الأحد، 14 نوفمبر 2010

الاتحاد من أجل التصفيق


لقد صفق الموريتانيون كثيرا لرؤسائهم وخاصة في العقود الأخيرة، لقد صفقوا كابرا عن كابر، وصاغرا عن صاغر لأفران المصلحة، ولمحاربة السمنة، ولفصول محو الأمية، ولبرامج التدخل الخاص، ولمتاجر رمضان، ولحملات التنظيف، وللطاولات المدرسية، ولغرس الأشجار..
لقد صفق هذا الشعب المصفق بطبعه، كما لم يصفق أي شعب آخر.صفق العلماء والعقلاء والوجهاء والمثقفون والأغنياء والفقراء والأميون والمهمشون والصالحون والطالحون والأصحاء والمرضى والجياع والمتخمون والراشدون والسفهاء.صفق الرجال والنساء والشباب والكهول والشيوخ والأطفال...
لقد صفق كل شيء في هذا البلد، لذلك فإنه يُشرع لنا ـ بمناسبة الخمسينية ـ أن نتساءل ما الذي كنا نصفق له في طيلة هذه العقود؟؟؟
فهل حققنا في العقود الأخيرة أي إنجاز يستحق كل هذا التصفيق؟ ألسنا من أكثر الدول تخلفا؟ ومن أكثرها فقرا وجهلا ومرضا وفسادا؟ ألسنا من أقل شعوب الأرض وطنية؟ ألسنا في أسفل القاع رياضيا وثقافيا وأخلاقيا وتنمويا؟ ألسنا نحن البلد الوحيد الذي لا يزال وبعد مرور نصف قرن من استقلاله يتعامل رسميا بلغة غير دستورية ؟
المقلق حقا أن المخزون الاستراتيجي الموريتاني من التصفيق لا ينضب أبدا، بل إن احتياطنا من التصفيق ـ عكس غيره ـ من ثرواتنا الطبيعية في تجدد دائم، وفي ازدياد مذهل.
أقول هذا الكلام بمناسبة وصول عدد المصفقين في اتحاد جمهورية التصفيق إلى ثمانمائة ألف مصفق ومصفقة، مما يعني ـ إذا ما استثنينا الأرجل المصفقة ـ أن مليونا وستمائة ألف يد ستتنافس وستصفق بحرارة وحماس في اتحادية المصفقين، كما صفقت في عادل، وفي الحزب الجمهوري، و في هياكل المصفقين، أو كما صفقت قبل ذلك، أو صفق آباؤها أو إخوة لها في حزب الشعب المجبول على التصفيق.
ولأن البعض قد ينزعج من تسمية المناضلين الشرفاء، فرسان التغيير البناء، والجنود الجدد للحرب على الفساد، والحرب على الإرهاب، و الحرب على التصحر بالمصفقين، لأن البعض قد يزعجه ذلك فإنه قد يكون من المناسب أن أطرح التساؤلات التالية:
لماذا فشل ثمانمائة ألف "مناضل" في تقديم مقترح واحد لحكومة هي بأمس الحاجة للمقترحات؟ وكيف فشل ثمانمائة ألف "مناضل" في تقديم نصيحة واحدة لرئيس بحاجة ماسة لمن يقدم له النصح؟ وكيف عجز ثمانمائة ألف "مناضل" و"مناضلة" في تسويق إنجاز واحد من إنجازات رئيس الجمهورية؟ ( هناك إخفاقات وهناك ـ كذلك ـ إنجازات تحققت لم يستطع المصفقون تسويقها للرأي العام وأقصد هنا شق الطرق، والحرب على الإرهاب والتي تعتبر أهم إنجازات الرئيس الحالي رغم أنه تعرض بسببها لانتقادات كثيرة).
لقد فشل الثمانمائة ألف "مناضل" و"مناضلة" في كل ذلك، لأنهم ـ وببساطة شديدة ـ لم يجتمعوا في اتحاد المصفقين ليقدموا مقترحا أو نصيحة أو يسوقوا انجازا. لقد اجتمعوا لهدف واحد، ولغاية واحدة، وهي أن يصفقوا بأياديهم وبأرجلهم، فرادى وزمرا، كما صفقوا بالأمس في كل ساحات التصفيق وملاعبه التي تعرفهم ويعرفونها، فهناك هتفوا كثيرا.. وهناك تجمهروا كثيرا.. وهناك صفقوا كثيرا..وهناك زغردوا كثيرا..
لذلك فإنه من الحماقة أن نطلب من الثمانمائة ألف مصفق ومصفقة أفكارا أو مقترحات أو نصائح. فالثمانمائة ألف ولدوا ليصفقوا ويزغردوا، لا ليفكروا، ولا ليقترحوا، ولا لينصحوا. إنهم مصفقون بالفطرة..هكذا وُلدوا .. هكذا جُبلوا ..هكذا خُبزوا ..هكذا نشؤوا ..هكذا شبوا..هكذا شابوا..وهكذا قد يموتون..
ومن لطف الله بنا أن جيشنا على مذهب فقهي واحد، فلو كان في جيشنا ضابط حنبلي أو حتى شيعي وقاد انقلابا ناجحا لتحول ـ وبتلقائية عجيبة ـ ثمانمائة ألف مالكي موريتاني إلى شيعة أو حنابلة في أول يوم من أيام التصحيح الشيعي أو الحنبلي..
ولو أن ذلك الانقلاب نجح لقادت وزارة التوجيه الإسلامي حملة ضد مختصر خليل وموطأ مالك في كل القرى والمدن الموريتانية.
حتى أيادينا تحورت ولم تعد تصلح للبناء أو الأعمار بعد أن تخصصت وتفرغت للتصفيق. فحامل الشهادة العاطل عن العمل لم تعد له وسيلة يجربها للحصول على وظيفة غير التصفيق، والموظف لا يترقى في وظيفته بالكفاءة وإنما بالتصفيق، ورجل الأعمال يصفق لكي يحصل على صفقة عمومية، والمهتم بالشأن العام يصفق لكي تفتح أمامه قنوات التصفيق الرسمي من إذاعة وتلفزيون. والمظلوم يضطر للتصفيق لكي يرفع عنه الظلم. وبصفة عامة فالمواطن ـ أي مواطن ـ يصفق إجباريا لكي يحصل على حقوق المواطنة، أو على الأصح حقوق التصفيق، فحقوق المصفقين محفوظة دائما، أما حقوق المواطنين فهي ضائعة أبدا.
لقد فشلت كل حروبنا السابقة ضد السمنة والأمية والفقر لأننا خضناها بجيش جرار من المصفقين. ونحن اليوم مهددون بالفشل أيضا لأن حروبنا الجديدة ( الحرب على الفساد، والحرب على التصحر، والحرب على الإرهاب) نخوضها بثمانمائة ألف مصفق ومصفقة.
لذلك فنحن اليوم بحاجة ـ قبل أي حرب أخرى ـ لحرب جادة على ظاهرة التصفيق بكل أشكاله وتجلياته، ونحن في هذه الحرب الجديدة ـ والتي سيصفق لها المصفقون الذين نحارب تصفيقهم ـ ربما نحتاج إلى:
1 ـ إعلان يوم وطني تحت شعار يوم بلا تصفيق.
2 ـ تقديم مشروع قانون للبرلمان الموريتاني يجرم ظاهرة التصفيق بكل أشكالها.
3 ـ إطلاق حملات وقوافل داخل القرى والمدن للتحسيس بمضار التصفيق، مع التحذير من خطورة التصفيق لحملات محاربة التصفيق.
4 ـ تقييد أيادي و أرجل الثمانمائة ألف مصفق ومصفقة المنخرطين في الاتحاد من أجل التصفيق لمدة عامل كامل، بسلاسل حديدية قوية، مع إخضاعهم للتجارب التالية:
• الإعلان عن فشل محاولة انقلابية عبر قنوات التصفيق الرسمي ( تلفزيون، إذاعة) وبعد ذلك الإعلان يتم تحديد المصفقين والمصفقات الذين سيتمكنون من تحطيم السلاسل الحديدية للالتحاق بالمسيرات "العفوية" التي ستخرج للتنديد بالمحاولة الانقلابية الفاشلة.
• الإعلان بعد ذلك وبمدة عن بيان رقم واحد لحركة تصحيحية ناجحة عبر قنوات التصفيق الرسمي، ولا يهم تحديد اسم قائدها، ثم بعد ذلك يتم تحديد المصفقين والمصفقات الذين تمكنوا للمرة الثانية من تحطيم قيودهم للمشاركة في المسيرات "العفوية" التي ستخرج لتأييد حركة التصحيح الجديدة . يتم بعد ذلك نفي كل من تمكن من تحطيم قيوده لمرتين متتاليتين خارج البلاد لأنه مدمن تصفيق، ولا أمل في علاجه.
• يتم إخضاع ما بقى من الثمانمائة ألف مصفق ومصفقة لبرنامج تأهيلي مكثف لتدريبهم على عدم التصفيق، وذلك من خلال تقسيمهم إلى مجموعات. يتم إجبار كل مجموعة على قضاء أسبوع كامل في قصر المؤتمرات، حيث يستمعون وبشكل متواصل ولمدة أسبوع كامل لشريط يتم فيه تكرار جملة واحدة، كما يفعل محولو الرصيد، وهذه الجملة هي : " طبقا للتوجيهات السامية لرئيس الجمهورية". يتم بعد ذلك إطلاق سراح كل من تمر عليه الجملة ـ ولو لمرة واحدة ـ دون أن يصفق، أما الذين تمكنوا من مواصلة التصفيق ليل نهار ولأسبوع كامل فيتم إخضاعهم لدورة تدريبية أخرى أكثر قسوة قبل أن يتم دمجهم في حياة صحية خالية من التصفيق..
تصبحون على وطن خال من التصفيق...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق