الخميس، 13 نوفمبر 2025

استشراف في محله!


حذر رئيس الجمهوية حكومته وأغلبيته من التفكير الآن في انتخابات 2029، وقال إن من لديه أصدقاء أو أنصار يفكرون له أو يخططون له بهذا الخصوص يضرونه الآن وغدا، جاء هذا التحذير في خطابه أمام أطر  تمبدغة (12 نوفمبر 2025)، وهو تحذير يؤكد ما كتبته في مطلع هذا العام عن خطورة الحديث المبكر عن انتخابات 2029.

(1)

"أتابع منذ أيام نقاشات في مواقع التواصل الاجتماعي في غير صالح النظام الحاكم، وإذا كان من الطبيعي جدا أن يُسَعِّر المدونون المعارضون تلك النقاشات، فإن الغريب حقا هو أن ينخرط فيها مدونون داعمون  للنظام.

مثل هذه الأخطاء، تتكرر دائما، ربما بسبب غياب رؤية إعلامية واضحة المعالم في مواقع التواصل الاجتماعي لدى داعمي النظام، وفي ظل غياب تلك الرؤية سيبقى الارتجال والاجتهاد الفردي هما سيدا الموقف، وسيبقى من الممكن دائما وضع الطعم في مواقع التواصل الاجتماعي، من هذا الطرف أو ذاك، لجر مدوني النظام إلى نقاش قضايا، يعدُّ نقاشها ـ ومن أي زاوية ـ  يضر النظام أكثر مما ينفعه.

ومن تلك القضايا، يمكننا أن نذكر ثلاثا:

1 ـ الحديث المبكر عن مرشح النظام المحتمل في العام 2029، فمن ينخرط الآن من داعمي النظام  في أي حديث من هذا القبيل، ولأي سبب كان، فإنما يحارب النظام إعلاميا وسياسيا بحديثه في هذا الموضوع، علم ذلك أو لم يعلم، قصد ذلك أو لم يقصده.

إن السياسة تقوم أساسا على خلق الآمل لدى المواطنين، ومن يتحدث الآن عن المرشح المفترض للرئيس في العام 2029 ، إنما يُريد أن يقول سياسيا  بأنه لا إنجازات تحققت تستحق أن نتحدث عنها، ولا إنجازات  تنتظر، ولذا فإنه علينا أن ننشغل من الآن بالبحث عن مرشح الرئيس وخليفته القادم.

لا خلاف على أن حديث مدوني المعارضة في هذا الوقت المبكر عن "مرشحين مُتَخيلين" للنظام، وترجيح كفة بعضهم على البعض، اعتمادا على الخيال والإشاعات، قد يكون حديثا مقبولا على المستوى السياسي، حتى وإن كان غير مقبول أخلاقيا لاعتماده على الإشاعة والكذب، ومثل هذا الحديث لمن لا يعني له الكذب والتلفيق أي شيء، قد يدخل في صميم العمل المعارض، لأنه يهدف أساسا إلى إرباك النظام، وإلى قتل الأمل لدى المواطن، هذا فضلا عن كونه يخلق نوعا من عدم الثقة بين أركان النظام، ولكن الغريب حقا هو أن ينجرف مدونون محسوبون على النظام في مثل هذا الحديث، ومن يشارك منهم في نقاش كهذا، معززا هذه الفرضية أو تلك، إنما يقوم بعمل عدائي للرئيس أولا، ولنظامه الحاكم به ثانيا.

اللافت في الأمر أن الجهة السياسية التي كان يفترض فيها أن تسمي مرشحها في وقت مبكر، وتبدأ في الدعاية له من أول عام من المأمورية الحالية هي المعارضة، ولكن المعارضة عاجزة عن ذلك لغياب الرؤية السياسية، ولما تعاني منه من تشظي وانشطار تزداد حدته عاما بعد عام، وهو ما يعني أن عجزها في اختيار مرشح توافقي سيبقى قائما إلى ما بعد انتخابات 2029، وهذا استشرافي بخصوص المعارضة. أما الأغلبية فما يخدمها سياسيا وإعلاميا هو أن تؤخر الحديث عن هذا الموضوع إلى آخر سنة من المأمورية الحالية، ولكن بعض مدونيها يبدو أنه استعجل الأمر، وانخرط ـ بالتالي ـ  في موجة التخمينات التي أطلقت عن إمكانية ترشيح فلان أو علان.

لستُ بحاجة للقول بأن الأسماء التي تذكر حاليا ما هي إلا مجرد تخمينات ليس لها ما يدعمها، وأي مدون داعم للنظام يروج لهذا الوزير أو ذاك العسكري المتقاعد، أو ذلك الموظف السامي، بوصفه مرشحا مفترضا للرئيس في العام 2029، إنما يضر من يروج له من حيث أراد أن ينفعه."

هذه مقدمة مقال نشرته مطلع هذا العام، وتحديدا في يوم السبت الموافق  18 يناير 2025، وأعدتُ نشرها هنا دون أن أغير منها كلمة واحدة. المقال كان تحت عنوان: "داعمون يحاربون النظام إعلاميا وسياسيا!"، ويمكن العودة إليه من خلال مدونتي الشخصية أو من خلال المواقع التي تنشر لي.

(2)

ما معنى يضرونه الآن، ويضرونه غدا التي وردت في حديث الرئيس أمام أطر تمبدغة؟

في اعتقادي الشخصي أن الضرر الآن تعني الاستبعاد من دائرة الحكم، أما الضرر غدا فتعني الاستبعاد من الترشيح، وقد تحدثتُ في مقال سابق عن هذا الضرر أعيد جزءا منه دون أي تعديل.

"إن المعايير التي سيُحدَد على أساسها مرشح النظام في العام 2029، وكما تظهر لي في الوقت الحالي، يمكن إجمالها في النقاط التالية:

1 ـ أن يكون المرشح المتوقع قد كسب ثقة رئيس الجمهورية في الماضي، وأن يعزز تلك الثقة في هذه المأمورية، فرئيس الجمهورية هو من سيحدد مرشح النظام في العام 2029، ولذا فكل عمل يقوم به أي شخص من الدائرة الضيقة في النظام  لتعزيز تلك الثقة فهو سيقربه أكثر من الترشيح، وكل عمل يشوش أو يهز تلك الثقة فسيبعد صاحبه ـ وبشكل تلقائي ـ عن الترشيح؛

2 ـ شرعية الإنجاز وتأدية المهام على أحسن وجه، فمن يؤدي مهامه الحالية من أركان النظام على أحسن وجه، فسيكون  احتمال ترشيحه هو الأقوى، والعكس صحيح؛

3 ـ كسب ثقة المواطن، أي الناخب، فأي شخص في الدائرة الضيقة من النظام يتمكن من تعزيز ثقة المواطن به، من خلال تأديته لعمله على أحسن وجه، ستكون حظوظه في الترشيح أكبر، فالرئيس سيختار من نظامه من سيكون تسويقه للمواطن (أي الناخب) أسهل؛

4 ـ صحيح أن الإجماع الذي كان يتمتع به مرشح النظام في العام 2019 داخل الأغلبية الحاكمة، وحتى خارجها، يستحيل أن يتكرر في العام 2029، ولكن مع ذلك فإن من يستطيع أن يخلق حوله إجماعا أكبر داخل أغلبية النظام وخارجها فستكون حظوظ ترشيح الرئيس له أكبر من حظوظ من يعمل على تفكيك الأغلبية من الداخل من خلال سياسة صراع الأحلاف.

في اعتقادي الشخصي أن من تحققت فيه هذه المعايير الأربع، أو تحقق فيه أغلبها، سيكون هو الأوفر حظا لأن يختاره الرئيس ليكون مرشح النظام في العام 2029.

وفي اعتقادي الشخصي أن كل من يرتكب من أركان النظام في الوقت الحالي خطأ التحدث عن استحقاقات 2029، أو يقوم بأي خطوة معلنة أو في الخفاء سعيا للترشح في العام 2029، أو يؤسس نواة حلف داخل الأغلبية لدعم ترشيحه، إن كل من يفعل أي شيء من ذلك، سيكون خارج دائرة الترشيح نهائيا، لأن أي خطوة من ذلك القبيل ستشكل إساءة للرئيس، وستهز من ثقته فيمن قام بها، وستبعد بالتالي من قام بها من لائحة خيارات الترشيح المحتملة."

هذه خاتمة مقال نشرته منذ عدة أشهر ، وتحديدا في يوم الاثنين الموافق 9 يونيو 2025، وكان تحت عنوان: "حديث سابق لأوانه عن العام 2029!"، ويمكن العودة إليه من خلال مدونتي الشخصية أو من خلال المواقع التي تنشر لي.

حفظ الله موريتانيا...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق