انطلاقا من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، والتزاماتنا الوطنية، ووعيا بخطورة الفساد الذي يستنزف ثروات البلد، ويعطل مسيرة التنمية، ويهدد كيان الدولة والمجتمع، ويقوض مبادئ العدالة الاجتماعية، ويزيد من تفكك المجتمع ويعمق من حجم التفاوت الطبقي والغبن بين أبنائه وشرائحه ومكوناته.
وقناعة منا بأنّ الإصلاح الحقيقي يبدأ بالمحاربة الجدية للفساد، وأن الحرب الجدية على الفساد تحتاج لإرادة سياسية صارمة، وتعبئة مجتمعية واسعة لخلق بيئة مناهضة للفساد، فإننا نحن الموقعين على هذا البيان التأسيسي لنعلن - على بركة الله - عن تشكيل "الائتلاف الوطني لمحاربة الفساد"، إطارًا جامعًا للنخب الوطنية والمنظمات غير الحكومية والهيئات المهنية والشبابية والسياسية، وذلك سعيا لتوحيد جهود الجميع لخوض معركة وطنية شاملة ضد الفساد بكل أشكاله وتجلياته، من فساد إداري، ومالي، وسياسي، ومجتمعي، وأخلاقي، وقيمي، وبيئي.
أولا / السياق العام
تشهد موريتانيا اليوم مرحلة فريدة من نوعها، بدأت تتشكل فيها ملامح إرادة سياسية جادة في مواجهة الفساد، بعد عقود من التغاضي والتردد. وقد جاءت سلسلة من الخطوات الرسمية الجريئة لتؤكد ذلك الاتجاه، بدءًا بنشر تقرير محكمة الحسابات للرأي العام، ومرورا بـإنهاء مهام عدد من كبار المسؤولين المشمولين في التقرير، ووصولا إلى إحالة الملفات إلى القضاء، مما أعاد الثقة في إمكانية قيام حرب حقيقية وجدية على الفساد لا استثناء فيها ولا تراجع عنها.
وقد صاحب هذه الإجراءات استنفار شعبي ووعي وطني غير مسبوق بخطورة الفساد وضرورة محاربته، غير أن تجارب الماضي علمتنا أن كل خطوة في اتجاه محاربة الفساد ستثير حتما مقاومةً قوية من شبكات المصالح والمنتفعين من الفساد، مما يستدعي منا اصطفافا وطنيًا واسعا يثمن ما تحقق من إجراءات، ويطالب ويضغط من أجل المزيد، وذلك سعيا لتحويل ما اتخذ من إجراءات، وما صاحب تلك الإجراءات من مواكبة شعبية واعية، إلى حراك مجتمعي مستمر ودائم مناهض للفساد، يقف في الوقت نفسه ضد تمييع محاربة الفساد أو الانحراف بها عن وجهتها الصحيحة.
إننا في "الائتلاف الوطني لمحاربة الفساد" نؤمن بأن هذه اللحظة هي اختبار حقيقي لإرادة الدولة والمجتمع؛ فحين تتلاقى الإرادة الرسمية مع الإرادة الشعبية، ستتشكل حتما القوة القادرة على محاربة الفساد وكسر دوائر الإفلات من العقاب، واستعادة ثقة المواطن في مؤسسات بلده.
ثانيا/ الأهداف والوسائل
1. حماية الجهود الرسمية لمحاربة الفساد من حملات التشكيك والإرباك، ودعمها برأي عام وطني واع ومسؤول.
2- ممارسة دور ضاغط وسلمي لحث الجهات المعنية على المضي قدما في إجراءات مكافحة الفساد، والتحقيق في جميع الملفات دون محاباة أو انتقائية، مع متابعة تنفيذ التوصيات الصادرة عن هيئات الرقابة مثل محكمة الحسابات والمفتشية العامة للدولة.
3. تنظيم حملات توعوية واسعة لتثقيف المواطن بحقوقه وواجباته، وبيان خطر الفساد على الفرد والمجتمع، وتحصين الرأي العام ضد خطابات التبرير والتلميع للمشتبه فيهم.
4. نشر ثقافة النزاهة والشفافية وترسيخ قيم الإصلاح والمساءلة والعدالة.
5. التعاون مع الهيئات الوطنية والدولية المختصة في مكافحة الفساد، ضمن احترام السيادة الوطنية واستقلال القرار.
ثالثا/ التشكيل والبنية التنظيمية
يعتمد الائتلاف في هيكله التنظيمي على أربع هيئات رئيسية، تعمل في تكامل وانسجام وفق ميثاق داخلي تمت المصادقة عليه من طرف الجمعية العامة التأسيسية، وهذه الهيئات هي:
1. لجنة الإشراف والتوجيه: المرجعية العليا التي تضع التوجهات العامة وتراقب سلامة المسار.
2. المكتب التنفيذي: الجهاز التنفيذي المسؤول عن تنفيذ البرامج والأنشطة والتنسيق بين مختلف الهيئات.
3. لجنة الخبراء: الجهاز الاستشاري والفني الذي يزود الائتلاف بالدراسات والمقترحات والاستشارات.
4. منسقيات وتكتلات الأعضاء: البنية التعبوية الميدانية التي تمثل الائتلاف في أوساطها المتخصصة (الأئمة. الشباب، النساء، النقابات، منظمات المجتمع المدني ....إلخ).
رابعا/ المبادئ الحاكمة
1. الاستقلالية التامة عن أي جهة سياسية أو حزبية.
2. الشفافية في التسيير المالي والإداري وفق آليات رقابية داخلية دقيقة.
3. احترام القانون والاحتكام إلى القضاء في كل القضايا ذات الصلة.
4. العمل الجماعي المؤسسي القائم على التشاور والتكامل بين الهيئات والمكونات.
5. الالتزام الأخلاقي والإعلامي بعدم التشهير أوإدانة أي شخص دون حكم قضائي، وفي المقابل عدم القبول بتلميع أي مشتبه فيه من قبل أن يبرئه القضاء.
خامسا/ التمويل والموارد
يُمول الائتلاف من اشتراكات أعضائه ومساهماتهم التطوعية، ومن التبرعات غير المشروطة التي لا تمس استقلاليته، ويرفض رفضا قاطعًا تلقي أي دعم خارجي أو داخلي يتعارض مع أهدافه ومبادئه. وتخضع كل موارد الائتلاف لرقابة مالية شفافة وتدقيق دوري.
ختاما
إننا ندعو جميع القوى الوطنية المخلصة من مؤسسات وهيئات وأفراد: علماء وإعلاميين، وسياسيين وحقوقيين إلى الانضمام إلى هذا الائتلاف الوطني الأول من نوعه، وذلك لتوحيد الجهود في محاربة الفساد، فلا تنمية ولا إصلاح دون محاربة الفساد، ولا محاربة للفساد دون تكاتف جهود جميع المصلحين في هذا البلد.
إننا ندرك أن الطريق طويل وشاق، وأن شبكات المصالح ستقاوم بضراوة لحماية امتيازاتها، ولكننا نثق في إرادة شعبنا، وفي قدرة نخبه المخلصة، وفي دعم كل من ينشد لموريتانيا مستقبلاً أفضل.
نواكشوط، بتاريخ 04 نوفمبر 2025م
الموقعون:
لجنة الإشراف والتوجيه
المكتب التنفيذي
لجنة الخبراء
البيان قرأه الأمين العام للائتلاف الأستاذ محمد الأمين ولد الداه .


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق