السبت، 29 ديسمبر 2018

الساموري ...من نقابي إلى مخرج أفلام هندية؟


بدءا لابد من القول بأن هذه القضية يجب أن يفتح فيها تحقيق جدي وشفاف ويجب أن تعلن نتائج هذا التحقيق للرأي العام، ويجب أن يعاقب من يستحق العقاب، وفي انتظار أن يحصل ذلك، فإن المتاح الآن من شهادات يزيد من الشكوك حول رواية النقابي الساموري، وهي رواية كانت مهزوزة أصلا.


إن البيان الذي وقعته 26 هيئة نقابية نفى بشكل كامل رواية الساموري، وقد جاء في البيان بأن الاجتماع المذكور قد "اتسم في معظمه بالسكينة والهدوء، ولم يتم فيه إشهار أي سلاح، ولا الاتفاق على النزول للشارع، ولا التعرض لأي خطاب شرائحي".
وحتى من قبل إصدار هذا البيان، فقد كان من الواضح أن رواية الساموري لم تكن متماسكة.
في منشوراته تحدث الساموري عن الحادثة بأسلوب سينمائي عجزت عنه الأفلام الهندية، ومن ذلك قوله " وأعطي الكلام للحضور وكأنه تم تأطيرهم سلفا وقالوا أنهم يلبون النداء وأن كل البيظان سينزلون بأسلحتهم وأنهم تم تسليمهم السلاح جميعا وأنهم على كل الاستعداد لمواجهة ما يسمونه المتطرفين العنصريين" هل يمكن تصديق مثل هذا الكلام؟ دعونا نتخيل بأن الاجتماع كان يخص مجموعة من المراهقين العنصريين، هل يمكن أن نتوقع من أولئك المراهقين أن يتحدثوا بهذه الطريقة الوقحة؟
يقول الساموري في فقرة أخرى من نفس المنشور "تدخل الجميع ليقول إن لا موضوع أهم من هذا، إن البيظان لديهم السلاح أخرج أحدهم سلاحه (مسدس) ليوجهه نحوى دون أن يتدخل الوزير أو يخرجه وأعاد الكرة مرتين بعد ذالك دون اعتراض الوزير." هذه لقطة لا يمكن تصورها حتى في فيلم هندي.
يختم الساموري منشوره هذا كما تختتم عادة الأفلام الهندية، فيقول " ونهاية الاجتماع هي أن الجميع يلبي النداء و سينزلون بسلاحهم في مسيرة الحزب المتوقعة".
بالله عليكم هل يعقل أن يعلن نقابيون في اجتماع كهذا بأنهم سينزلون إلى المسيرة بأسلحتهم، حتى وإن كانوا يخططون بالفعل لذلك و بشكل جدي؟
في منشوره الأول عن الحادثة كتب الساموري "عاجل.موريتانيا أمام خطر حرب أهلية بين البيظان والحراطين على نمطRowanda   إنا نطلب اجتماعا عاجلا للجنة التنفيذية لميثاق لحراطين".
ألم يكن الأولى بالساموري، حتى وإن صدقنا بأنه تعرض بالفعل لتهديد بالسلاح في مكاتب الوزارة، أن يدعو لاجتماع المكتب التنفيذي لميثاق لحراطين بطريقة أخرى غير هذه الطريقة الغريبة التي وجه بها الدعوة ؟ ألم يكن الأولى بالساموري وهو القيادي بالمنتدى (أكبر كتلة سياسية في البلاد) أن يدعو لاجتماع المكتب التنفيذي للمنتدى لاتخاذ موقف من تهديده بالسلاح، حتى لا تفسر دعوته بأنها ذات شحنة شرائحية أو عرقية. خلاصة الأمر  أن الساموري والذي من المفترض أنه ينتمي لمشروع بديل عن مشروع النظام قد أخطأ بما نشر على صفحته حتى وإن تأكدت رواية التهديد بالسلاح في مبنى الوزارة، أما إذا لم تتأكد الرواية وذلك هو الاحتمال الأكبر، فإن الساموري في هذه الحالة يكون قد فبرك قصة كاذبة من أجل إشعال الفتنة بين مكونات الشعب الموريتاني، الشيء الذي يستوجب تنديدا قويا من شركائه السياسيين من قبل أن يندد بذلك خصومه السياسيون.
لا يمكن أن أختم هذا المقال من قبل أسجل تنديدي بالخطأ الذي ارتكبه الوزير بدعوة النقابيين بالمشاركة في مسيرة الحزب الحاكم، وأن يكون ذلك من داخل مكاتب الوزارة.
 عموما هذا ليس هو الخطأ الأول الذي يرتكبه الوزير، فكثيرا ما يخطئ هذا الوزير، فمنذ فترة قليلة تم تسريب حديث يهدد فيه الوزير العمال والموظفين الذين تشم فيهم رائحة المعارضة. ومن قبل ذلك فقد كادت الأمور أن تخرج عن السيطرة في فاتح مايو من العام 2017 بسبب احتجاجات السائقين، ولا شك أن الوزير يتحمل جزءا من المسؤولية فيما حدث حينها.
المقلق في الأمر أن المسيرة التي دعا الوزير النقابيين إلى المشاركة فيها قد تم الإعلان عنها بالتزامن مع انطلاق موجة المبادرات المطالبة بالتمديد ومع هدم مبنى مجلس الشيوخ، وما يمثل ذلك من رمزية، وكل ذلك يجعلنا نتوقع من هذا النظام الذي لم نعرف منه في الماضي حرصا على الوحدة الوطنية، نتوقع منه أن يثير النعرات والفتن بين مكونات المجتمع في سبيل البقاء في السلطة. لقد اختار النقابي الساموري أن يعلن عن تعرضه للتهديد بالسلاح في مثل هذا الوقت بالذات، فهل هناك خطة ما بين النظام والساموري لإثارة الفتنة، أم أن الساموري قرر من تلقاء نفسه أن يعمق من الشرخ بين مكونات المجتمع، وأن يمهد لفتنة بين مكونات هذا المجتمع.
وتبقى كلمة أخيرة: إننا بحاجة لتشكيل فرقة من الوطنيين ومن مختلف الشرائح والمكونات للتدخل السريع ولإطفاء الحرائق تكون جاهزة للتدخل في مثل هذه الحالات التي قد تتكرر مستقبلا، وذلك هو الدرس الذي علينا أن نخرج به من ردود الأفعال المتباينة على منشورات الساموري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق