الجمعة، 27 مايو 2011

اكتشف كنزك!!!



قرأت منذ سنوات عدة قصة عرضت بشكل عابر في كتاب لم أعد أذكر اسمه الآن.
تقول هذه القصة بأن أعمي كان يسكن وحيدا في صحراء قاحلة، سمع ذات مرة هاتفا يبشره بكنز عظيم مدفون في تلك الأرض.
أخذ الأعمى منذ سماع تلك البشرى يحفر الأرض بلا كلل بحثا عن الكنز المنشود. ولقد وجد في بداية بحثه فأسا استعان به علي حفر تلك الأرض الصلبة.
مرت سنوات عديدة وهذا الأعمى لا شغل له إلا حفر الأرض بحثا عن الكنز، ولم يتوقف عن البحث إلا بعد أن سقط ميتا في احدي تلك الحفر التي حفرها بفأسه.
هنا انتهت قصة الأعمى المسكين مع الكنز، ومن هنا سنبدأ معا ( أنت و أنا) من خلال سلسلة من المقالات التنموية، للتنقيب عن كنزك أنت الذي بين يديك، والذي أعتقد أنك حتى الآن لم تكتشفه، وبالتالي فإنك لم تتمكن من استغلاله.
لنطرح السؤال التالي: أين هو الكنز في قصة الأعمى؟؟؟؟؟؟
سُئِلَ أحد الحكماء عن أفضل مكان يمكن أن يعثر فيه علي المواهب فأجاب السائل بلا تردد عليك بالبحث في المقبرة!
فمعظم الناس تدفن معها مواهبها لأنها لم تستطع أن تكتشفها في حياتها، ولم تجد من يعينها علي ذلك.
أعتقد أنك اقتربت كثيرا من اكتشاف كنز الأعمى.
أثبتت بعض الدراسات أن 90% من الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم خمس سنوات هم من المبدعين، وأن 2% من هؤلاء هم الذين يبلغون سن الخمس والأربعين وهم لا يزالوا مبدعين.
الحال في بلدنا أكثر سوءا لأن نظامنا التربوي يسرع في الموت المبكر للمواهب، ويعجل من إحباط المبدعين، مع أنه من المفترض أن المبدع يمثل ثروة وطنية يعد اكتشافها واستغلالها أهم بكثير من اكتشاف واستغلال أي ثروة طبيعية.
لقد أصبح الجواب واضحا لك فالفأس في قصة الأعمى هو الكنز بعينه لأنه فأس من الذهب الخالص .
لم يكن الأعمى قادرا علي رؤية بريق الذهب يتلألأ من الفأس ولم يجد من يخبره بذلك فكانت النتيجة الأليمة أنه مات يبحث عن كنز بين يديه دفن معه في قبره دون أن يشعر بذلك .
وهذه ليست مجرد قصة أسردها للتسلية بل إنها حقيقة تتكرر يوميا ففي كل يوم تدفن فؤوس ذهبية مع أصحابها وترحل مواهب وقدرات وإمكانيات هائلة دون أن يستغلها أصحابها يوما ودون أن يستفيد منها هذا المجتمع المحتاج إليها.
وهذه واحدة من المصائب العظيمة التي لا تجد من يتحدث عنها بل ولا تجد من يعتبرها أصلا مصيبة.
وحتى لا تدفن معنا فؤوسنا الذهبية (مواهبنا) دعونا نتحدث قليلا عن الموهبة، وعن بعض الخطوات التي قد تساعد في اكتشافها.
بداية علينا أن نتيقن جميعا بأن لكل واحد منا مجالا ما يمكن أن يتفوق بل و يبدع فيه. فالله الذي خلقنا لإعمار الأرض، قد أودع في كل واحد منا إمكانيات وقدرات هائلة تمكنه من انجاز المهمة الموكلة إليه أي إعمار الأرض (عدد الخلايا العصبية في دماغك يفوق عدد سكان كوكب الأرض ب16 مرة!!!، وفي كل ثانية يحدث ـ على الأقل ـ مائة ألف تفاعل كيماوي في دماغك). لذلك فأنت لست بالشيء البسيط.
فعلى كل واحد منا ـ بعد الإيمان بأن لديه موهبة ـ أن يبحث بشكل حثيث عن تلك الموهبة المودعة لديه، وذلك لكي يهتدي إلى المجال الذي يمكن له أن يتفوق فيه، ليبذل طاقته فيه، ولا يضيعها في أمور ومجالات أخرى.
إن الذي يسعى للتفوق في المجال الذي يتميز فيه لا ينجح ويتمتع فحسب، بل إن صحته النفسية وقدراته الإنتاجية ترتفع، وبشكل كبير.
والتنقيب عن الموهبة ليست بالمهمة السهلة، بل إنها قد تكون مهمة شاقة وشاقة جدا.فالموهبة كالماس الذي يبدو في البداية وكأنه قطعة فحم بلا قيمة. ولكن قطعة الفحم تلك تتحول إلى قطعة ماس رائعة بعد أن يتم إخضاعها لكثير من القطع والصقل والتشكيل.
إن قطعة الماس الرائعة يمكن أن ندوسها بأقدامنا معتقدين أنها مجرد قطعة فحم عادية.
دعونا نستمع لهذه القصة الحقيقية، والتي حدثت في جنوب إفريقيا.
إنها قصة مزارع من جنوب إفريقيا كانت له مزرعة توفر له دخلا لا بأس به، قضى فيها ثلاثة عشرة سنة. وبعد أن شاخ المزارع باع حقله، لأنه سمع أن بعض الناس جمع أموالا طائلة من خلال التنقيب عن الماس وبيعه. تحمس المزارع لفكرة التنقيب عن الماس، فأخذ ينقب بلا كلل ولكن تنقيبه لم يأت بنتيجة.
المفاجأة أن المزارع الجديد الذي اشترى الحقل وجد فيه ماسة، ثم وجد ثانية، فثالثة قبل أن يكتشف أن حقل المزارع العجوز عبارة عن منجم من الماس.
عندما علم المزارع بأنه كان يمشي على منجم كبير من الماس، دون أن يشعر بذلك، وبأنه باع منجم الماس بسعر زهيد لكي يساعده في تنقيب عن ماس لم يعثر عليه، عندما علم بذلك ألقى نفسه في البحر منتحرا.
لقد كان الماس قريبا جدا من المزارع العجوز، ولكنه بحث عنه بعيدا وبعيدا جدا.
فالمجال الذي يمكننا أن نبدع فيه ( الموهبة) قريب جدا منا، لأنه في أنفسنا، ولكننا قد نبحث عنه بعيدا.
فنحن لم نعد نقضي وقتا مع أنفسنا للبحث عن الموهبة ( الماسة التي بداخلنا)، ولكننا نقضي وقتا طويلا من أعمارنا للبحث عن ماس بعيد قد لا نجده إطلاقا.
فمشكلتنا في هذا العصر أننا أصبحنا نعرف شيئا كثيرا عن العالم من حولنا، ولا نعرف إلا القليل عن أنفسنا.
وربما يكون الشاعر الجاهلي النابغة الذبياني الذي اكتشف موهبته بعد الستين، قد أضاع الكثير من عمره في البحث عن مجال يتميز فيه غير الشعر ولكن دون جدوى، فحياته لم تكن معروفة قبل الستين.
وربما يكون ضياع تلك العقود الستة من عمر النابغة سببها أنه لم يبحث داخل نفسه عن موهبته التي كانت قريبة جدا منه، وربما يكون بحث بعيدا في مجالات أخرى، كما هو الحال بالنسبة لمزارع جنوب إفريقيا. لقد تمكن النابغة بعد الاكتشاف المتأخر لموهبته أن يصعد بسرعة فائقة إلى القمة، حيث منحه النعمان بن المنذر مكانة لم يمنحها لشاعر من قبله . كما أنه كانت تضرب له قبة من جلد أحمر بسوق عكاظ، فيقصده الشعراء ويعرضون عليه أشعارهم.
وهناك كثيرون اكتشفوا مواهبهم في وقت متأخر، لذلك فلا تعتقد بأن الوقت قد تأخر عليك لاكتشاف موهبتك. وفي العادة فإن المواهب في الدول الفقيرة كثيرا ما يتأخر اكتشافها. ولاكتشاف موهبتك عليك أن تعلم بأنك أنت الشخص الوحيد الذي يمكنه أن ينزع اللثام عن موهبته، دون أن يعني ذلك بأنه لا أحد يمكنه مساعدتك في تلك المهمة.
والموهبة معناها اللغوي كما في المعاجم أخذ من فعل وُهِب أي أعطي الشيء مجانا. أما اصطلاحا فلها تعريفات كثيرة ومتشعبة ليس هذا المقام مناسبا لبسطها، ويمكن أن نعتبرها مَلَكَة أو قريحة يهبها الله عز وجل لعباده.
ويرى الكثير من العلماء بأن المواهب هي قدرات خاصة ذات أصل تكويني، لا يرتبط بذكاء الفرد، بل يرث مثل هذه المواهب حتى ولو كان من المتخلفين عقليا.
والموهبة كثيرا ما تختلط عند البعض بالهواية ويمكن لنا التفريق بين الموهبة والهواية على النحو التالي: فالموهبة عطاء يولد مع الإنسان، أما الهواية فهي الميل إلى شيء معين، وتكون مكتسبة، وهي من الهوى.
فلكي تكون شاعرا فلا بد لك من موهبة في الشعر، ولا يكفي لقول الشعر أن تكون من هواته.
والإنسان كثيرا ما تكون هوايته مرتبطة بموهبته، ومن هنا يأتي الخلط بينهما.
وهناك أسئلة حددها البعض، قد تساعدك الإجابة عليها في اكتشاف موهبتك. ومن المهم هنا أن تستخدم ورقة وقلم لتسجيل الإجابات، وعليك أن تكتب أول إجابة تخطر ببالك:

1ـ تخيل أن هناك كتابا واحدا فقط يمنح لكل فرد، فما الكتاب الذي سيقع عليه اختيارك؟

2ـ إذا قررت أن تجرب ثلاث وظائف فماذا ستكون هذه الوظائف؟ وما هو ترتيبها؟

3ـ تخيل أنه يجب عليك أن تعلم الآخرين ثلاثة أشياء في الحياة. فماذا ستكون هذه الأشياء؟

4ـ إذا سُمح لك أن تقوم بعمل تغيير إيجابي واحد فقط في العالم، كبيرا كان أو صغيرا، فماذا سيكون هذا التغيير؟

5ـ ما التحدي الشخصي الذي تغلبت عليه؟ وكيف يمكنك مساعدة الآخرين لعمل نفس الشيء؟

عند الإجابة على هذه الأسئلة بكل موضوعية ستلاحظ أن جميع الإجابات تسير في اتجاه واحد، ذلك الاتجاه هو الذي يتفق مع قدراتك وإمكاناتك، والتي يجب عليك أن تستغلها بشكل لكي تنجح في حياتك.
إضاءة : إن تغيير موريتانيا عملية في منتهى البساطة، ولكنها تحتاج لأن تسبقها عملية في منتهى التعقيد وهي : أن تغير نفسك!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق