تصلني من حين
لآخر ملاحظات من بعض القراء الكرام يرى أصحابها بأن هناك تغيرا ملحوظا في مضامين
ما أكتب، ويرى هؤلاء بأني أصبحتُ أركز على إيجابيات النظام أكثر من سلبياته، وذلك على
العكس مما كان في السابق حيث كنتُ أركز على سلبيات النظام أكثر من إيجابياته. بعض
القراء الكرام يوجه أسئلة أكثر وضوحا ومباشرة، فيسأل إن كان قد أصابني شيءٌ مما
بات يعرف منذ فاتح مارس 2019 بظاهرة "التغزون" !
لن أجيب على
هذا السؤال المباشر إجابة مباشرة، ولكني في المقابل سأكتفي بالقول بأنه توجد منطقة
وسطى ما بين "التغزون" والمعارضة، وأن تلك المنطقة أكثر إغراءً لكل مهتم
بالشأن العام يُقَدِّر تعقيد وحساسية اللحظة السياسية التي بدأنا نعيشها منذ أول
تداول سلمي على السلطة بين رئيسين منتخبين قادمين من نفس النظام.
إني من الذين يرون بأن حماية مبدأ التناوب السلمي على
السلطة يجب أن تكون أولوية في بلد كبلدنا الذي عرف الكثير من
الانقلابات، ولذلك فقد نشرتُ في يوم 26 ديسمبر 2018 رسالة مفتوحة موجهة إلى رئيس موريتانيا القادم،
ولم يكن حينها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني قد أعلن عن ترشحه. وقد جاء في تلك
الرسالة المفتوحة تعهدا، وهذا نصه :" الأمر الثاني الذي أتعهد لكم به من الآن إن كان في
العمر بقية، هو أني سأكون من داعميكم بعد وصولكم إلى السلطة، ولا يهمني هنا أن
تكونوا المرشح الذي دعمته خلال الحملة الانتخابية لرئاسيات 2019، أو المرشح الذي
عارضته خلال تلك الحملة.
سيدي الرئيس،
سأدعمكم بعد تنصيبكم رئيسا للجمهورية، ولكن بشرط وحيد
ووحيد فقط، وهو أن تظهروا استعدادكم الكامل لانتزاع كل صلاحياتكم كرئيس للجمهورية،
وعندما تستعيدوا تلك الصلاحيات كاملة غير منقوصة، فحينها سيكون لكل مقام مقال."
هذه فقرة من تعهد وثقته كتابة، وأصبح ملزما لي منذ أن
نشرته مع نهاية العام 2018، ولذا فلم يكن غريبا أن أركز خلال الفترة الماضية ـ
طبقا لهذا التعهد ـ على كل ما يخدم تكريس وحماية مبدأ التناوب السلمي على السلطة،
ولم يكن غريبا كذلك أن أقف بحزم في وجه أي محاولة للتشويش على تثبيت أركان حكم
الرئيس غزواني، ولقد عرفت الأشهر الماضية حملات تشويش جاءت من جهات عديدة، بعضها
جاء من الرئيس السابق، وبعضها الآخر جاء من جهات أخرى محسوبة على المعارضة.
لم أكن لأكرر نفس الخطأ الذي ارتكبته مع معارضين كثر
خلال العام الأول من حكم الرئيس الأسبق سيدي ولد الشيخ عبد الله، وهناك فقرة من
خطاب استقالة الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله شعرتُ عندما قرأتها لأول مرة وكأنها
موجهة إلي، وتقول هذه الفقرة : " وإلى الذين استعجلوا في سنة حصاد خمس سنوات،
أقول اليوم: لا حرج عليكم، ولكن امنحوا من يختارهم الشعب مستقبلا لحكم موريتانيا
ما يمنحه الدستور والناخبون من فرص العمل، ولا تضيعوا على بلدكم المزيد من فرص
البناء والاستثمار."
انتهى الاستشهاد.
لم يكن من السليم أن لا يحدث تغييرا في مضامين ما أكتب من مقالات، خاصة وأنه قد وصلني شيءٌ من انفتاح الرئيس غزواني على معارضي سلفه، كما أنه قد وصلني شيءٌ من انفتاحه على المجتمع المدني الجاد، وفي هذا الإطار فقد شرفني بالاستقبال لعدة مرات منذ ترشحه، تارة بصفتي منسقا لمرصد تنظيم من أجل موريتانيا لمراقبة الانتخابات، وتارة بصفتي عضوا مؤسسا في حملة "معا للحد من حوادث السير"، والتي كان قد تبنى مطالبها عندما عُرضت عليه، وقد وعد بتنفيذ تلك المطالب، وبالفعل فقد بدأ العمل بتنفيذ بعضها.
لا
أريد أن اختم هذا المقال من قبل أن أقول للقراء الكرام بأن المصلحة العامة ستبقى
دائما هي المحدد الأول والأخير لمضامين ما أكتب، وبأن التغيير الذي حصل خلال
الأشهر الماضية كان استجابة للمصلحة العامة كما أراها، وبأني لن أتردد في توجيه النقد
وتقديم النصح كلما استدعت الضرورة لذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق