الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

الحزام الناسف!


بسم الله الرحمن الرحيم
ابتدع مواطن مصري في فيلم سينمائي حيلة ذكية لخداع شرطة المرور، حيث صمم قميصا أبيض بعارضة سوداء كان يلبسه أثناء قيادته لسيارته لكي يوهم شرطة المرور بأنه يضع حزام الأمان.
لقد فات ذلك المصري بأنه كان يتحايل على نفسه ويخدعها قبل أن يخدع شرطة المرور. ونشوة الانتصار التي كان يشعر بها كلما تمكن من المرور بالشرطة بحزامه الوهمي دون أن يدفع غرامة كانت نشوة خداعة، ناتجة عن نظرة خاطئة لحزام الأمان. ولو أن ذلك المواطن المصري نظر نظرة سليمة لحزام الأمان لما خلعه حتى في الأماكن التي لا توجد فيها شرطة، وما فكر ـ أصلا ـ في ابتداع تلك الحيلة الذكية في الأماكن التي توجد فيها شرطة مرور.
ومن يتأمل هذه القصة سيكتشف ـ بلا عناء ـ أننا نحن جميعا، بشكل أو بآخر، لا نختلف عن المواطن المصري صاحب القميص الأبيض بالعارضة السوداء، وأننا جميعا نضع أحزمة وهمية، وأننا جميعا نخدع أنفسنا قبل أن نخدع "شرطة المرور". فأغلب الموريتانيين يصحو من نومه كل صباح ليبدأ التمثيل والسمسرة والاحتيال لكي يقنع الآخرين بدوره الذي يمثل وبحزامه الوهمي، لذلك فإن كل صاحب حزام وهمي مطالب ـ وبشكل فوري ـ أن يخلع ذلك الحزام . فكفانا ضحكا على أنفسنا، كفانا،كفانا، كفانا....
فالمنتخب(بفتح الخاء) صاحب الثوب الأبيض بالعارضة الزرقاء، والذي يُذكر بالبطاقة البيضاء ذات العارضة الزرقاء، لا يختلف كثيرا عن ذلك المواطن المصري صاحب القميص الأبيض بالعارضة السوداء. فهذا المنتخب الذي قد تسمع منه كلاما جميلا وهو يمثل دور البرلماني الذي ينتقد وزيرا أثناء مداولات البرلمان، هو نفسه الذي يتبدل حديثه إلى حديث آخر، إذا ما قابل ذلك الوزير في مكان خفي لا يوجد فيه تلفزيون.
والمنتخب صاحب العارضة الزرقاء، برلمانيا كان، أو عمدة، أو شيخا ينسى دائما هموم الوطن والمواطن كلما خلا بوزير أو مدير، وهو لا يتذكر في تلك الخلوة إلا همومه الخاصة. مما يعني أن ما نسمعه منه ليس إلا تمثيلا وخداعا للمواطنين، وهو لا يختلف في جوهره عن خداع المواطن المصري صاحب الحزام الوهمي لشرطة المرور.
لهذا المنتخب نقول كفى تمثيلا، كفى، كفى..فحزامك الوهمي قد يتسبب في حزام ناسف.
والوزير صاحب السيارة السوداء ذات العارضة الزرقاء قد يخدعك وتتوهم أنه وزيرعندما تشاهده وهو يقلب مجلدا من الملفات أثناء الاجتماع الأسبوعي للوزراء، أو عندما تشاهد حرسيا مسكينا يفتح له باب السيارة السوداء،كلما هبط منها أو "هبط" إليها، أو عندما تسمعه يتحدث عن الإنجازات "الجبارة" و"المعتبرة" التي حققتها الوزارة في ظل عهده الميمون. فهذا الوزير الذي قد تتوهم للحظات عابرة أنه وزيرا ليس بوزير حقيقي، وإنما هو شخص يتقن فن التمثيل وله قدرة عجيبة لأن يمثل دور الوزير في اجتماعات مجلس الوزراء، وأن يمثل ذلك الدور أثناء جلوسه في المقعد الخلفي لسيارته السوداء.
والحقيقة أنه إنما يرتدي حزاما وهميا لخداع المواطن البسيط، فهو إن خلا بنفسه لا يفكر إلا في طريقة لنهب شيء من موارد الوزارة، وهو يستطيع أن ينهي كل مأموريته دون أن يفكر ولو لخمس دقائق في هم من الهموم الكثيرة لوزارته. و يستطيع ـ وليته فعلها ـ أن يغط في نوم عميق طوال مأموريته، ولو أنه نام لكان حال الوزارة أفضل.
لهذا الوزير الممثل نقول لقد أصبحنا نعرفك على حقيقتك، ولقد عرفناك في عهد "العزيز" أكثر، فالعزيز الذي عينك وزيرا لا يعاملك على أنك وزير، وإنما يعاملك بوصفك موظفا من الدرجة العاشرة، فلا داعي لارتداء الحزام الوهمي لخداعنا، فاخلع حزامك الوهمي، وكفى تمثيلا،كفى، كفى..فحزامك الوهمي قد يكون سببا في حزام ناسف.
والسياسي الذي يختفي فجأة مع غروب شمس يوم التصويت، ولا تشرق شمسه إلا في المواسم الانتخابية، أو في المواسم التصحيحية، هو أيضا إنما يرتدي حزاما وهميا.
والسياسي ـ في هذا البلد ـ كلما فكر في خداع أمة من الفقراء، ارتدى حزامه الوهمي ولبس ثوبه الأشد بياضا من أرز الفقراء، وذلك قبل أن يهبط على حشد من الفقراء لا هو يعرفهم ولا هم يعرفونه، ليقول لهم ـ وهو لا تبدو عليه آثار السفر ولا السهرـ بأنه ما أغمض جفنا وما استراح له جنب لكثرة انشغاله بهموم المواطنين، خاصة الفقراء منهم.
لهذا السياسي نقول لقد اكتشفناك على حقيقتك، فاخلع حزامك الوهمي، فكفى خداعا، كفى، كفى..فحزامك الوهمي قد يتسبب في حزام ناسف.
وللمثقف صاحب الرأي المستطير( بالطاء لأنه لا شيء ينير في هذا البلد ) والذي يقيس كل شيء وفق "ترمومتر" مصالحه الخاصة، فإن عُيِّن أو أُعْطِي قال بأن أحوال البلد بخير. وإن مُنِع عطاءً أو أقيل من وظيفة أطلق صفارات الإنذار معلنا قرب دمار، وخراب، وهلاك البلاد والعباد.
وللمثقف الذي علمنا تقديس الأشخاص وازدراء الأوطان، وللمثقف الذي عرفناه نشطا كلما كانت هناك مناسبة تصحيحية أو انتخابية تستحق أن يجمع لها المنحدرون من القبيلة أو الولاية في فندق من الفنادق لتقديم بيانات التأييد والمساندة، وللمثقف الذي عرفناه كسولا خاملا إذا ما تعلق الأمر بالهم العام لمدينته أو لوطنه.
لذلك المثقف ـ إن جازت تسميته بالمثقف ـ نقول لقد انكشفت فلا داعي للتمادي في الخداع، اخلع حزامك الوهمي، فكفى خداعا، كفى، كفى..فحزامك الوهمي قد يتسبب في حزام ناسف.
وللصحفي الذي تأتيه الأوامر من أعلى سلطة في البلاد بأن يهتم بهموم المواطن ومع ذلك يظل ـ كما عهدناه ـ وفيا لمدرسة السمنة، وأفران المصلحة، وبرنامج التدخل الخاص، ومواكب غرس الشجر.
وللصحفي الذي يمدح بثمن، ويكتب بثمن، وينتقد طلبا لثمن، ويصفق بثمن، ويصور بثمن، ويصرخ بثمن، ويسكت بثمن، ويحيا بثمن، ويموت بلا بثمن.
لذلك الصحفي نقول أنت لست صحفيا، فالصحفي في العالم يناضل ويضحي في سبيل الحقيقة، أما أنت فتأتيك الأوامر من الرئيس لقول الحقيقة، ومع ذلك لا تستطيع أن تجرب قولها، ولا تستطيع أن تحاول ـ ولو لمرة ـ قولها حتى نعرف إن كان الرئيس جادا في أوامره أم لا؟ أنت لست صحفيا ولم يعد بإمكانك أن تخدعنا، فاخلع الحزام الوهمي، إن كنت تريد أن تكون صحفيا، وإلا فسنقول لك كفى خداعا، كفى، كفى..فحزامك الوهمي قد يتسبب في حزام ناسف.
وللإمام صاحب العمامة البيضاء، واللحية الكثة البيضاء، والذي يبيع وصل إفطار الصائم داخل مباني الوزارة، وللإمام الذي يتقاضى راتبا عن تدريسه في فصول وهمية لمحو الأمية، وللإمام الذي يجمع الأموال من دول الخليج لبناء المساجد وكفالة الأيتام، فيبذرها ذات الشمال وذات الشمال في مصالحه الخاصة والخاصة جدا.
لذلك الإمام نقول اتق الله في نفسك، واتقيه فينا، واخلع حزامك الوهمي، فكفى خداعا، كفى، كفى،كفى ،كفى..فحزامك الوهمي قد يتسبب في حزام ناسف.
للقاضي السمسار بالثوب الأسود، وللطبيب السمسار بالثوب الأبيض،وللأستاذ السمسار، وللشرطي السمسار، وللموظف السمسار، وللمثقف السمسار، وللصحفي السمسار، وللإمام السمسار، وللمواطن السمسار، وللسمسار السمسار...لكم جميعا نقول لقد آن الأوان لأن نخلع أحزمتنا الوهمية، فقد بلغت بلادنا من العمر خمسين حولا، فكفانا خداعا، كفانا، كفانا.. فأحزمتنا الوهمية هي التي تسبب في الأحزمة الناسفة.
فيا ليت قومي يفقهون ذلك.. ليتهم يفقهونه..
تصبحون بلا أحزمة وهمية......

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق