤمن الولوج المنتظم إلى الملكية العقارية داخل
المدينة.
ـ إعادة هيكلة الأحياء المتاخمة لمنطقة الإيواء، لضمان دمجها
في النسيج الحضري للمدينة.
وفيما يخص حادث نواذيبو فقد جاء في برقية التعزية لذوي
الضحايا بأن رئاسة الجمهورية " تعد المواطنين بسرعة اتخاذ القطاعات المعنية
كل الإجراءات والتدابير اللازمة لتحسين السلامة الطرقية".
وفي هذا الإطار فقد تم اتخاذ الإجراءات اللازمة لفرض سرعة قصوى
لا تتجاوز 90 كلم / للساعة على كل حافلات
النقل ، ومن المؤكد بأن ذلك سيقلل من حوادث حافلات النقل والتي تكون عادة حوادث ذات
كلفة بشرية كبيرة نتيجة لعدد الركاب. وننتظر في هذا المجال أن يتم نشر سيارات
إسعاف ورافعة على طريق نواذيبو، وذلك بعد أن تم نشر سيارات إسعاف ورافعة على
المقطع (نواكشوط ـ ألاك).
أما فيما يخص حريق دار النعيم، فقد وعدت السلطات بفتح تحقيق،
وأرجو أن يكون هذا التحقيق بداية لتحقيقات جدية تختلف عن التحقيقات في الفترة
الماضية، والتي كان يتم الإعلان عنها بعد كل كارثة، ويكون ذلك هو آخر عهد بها.
ومهما تكن نتائج التحقيق المتعلق بحريق دار النعيم، فإن هذا
الحريق قد كشف ـ وبوضوح ـ ضعف الحماية
المدنية وعدم وجود فرق إنقاذ وإسعاف قادرة على التدخل في الوقت المناسب.
هذه الحقيقة المرة التي كشفت عنها حريق دار النعيم، كما كشفت
عنها كوارث أخرى من قبله لتستوجب اتخاذ إجراءات
عاجلة بتأسيس منسقية أو مجلس أو "هيئة وطنية للطوارئ والوقاية من الكوارث"
يتم توفير الموارد اللازمة لها، وتعني بتنسيق عمل كل الجهات المعنية بالموضوع :
ـ الحماية المدنية
ـ الجيش؛ الدرك؛ الحرس؛ الشرطة؛ أمن الطرق
ـ وزارة الصحة
ـ الهلال الأحمر الموريتاني إن كان لا يزال على قيد الحياة
ـ المجتمع المدني وخاصة اتحاد أرباب العمل الموريتانيين
حفظ الله موريتانيا..
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق