الخميس، 14 سبتمبر 2023

لماذا تركز على قضية اللغة وتتجاهل القضايا الأخرى؟

 


يُطرح عليَّ هذا السؤال بشكل متكرر، وإليكم الجواب في عشر نقاط:

1- لقد أصبح من اللازم الانشغال بترسيم اللغة العربية بشكل نهائي، وذلك بعد مرور 63 سنة على استقلالنا الوطني، و32 سنة على المصادقة على دستورنا الذي جعل من اللغة العربية لغة رسمية وحيدة للجمهورية الإسلامية الموريتانية، فهل تريدوننا أن ننتظر أكثر، أي أن ننتظر قرنا كاملا بعد الاستقلال، ونصف قرن على المصادقة على الدستور لحسم مسألة اللغة؟؛

2- لأن النخب السياسية ـ وخصوصا المعارضة منها ـ تهتم بكل المواضيع، وتتجاهل فقط مسألة تهميش اللغة الرسمية في الإدارة والتعليم، ولذلك فإن الاهتمام باللغة العربية في ظل هذا التجاهل العام أصبح "فرض عين" بالنسبة لي ولغيري من المطالبين بتفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني؛

3- لأنه لا نهضة بدون إصلاح التعليم، ولا إصلاح للتعليم من دون التدريس باللغة الأم، ومن هنا فيظهر أن من يهتم بقضية اللغة يهتم أيضا بإصلاح التعليم؛

4 - لأنه لا إصلاح إداري دون تقريب خدمات الإدارة من المواطن، والشرط الأول في تقريب خدمات الإدارة من المواطن يتمثل في مخاطبته بلغته الرسمية التي يفهمها أو يفترض فيه أنه يفهمها. ومن هنا يظهر أن من يهتم بقضية اللغة يهتم أيضا بإصلاح الإدارة؛

5- لا يمكن تحقيق تنمية دون محاربة الفساد، ولا محاربة للفساد دون رقابة شعبية، ولا يمكن أن تكون هناك رقابة شعبية ولغة الصفقات العمومية التي تستنزف نصف الميزانية تقريبا هي لغة أجنبية لا تفهمها نسبة 90% من المواطنين. من هنا يظهر أن من يهتم بقضية اللغة يهتم أيضا بمحاربة الفساد؛

6 - من أهم حقوق المستهلك أن تصله كل المعلومات المتعلقة بالمنتج أو السلعة أو الخدمة بلغته الرسمية. ومن هنا يظهر أن من يهتم بقضية اللغة يهتم أيضا بحقوق المستهلك؛

 

7- لا نهضة للمجتمع دون ترقية اجتماعية، ولا ترقية اجتماعية ما دام حملة الشهادات بالعربية (أبناء الفقراء) يقصون من الوظائف لصالح أبناء الميسورين الذين يتمكنون من دراسة اللغة الفرنسية في المدارس الخاصة أو خارج البلاد. ومن هنا يظهر أن من يهتم بقضية اللغة يهتم أيضا بمحاربة الفوارق الاجتماعية؛

8 - لا يمكن أن نتحدث عن دولة قانون ومؤسسات دون احترام الدستور الموريتاني، ولا يمكن أن نتحدث عن احترام الدستور الموريتاني ونحن ننتهك يوميا مادة من مواده التي تحتل رتبة عليا من حيث الترتيب. ومن هنا يظهر أن من يهتم بقضية اللغة يهتم أيضا ببناء دولة القانون والمؤسسات؛

9- لا يمكن أن نتحدث عن وحدة وطنية ونحن نعيش فوضوية لغوية تسمح للبعض بأن يتحدث بلغة غير دستورية وغير وطنية في المناسبات الرسمية، فمثلا رئيس أعلى هيئة دستورية في البلاد تحدث بلغة غير دستورية أثناء تنصيب رئيس الجمهورية!! كان عليه في حالة عدم القدرة على الحديث باللغة الرسمية أن يتحدث بإحدى لغاتنا الوطنية، بدلا من الحديث في مناسبة كهذه بلغة أجنبية. لا وحدة وطنية دون لغة رسمية يتحدثها الجميع. ومن هنا يظهر أن من يهتم بقضية اللغة يهتم أيضا بالوحدة الوطنية؛

10 – هناك فرصة ثمينة متاحة لنا الآن إن لم نستغلها في حسم مسألة اللغة، فسيعني ذلك أنه لن يكون بإمكاننا أن نحسم هذه المسألة مستقبلا. فمن المعروف أن فرنسا هي من كانت تحول دون حسم مسألة اللغة، وذلك حتى تبقى لغتها مسيطرة في التعليم والإدارة في بلدنا، ومن المعروف أيضا أن فرنسا اليوم ليست في أحسن أحوالها، وأن هناك موجة من السخط ضدها تعم مستعمراتها القديمة في إفريقيا السوداء.

هناك فرصة علينا أن نستغلها، وأنا لستُ من الذين يُطالبون بإعلان العداء ضد فرنسا، بل إني أدعو إلى الحفاظ على علاقات جيدة معها، ولكن بشرط أن تقبل فرنسا بأننا دولة مستقلة لها سيادتها اللغوية، وأنه ليس من حقها أن تتدخل لنا في سياستنا اللغوية.

يمكننا في هذه البلاد أن نجعل من اللغة الفرنسية لغة أجنبية أولى، وفاءً لعلاقاتنا التاريخية بفرنسا، وذلك على الرغم من أن مصلحتنا تقتضي أن نجعل من اللغة الإنجليزية اللغة الأجنبية الأولى في بلادنا، وذلك لأنها أولا هي لغة العلم والعالم في هذه الفاصلة من تاريخ البشرية، ولأنها ثانيا لغة "شبه محايدة" لا تحمل شحنة استعمارية، ولم تحاول الدول العظمى الناطقة بها أن تفرضها على بقية دول العالم بالقوة، عكس اللغة الفرنسية التي تحمل تلك الشحنة الاستعمارية، وذلك بعد أن جعلت منها فرنسا إحدى أقوى وسائلها لبسط سيطرتها على مستعمراتها القديمة.

يمكننا في هذه البلاد أن نجعل من اللغة الفرنسية اللغة الأجنبية الأولى في بلدنا، وسيكون ذلك في مصلحة فرنسا أولا، أما إذا ما استمرت فرنسا في ضغطها من أجل انتزاع مساحة للغة الفرنسية لا تستحقها، وأن يكون ذلك على حساب لغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية، فلتعلم فرنسا أن ذلك قد يسرع من وصول موجة السخط ضدها إلى بلادنا، وحينها فسترتفع الأصوات للمطالبة بالتخلي نهائيا عن اللغة الفرنسية، وجعل اللغة الإنجليزية لغة أجنبية أولى ووحيدة في بلادنا.

حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق