الأربعاء، 3 سبتمبر 2014

ملاحظات أخرى على هامش مؤتمر "أفلام"


لقد أثار مؤتمر "أفلام" جدلا كبيرا ونقاشا حادا، واختلف الناس حوله اختلافا كبيرا، وإسهاما في هذا النقاش فإني سأعود مرة أخرى للكتابة عن هذا المؤتمر، وذلك لأقدم جملة من الملاحظات حول المؤتمر، ولن أنسى أيضا أن أتحدث عن بعض الحضور، والذين أثار حضورهم نقاشا حادا كان في بعض الأحيان أكثر حدة من النقاش الذي أثاره المؤتمر :
1 ـ في اعتقادي بأنه على الموريتانيين جميعا أن يرحبوا بعودة المنخرطين في "أفلام" إلى أرض الوطن، وعليهم جميعا أن يشجعوهم على الانخراط في العمل السياسي وفق الدستور، وعليهم جميعا أن يرحبوا بهذا التطور والتغير الحاصل في خطاب "أفلام"، حتى وإن كان ما يزال تطورا خجولا.
2ـ علينا جميعا أن نشجع الحكومة على فتح حوار مع قادة هذه الحركة، وأن توفر لهم  المناخ الملائم للانخراط في العمل السياسي السلمي، كما أنه على الأحزاب السياسية أن تنفتح على هذه الحركة وأن تشجعها على الانخراط في العمل السياسي.

3 ـ ولكن في المقابل، فلم يكن من المناسب ولا من اللائق أن يتم تنظيم مؤتمر علني باسم "قوات التحرير الإفريقية الموريتانية" في العاصمة نواكشوط، فماضي هذه الحركة معروف، ولم يكن من المناسب أن ترفع لافتة باسم هذه الحركة، وأن يرفع علمها، وأن ينظم تحته مؤتمر يدعو صراحة للحكم الذاتي لمدن الضفة. كان الأنسب حسب وجهة نظري الخاصة أن يتم تنظيم هذا المؤتمر بشكل عادي دون الإعلان عنه، ودون دعوة الأحزاب ولا الصحافة إليه، وإذا ما اتفق المؤتمرون على تأسيس حزب سياسي وفق مقتضيات الدستور الموريتاني فحينها يتم الإعلان عن المؤتمر، وحينها يكون من المقبول دعوة الأحزاب الأخرى، وحينها لن يقبل أي عذر من أي حزب سياسي تخلف.
4 ـ إن هذه الأوراق النقدية التي نتعامل بها، والتي نحبها حبا عظيما، ليست إلا مجرد أوراق، وهناك أوراق كثيرة أحسن منها شكلا، ولكن هذه الأوراق اكتسبت قيمتها من القيمة التي نمنحها لها، والتي جعلت منها أوراقا ذات قيمة مالية ونقدية، وفي اليوم الذي ننزع منها تلك القيمة فإنها ستتحول إلى مجرد أوراق بلا أهمية وبلا قيمة. ونفس الشيء يمكن أن يقال عن العلم الوطني، فما هو إلا قطعة من قماش، قد لا تكون من أحسن القماش المتوفر، ولكن الناس أعطوها قيمة جعلتها تتميز عن كل قطع القماش الأخرى، نفس الشيء يمكن أن نقوله أيضا عن النشيد الوطني.
إن هيبة الدولة وسيادتها ما هي إلا كلمات لا تكتسب أهميتها إلا من الشحنة التي تعطى لها، وهذه الهيبة لابد أنها ستتأثر سلبا عندما ترفع جماعة من الموريتانيين علما لها غير العلم الموريتاني، وأن ترفعه في قلب العاصمة نواكشوط، وهي لابد أن تتأثر سلبا عندما تخرق جماعة ما المادة الأولى من الدستور الموريتاني فتطلق دعوات عنصرية، وتطالب بحكم ذاتي لمدن موريتانية، وهي لابد أن تتأثر سلبا عندما يظهر في القنوات التلفزيونية الحرة، وفي المواقع صورة لافتة كُتبت عليها سطور فرنسية بأحرف كبيرة وملونة، وجعلت فوق سطور عربية كتبت بأحرف صغيرة سوداء.هذه الأمور قد نعتبرها مسائل صغيرة وتافهة وهامشية، ولكن علينا أن نعلم بأن احترامنا لها هو الذي سيمنح للدولة هيبتها، وازدراؤنا لها هو ازدراء للدولة الموريتانية . وقبل أن اختم هذه الملاحظة لابد أن أقول بأنه بإمكاننا أن نغير كل هذه الأمور إذا لم تكن ترضينا: العلم ، اللغة الرسمية للبلاد، الحكم الذاتي، ولكن هذه الأمور لا يمكن تغييرها إلا بالوسائل والأساليب الدستورية، فعلى من يرغب في تغييرها بأن يقدم مشروعا سياسيا للموريتانيين، فإن قبلوا به، وأعطوه الأكثرية في أي انتخابات، فساعتها يكون من حقه أن يدعو إلى استفتاء على دستور جديد يشرع للحكم الذاتي، أو يشرع حتى للانفصال.
5 ـ لم يكن حضور أحزاب معارضة لهذا المؤتمر موفقا، وأنا هنا لا أنتقد حزبا دون حزب، لأن ذلك الانتقاد الذي يميز بين أحزاب المعارضة التي حضرت لا يخلو هو أيضا من شحنة عنصرية، ولم تكن الحجج التي تم تقديمها من طرف بعض الحاضرين بمقنعة لي.
فلم يكن من اللائق أن يحضر رئيس حزب سياسي لمؤتمر تنظمه حركة تدعو إلى حكم ذاتي، ولم يكن من المناسب أن يبقى جالسا دون أن ينسحب، وهو يرى بعض مواد الدستور الموريتاني يساء لها. وهنا قد يقول قائل، وما أكثر من يقول بذلك القول، بأن السلطة القائمة هي من سمحت بتنظيم المؤتمر، وهي من يسيء إلى الدستور الموريتاني بكل أنواع الإساءة الممكنة، بما في ذلك الانقلاب على رئيس منتخب. لهؤلاء أقول بأنه من المفترض بأن تكون المعارضة تقدم مشروعا مغايرا للسلطة الحاكمة، فإن أساءت السلطة الحاكمة للدستور، فعلى المعارضة أن تحترم ذلك الدستور، فبذلك وحده ستقنع الشعب الموريتاني بأنها معارضة تشكل بديلا للسلطة، وأنها تسعى فعلا لإقامة دولة الحق والعدل التي يحترم فيها القانون، والتي يجد فيها كل موريتاني حقه كاملا غير منقوص.
6 ـ لم تكن البيانات التي أصدرتها بعض الأحزاب السياسية للتنديد بعدم سماح السلطات بعقد مؤتمر "أفلام" بالبيانات المقنعة. الغريب في الأمر أن تلك البيانات احتجت بالمادة العاشرة من الدستور الموريتاني التي تضمن حق التعبير والتجمع، ولكنها في الوقت نفسه تجاهلت المادة الأولى من نفس الدستور، وهي المادة التي انتهكها المؤتمر الذي اتخذ طابعا عرقيا، والذي دعا إلى حكم ذاتي لمدن الضفة. لا يليق بحزب سياسي عريق أن ينتصر للمادة العاشرة من الدستور الموريتاني، وذلك في وقت يخذل فيه المادة الأولى من نفس الدستور.
7 ـ من حقنا أن نخاف على وحدتنا الوطنية التي باتت مهددة أكثر من أي وقت مضى، فهي مهددة لأن الرئيس كان قد أعلن في بداية مأموريته الثانية بأنه سيحميها، وسيمنحها الأولوية في مأموريته هذه، وكان ذلك نذير شؤم على الوحدة الوطنية، فأن يعلن الرئيس بأنه سيهتم بأمر ما، وسيمنحه الأولوية، فذلك يعني بأن ذلك الأمر سيزداد خرابا وانهيارا، ويكفي لتأكيد ذلك أن نتأمل حال رموز الفساد في أيامنا هذه، والمكانة الرفيعة التي يتمتعون بها، وذلك رغم أن الرئيس كان قد وعدهم في بداية مأموريته الأولى بأنه سيشيد لهم السجون وسيلقيهم فرادى وجماعات في تلك السجون.
ومما يقلق أيضا على الوحدة الوطنية هو طغيان الخطاب القبلي والجهوي والعرقي والشرائحي والفئوي على الخطاب الوطني الجامع، ويكفي أن تأخذوا لقطة سريعة من موريتانيا في هذا العهد لتعلموا بأن بلادكم في خطر، وبأن وحدتكم في خطر، وبأن الخطاب الوطني الجامع يختنق، وينخفض، ويخفت لصالح الخطاب الفئوي والشرائحي والعرقي والقبلي والجهوي. فأهل "الشرك" يقولون بأنهم مهمشون، وشبابهم وأطرهم في كل يوم يتذمرون، وأهل "الساحل" يقولون بأنهم من خيرات مدنهم محرومون، ولكنهم صامتون صابرون محتسبون، و"الولوف" غاضبون وما عادوا للظلم والتهميش يحتملون، و"السنونكي" يجتمعون وينذرون ويقولون بأنهم  بعد يومهم هذا ما عادوا للتهميش يقبلون، و"البولار" يقولون بأنهم ظلموا، وبأنهم في كل يوم للمعاناة يتجرعون، وللإقصاء يبتلعون، وفي بحر من الأحزان والآلام هم غارقون ، وأهل "الكبلة" قلقون وخائفون ومن حالهم ضجرون. أما "لحراطين" فهؤلاء قد جمعوا معاناة الجميع، وأحزان الجميع، ومصائب الجميع، وآلام الجميع، وهموم الجميع، جمعوا كل ذلك، أو يزيدون ، و"لمعلمين" فها هم قد أطلقوا حراكهم ليرفعوا عنهم معاناة امتدت لقرون.

فهل يا ترى تسكن معنا على هذه الأرض أمة من الجن، تنهب خيرات هذا البلد،وتهمش أهله كلهم أجمعين، وبكل شرائحهم وأعراقهم وفئاتهم وقبائلهم وجهاتهم؟
حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق