الخميس، 3 يناير 2013

لقاءان مع رئيسين..



هل حقا أن الرئيس عزيز سيحضر حفل اختتام مؤتمر جماعة الدعوة والتبليغ؟ وهل حقا أنه سيأتي لمسجد التوبة دون موكب رئاسي وبثوب تقليدي؟ 
إن صح ما يروج له الآن فذلك يعني أن الرئيس بهذه الخطوة وبخطوات قد سبقتها سيعزز من مكانته لدى جماعة الدعوة والتبليغ، وبالقطع فإن ذلك سينفعه دينيا إن خَلصت النية، وسينفعه كذلك سياسيا حتى ولو كنا نعلم بأن جماعة الدعوة والتبليغ لا صلة لها إطلاقا بالسياسية.

عموما لقد قصرت المعارضة كثيرا في حق هذه الجماعة (خاصة خلال المجزرة البشعة التي تعرض لها بعض الدعاة في مالي)، وذلك في الوقت الذي يبدو فيه أن الرئيس قد قرر أن يقترب شيئا فشيئا من هذه الجماعة الطيبة، وإذا ظلت الأمور تسير في هذا الاتجاه فربما تسمعوا قريبا عن خروج الرئيس لثلاثة أيام.
لقائي مع الرئيس عزيز
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فقد تذكرت بأني فوجئت في الشهر الثاني من العام الماضي بالرئيس عزيز يأتي في يوم مُغبر جدا، شديد البرد، لتأدية صلاة العصر في جامع وادان، وكان ذلك خلال افتتاحه للنسخة الثانية من مهرجان المدن القديمة.
ولقد حضر الرئيس إلى المسجد من قبل وقت صلاة العصر بما يزيد على عشرين دقيقة، ولقد ضبطت وقت حضور الرئيس إلى المسجد، وذلك لأني كنت أراقب تصرف الإمام، وكنت أتساءل في نفسي: فهل سيُعَجل إمام المسجد الصلاة بسبب حضور الرئيس، أم أنه سينتظر حتى الرابعة والنصف أي الوقت المحدد أصلا لصلاة العصر؟
والحقيقة أن الإمام لم يشر إلى المؤذن بإقامة الصلاة، إلا في الوقت المحدد أصلا للصلاة، وكانت تلك هي المرة الوحيدة التي أجدني فيها قريبا جدا من الرئيس عزيز.
وكانت أيضا تلك هي المرة الوحيدة التي أجدني فيها بجوار مدير الديوان، والذي بادر بتوجيه سؤال للعبد لله يسأل فيه عن متى أسس جامع وادان ومن الذي أسسه؟ ولا أدري لماذا وجه مدير الديوان إليَّ ذلك السؤال، فهل لأني كنت هو الوحيد بجواره؟ أم لأنه ربما يكون قد قرأ مقالا مطولا كنت قد كتبته بمناسبة المهرجان وتحدثت فيه عن حكايات من وادان، وهذا رابط المقال المذكور:
http://www.alakhbar.info/22178-0--C-0--.html
المهم أني أجبت مدير الديوان، وحدثته عن تاريخ تأسيس المسجد، لأني كنت أعرف الشيء الكثير من التفاصيل التي تُروى عن تأسيس ذلك المسجد.
ولقد فكرت في أن أستغل تلك الفرصة، وأن أحدث الرئيس عن بعض هموم المواطنين كما فعلت سابقا مع الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله عندما قابلته مرة في روصو، ولكني عدلت في النهاية عن ذلك، ولم أحدث الرئيس لأن ذلك قد يفتح المجال للآخرين فيحدثونه عن قضاياهم وهمومهم الخاصة مما قد يؤثر سلبا على جو السكينة داخل المسجد.
لقائي مع الرئيس سيدي/ ولقد كتبت عنه مقال تحت عنوان: " هكذا حدثني الرئيس"

لقد خطرت ببالي فكرة عابرة بشكل عابر في وقت عابر من ليلة عابرة، تماما كتلك الأفكار الكثيرة التي تومض فجأة ثم تنطفئ فجأة دون أن يكون لها أثر في حياتنا. يقول الخبراء ـ والخبراء هنا هم خبراء التنمية البشرية ـ إن تدوين الأفكار مسألة هامة كادخار النقود في حساب بنكي. فالأفكار الهامة تظهر فجأة في أوقات غريبة جدا. وإن لم يتم تدوينها فإنها تضيع إلي الأبد.
بالنسبة لي لم أدخر ـ عفوا لم أدون ـ تلك الفكرة، بل أخذت مباشرة في تنفيذها لذلك أجريت بعض الاتصالات العاجلة. قررت بعدها أن أسافر في فجر اليوم التالي إلي مدينة " روصو " لمقابلة رئيس الجمهورية وذلك بعد أن وعدني أحد المهندسين الزراعيين بأن أحد زملائه سيمر بي فجرا لأصحبه في سيارته.
قبل ذلك بأشهر كنت قد طالعت في بريدي الالكتروني رسالة مختصرة جدا كتبها أحد القراء ردا علي فكرة كنت قد نشرتها في بعض المواقع الوطنية. الرسالة تميزت عن غيرها من الرسائل بكلمة " عصف ذهني " التي وردت فيها، وهي كلمة ـ لندرة استعمالها في البلد ـ فاجأتني كثيرا، وأثارت فضولي كثيرا. الشيء الذي جعلني أرد مباشرة على صاحب تلك الرسالة متمنيا لقاءه في أقرب وقت.
كنت أعتقد أن كاتب الرسالة يعيش معي في نفس المدينة ولكني اكتشفت بعد ذلك من خلال رده أنه يعيش على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي. وهذه واحدة من سلبيات تطور تكنولوجيا الاتصال، فأنت تقرأ الرسالة دون أن تعرف إن كان كاتبها قد أرسلها من الجهاز المجاور لك في المقهى أو من جهاز آخر يبعد آلاف الكيلومترات. المهم أننا في المقابل استفدنا من واحدة من ايجابيات تكنولوجيا الاتصال، حيث قررنا أن نناقش، وخلال أيام متوالية، بعض الأفكار التنموية عن طريق " أسكايب ". كانت أفكارنا شبه متطابقة كما يقال عادة بعد المؤتمرات الصحفية المشتركة.
ناقشنا أفكارا عديدة وحاولنا أن نبحث عن سبل لتنفيذها. وكان من بين تلك الأفكار فكرة عرضها محاوري (وهو بالمناسبة الأمين العام السابق للمرصد الموريتاني لحقوق الإنسان، والمنسق الحالي لمبادرة من أجل موريتانيا في الولايات المتحدة الأمريكية). تهدف هذه الفكرة إلي إدخال الطاقة الشمسية في المطبخ الموريتاني. وهذه الفكرة بالذات هي التي جعلتني أفكر ـ في تلك الليلة ـ في مقابلة رئيس الجمهورية.
ونحن في المركز لنا قصة قديمة مع الأفران. فالمركز يقدم دورات لتدريب بعض أرباب الأسر الفقيرة على صناعة الحلويات في إطار برنامجه الخاص بالتثقيف الحرفي. وذلك من خلال استخدام فرن يعمل بالغاز، مصنع محليا ، ومتوفر بأسعار زهيدة، وقادر على إنتاج كميات تجارية من الحلويات بجودة عالية.
لذلك فقد كان من المغري جدا بالنسبة لنا أن نضيف إلى ذلك الفرن فرنا آخر يعمل بالطاقة الشمسية. وهو الفرن الذي كان صديقي قد عرضه سابقا على بعض الجهات العليا، ومن بينها المفوض المكلف بدمج اللاجئين الموريتانيين الذي أبرم اتفاقا مع منظمة أمريكية أرسلت لنا بموجبه خبيرين، يعملان في شركة هندية متخصصة في المجال. طلب منا الخبيران إعارة المطبخ لمدة أيام لتجريبه ميدانيا في طبخ أطعمة بعض العائدين في مقاطعة " بوكي "، وذلك لمعرفة مدى صلاحيته للمطبخ الموريتاني.
في صبيحة ذلك اليوم الحدث، وفي وقت مبكر جدا، أخذت مكاني في سيارة من نوع ( vx ) في المقاعد الوسطى خلف مالك السيارة وسائقها. لم يكن مالك السيارة يرغب في أن يتحدث معي. ولم أكن أنا أيضا شديد التحمس للتحدث معه، فقد كنت بحاجة إلي وقت أخلو فيه مع نفسي لأني مقبل على لقاء غير عادي. فقد كانت تلك هي المرة الأولى التي سأشاهد فيها رئيسا لم يزل يمارس مهامه خارج شاشة التلفزيون. فلم يحدث قبل ذلك أن كنت من بين "الجماهير الغفيرة" التي تستقبل الرؤساء والتي تحظى بمشاهدتهم عن قرب.
أخذت السيارة تبتلع الطريق بسرعة مخيفة لكي تصل إلى " روصو " في وقت مبكر، وكنت أنا أبتلع الزمن عائدا إلى الوراء حتى أصل إلى المدينة قبل أن تصل إليها السيارة.
صُدِمْتُ من جديد وأنا أدخل هذه المدينة بعد غياب دام عدة سنوات، بقصص جديدة عن الفساد. فقد تأكدت من مصادر شديدة الإطلاع بأن الكثير من المواد الزراعية المعروضة في حفل استقبال الرئيس ليست منتجات محلية وإنما هي منتجات مستوردة تم عرضها على أنها منتجات محلية، كما علمت أيضا بأن السياج المستخدم في بعض أماكن العرض قد تمت سرقته من مخازن المندوبية الجهوية ثم تم بيعه بعد ذلك لبعض العارضين.
المهم أني وضعت فرن الطاقة الشمسية الذي قررت أن أعرضه مع المنتجات الزراعية في مكان استراتيجي جدا حسب الاستشارة التي قدمها صديقي المهندس بعد دراسة مستفيضة لكل نقاط العرض المتاحة.
ورغم ذلك فقد مر الرئيس بقربنا دون أن يشاهد الفرن مما يعني أن المكان الذي اخترناه لم يكن بالمواصفات التي ذكرها صديقي المهندس.
تركت المكان واتجهت إلى الرئيس الذي ابتعد عن الفرن بعدة أمتار وقلت له بصوت عال بأني أريد أن أعرض عليه فكرة هامة. طلب مني الرئيس أن أعرض الفكرة على الوزير المعني وقد فاته بأني عرضت تلك الفكرة قبل ذلك اليوم على حفنة من الوزراء دون أن يهتم بها أي واحد منهم.
تظاهرت بعدم سماع رد الرئيس وواصلت طريقي بين الجموع لكي أصل إليه. تدخل بعض الحراس وتعاملوا معي بشكل خشن وفظ مما تسبب في بعض الأضرار الجسدية والمعنوية التي لم أقدم حتى الآن فاتورتها إلى الرئاسة. وعموما فليست تلك هي الفاتورة الوحيدة الضائعة التي أطالب بها خزينة الدولة.
يقول الخبراء بأن الأفكار الإبداعية أثمن من أن تمر بالقنوات التقليدية وفي موريتانيا فإن الأفكار الإبداعية أبخس من أن يُسْمَحَ لها بأن تعرض كما تعرض بعض الطماطم المستوردة والمكتوب عليها أنها منتجات محلية !
لم أكن على استعداد لإعلان الفشل مبكرا لأني كنت قد عاهدت صاحب الفكرة بأني سأفعل كل ما يمكنني فعله من أجل أن يتم اعتماد الطاقة الشمسية ولو بشكل محدود جدا في المطبخ الموريتاني، لذلك فقد فكرت في خطة بديلة لعرض الفرن على الرئيس.
واستخدمت لذلك أكثر أنماط التفكير الإبداعي تطرفا وهو التفكير بالمقلوب: فبدلا من أن أسعى لمقابلة الرئيس فلماذا لا أجعل الرئيس يسعى هو بنفسه لمقابلتي !!!؟؟؟ لقد كان هناك شريط طويل من السجاد الأحمر يمتد بين مجموعة الخيام المخصصة للعرض ومجموعة أخرى من الخيام تم ضربها لكي يلقى فيها الرئيس خطابه.
اتجهت إلى شريط السجاد الأحمر واخترت منه نقطة معينة ووضعت بجنبها الفرن ثم ابتعدت قليلا وأخذت أنتظر.
لقد تخوفت من أن يثير الشكل الغريب للفرن فضول بعض رجال أمن الرئيس مما قد يتسبب في إزاحته قبل مرور الرئيس وهو الشيء الذي لم يحصل.
توقف الرئيس أمام الفرن وطرح على مرافقيه سؤالا من كلمتين: ما هذا ؟
تبادل أفراد الوفد المرافق نظرات سريعة وكان كل واحد منهم يريد من الآخر أن ينقذ الموقف بتقديم إجابة للرئيس.
انتظرت ـ من أجل الإثارة ومن أجل الانتقام من الوفد المرافق ـ حتى أعاد الرئيس سؤاله للمرة الثانية لكي أتدخل و أجيب على السؤال.
تقدمت إلى الرئيس وصافحته ثم أخبرته بأني هو صاحب الفرن ثم قلت له : سيدي الرئيس إننا لسنا بخير وأقصى ما يمكننا فعله هو أن نقول لكم ذلك.
لم تعجب تلك الجملة التي افتتحت بها حديثي الفريق المرافق للرئيس، ورغم ذلك فقد واصلت حديثي وأخبرت الرئيس بأني أكتب له بانتظام رسائل مفتوحة أتمنى أن يقرأها.
ومن الطرائف التي لا تضحك أن "المشعوذين" في بيت الشعوذة الأكبر(التلفزيون ) قد قاموا بحذف حديثي مع الرئيس من التغطية الواسعة التي قدموها عن الزيارة وقد فاتهم أنهم بعد ذلك بتسعين يوما سيفتحون كل أبواب بيوت الشعوذة الرسمية لكل من يريد أن يقول كلاما أقسى وأفظع مما قلت.
بعد ذلك بدأت أحدث الرئيس عن الفرن وعن طريقة تشغيله وعن بساطة التكنولوجيا المستخدمة في تصنيعه وعن جدوائيته الاقتصادية فتكلفة تصنيعه زهيدة وهو يمكن أن يساعد الأسر الفقيرة في الحد من استهلاك الغاز الذي وصلت أسعاره إلى مستويات عالية جدا. كما أنه قد يساعد في التخفيف من الطلب على الفحم الذي يشكل استهلاكه خطرا كبيرا على البيئة.
ثم ختمت حديثي بأن طلبت من الرئيس أن تتحمل الدولة تكلفة تصنيع الآلاف من هذه الأفران وأن تقوم بتوزيعها على الأسر الأكثر فقرا.
علق الرئيس ببعض الكلمات المشجعة ورغم ذلك فقد اكتفى بأن طلب من وزير التنمية الريفية المرافق له بمتابعة الموضوع.
لم يفعل الوزير شيئا بعد عودته سوى أنه أغلق باب مكتبه في وجهي و ظل يغلقه إلى أن تم إغلاق المكتب في وجه الوزير نفسه ذات صبيحة أربعاء من شهر أغسطس من العام 2008.
تصبحون على وطن يهتم بالأفكار الإبداعية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق