الأحد، 29 مايو 2011

ولكل معتصم ما نوى




سيحاول هذا المقال أن يتحدث عن فرص نجاح الحراك الشبابي من منطلق رياضي بحت، واعتمادا على القانون الرياضي الشهير، الذي يعتبر من أهم ما توصل إليه أهل الاختصاص في هذا المجال:
C = A x B x D > X
إن هذا القانون ـ الذي كنت قد استخدمته سابقا لدراسة فرص نجاح "التغيير البناء" ـ هو الذي يحدد فرص نجاح أي تغيير سواء كان ذلك التغيير فرديا، أو كان داخل مؤسسة أو منظمة أو دولة. والشيء الذي يتغير في الأساس هو حرف (d) الذي يرمز لمستوى الانجاز في الفترة الأولى للتغيير. فهذا المستوى يجب أن تكون مدته قصيرة جدا بالنسبة للأفراد، ومتوسطة بالنسبة للمنظمات والمؤسسات، وطويلة نسبيا بالنسبة للدول.
ويقول القانون بأن فرص نجاح التغييرـ أي تغييرـ التي يرمز لها بــ (c) تساوي حاصل ضرب درجة الاستياء من الظاهرة (a) في معامل وضوح الرؤية (b) في معامل مستوى الانجاز في الأشهر الأولى(d). ويقول القانون بأن هذا الناتج يجب أن يكون أكبر من (x) والتي ترمز لكلفة التغيير.
والحديث عن عناصر معادلة التغيير يستلزم الحديث عن بعض المفاهيم المرتبطة بالتغيير وبقانونه، والتي كثيرا ما تغيب عن المهتمين بالموضوع.
1ـ سنختلف لا محالة في قياس بعض الظواهر الإنسانية لأن تلك الظواهر لا يمكن حسابها بشكل دقيق بالأرقام، إلا أن ذلك لا يقلل من أهمية معادلة التغيير.
2ـ لكل تغيير كلفة لا بد أن يتم دفعها مع البدء في عملية التغيير، بخلاف عدم التغيير الذي لا يدفع الناس كلفته إلا بشكل مؤجل (وهذا سبب من أسباب عديدة تجعل الكثير من المستهدفين بالتغيير يتخذون منه مواقف سلبية).
3 ـ كثيرا ما يتحول بعض المستفيدين من التغيير المنشود إلى ألد خصوم ذلك التغيير. و يمكن هنا ذكر المثبطين الذين يحاولون التشكيك في استحالة أي تغيير، رغم أن مصلحتهم تكمن في نجاح التغيير. ومن الغريب أن هؤلاء المثبطين لا تتفتق مواهبهم ولا يظهر حماسهم إلا في الأوقات التي يحاولون فيها التثبيط من عزيمة من يطالب بالتغيير، والذي إن حدث سيكونون هم أول من يستفيد منه. كما أن هناك فئة الخاملين التي ترغب دائما في أن تبقى الأمور خاملة على حالها، حتى ولو كان ذلك على حسابهم. وهناك فئة قد تركب موجة الإصلاح، لا من أجل إحداث التغيير، وإنما لتحقيق مآرب شخصية، أو لمواجهة خصوم شخصيين. وهناك فئة أخرى أشد خطرا، وهي التي لا تبذل جهدا وتظل ترقب اللحظة الحاسمة للتحرك من أجل قطف ثمار جهود الآخرين.
وأخيرا هناك الفئة المترددة التي تظل تتفرج على الصراع وتطوراته، في انتظار أن تميل الكفة لصالح طرف على حساب طرف آخر، وذلك قبل اتخاذ قرار للالتحاق بالطرف الذي مالت له الكفة. وهذه الفئات تحدثت عنها سابقا في مسودة خطة عمل للنقاش قدمتها للشباب في بداية الحراك الحالي باسم مجموعة 17 فبراير. وما أود أن أخلص إليه هنا، هو أن الكثيرين سيقفون ضد الحراك الشبابي، وقد كان من المفترض أن يناصروه. كما أن هناك أعدادا كبيرة قد تناصر هذا الحراك، ليس حبا أو سعيا للإصلاح وإنما لأغراض أخرى. وهذه الفئة يمكن الاستفادة منها بشرط أن لا تشرك في اتخاذ القرارات، ولا في احتلال مراكز قيادية. فللجميع الحق في المشاركة في الاحتجاجات والاعتصامات وسيبقى لكل معتصم ما نوى.
4 ـ إن حَمَلة لواء مشعل التغيير والإصلاح في أي مجتمع ليس بالضرورة أن يكون عددهم كبيرا، المهم أن تكون فاعليتهم كبيرة.
5ـ إنه ليس من المطلوب أن نغرق في تحليلات رياضية في مقال كهذا، كما أنه ليس بالإمكان تعويض عناصر المعادلة أو المتراجحة بأرقام لاستحالة ذلك. فالمهم هنا أن يعلم القراء بأن كل تغيير يستلزم توافر العناصر الثلاثة الآنفة الذكر، و في حالة غياب واحد منها، أي أن يصبح يساوي صفرا، فإن معامل التغيير (c) سيكون صفرا، لأنه حاصل ضرب العناصر الثلاثة، وهذا الحاصل يجب أن يكون أكبر بكثير من كلفة التغيير(x).
وقبل الحديث عن العناصر الثلاثة للمعادلة، لابد من التوقف قليلا عند كلفة التغيير. فلكل تغيير كلفة، تكبر أو تصغر، حسب حجم التغيير نفسه، وهذه الكلفة فيها ما هو شخصي يدفعه الأفراد، وفيها ما هو عام يدفعه المجتمع أو الدولة بشكل عام.
ففيما يخص الأفراد، وفي حالتنا هذه يمكن القول بأن غالبية الموريتانيين لن تخسر شيئا على الصعيد الشخصي. فالعاطل عن العمل الذي لا ينحدر من سلالة العائلات التي تتقاسم وتتوارث الوظائف القليلة المتاحة، لن يحصل على وظيفة إذا ما ظلت الأمور تدار بهذه الطريقة، حتى ولو صبر وانتظر سنوات عدة. لذلك فهو إن لم يربح فلن يخسر شيئا إذا ما حاول أن يغير من هذا الوضع البائس. ولقد أثبتت الثورات العربية أن الإطاحة بنظام كامل قد تكون أسهل بكثير من حصول شاب فقير على وظيفة. فالبوعزيزي الذي فشل ـ رغم جهوده الكبيرة ـ في الحصول على رخصة لمزاولة عمله، تمكن من أن يسقط نظاما بكامله. وما ينطبق على العاطل عن العمل ينطبق على كل فئات وشرائح المجتمع.
أما على الصعيد العام فإن الحراك الشبابي ـ حسب البعض ـ قد يتسبب في انفلات الأوضاع، وقد يتم استغلاله لإشعال الفتن بين مكونات هذا الشعب المغلوب على أمره.
والحقيقة أن أخطر ما يهدد السلم الاجتماعي هو أن تظل العدالة الاجتماعية غائبة، وأن يظل النظام ضعيفا غير قادر على أن يلعب دوره المفترض، مما يجعله يتخبط ويتخذ قرارات مرتجلة لإرضاء هذا الطرف أو ذاك، دون أن تكون تلك القرارات في إطار مصالحة وطنية شاملة، مما يعني أنها ـ أي القرارات ـ ستجلب من المفاسد أكثر مما ستأتي به من المصالح.
فقرار إعداد خرائط للموريتانيين المفقودين أصاب أغلبية هذا الشعب بالارتباك وبالذهول. ولم تستطع الأحزاب أن تتخذ منه موقفا، فهي لا تستطيع أن تعارضه حتى لا توصف بأنها عنصرية، ولا تستطيع كذلك أن ترحب به لأنها لا تعرف " الخطوات" التي ستعقبه، ولا حجم المخاطر التي قد تترتب عليه. أما الأحزاب المعنية بشكل مباشر بهذا القرار، فقد اعتبرته مجرد خطوة أولى يجب أن تتبعها "خطوات" أخرى. ولكل واحد منكم الحق أن يخط ما شاء من خطوط تحت الخط الذي وضعته تحت كلمة خطوات ( سأعود إلى كلمة "خطوات" مستقبلا وبالشيء من التفصيل، إن شاء الله). المهم أن هذا القرار أغضب البيظان ولم يُرض الزنوج، (يؤسفني حقا استخدام هذه المصطلحات) وأعتقد أن اتخاذ قرارات مرتجلة بخصوص مواضيع وطنية شائكة دون الرجوع إلى ذوي الحصافة والرأي السليم ، هو الذي يهدد السلم الاجتماعي بدلا من أن يحميه. ومخاطر هذا النوع من القرارات المرتجلة، في المواضيع الشائكة، هو الذي يهدد السلم الاجتماعي، أكثر مما يهدده الحراك الشبابي.
إن قانون التغيير يقوم على ثلاثة عناصر:
أولها، درجة الاستياء من الواقع المراد تغييره: إن درجة الاستياء بلغت مستويات عالية جدا. فارتفاع الأسعار، وتفشي البطالة، وانهيار التعليم، وغياب الرؤية، وسطحية الخطاب الحكومي، والركود العام في كل المرافق للبلاد، مع المحافظة على نفس "الرتبة" في لائحة الدول الأكثر فقرا وأمية وفسادا وضياعا. كل ذلك زاد من مستوى الاستياء لدى المواطن الموريتاني بصفة عامة، ولدى الشاب بصفة خاصة. يضاف إلى ذلك ضعف كافة النخب وفشلها في تغيير حال البلاد، في حين نجحت الفئة الفاسدة في المجتمع في التحكم في هذه النخب وخبزها وعصرها وشكلها وعجنها فأظهرتها بأشكال قبيحة وبائسة وتائهة وعاجزة.
إن هذا الواقع البائس، والذي يزداد بؤسا يوما بعد يوم، خلق درجة عالية من الاستياء في البلاد، بلغت الذروة في ظل النظام الحالي الذي تعهد للشعب بوعود غير مسبوقة، أعقبها فشل غير مسبوق.
ثانيها، وضوح الرؤية : إن المتتبع لنقاشات وحوارات الشباب في صفحاتهم على الفيس بوك لا بد أن ينبهر بمستوى النضج والوعي لدى هؤلاء الشباب، والذي يفوق مستوى النضج لدى النخب السياسية التي تحتكر وسائل الإعلام الرسمي، ولابد له كذلك أن يلمس إحباط هؤلاء الشباب، وعدم ثقتهم في كل النخب السياسية، مما جعلهم يطلقون مشروعهم الخاص بهم للتغيير.
فما الذي يمكن أن ينتظره الشباب من أغلبية يصف أحد نوابها ناخبيه بالغوغاء؟ وما الذي يمكن أن ينتظرونه من أغلبية، تكاد أن تُنهي مأموريتها، ومع ذلك ليس في سجل كل نوابها مساءلة واحدة لوزير مما دفع الوزير الأول لأن يستدعيها ويطلب منها أن توجه أسئلة مكتوبة أو شفهية لوزرائه، وربما تكون هذه ميزة لديمقراطيتنا، فلا أعتقد بأنه حدث في العالم وأن استدعى رئيس حكومة في دولة ما نوابا في تلك الدولة، و"توسل" إليهم لكي يوجهوا أسئلة لوزرائه.
وما الذي يمكن أن ينتظره الشباب من معارضة دأب زعماؤها على خذلان الشعب الموريتاني، وعلى إضاعة الفرص العظيمة والنادرة التي كان يمكن لها أن تكون بداية لتغيير حقيقي.
ألم يخذل الزعيم الوطني والمناضل الكبير السيد مسعود الشعب الموريتاني في لحظة تاريخية فاصلة وحاسمة، فمنح صوته لمرشح العسكر الذي لم يبذل جهدا، ولم يقدم تضحيات في سبيل الرئاسة، وحرم بذلك ـ ولأسباب شخصية ـ من كان أولى بالرئاسة في ذلك الوقت؟
ألم يخذل كذلك الزعيم الوطني والمناضل الكبير السيد أحمد داداه الشعب الموريتاني في لحظة تاريخية فاصلة وحاسمة، فأسرع في الاعتراف بانقلاب السادس من أغسطس، وأظهر حماسا يفوق بكثير حماسه أثناء الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2007؟
ألم يكن بإمكان الزعيم مسعود أن يجنبنا انقلاب 2008 لو غلَّب المصلحة العليا للبلد، وصوت لزعيم المعارضة الذي كان يستحق الفوز في ذلك الوقت؟
أولم يكن بإمكان الزعيم أحمد داداه أن يُفشل انقلاب 2008 لو أنه غلب المصلحة العليا للوطن ورفض الاعتراف بالانقلاب في صبيحة السادس من أغسطس؟
ولماذا ينتقد زعماؤنا السياسيون العسكر ويتناسون بأن العسكر لم يرتكبوا جريمة إلا وكانوا هم شركاء فيها بدءا بانقلاب 1978 وانتهاءً بانقلاب 2008.
إن الكثير من الشباب أصبح يدرك اليوم بأن عملية التغيير في هذا البلد يجب أن يقودها الشباب الذي سيعيش غدا على هذه الأرض، بعد أن تكون كل النخب السياسية التي أضاعت فرصا نادرة قد رحلت. وعملية التغيير هذه يجب أن تكون مفتوحة لكل الشباب سواء منهم من كان مستقلا أو معارضا أو منخرطا في الأغلبية.
ثالثها، مستوى الانجاز في الأشهر الأولى: لقد استطاع الشباب بعد مرور ثلاثة أشهر على حراكهم تحقيق إنجازات ملموسة، ولكنهم أيضا عرفوا بعض الإخفاقات التي لا يمكن إغفالها. لذلك فيمكن القول بأن معامل الأداء في الأشهر الأولى ليس في صالح الشباب، وإن كان كذلك ليس ضدهم.
لقد استطاع الشباب أن يربكوا السلطة القائمة أكثر مما أربكتها كل التشكيلات السياسية القائمة، الشيء الذي جعلها تفكر في تأسيس حزب للشباب لكي تواجه به شباب فبراير. كما أن الاستعداد الأمني الكبير الذي حشده النظام في يوم "الرفض" ـ رغم فشل الشباب ذلك اليوم ـ أظهر مدى تخوف السلطات من الاحتجاجات الشبابية.
وفي المقابل فإن الشباب قد عانى في الأشهر الثلاثة الماضية من بعض الخلافات العميقة، كما أنه لم يستطع ـ حتى الآن ـ أن يستقطب لحراكه فئات المجتمع الأخرى وشرائحه، والتي تحتج وتتظاهر بشكل يومي تقريبا.
ومهما يكن من أمر فإن أي تغيير يجب أن يرتكز على عناصر ثلاثة هي : مستوى الاستياء من الواقع المراد تغييره، ووضوح الرؤية، ومستوى الإنجاز في المرحلة الأولى . وقد رأينا أن العنصرين الأول والثاني من قانون التغيير كانا لصالح الحراك الشبابي، أما العنصر الثالث فلم يكن لصالحهم ولا ضدهم، وهو ما يجب أن يعيه القائمون على الحراك الجديد، والذي من المتوقع أن يكون أكثر فعالية من الاحتجاجات الشبابية السابقة.
تصبحون وأنتم معتصمون

هناك تعليق واحد: