الاثنين، 17 ديسمبر 2018

هذه ملامح المرشح التوافقي...فهل عرفتموه؟


يدور في الوقت الحالي نقاش واسع في مواقع التواصل الاجتماعي وخارجها، حول المرشح التوافقي المحتمل لقوى التغيير: ما هي صفاته؟ هل من الأفضل أن يكون حزبيا أم لا؟ هل يستحسن اختياره من داخل المعارضة أم من خارجها؟
أسئلة كثيرة يتكرر طرحها، وللمساهمة في هذا النقاش الهام فقد ارتأيت أن أعد ورقة خاصة بالمرشح التوافقي لصالح "منصة رئاسيات 2019"، وسأحاول في هذه الورقة أن أرسم صورة تقريبية أو تخيلية للمرشح التوافقي الذي أرى بأنه سيكون قادرا على أن ينافس بشكل جدي مرشح النظام في رئاسيات 2019، ولمَ لا الفوز عليه في تلك الانتخابات.

قبل البدء في محاولة رسم صورة تخيلية أو تقريبية للمرشح التوافقي، فلا بأس من قبل ذلك بتقديم بعض الإيضاحات الهامة.
الإيضاح الأول : على الرغم من أن المزاج العام للمعارضة قد أصبح أكثر تقبلا لفكرة المرشح التوافقي، إلا أنه لا يمكن تجاهل بعض الأصوات المعارضة التي ما تزال ترى بأهمية تعدد الترشيحات، وبأن ذلك التعدد هو الذي سيضمن شوط ثانيا، وأن المطلوب في هذه الحالة هو أن يتعهد مرشحو المعارضة على دعم من سيصل منهم إلى الشوط الثاني. إن لكل خيار من الخيارين (المرشح الموحد وتعدد المرشحين) إيجابياته وسلبياته، لا خلاف على ذلك، ولكن ما يجب توضيحه هنا، هو أن دخول المعارضة بعدة مرشحين سيظهرها بمظهر عدم الجدية، وبأنها عاجزة عن تجاوز خلافاتها في هذه اللحظة الحاسمة، وسيؤدي ذلك إلى عزوف جماهير واسعة، وإلى عدم مشاركتها في مثل هذه المنافسة العبثية. إن الدخول بمرشح توافقي أو رئيسي على الأقل، هو الذي سيؤدي إلى انخراط جماهير أوسع في العملية الانتخابية، فالدخول بمرشح توافقي سيزيد من مصداقية المعارضة، وسيثبت للناخب بأنها قد أصبحت معارضة أكثر جدية، وبأن مكوناتها تقدر حساسية اللحظة التاريخية، وأن تلك المكونات قادرة على تجاوز خلافاتها والتضحية بمصالحها الحزبية الضيقة من أجل تحقيق مصلحة وطنية كبرى. كل تلك الأمور هي في غاية الأهمية، ومع ذلك فلا بأس بفكرة مرشح رئيسي تلتف حوله التشكيلات الكبرى في المعارضة، وخاصة المنتدى والتكتل بالإضافة إلى مكونات أخرى، هذا إن تعذر التقدم بمرشح موحد لكل الطيف المعارض. لا بأس في حالة تعذر التقدم بمرشح موحد أن يُسمح لبعض التشكيلات الحزبية من خارج المنتدى والتكتل بأن تختار مرشحين ثانويين، مع التعهد بدعم المرشح الرئيسي إن هو وصل إلى الشوط الثاني.
الإيضاح الثاني: أن هذا المرشح التوافقي الذي سنحاول أن نرسم له صورة تقريبية من خلال هذه الورقة ليس مرشح المعارضة فقط، وإنما هو مرشح كل القوى الطامحة للتغيير، بل أكثر من ذلك فهو يجب أن يكون مرشح الأغلبية الصامتة من الشعب الموريتاني، والتي لابد من استقطابها واستدراجها لمعركة 2019، لأنه إذا لم يتم استقطاب تلك الأغلبية الصامتة فإنه لن يكون بالإمكان كسب رهان 2019.
الإيضاح الثالث: أننا في هذه الورقة لسنا بصدد تقديم مرشح مثالي بصفات ومواصفات مثالية، فأي مرشح بمواصفات مثالية لا يستطيع أن يكسب معركة 2019، فهو في منظورنا سيبقى في نهاية المطاف مرشحا سيئا، ولذا فإن تقديمه كمرشح توافقي سيكون بمثابة خطأ كبير. إنه من المهم أن يكون هناك توازنا بين "الصفات المثالية المطلوبة" و"القدرة على المنافسة"، فأي مرشح لا يملك حظا من هذين الشرطين، فلن يكون من الصواب التقدم به كمرشح توافقي.
الإيضاح الرابع : لا يعني الكلام أعلاه بأنه ليست هناك أي محظورات ولا أي خطوط حمر. نعم هناك خطوط حمر إقصائية، يعني أنه يمكن أن يوجد مرشح قوي قادر على المنافسة، ولكن ذلك المرشح يجب أن ترفع البطاقة الحمراء في وجهه إن كان يحمل بعض الصفات المحظورة، كأن يكون مثلا رمزا من رموز الفساد .
بعد هذه الإيضاحات يكون قد أصبح بالإمكان تقديم الصفات الأساسية التي يجب توفرها في المرشح التوافقي، ومن هذه الصفات الأساسية :
الصفة الأولى : أن يكون معارضا
يطرح بعض المعارضين فكرة ترشيح شخصية غير معارضة، وذلك من أجل اختراق جماهير الموالاة، وهذا الطرح غير سليم لأسباب عديدة نذكر منها:
1 ـ ليس من المنطق ولا من العدل أن يتم تجاهل كل المنتسبين للمعارضة والذين كانوا قد قارعوا النظام الحاكم خلال العشرية الأخيرة، ويُؤتى بمرشح من خارج هذه المعارضة ليس في سجله أنه قد أظهر أي استياء من النظام الحاكم خلال السنوات العشر الماضية، حتى ولو كان ذلك  الاستياء مجرد استياء عابر في لحظة عابرة.
2 ـ إنه ليس من الحكمة أن تلتف المعارضة خلف مرشح لم يُظهر أي معارضة للنظام خلال عقد كامل من الزمن، فمثل ذلك سيكون مخاطرة كبرى. إن هذا النوع من المرشحين غير مؤتمن، ويمكن أن يقوده الخوف من النظام أو الطمع فيه إلى التخلي عن المعارضة والتحالف مع النظام في لحظة حرجة جدا.
3 ـ أن يكون معارضا لا تعني بالضرورة أن يملك سجلا كبيرا في مقارعة النظام، بل يكفيه أن يكون قد سجل موقفا معارضا مهما كانت طبيعة ذلك الموقف.
خلاصة هذه الصفة هي أن يكون المرشح التوافقي شخصية معارضة، وأن يكون قادرا في الوقت نفسه على اختراق صفوف داعمي النظام الحاكم.
الصفة الثانية : أن يكون مستقلا
إن الاستقلالية هي صفة أساسية ومن المهم توفرها في المرشح التوافقي، أي أنه من الضروري أن يكون هذا المرشح التوافقي معارضا من غير انتماء حزبي، وذلك لأسباب وجيهة من أهمها:
1ـ عندما يكون هذا المرشح حزبيا فإن ذلك سيقلل من حماس الأحزاب المعارضة الأخرى عند دعمه، فمهما كان مستوى التوافق والانسجام بين الأحزاب المعارضة، فهي في النهاية ستبقى أحزاب متنافسة فيما بينها، ولذلك فإنه يصعب على أي حزب أن يتحمس كثيرا في حملة انتخابية من أجل فوز قيادي من حزب منافس، حتى ولو كان ذلك الحزب المنافس يتخندق معه في المعارضة.
2ـ بالعودة إلى أبرز محطات الانتخابات الرئاسية في موريتانيا، فسنجد بأن المرشح المستقل هو الذي ظل يحقق دائما نتائج معتبرة في تلك الانتخابات: الرئيس أحمد داداه في أول انتخابات رئاسية؛ الرئيس هيدالة في انتخابات 2003؛ المرشح الزين ولد زيدان الذي حقق مفاجأة كبيرة في الشوط الأول من انتخابات 2007.
3ـ صحيح أن قادة الأحزاب الذين تحملوا الجزء الأكبر من كلفة النضال هم الأولى بالترشيح، ولكن الصحيح أيضا هو أن الناخب الموريتاني يكون دائما ـ ولأسباب مبررة أو غير مبررة ـ أكثر تحمسا لدعم أي مرشح جديد يدخل حلبة المنافسة لأول مرة.
الصفة الثالثة : أن يكون هذا المرشح التوافقي مقنعا للشباب
من المهم التذكير بأن الشباب الموريتاني يمثل نسبة تزيد على 70% من السكان، وبأنه هو الذي يجب أن تعول عليه قوى التغيير في الانتخابات الرئاسية القادمة، وذلك لكونه هو الأكثر تحررا من ضغوط السلطة، ولأنه إضافة إلى ذلك قد أصيب بخيبة أمل كبيرة في هذا العهد، حتى تلك الأعداد الكبيرة من الشباب التي اقتربت من النظام بسبب رفعه لشعارات براقة كتجديد الطبقة السياسية، أو لاقتناعها بجدية فكرة المجلس الأعلى للشباب، حتى تلك الأعداد الكبيرة من الشباب التي اقتربت في فترة ما من النظام ، قد أصبحت  اليوم أشد خيبة وأكثر إحباطا، ومن الصعب جدا أن تدعم مرشح النظام، إن وجدت مرشحا مقنعا خارج صفوفه.
إن دور الشباب لا يقتصر فقط على كونه يمثل عدديا الشريحة الأكبر في المجتمع، بل إنه بالإضافة إلى ذلك فهو يعتبر صاحب الكلمة الأقوى في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت تلعب دورا متناميا في توجيه الرأي العام، ولا شك بأنها ستلعب دورا مهما في الانتخابات الرئاسية القادمة، وتبقى مواقع التواصل الاجتماعي هي المجال الوحيد الذي تتفوق فيه المعارضة على النظام الحاكم، ولذا فيجب عدم التفريط في هذا الفضاء، ولن يكون ذلك ممكنا إلا بمراعاة مزاج الناشطين في ذلك الفضاء عند اختيار المرشح التوافقي.  
إن الشباب الموريتاني بإمكانه أن يصنع "ربيعا انتخابيا" في موريتانيا، ولذا فيجب أن يكون المرشح التوافقي لقوى التغيير قابلا للتسويق في صفوف الشباب، وخاصة الشباب الناشط في مواقع التواصل الاجتماعي، ولن يكون ذلك المرشح قابلا للتسويق في صفوف الشباب إلا إذا تم اختياره على أساس معايير وضوابط تنسجم مع المزاج العام للشباب الموريتاني، ومن هذه المعايير والضوابط :
1 ـ أن يكون من الناحية العمرية مقبولا لدى الشباب، ولا يعني هذا أن يكون شابا، بل يكفي أن يكون من مواليد ما بعد الاستقلال. 
2 ـ أن لا يكون قد ظهر في واجهة هذا النظام، ولا في واجهة أي نظام سابق. ويعني ذلك أن يكون صاحب وجه جديد إلى حد ما، مع ضرورة أن يمتلك في الوقت نفسه حدا أدنى من الخبرة أو له تجربة تكفي لتطمئن الناخبين من خارج فئة الشباب.
3 ـ أن يكون مدنيا، وأن لا يكون عسكريا سابقا، على أن يكون في نفس الوقت قادرا على طمأنة المؤسسة العسكرية، أو على الأقل، أن لا يثير قلقها وتخفوها.
4 ـ أن لا يكون رجل أعمال، وأن لا تكون له أي علاقة بعالم المال والأعمال، على أن يكون في نفس الوقت قابلا للتسويق لدى رجال الأعمال وخاصة المعارضين منهم، وقادرا على أن يقنعهم بأهمية دعمه للفوز على مرشح النظام.
5 ـ أن لا يكون قد عُرف في ماضيه بأي خطاب قبلي أو جهوي أو شرائحي أو فئوي، وأن يكون صاحب خطاب وطني جامع.
الصفة الرابعة : أن يكون معتدلا ومتوازنا
من المهم أن يكون المرشح التوافقي لقوى التغيير شخصية متوازنة ومعتدلة، وحتى على مستوى معارضته، فمن المهم أن لا يكون قد أظهر تطرفا في معارضته، ولا أن يكون صاحب طرح راديكالي، فمثل ذلك سيصعب عليه اختراق جدار الموالاة.إن الاعتدال مطلوب ويجب أن يكون ذلك الاعتدال بارزا في خطاب ومواقف المرشح التوافقي.
الصفة الخامسة : أن يكون مطمئنا من الناحية الأخلاقية، أي أن لا يكون قد عرف بنكث العهود والمواثيق، وأن يكون على استعداد لأن يوقع مع المعارضة اتفاقا على مبادئ عامة أو على خطوط عريضة لبرنامج انتخابي توافقي.
الصفة السادسة: أن يكون منحدرا من ولاية أو من منطقة ذات ثقل شعبي معتبر.   
 ختاما
إن قوى التغيير بحاجة إلى مرشح توافقي تجتمع فيه هذه الصفات الست، مع الاعتراف بأن العثور على شخص تتوفر فيه هذه الصفات مجتمعة وبنسب عالية قد يكون أمرا صعبا، ولكن العثور على شخص تتوفر فيه بعض هذه الصفات بنسب عالية، وبعضها الآخر بنسب أقل، أو بحدود دنيا، لن يكون بالأمر الصعب.
حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق