الاثنين، 22 نوفمبر 2010

خاص برئيس الجمهورية (14)



سأقدم لكم في رسالة هذا الشهر، من سلسلة الرسائل المفتوحة، بعض الملاحظات العامة التي لم تجد ـ حسب علمي ـ من يحدثكم عنها، رغم أنها تتعلق بقضايا وملفات تحدث عنها الموريتانيون كثيرا، ولا زالوا يتحدثون عنها كثيرا.
وقبل تقديم هذه الملاحظات، أود أن أؤكد لكم بأني ما كتبتها ـ كما هو الحال بالنسبة لباقي هذه الرسائل المفتوحة ـ إلا لحرصي الشديد على أن يكون عهدكم بداية لانطلاقة تنموية حقيقية. كما أؤكد لكم بهذه المناسبة بأني لست أقل دعما ومساندة لكم من الثمانمائة ألف "مناضل" المنخرطة في الاتحاد من أجل الجمهورية، وإن كان الفرق بيني وبينهم هو أن أغلب من في الاتحاد قد اختار أن يعبر عن مساندته لكم بالتصفيق، وبمزيد من التصفيق. أما أنا فقد اخترت أن أعبر عن مساندتي لكم من خلال البحث عن المعوقات التي قد تعيق تلك الانطلاقة التنموية، والكتابة لكم عنها بشكل دوري، دون الزيادة من حجمها كما يفعل معارضوكم، ودون التقليل من شأنها كما يفعل موالوكم. هذا إضافة إلى تقديم بعض المقترحات والأفكار كلما كان ذلك متاحا، وطبقا لما وعدتكم في أول رسالة من هذه الرسائل المفتوحة.
وأعدكم ـ إن كان في العمر بقية ـ بمواصلة كتابة هذه الرسائل، كما تواصلت في عهد بعض الرؤساء السابقين الذين كتبت لهم من قبل، والذين أعتقد بأنهم الآن قد أصبحوا على قناعة تامة بأن مساندتي لهم بالنقد كانت أكثر صدقا وجدية، من المساندة بالتصفيق التي تبارت فيها أغلبياتهم الداعمة أثناء فترات حكمهم.

الملاحظة الأولى: لقد لاحظت في إطار الحرب على الفساد بأن أغلب الموظفين الذين تم اتهامهم بالفساد، منذ تنصيبكم إلى يومنا هذا، لم يحتلوا تلك الوظائف التي أفسدوا من خلالها إلا بعد يوم السادس من أغسطس 2008 م، أي أن كل عمليات الفساد التي حدثت في عهدكم، ما كانت لتحدث لولا تلك التعيينات التي جاءت بــ"مشاريع مفسدين" تم اختيارهم لتلك الوظائف على أساس معايير لا صلة لها ـ إطلاقا ـ بالكفاءة أو بالخبرة أو بالاستقامة والنزاهة.
ولأن هناك تسريبات تتحدث عن قرب تعديل حكومي، قد تعقبه تعيينات كثيرة، فقد يكون من الضروري أن نطالب ـ نحن ضحايا الفساد ـ بضرورة اعتماد الكفاءة والاستقامة في تلك التعيينات، لكي لا نظل ندور في حلقة مفرغة تتمثل في تعيين "مشاريع مفسدين" لكي يفسدوا وينهبوا، قبل أن يتم تجريدهم أو سجنهم، واستبدالهم بمفسدين جدد. وكأن المهم ليس المحاربة الجادة للفساد، وإنما المهم هو إيهام المواطن العادي بأن الحرب على الفساد لم تضع بعد أوزارها. لقد آن الأوان لكي نحارب الفساد بشكل جاد، ولن يتم ذلك إلا إذا شعر كل موظف بأن الكفاءة والاستقامة والتفاني في العمل هي المعايير الوحيدة التي سيتم اعتمادها في كل عملية تعيين وترقية.

الملاحظة الثانية: صحيح أنه في العهود الماضية كان يتم استخدام دراسات لا جدوى من ورائها لنهب ثرواتنا، وهذا ما تحدثتم عنه أكثر من مرة. ولكن الحل لا يكمن في إلغاء الدراسات نهائيا، واعتماد الارتجال كبديل عن تلك الدراسات، خاصة في الملفات المعقدة، وفي القضايا الشائكة، التي تزداد تعقيدا كلما تم ارتجال حلول لها. يقول خبراء التخطيط بأن كل ساعة نقضيها في إعداد التصورات والدراسات ستوفر لنا ـ على الأقل ـ ثلاث ساعات عند التنفيذ.
ورغم أن هناك أمثلة عديدة يمكن تقديمها في هذا المجال، إلا إنني سأكتفي هنا بتقديم مثال واحد يتعلق بالتعامل مع مشكل القمامة، والتي كنتم قد أعطيتم أوامر صارمة للحكومة في مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 15ـ 10 ـ2009 بضرورة القضاء عليها نهائيا. وفي صبيحة الأحد الموالي تم ارتجال حملة لتنظيف العاصمة بقيادة الوزير الأول، وبمشاركة العديد من القطاعات الوزارية، وتم التأكيد حينها أن القمامة ستختفي خلال أسابيع معدودة ـ وبشكل نهائي ـ من العاصمة نواكشوط.
والذي حدث بعد ذلك أن القمامة زادت وبشكل ملحوظ، خاصة في المكان الذي انطلقت منه حملة الوزير الأول لتنظيف العاصمة. ولقد كان ذلك شيء طبيعي جدا، لأنه لم يكن من المتوقع أن تأتي تلك الحملة المرتجلة بنتائج أفضل من حملات التنظيف المماثلة لها، في العهود السابقة، يقول الخبراء: "إن استخدام نفس الأساليب يعطي دائما نفس النتائج".

الملاحظة الثالثة : يبدو أن اهتمامكم بتنمية البنية التحتية وتطويرها، يفوق كثيرا اهتمامكم بالتنمية البشرية. ويبدو أن اهتمامكم بشق الطرق وتشييدها، يفوق اهتمامكم ببناء إنسان موريتاني قادر على أن يقود عجلة التنمية، بشقيها البشري والمادي.
فمستوى الحماس الذي تعاملتم به مع إصلاح التعليم مثلا، أقل بكثير من مستوى الحماس الذي تعاملتم به مع تشييد الطرق في العاصمة، والتي تم تشييدها ـ والحق يقال ـ في وقت قياسي. ومع أن العاصمة قد تحولت إلى ورشة كبرى ( شق الطرق، تخطيط العشوائيات، توسيع شبكة المياه، توصيل الكهرباء إلى أماكن جديدة...).
إلا أنه في المقابل يلاحظ أن هناك فتورا في إصلاح التعليم، والذي يشكل إصلاحه الخطوة الأولى لبناء الإنسان الموريتاني. لقد وعدتم بمنتديات للتعليم خلال العطلة الصيفية الماضية، ومع ذلك فقد تم الافتتاح الدراسي دون أن يتم تنظيم تلك المنتديات ـ والتي تم استبدالها بمنتديات للمعادن ـ مما يعني أننا مقبلون على مزيد من الانهيار العلمي والثقافي والأخلاقي والقيمي للإنسان الموريتاني.
ولأن هناك حديثا يدور حول إمكانية دمج وزارتي التعليم ـ بقرار مرتجل جديد ـ في وزارة واحدة. فقد يكون من الضروري التذكير بأن عمليات الدمج والتفكك التي عرفتها هذه الوزارة، خلال السنوات الخمس الأخيرة، والتي بلغت في مجملها ثلاث عمليات دمج، وثلاث عمليات انشطار، كانت من أهم الأسباب التي ساهمت في انهيار التعليم لأنها شغلت العاملين في هذه الوزارة خلال السنوات الأخيرة، في الإجراءات الإدارية المرتبطة بعمليات الدمج والتفكك التي لا تنتهي.
فحل أزمة التعليم لن يتم من خلال عملية دمج جديدة للوزارتين، يقول الخبراء: "إن الأزمات العميقة لا يمكن مواجهتها بنفس الأساليب والعقليات التي أنتجتها".

الملاحظة الرابعة : لقد قلتم بأنه كان هناك تسيبا كبيرا في العهود السابقة، وهو ما استدعى منكم مراقبة صارمة، ومتابعة دقيقة لكل الملفات كبيرها وصغيرها. ورغم أهمية تلك المراقبة إلا أن التطرف في استخدامها قد يأتي بنتائج سلبية خطيرة.
لقد استقال أغلب الموظفين بشكل غير علني مما أدى إلى تعطل مصالح المواطنين حتى في القطاعات الحساسة. لقد أصبح الوزراء والمديرون يعيشون فراغا كبيرا، وأصبح أغلبهم يرفض أن ينفذ أي عمل حتى ولو كان صغيرا، لأن أوامركم لم تصدر له بإنجاز ذلك العمل البسيط. كما أن كثرة التعيين والإقالة التي حدثت في عهدكم، والتي حطمت الإدارات التابعة لوزارة المالية الرقم القياسي فيها ( إدارة الضرائب، إدارة الميزانية) قد زادت من ارتباك العمل الإداري المرتبك أصلا. وإذا كان صحيحا أن بعض عمليات النهب والفساد قد تم الحد منها بفعل تلك الرقابة، وبفعل سحب الكثير من صلاحيات الموظفين، إلا أن ذلك قد صاحبه تراجع ملحوظ في مستوى الأداء الإداري الهزيل أصلا. إن إداراتنا ـ وهذا ما يستحي المعنيون المباشرون من قوله لكم ـ تعيش اليوم ظروفا صعبة بفعل الاستقالات الجماعية غير المعلنة لغالبية موظفي القطاع العام، والذين تحولوا في عهدكم إلى مجرد دمى لا تتحرك إلا بأوامر، حتى ولو تعلق الأمر بحركات بسيطة، كان من المفترض أن تتم بشكل تلقائي. يقول الخبراء بعد شيء من التعديل بأن القائد الناجح هو الذي يحيط نفسه بمجموعة من القادة الناجحين، لا بمجموعة من الدمى المتحركة.

الملاحظة الخامسة: لقد أصبح من الملح أن تعيدوا النظر في قنوات الاتصال بينكم وبين الفقراء الذين صوتوا لكم بكثافة، والذين يعتبرونكم أول رئيس لهم. لقد حاول العديد من هؤلاء الفقراء أن يسمعكم أنينه أثناء زياراتكم الميدانية، ولكن وكما جرت العادة حيل بينكم وبينهم. ومن المؤكد أن أنينهم لن يصلكم كما هو من خلال التقارير التي ترد إليكم، والتي قلتم بأنكم تحرصون على قراءتها. إنكم بحاجة إلى قنوات أخرى غير تلك التقارير، حتى تظلوا على إطلاع كامل بمشاكل الفقراء الذين صوتوا لكم، وانتخبوكم ذات يوم عصيب.
كما أنكم بحاجة إلى قنوات جديدة لتسوقوا من خلالها انجازاتكم، ولترسلوا من خلالها رسائلكم التي ترغبون في إرسالها إلى المواطنين العاديين، وذلك بعد أن فشلت وسائل الإعلام الرسمي، وبعد أن فشلت الأغلبية فشلت مريرا في تحقيق ذلك. فعلى سبيل المثال فقد فشلت الأغلبية، والإعلام الرسمي، في تسويق الحرب على الإرهاب التي تم التشويش عليها كثيرا، رغم أنها بدأت تعطي نتائج طيبة. يقول الخبراء بعد شيء من التعديل ليس المهم فقط أن يكون القائد على حق، بل إن من المهم أيضا أن يستطيع أن يثبت لمن يقود بأنه على حق.

الملاحظة السادسة : ليس من المعيب أن نستفيد من بعض الإيجابيات القليلة التي تحققت في العهود السابقة، خاصة ونحن سنحتفل بعد أيام معدودة بخمسينية الدولة الموريتانية التي يفترض أن ما تحقق فيها من إنجازات ـ رغم ضآلته ـ هو نتيجة لتراكمات تلك العهود. وبما أن هذه الرسائل ـ وكما قلت لكم سابقا ـ ستنحاز دائما للشرائح الأكثر فقرا، فإني هنا سأقدم لكم ثلاث مؤسسات، من ثلاث عهود "بائدة"، قدمت في الماضي للفقراء بعض الإنجازات الهامة، وهي اليوم عاجزة ـ في عهد الاهتمام بالفقراء ـ عن تقديم نسبة ضئيلة من تلك الانجازات. لقد أصبح من الضروري الاستفادة من ماضي تلك المؤسسات، والعمل بشكل جاد من أجل إعادة مستوى أدائها إلى ماضيه، حتى ولو تم اللجوء إلى إعادة تعيين من كان يديرها في تلك الفترات المضيئة من تاريخها.
أول هذه المؤسسات وكالة تشغيل الشباب والتي اكتتبت قبل 3 أغسطس 2005 وفي مدة قصيرة جدا، آلاف حملة الشهادات في وظائف مؤقتة، كما مولت مئات المشاريع الفردية والجماعية من خلال تقديم قروض معتبرة. هذه المؤسسة منذ 6 من أغسطس 2008 لم تقدم أي إنجاز، أكرر، لم تقدم أي إنجاز، لصالح حملة الشهادات العاطلين عن العمل والذين يعيشون ظروفا مقلقة ومأساوية.
ثاني هذه المؤسسات صناديق القرض والادخار، والتي كانت حاضرة كمؤسسة تنموية، وبشكل ميداني في عهد الرئيس السابق، وهي تعيش اليوم وضعية مزرية، جعلتها غير قادرة على أن تلعب أي دور تنموي مهما كان حجمه.
وثالث هذه المؤسسات الإعلام الرسمي وخاصة التلفزيون الذي كان قريبا شيئا ما من هموم المواطن العادي، في المرحلة الانتقالية الأولى، والذي هو الآن ـ رغم زيارتكم له ـ يمر بوضعية بائسة، تثير الشفقة والاشمئزاز في نفس الوقت.

وفقنا الله جميعا لما فيه خير البلد، وإلى الرسالة الخامسة عشر إن شاء الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق