الأحد، 5 يونيو 2011

في سبيل شعار موحد للحراك الشبابي



بدءا لابد من الاعتراف بأن عدد الشباب المطالب بإسقاط النظام يزداد يوما بعد يوم، وتقوى حجته، ويعلو صوته في الحراك الشبابي، على حساب المكتفين بالمطالبة بإصلاح النظام، والذين يقل عددهم، وتضعف حجتهم، ويخفت صوتهم شيئا فشيئا.
تلك حقيقة كان لا بد من الاعتراف بها، من قبل تقديم وجهة نظر المكتفين بالمطالبة بإصلاح النظام، وهم الذين يستندون ـ في اعتقادي ـ على حجج قوية تستحق التأمل، وهذه الحجج يمكن إجمالها في نقاط سبع:
أولها: يتفق الطرفان سواء منهما من يرفع شعار إسقاط النظام، أو المكتفي بالمطالبة بإصلاحه على ضرورة استقطاب الاحتجاجات الفئوية المتنامية، والتنسيق والتعاون معها في مرحلة لاحقة، مما سيعطي للحراك الشبابي زخما هو في أمس الحاجة إليه.
وبما أنه لا خلاف بين الطرفين على أهمية استقطاب الاحتجاجات الفئوية، فإن السؤال الذي يطرحه نفسه هنا هو: أي من الشعارين أقدر على استقطاب الاحتجاجات الفئوية؟
إن من خصائص الاحتجاجات الفئوية التي نتابعها يوميا، هي أنها ـ وهذا لابد من قوله ـ احتجاجات تطبعها الأنانية، وتوجهها المصالح الآنية الضيقة.
فالأطباء والممرضون لا يهمهم من إصلاح البلد إلا إصلاح قطاع الصحة، وهم يختزلون إصلاح قطاع الصحة في "علاوة الخطر"، فإن حُرموا منها اعتبروا أن القطاع فاسدا، وإن مُنحت لهم اعتبروه قطاعا صالحا، حتى ولو كان منحها لهم لن يغير من سلوكهم اتجاه المريض الذي هو أحق منهم بعلاوة الخطر. فالطبيب ـ وأنا لا أتحدث عن كل الأطباء ـ كثيرا ما يكتب للمريض دواءً يزيد من مرضه، بدلا من أن يخفف منه، الشيء الذي يؤكده العديد من المرضى الذين سمحت لهم إمكانياتهم بالذهاب إلى الخارج، وبعرض الأدوية التي كانوا يستخدمونها هنا، على طبيب هناك.
والأساتذة والمعلمون يختزلون إصلاح التعليم في تحقيق بعض المطالب الخاصة بهم، والتي لا أشكك في شرعيتها، وبعد ذلك فلا يهم قطاع التعليم، وليزداد انهيارا، المهم أن تتحقق المطالب النقابية.
والعاطلون عن العمل من أصحاب الشهادات لا يهم من الإصلاح إلا أن يحصلوا على وظائف. فالدكاترة العاطلون عن العمل يختزلون الإصلاح في أن يكتتبوا في الجامعة، ولا يهمهم بعد ذلك مصير بقية العاطلين من حملة الشهادات. وحملة الشهادات من نفس المستوى لا يهتم بعضهم ببعض، ويكفي أن نعلم بأن رابطة حملة الشهادات لم تندد بالقرار الجائر الذي حُرم بموجه من بلغ سن الأربعين من المشاركة في مسابقة 250إطارا، وذلك لأن القائمين على الرابطة لم يتضرروا بشكل مباشر من ذلك القرار.
وعمال الإعلام الرسمي لا يختزلون فقط مشاكل قطاع الإعلام في زيادة 60% (50 +10)، بل يختزلون كل مشاكل البلد في تلك الزيادة. ومن المؤكد أن عمال هذا القطاع حتى وإن حصلوا على تلك الزيادة، فإن ذلك لن يكون سببا في توقفهم عن إفساد هذا القطاع الحساس الذي أبعدوه عن هموم المواطن الذي يدفع لهم أجورهم، والذي سيدفع لهم الزيادة التي يطالبون بها من خلال الضرائب التي يدفعها ذلك المواطن المسكين، والذي كثيرا ما يتم تجاهل همومه من طرف المطالبين بزيادة 60%، حتى وإن طالبتهم أعلى سلطة في البلاد بالاهتمام بتلك الهموم، وألحت عليهم في ذلك.
إن كل الاحتجاجات الفئوية التي نتابعها اليوم، إنما هي احتجاجات تسعى لتحقيق مصالح ضيقة وآنية، عكس الحراك الشبابي الذي يناضل المشاركون فيه من أجل قضايا وطنية كبرى تخلى عنها الجميع، بما في ذلك الأحزاب السياسية، والتي كان من المفترض أن تكون هي من يتولى الدفاع عن تلك القضايا الكبرى.
فأصحاب الاحتجاجات الفئوية قد يفكر بعضهم في الالتحاق بالحراك الشبابي، ليس من أجل الإصلاح، وإنما للضغط على النظام من أجل الاستجابة لمطالبه الفئوية، بشرط أن يظل الحراك الشبابي يقتصر على رفع شعار الإصلاح. أما في حالة رفع شعار إسقاط النظام فإن ذلك سيصعب كثيرا من إمكانية استقطاب أصحاب الاحتجاجات الفئوية، بل سيجعلها مستحيلة الحدوث. فأصحاب المطالب الفئوية يعتقدون أن الخروج خلف ذلك الشعار سيحرمهم نهائيا من تحقيق مطالبهم، والتي لم يحتجوا إلا من أجلها وأجلها فقط. ومما يجب ذكره هنا هو أنه في حالة تبني الحراك لشعار إصلاح النظام، كشعار موحد، وفي حالة تمكنه من استقطاب بعض أصحاب المطالب الفئوية، فذلك لا يعني أن أصحاب الاحتجاجات الفئوية لن يتركوا الحراك إذا ما تحققت مطالبهم الفئوية، حتى ولو زادت أحوال البلد سوءا. فالعملية هنا تتعلق بتحالف تكتيكي، ليس إلا، فأصحاب المطالب الفئوية لا يريدون من ذلك التحالف المنشود إلا الحصول على ورقة ضغط على النظام من أجل الاستجابة لمطالبهم، أما الشباب فإن ذلك التحالف سيعطي لحراكهم زخما هم بأمس الحاجة إليه.
ثانيها : إن كل الثورات العربية التي حدثت حتى الآن، لم ترفع شعار إسقاط النظام، في بداية تحركها، بل إنها اعتمدت على التدرج في مطالبها. وتلك الثورات لم ترفع شعار إسقاط النظام إلا بعد أن أزهقت أرواح بريئة من طرف أجهزة القمع التابعة للأنظمة الحاكمة في تلك الدول. لذلك فإن رفع شعار إسقاط النظام في موريتانيا، في مثل هذا الوقت، ليس إلا محاولة لحرق مرحلة من مراحل النضال، مرت بها كل الثورات الشبابية، وهي التي شَرَّعت لها رفع شعار إسقاط النظام.
ثالثها: من مصلحة المطالبين بإسقاط النظام ـ حفاظا على وحدة وتماسك الحراك ـ أن يرفعوا شعار إصلاح النظام ـ ولو مؤقتا ـ لتحقيق أهداف مرحلية، لابد من تحقيقها قبل أن يكون بإمكانهم تحقيق هدفهم الاستراتيجي. وهذه الأهداف المرحلية هي بمثابة درجات السلم التي لا بد من المرور بها.
ورفع شعار إصلاح النظام لا يعني بالضرورة التخلي عن شعار إسقاط النظام، بالنسبة للذين يومنون به. أما رفع المطالبين بإصلاح النظام، لشعار إسقاط النظام، فذلك يعني تلقائيا أنهم تخلوا عن شعارهم الذي يومنون به. فلا يمكن لعاقل أن يتصور بأن يكون مطلب إسقاط النظام، هدفا مرحليا أو تكتيكيا، في سبيل إصلاح النظام الذي تم إسقاطه!!!
رابعها: إن شعار إصلاح النظام يمكن أن يستقطب في الظروف الحالية الكثير من الموريتانيين، عكس شعار إسقاط النظام، والذي قد يعتبره البعض منفرا. كما أن شعار إسقاط النظام قد يتم استغلاله من طرف البعض لتغذية صراعات وأحقاد شخصية وقبلية بغيضة. وهو فوق ذلك يمكن أن ينحرف بالحراك عن أهدافه النبيلة التي رسمها الشباب، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار بأن الحراك الشبابي لم يتمكن حتى الآن من أن تكون له هوية، أو كيان واضح، يمكنه من أن يحمي وجهته ومساره النضالي من المتربصين الكثر، والذين سيبذلون جهودا جبارة من أجل الانحراف به إلى غايات و أهداف بائسة، وهم يملكون لذلك وسائل عديدة، قد لا يكون الشباب محصنا ضدها بشكل كامل، على الأقل في الوقت الحالي.
خامسها: إن إسقاط النظام في الظروف الحالية، قد لا يؤدي إلا ميلاد نظام جديد بعقلية جديدة، بل يمكنني القول بأنه لن يؤدي إلا لبعث نظام قديم، ونفخ الروح فيه، ليحكم البلاد والعباد بنفس العقلية البائدة التي يناضل الشباب اليوم من أجل القضاء عليها.
إن التغيير سيظل صعبا، في ظل تحكم النخب السياسية التقليدية في المشهد السياسي، حتى ولو تم إسقاط النظام الحالي، وذلك نظرا لغياب كيان سياسي شبابي واضح الملامح، له من القدرة والوسائل ما يمكنه من استثمار جهده النضالي، لضمان ميلاد نظام جديد، في حالة سقوط النظام القائم.
وإن تمديد العمر الافتراضي لشعار إصلاح النظام سيساعد كثيرا في إمكانية ميلاد تشكلة سياسية شبابية بشكل طبيعي، لا تولد استجابة لأوامر عليا كما هو الحال بالنسبة لحزب العصر، وإنما تولد استجابة لرغبة شبابية جامحة وملحة، يتم تجسيدها ميدانيا، وتكون نواتها الصلبة من الشباب الذي يقود اليوم الحراك، ومن الشباب الذي قد يلتحق به في وقت لاحق، ومن الشخصيات الوطنية الأخرى التي قد تدعم ـ وبشكل صريح ـ الحراك الشبابي الحالي، خاصة منها تلك التي ستدعمه في مراحله الأولى.
إن إسقاط النظام في ظل غياب تشكلة سياسية شبابية بإمكانها أن تقود عملية التغيير لن يؤدي إلى تغيير حقيقي.
سادسها: لابد من الاعتراف بأن كلفة إسقاط النظام التي ارتفعت كثيرا مع الثورات الليبية والسورية واليمنية قد شوشت كثيرا على المواطن العادي في كل البلدان العربية، بما في ذلك المواطن في بلدنا. فالحماس الذي تابع به المواطن العادي الثورتين التونسية والمصرية، لا يمكن مقارنته بالحماس الذي يتابع به الآن الثورات التي لا زالت تعمل من أجل إسقاط الأنظمة الحاكمة في بلدانها كما هو الحال في ليبيا وفي سوريا وفي اليمن.
ولابد كذلك من الاعتراف بأن ذلك الفتور الذي شهده حماس المواطن العادي أثناء متابعته للثورات العربية في تسلسلها سينعكس سلبا ـ وإن بدرجات متفاوتة ـ على تحمس ذلك المواطن لشعار إسقاط النظام أينما رُفع، وهو الشعار الذي لم يعد مغريا اليوم ـ على الأقل بالنسبة للمواطن العادي ـ كما كان مغريا في بداية هذا العام حيث تمكن الشعب التونسي والمصري من إسقاط دكتاتوريهما بكلفة زهيدة وزهيدة جدا، إذا ما قورنت بالكلفة التي يدفعها اليوم أشقاؤنا في ليبيا، وإخوتنا في سوريا، وأهلنا في اليمن السعيد.
سابعها: إن رفع شعار إصلاح النظام سيسمح للحراك الشبابي بالتدخل في مجالات عديدة، وفي مناصرة قضايا كثيرة تحتاج لمن يناصرها. فرفع شعار إصلاح النظام لا يتناقض مع الاهتمام بقضايا جزئية يشكل الاهتمام بها ضرورة ملحة. أما رفع شعار إسقاط النظام فإنه سيحد كثيرا من مجالات التدخل، وسيحصر تلك المجالات في أفق ضيق يستحيل معه التدخل في مجالات جزئية أو قطاعية. فمن يرفع شعار إسقاط النظام لن يكون بإمكانه أن ينتقد النظام في قضايا جزئية، أو يطلب منه إصلاحات جزئية.
إن مشكلة توحيد شعار للحراك، هي مسألة في غاية الأهمية، وإذا كان رفع شعار إصلاح النظام، غير مناسب للبعض، فإن هناك شعارا جديدا ابتدعه بعض النشطاء في الحراك الشبابي، وهو شعار موريتاني خالص، سيتم رفعه وترديده في حزمة أنشطة جديدة، وذلك لقياس مدى الاستجابة الشبابية له.
إن الشعار الجديد الذي تم طرحه اليوم، هو شعار ينسجم تماما مع شعار إسقاط النظام، كما أنه ينسجم أيضا ـ وبنفس الدرجة ـ مع شعار إصلاح النظام. إنه شعار: "نريد الحياة بلا ظالمين".
تصبحون على حياة بلا ظالمين.

هناك تعليق واحد:

  1. مقال رائع و فكرته جيدة و على الشباب العمل عليها

    أقترح خطة عمل تحدد الشعارات ذات الأولوية

    و لكن يجب الحذر من السياسيين الذين يدخلون على الخط عادة و يفسدون كل شيء.

    ردحذف