الأربعاء، 20 سبتمبر 2023

ما هي اللغة الرسمية لموريتانيا؟

 


هذا ما حدث خلال الأربع والعشرين ساعة الأخيرة، وذلك على الرغم من مرور أكثر من 32 سنة على المصادقة على دستور 20 يوليو 1991، والذي نصت مادته السادسة على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية.

(1)

للمرة الثانية يتحدث فخامة رئيس الجمهورية محمد الشيخ الغزواني بلغة أجنبية خلال مشاركته في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة. كانت المرة الأولى في يوم 01 نوفمبر 2021، وكانت المرة الثانية مساء أمس الثلاثاء الموافق 19 سبتمبر 2023 في قمة أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، على هامش أشغال الدورة العادية الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث ألقى فخامته خطابا بلغة أجنبية في منبر أممي تعتبر اللغة العربية واحدة من لغاته الرسمية، وتكرار حديث الرئيس بلغة أجنبية في منبر أممي هو أمرٌ محير، ويطرح أكثر من سؤال.

فلماذا يصر فخامة رئيس الجمهورية على مخالفة المادة السادسة من الدستور الموريتاني بحديثه بلغة غير دستورية في منبر أممي جعل من اللغة العربية إحدى لغاته الرسمية الست؟ ولماذا يُعطي الرئيس الانطباع لقادة العالم بأن اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية هي اللغة الفرنسية وليست اللغة العربية؟

لو كان الرئيس لا يستطيع أن يتحدث باللغة العربية، لكان بالإمكان تفهم حديثه بلغة أجنبية، ولكن ما يحير في الأمر هو أن الرئيس يتحدث بشكل جيد باللغة العربية، وهو قادر على أن يبهر القادة العرب بلغته العربية الجميلة، فلماذا اختار الرئيس أن يتحدث بلغة أجنبية في منبر أممي؟

(2)

للمرة الثانية أيضا يتحدث رئيس أعلى هيئة دستورية في البلاد (المجلس الدستوري) بلغة أجنبية خلال ترؤسه لحفل تنصيب. كانت المرة الأولى خلال حفل تنصيب رئيس الجمهورية (1 أغسطس 2019). أما المرة الثانية، فكانت اليوم (20 سبتمبر 2023) خلال تنصيب زعيم مؤسسة المعارضة الموريتانية.

في كلا التنصيبين افتتح رئيس المجلس الدستوري حديثه بكلمات عربية، وذلك من قبل أن يبدأ خطابه الرسمي بلغة أجنبية لا ذكر لها إطلاقا في أي مادة من مواد الدستور الموريتاني، البالغ عددها 102 مادة.

كان من الأفضل في حالة عجز رئيس المجلس الدستوري عن الحديث باللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية أن يتحدث بإحدى لغاتنا الوطنية، ولو أنه تحدث بإحدى لغاتنا الوطنية لكان في ذلك احترام للدستور الموريتاني، ولكان فيه أيضا إعطاء قيمة لإحدى لغاتنا الوطنية، فلماذا اختار رئيس المجلس الدستوري أن يتحدث بلغة أجنبية بدلا من التحدث بإحدى لغاتنا الوطنية؟

(3)

في نفس هذا اليوم طالعتُ كذلك خبرا عن وصول وفد برلماني موريتاني برئاسة نائب رئيس البرلمان "موسى دمبا صو" للصين، وذلك لتمثيل بلادنا في النسخة السادسة من المعرض العربي الصيني، ومن المعروف أن نائب رئيس الجمعية الوطنية لا يستطيع أن يتحدث باللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية، وهو ما ظهر خلال ترؤسه لأول جلسة للبرلمان الحالي، ولذا فمن المؤكد أنه سيتحدث باللغة الفرنسية في معرض خاص بالدولة العربية، ومنظم في دولة تهتم باللغة العربية أكثر من اهتمامها باللغة الفرنسية، فلماذا اختير لرئاسة وفد سيمثل بلادنا في المعرض العربي الصيني نائب لا يستطيع أن يتحدث باللغة العربية أمام الوفود العربية المشاركة في  هذا المعرض؟

في المجمل، فإن خطابات رئاسة الجمهورية والمجلس الدستوري والجمعية الوطنية، كانت كلها باللغة الفرنسية خلال الأربع وعشرين ساعة الأخيرة، وكانت على النحو التالي:

1 ـ فخامة رئيس الجمهورية يتحدث في قمة أهداف التنمية المستدامة باللغة الفرنسية؛

2 ـ رئيس المجلس الدستوري يتحدث في حفل تنصيب زعيم المعارضة باللغة الفرنسية؛

3 ـ نائب رئيس الجمعية الوطنية يتحدث أمام المعرض العربي الصيني باللغة الفرنسية؛

يمكن أن نُضيف لكل هذا أن كل الوثائق الرسمية التي تصدر عن الوزارة الأولى وعن أغلب الوزارات هي باللغة الفرنسية حصرا، وأن اللغة الرسمية لإجراءات الصفقات العمومية هي اللغة الفرنسية حصرا، وأن اللغة الرسمية للبنك المركزي الموريتاني، وكل البنوك العاملة في موريتانيا هي اللغة الفرنسية حصرا. لنُذكر هنا بأن الشرط الأول في تقريب خدمات الإدارة من المواطن يتمثل في مخاطبته بلغته الرسمية التي يفهمها أو يفترض فيه أنه يفهمها.

(4)

لا أخفيكم أني عشتُ اليوم ظرفية نفسية صعبة جدا، وذلك بعد أن تابعتُ فخامة رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الدستوري وربما نائب رئيس الجمعية الوطنية يتحدثون كلهم بلغة أجنبية، وهم الذين يمثلون أعلى سلطة تنفيذية، وأعلى سلطة دستورية، وأعلى سلطة تشريعية في البلاد.

في ظل هذه الوضعية النفسية الصعبة التي عشتها اليوم، أرسل لي أحد المتابعين سامحه الله، وكأنه أراد أن يزيد همومي بهم جديد، نسخة من تعميم صادر اليوم عن الإدارة الجهوية للتعليم الثانوي بكيدي ماغا باللغة الفرنسية فقط، وموجه لمديري الثانويات في الولاية، ويوم أمس أشار إليَّ أحد المتابعين سامحه الله هو أيضا بخصوص منشور (إعلان اكتتاب بتاريخ 27 يوليو 2023) على صفحة شركة "آفرو بورت" على الفيسبوك، والتي تتولى تسيير مطار نواكشوط الدولي (أم التونسي)، وقد تم اشتراط المعرفة الجيدة للغة الفرنسية والانجليزية لكل من يريد أن يترشح للوظائف المطلوبة في الإعلان، والذي جاء فيه أيضا أن معرفة اللغات الأخرى مهمة، ولم يأت أي ذكر للغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية في هذا الإعلان.

بين الأمس واليوم تلقت اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية الكثير من الطعنات، وقد تعودنا في هذه البلاد أن المصائب لا تأتي فرادى للغة العربية. ومما يزيد من حجم المصائب التي تتلقاها اللغة العربية في هذه البلاد، أن المعارضة الموريتانية، والتي نُصِّب زعيمها اليوم، تنتقد الحكومة على كل تقصير، ولا تستثني من انتقادها للحكومة إلا التقصير في مجال ترسيم اللغة العربية.

لم يستنكر قادة المعارضة حديث رئيس المجلس الدستوري أمامهم بلغة أجنبية (لا هي لغة رسمية ولا هي لغة وطنية) خلال حفل تنصيب زعيمهم الذي نُظم اليوم، ولم يأت أي ذكر للغة العربية في الميثاق الجمهوري الذي أعده حزبان من أحزاب المعارضة. لقد تحدثت هذه الوثيقة عن كل شيء تقريبا، ولم تستثن إلا اللغة العربية مع أنها تحدثت عن بقية لغاتنا الوطنية.

ليس لنا في ختام هذا المقال إلا أن نسأل: ما هي اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية؟

يمكن أن نجيب على هذا السؤال بإجابتين: الأولى تقول إنها اللغة العربية بنص الدستور الموريتاني المكتوب، والثانية تقول إنها اللغة الفرنسية بنص دستور الأمر الواقع.

 نرجو أن يكون الخطاب الثاني لفخامة رئيس الجمهورية في أشغال الدورة العادية الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة باللغة العربية.  

حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق