الاثنين، 4 يونيو 2012

"الغابة السائبة"/ قصة قصيرة للأطفال


يحكى يا أطفال بأنه في حديث الأزمان، وفي قريب العصر والأوان، كانت هناك غابة شاسعة المساحة، وكانت تلك الغابة  مليئة بالخيرات والثروات، كما كانت تطل على بحر عظيم فيه من أنواع السمك والحوت ما لا يعلمه إلا الله.
وكانت قلة من الحيوانات هي التي تعيش في الغابة السائبة، وكانت تلك الحيوانات تتميز عن غيرها من  حيوانات الغابات الأخرى بالضعف والهزال، وهو ما كان يثير الاستغراب،  فالغابة السائبة فيها من الخيرات ومن الأشجار المثمرة ما لا يوجد له مثيل في الغابات الأخرى، ورغم ذلك فقد اشتهرت بهزال الحيوانات التي تعيش فيها، هذا إذا ما استثنينا قلة قليلة جدا من الأرانب والقطط السمينة والتي ظلت تنفرد بخيرات الغابة وبثمارها وتبذرها تبذيرا لم تشهد الغابات المجاورة مثيلا له.

كان أمر الغابة السائبة محيرا لأولي الألباب، فحيواناتها ـ عكس حيوانات الغابات الأخرى ـ  كان يكفيها القليل من الطعام، ومع ذلك فإنها لم تشبع يوما، لذلك فقد ظلت تزداد ضعفا وهزالا عهدا بعد عهد، رغم كثرة  الشجر المثمر في الغابة، ورغم ما كان يعلن من حين لآخر، عن اكتشاف شجرة مثمرة جديدة، في منطقة ما من الغابة الشاسعة المساحة.
وكانت تلك الاكتشافات تخلق فرحة عابرة عند الحيوانات في الغابة، لكنها سرعان ما تتبعها خيبة كبيرة، عندما يزداد جوع  حيوانات الغابة بعد تلك الاكتشافات، مثل ما حدث بعد اكتشاف شجرة في الغابة كانت تقطر نفطا، أو مثل ما حدث بعد اكتشاف شجرة أخرى كانت تثمر ذهبا.
وكانت الأسود هي أكثر من يعيش في الغابة السائبة، ولكن الغريب حقا، أن تلك الغابة المليئة بالأسود لم تحكمها إلا الأرانب والقطط السمينة.
كانت الغابة السائبة تؤكد صدق مقولة "نابليون بونبارت" الشهيرة، والتي تقول بأن جيشا من الأرانب يقوده أسد، خير من جيش من الأسود يقوده أرنب. لقد كانت الغابة السائبة تقدم أقوى دليل على مستوى الخراب الذي يمكن أن يحصل في أي غابة عندما تقبل أسودها بقيادة أرنب حتى ولو كانت تلك الغابة مليئة بالشجر المثمر، ولا يعيش فيها إلا القليل من الحيوانات المعروفة بالزهد وبتواضع الأحلام كما هو الحال بالنسبة للغابة السائبة.
وكانت حيوانات الغابة السائبة لا تتعظ ولا تمل من الخروج عن بكرة أبيها في مسيرات التأييد والمساندة كلما جاء هدهد بخبر أو ببيان عن سقوط أرنب بائد وتسلق أرنب جديد على شجرة القيادة في الغابة السائبة، والمعروفة بالشجرة الرمادية. وكان أول شيء يفعله الأرنب المتسلق لتوه على الشجرة الرمادية هو أن يبدأ يعد ويمني بجنان سيفجرها قريبا في الغابة، حتى تنعم الحيوانات ـ كل الحيوانات ـ بعيش رغيد.
ولكن سرعان ما كانت أوضاع الحيوانات في الغابة تزداد سوءا بعد سوء، مع كل عملية تسلق جديدة، الشيء الذي يجعل جماهير الحيوانات المؤيدة للأرنب المتسلق، تندم على تأييدها للأرنب الجديد، مع تمني عودة الأرنب المخلوع.
وكان كلما وصل أرنب جديد إلى الشجرة الرمادية استأسد بسرعة غريبة، وكانت أسود الغابة هي من يشجع الأرانب على أن تستأسد عليها، لأن تلك الأسود ظلت تتأرنب و تتأرنب حتى صارت أكثر هوانا وذلا من الأرانب الحقيقية.
وظل ذلك هو الحال، حتى حدثت أمور جسام اهتزت لها كل الغابات التي كانت تحكمها أرانب مستأسدة.
جاءت البداية من"الغابة الخضراء" حيث قرر شبل عاطل عن العمل، كان يبيع الخضار في الغابة الخضراء أن يحرق نفسه في وضح النهار، ليلفت بذلك الانتباه إلى مستوى الظلم الكبير، الذي ظل يتعرض له من طرف أعوان وجند الأرنب الحاكم هناك، والذي حكم "الغابة الخضراء" بقسوة لفترة تزيد على عقدين من الزمن.
ثارت حيوانات الغابة الخضراء، ورفعت شعارات مطالبة بإسقاط الأرنب الحاكم، أدت في النهاية إلى هروبه واضطراره لأن يمتطي نسرا  طار به عاليا في السماء، وظل يحلق به بلا وجهة، وذلك بعد أن أغلقت كل الغابات المتحضرة أبوابها في وجهه، مما جعله في النهاية يلجأ إلى أرض مقدسة، ظل يبغضها طول حياته، من قبل أن يضطر للجوء إليها مذموما مخذولا،  في يوم مثير، هرمت حيوانات الغابة الخضراء في انتظاره.
ثم ثارت من بعد ذلك  الحيوانات في "غابة أم الدنيا" ثورة عظيمة، لم تشهد أي غابة مثيلا لها، مما جعل الأرنب الحاكم هناك يضطر لأن يستقيل بعد ثلاثة عقود من البطش والجبروت، لتبدأ بعد ذلك محاكمته، حيث كان يؤتى به إلى شجرة القضاء على سرير ، ثم يوضع وراء قفص في مشهد كان كله عبر. ولقد أصدر ضده كبير قضاة الغابة حكما بالسجن المؤبد، في الوقت الذي برأ شركاءه في الجريمة مما جعل جماهير الحيوانات تزحف من جديد  إلى الميدان رافضة هذا الحكم الذي أثبت أن أم الغابات لا تزال تحكم بقانون الغاب.
ثم ثارت من بعد ذلك "الغابة العظمى"، والتي حُرمت  ـ و لأكثر من أربعة عقود ـ من قانون ودستور الغاب، والذي كانت تعمل به الغابات الأخرى، مما جعل مصيبتها أكبر.
وفي هذه الثورة حدث هرج ومرج، وسالت دماء كثيرة، وقتل الحاكم مما يوجب السكوت عنه.
وحدثت ثورة في "الغابة السعيدة"، وظل الأرنب الحاكم هناك يصرخ : يا أشبال لقد فاتتكم السلحفاة ...لقد فاتتكم السلحفاة..لقد فاتتكم السلحفاة ( السلحفاة هي مخلوق غريب عجيب من مخلوقات الغابة، يسير ببطء، وتعد سلحفاة الغابة السائبة التي تنهب حديدها هي أطول سلحفاة في كل الغابات). وظل الأرنب الحاكم في الغابة السعيدة يكرر تلك العبارة حتى تعرض لمحاولة اغتيال كادت أن تقضي عليه، وذلك من قبل أن تختلط  الأمور هناك، لدرجة لم يعد فيها الدب الحكيم قادرا على تفسير ما يجري في الغابة السعيدة من أحداث.
وحدثت ثورة أخرى في "غابة الشام"، والتي يحكمها أرنب استأسد أكثر من غيره، حتى نسي أصله الأرنبي، فسمى نفسه أسدا.
ولقد بطش هذا الأرنب المستأسد كثيرا، فقتل وشرد وخرب حتى صغار الحيوانات لم تسلم من بطشه، كما حدث في مجزرة الحولة التي اهتز لها الضمير الحيواني العالمي.
أما في الغابة السائبة فلم تحدث ثورة رغم أن حيواناتها كانت أكثر جوعا وبؤسا وشقاءً من كل حيوانات تلك الغابات التي شهدت ثورات على أرانبها المستأسدة.
ولقد حاولت مجموعة من الأشبال أطلقت على نفسها  تسمية : أشبال 25 فبراير أن تقود ثورة في الغابة السائبة، ولكنها فشلت في مواصلتها، وذلك بعد أن تآمرت عليها القطعان الموالية والقطعان المعارضة على حد سواء، فعملت القطعان الموالية على إحداث انشقاقات في صفوف هذه المجموعة، بينما تغيبت القطعان المعارضة عن مؤازرة الأشبال في ثورتهم كما فعلت القطعان المعارضة مع بقية أشبال  الغابات الأخرى التي شهدت ثورة.
وبعد عام وزيادة أعلنت القطعان المعارضة عن ثورتها، وطلبت من الأشبال أن تؤازرها فجاءت ثورة الغابة السائبة مختلفة تماما عن غيرها من ثورات الغابات الأخرى، حيث كانت القيادة في ثورات الغابات الأخرى بيد الأشبال، بينما اكتفت القطعان المعارضة بالصف الثاني، عكس الذي حدث هنا في الغابة السائبة .
هذه الحالة الفريدة هي التي جعلت بعض الأشبال في الغابة السائبة يتخلف عن الثورة مخافة أن تكون العملية مجرد محاولة لإبدال أرنب من قطيع بأرنب من قطيع آخر.
ومهما يكن من أمر فإن كل الدلائل تشير إلى قرب تسلق أرنب جديد، فتاريخ الغابة السائبة يقول بأنه كلما كثرت المبادرات المؤيدة للأرنب الحاكم، على حساب الغابة نفسها، فإن ذلك يعني بأن الهدهد أصبح على وشك أن يأتي بخبر أو ببيان جديد.
واليوم لم يعد القطيع الموالي يتحدث عن الغابة، أو يهتم بها، وإنما اكتفى بتأسيس مبادرات من قبيل " كلنا أرنب"، "ابق يا أرنب" ، "خيارنا أرنب"...وهو ما يعني بأن الهدهد سينطق قريبا.
اعتذار: أعتذر للقراء عن هذا الأسلوب من الكتابة والذي أجبرتني عليه أوضاع وطني المزرية، كما أعتذر كذلك لكل مخلوق بشري وجد تشابها ما  بينه وبين أحد الحيوانات أو القطعان المذكورة في هذه القصة القصيرة المخصصة أصلا للأطفال.
تصبحون وأنتم أشبال ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق