السبت، 13 سبتمبر 2014

لكم سَبتكم...ولنا جمعتنا!!

تجاهلت "حكومة السبت" هذا الظلام الدامس الذي يلف العاصمة نواكشوط من حين لآخر، وتجاهلت هذه البرك والمستنقعات التي تكاد أن تبتلع أحياء بكاملها من عاصمتنا المنكوبة، وتجاهلت جبال القمامة التي أصبحت تشكل معالم ثابتة من معالم العاصمة نواكشوط، وتجاهلت وباء "الايبولا" الذي ظهر في الدولة الأقرب جغرافيا لعاصمتنا.
تجاهلت "حكومة السبت" كل تلك التحديات والمشاكل التي يعاني منها سكان العاصمة، وتجاهلت غيرها من الصعوبات والمشاكل الأخطر التي تواجه سكان الولايات الداخلية، تجاهلت كل ذلك في ثاني اجتماع لها منذ تشكيلها، وقررت أن تتفرغ لموضوع آخر أكثر أهمية، ويبدو أنه يشكل لها أولوية قصوى، ويتمثل ذلك الموضوع "المهم" في إصدار مرسوم يحتفظ بيوم السبت كيوم عطلة، ويضيف له يوم الأحد، على أن ينتزع ذلك المرسوم من يوم الجمعة كل الامتيازات التي كانت ممنوحة له، وأن يعيد هذا اليوم إلى حظيرة أيام الأسبوع العادية التي يشتغل فيها الناس ويكدحون.
تتعالى أصوات الناس مرددة: إننا نغرق، فترد عليهم "حكومة السبت" قائلة: خذوا إجازة يومي السبت والأحد وعندها ستجف تلقائيا كل البرك والمستنقعات التي تحاصر مساكنكم!!
تتعالى أصوات الناس مرددة: إن القمامة لتطردنا من منازلنا، فترد عليهم "حكومة السبت" قائلة: عندما تأخذوا إجازة يومي السبت والأحد فستختفي القمامة من شوارعكم ومن أمام منازلكم!!
تتعالى أصوات الناس مرددة: إننا نعيش في ظلام دامس، فترد عليهم "حكومة السبت" قائلة: خذوا إجازة يومي السبت والأحد وسيلف النور كل مدنكم وكل قراكم وكل بواديكم!!
تتعالى أصوات الناس مرددة : إننا نخاف من "الايبولا" التي اقتربت كثيرا منا، فترد عليهم "حكومة السبت" قائلة :خذوا إجازة يومي السبت والأحد فذلك هو أفضل وقاية لكم من كل الأمراض ومن كل الأوبئة!!
تتعالى أصوات الناس مرددة: إن موسم الخريف لهذا العام لا يبشر بخير، وإننا نخاف من صيف قادم، فترد عليهم "حكومة السبت" قائلة: لا تخافوا ولا تحزنوا، فأرضكم ستنبت عشبا، وحقولكم ستفيض موزا، وخيامكم وأكواخكم ستشع نورا، إن أنتم أخذتم إجازة في يومي السبت والأحد!!
تتعالى أصوات الناس مرددة: إننا ـ وبالمختصر المفيد ـ  نعيش حياة لا تطاق، إننا نعيش معيشة ضنكا، فترد عليهم "حكومة السبت" قائلة: ومن أراد منكم أن يعيش في نعيم دنيوي مقيم فما عليه إلا أن يأخذ إجازته في يومي السبت والأحد، وأن يعمل يوم الجمعة لساعات أربع، ومن تعود منكم أن يزور القبور في يوم الجمعة هذا، فليزرها في صبيحة السبت أو الأحد من كل أسبوع!!
فهل هذه حكومة تستحق الاحترام؟
وهل يجوز لنا السكوت عن مثل هذا الاستفزاز؟
كنتُ أعلم بأن هذه السلطة التي تحكمنا اليوم هي سلطة جريئة في اتخاذ كل القرارات التي يمكن أن تستفز الشعب الموريتاني، ولقد كتبتُ منذ أيام مقالا عن ذلك، ولكني لم أكن أتوقع أن تبلغ بها الجرأة هذا الحد الذي يجعلها تصدر في مثل هذا الوقت بالذات  مرسوما مستفزا كمرسومها هذا الذي يقضي بتبديل أيام العطلة الأسبوعية.
ولقد بدا واضحا بأن "حكومة السبت" لم يكن لديها ما تبرر به هذا المرسوم المستفز الذي قضي بتحويل العطلة الأسبوعية من يوم الجمعة إلى يوم الأحد، فهذا وزير التوجيه الإسلامي لم يجد ما يبرر به هذا المرسوم سوى أن يقدم لنا نحن العوام من الناس معلومة لم تكن بغائبة عنا، وهي أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يزاولون أعمالهم في يوم الجمعة، ولم تكن لهم إجازة أسبوعية في يوم الجمعة. وهل كان الصحابة ـ  يا سيادة الوزير ـ يأخذون إجازتهم الأسبوعية في يوم السبت أو يوم الأحد؟ وهل كانوا أصلا يلتزمون بدوام رسمي محدد حتى يأخذوا من بعده إجازة أسبوعية؟
ما يؤسف له هو أن كثيرا من فقهائنا الذين برروا للرئيس معاوية تحويل العطلة الأسبوعية من الجمعة إلى الأحد لم يعترضوا على الرئيس سيدي عندما أعاد تلك العطلة ليوم الجمعة، إنهم بذلك لم يدوروا مع الحق حيثما دار، وإنما داروا مع السلطة الحاكمة حيثما دارت.
دعونا نتخيل افتراضا  بأن مزاج الرئيس الحاكم كان ضد تحويل العطلة إلى يوم الأحد، ودعونا نتخيل أيضا بأن "حركة علمانية" كحركة "إيرا" مثلا طالبت بتغيير العطلة وجعلها يوم الأحد، ودعونا في الأخير نتخيل بأن الرئيس قد أوعز إلى بعض الفقهاء بأن ينظموا مسيرة حاشدة ضد المطالبة بتحويل العطلة إلى يوم الجمعة، وأنه استقبل تلك المسيرة بعمامته الزرقاء، وبنظاراته السوداء، وبأنه خرج في إلى الجماهير الغفيرة قائلا : لا تبديل لعطلة الأسبوع، وموريتانيا ليست بدولة علمانية.
لو أن الرئيس فعل مثل ذلك لسمعتم بعض الفقهاء الذين يبررون الآن تحويل العطلة إلى يوم الأحد ينكرون المطالبة بتحويلها إلى يوم الأحد!!
ولمن سيقول منكم بأن هذا الكلام هو مجرد كلام تخيلي، فإني سأذكره هنا بمحرقة الكتب، ألم ينكر الكثير من الفقهاء تلك المحرقة؟ ألم يطالب أولئك الفقهاء بإنزال أقصى العقوبات برئيس حركة إيرا؟ فلماذا سكتوا ولم ينطقوا بكلمة واحدة عندما أطلق الرئيس سراحه، وعندما زكاه، وعندما سمح له بالترشح لأعلى منصب في البلاد؟
فكم نحن اليوم بحاجة إلى عالم جليل كبداه ولد البوصيري رحمه الله، عالم لا يحسب على السلطة ولا على معارضيها، يقف مع السلطة الحاكمة عندما تكون على حق، ويقف ضدها، وبنفس الجرأة والشجاعة عندما تكون على باطل.
لم تتوقف التبريرات الشرعية لهذا المرسوم المستفز عند وزير التوجيه الإسلامي، بل إن الناطق الرسمي باسم الحكومة جاء بحجج غريبة لتبرير هذا القرار، فقد قال الناطق باسم الحكومة بأن هذا المرسوم سيحد من المعاصي في مثل هذا اليوم العظيم. أَوَ لا يعلم الناطق الرسمي باسم الحكومة بأن هناك طائفة من العمال كانت تسارع إلى فعل الخيرات في هذا اليوم بدلا من المعاصي، وبأن هذه الطائفة ستجد بأن تحويل هذا اليوم إلى يوم عمل سيحد من فعلها لتلك الطاعات، فهي لن يكون بإمكانها أن تقوم ليلة الجمعة كما كانت تفعل سابقا، وذلك بسبب أنها ستضطر إلى الذهاب المبكر للعمل في صبيحة الجمعة, أوَ لا يعلم الناطق الرسمي باسم الحكومة بأن هذه الطائفة التي كانت تغتسل وتتطيب وتبكر في كل أسبوع إلى صلاة الجمعة ستجد صعوبة في ذلك عندما ينتهي دوامها ليوم الجمعة في منتصف النهار، وعندما يضيع عليها وقت ثمين في زحمة المرور وهي عائدة من مكان العمل إلى مكان السكن، ويضيع عليها وقت آخر في التخلص من ثياب العمل ولبس الثياب العادية من قبل الذهاب إلى صلاة الجمعة في المسجد المجاور لسكنها، أَوَ لا يعلم الناطق الرسمي باسم الحكومة بأن هذه الطائفة من الموظفين ستجد نفسها بين أمرين صعبين : فإما أن تخون الأمانة وتترك العمل من قبل نهاية الدوام، أو تضيع فضل التبكير إلى صلاة الجمعة؟ وفي الأخير أوَ لا يعلم الوزير بأن الكثير من العمال يرتكب في العادة الكثير من الذنوب خلال العمل (الكذب ـ الرشوة ـ الوساطة ـ استغلال المال العام ـ التلاعب بحقوق المواطنين...)، وأن جعل يوم الجمعة من أيام العمل سيعين أولئك على ارتكاب ذنوب مرتبطة بالعمل في هذا اليوم الذي تعظم فيه السيئات كما تعظم فيه الحسنات؟
وفيما يخص الحجج الواهية التي قدمها وزير الوظيفة العمومية فهي أيضا لا تختلف عن بقية الحجج الأخرى، فهو لم يحدد لنا مبلغ الخسائر التي كنا نخسرها بسبب عدم العمل في يوم الجمعة، ولم يبين لنا كذلك حجم ولا طبيعة أعمالنا التي ترتبط بالدول التي تعمل في يوم الجمعة. وقد يكون من المهم هنا أن نذكر الوزير بأن هناك دولا إسلامية أكثر ارتباطا بالاقتصاد العالمي عطلتها يوم الجمعة، وبأن فوارق التوقيت تبقى مهمة في هذه المسألة، فنحن وإن اشتغلنا في يوم الجمعة فإننا سنترك العمل من قبل أن يستيقظ الكثير من الأمريكيين مثلا، ثم إن الكلفة التي ستخسرها الدولة والعمال من العمل يوم الجمعة لساعتين أو ثلاثة (ساعة ستضيع في زحمة السير من وإلى مكان العمل) لن تعوضها إنتاجية ولا مردودية العمال خلال تلك الساعات القليلة.
وفي الأخير فإذا كان هذا المرسوم  المتعلق بتغيير يوم العطلة قد تم اتخاذه استعدادا لإطلاق سوق للأوراق المالية، فإنه في هذه الحالة كان بإمكان الحكومة أن تسمح للبنوك بالعمل في يوم الجمعة إذا كان ذلك ضروريا لإطلاق سوق الأوراق المالية دون تغيير في أيام العطل، خاصة وأننا نعلم بأن بنوكنا تحتفل بيوم الميلاد (25 ديسمبر) أو ما كان يعرف قديما بعيد الشمس، وبأنها تغلق أبوابها في مثل هذا اليوم من كل سنة.
وبالمختصر المفيد فإن تغيير يوم العطلة كان قرارا طائشا مستفزا، وعلى هذا الشعب أن يرفضه، وعليه أن يقول للحكومة وبكلمة واحدة: لكم سبتكم..ولنا جمعتنا.

حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق