إني أحلم بأن أستيقظ ذات يوم على وطن حقيقي، يكون انتماء المواطن فيه للوطن من قبل أن يكون للقبيلة، أو للجهة ، أو للعرق، أو للشريحة.
الاثنين، 16 ديسمبر 2019
من المبادرة إلى المؤازرة !
تعدُّ كلمة مبادرة من الكلمات التي ساءت سمعتها كثيرا في
السنوات الأخيرة، وأصبحت هذه الكلمة تحمل شحنة سلبية، بل إنها أصبحت تعني ـ في
تداولها السياسي المحلي ـ كل الأنشطة السخيفة والتافهة التي تُنَمِّي ثقافة التطبيل
والتزلف للحاكم.
ما قيل هنا عن كلمة "مبادرة" يمكن أن يُقال عن كلمة
"الأطر" أو "الإطارات" على الأصح، وهي الكلمة التي ساءت
سمعتها أيضا. الكارثة تقع عندما يتم الجمع بين "المبادرات" و"الإطارات"،
ويبدو أننا قد نعيش أياما قادمة ستظهر فيها "مبادرات" بلا أول ولا آخر تنظمها
"إطارات" الولايات، وستتنافس الولايات في هذه المبادرات كما تنافست من
قبل أشهر قليلة في مبادرات المأمورية الثالثة.
لنطرح السؤال :
هل يحتاج الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ـ في مثل هذا الوقت
بالذات أو في أي وقت آخرـ لمبادرات سخيفة وتافهة ينظمها أولئك المحترقون
سياسيا، والذين كانوا قد نظموا منذ أشهر قليلة مبادرات سخيفة وتافهة طالبت بالتمديد
وبمأمورية ثالثة للرئيس السابق؟
بالتأكيد لا يحتاج الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لمثل هذا
النوع من المبادرات الذي يعيد إنتاج سلبيات الماضي. هذا النوع من المبادرات يضرُّ
الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أكثر مما ينفعه، ومن ينظم مبادرة من هذا النوع فهو
يعمل ضد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، أسرَّ بذلك أم جاهر به.
من أراد أن يدعم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني فليؤازره حتى
ينفذ تعهداته التي تعهد بها للشعب الموريتاني، وخاصة ما تعلق من تلك التعهدات
بإصلاح التعليم أو ببرامج وكالة "التآزر".
وفي اعتقادي فإن مهمة التآزر هذه لن تستطيع نخب المبادرات
المحترقة أن تقوم بها، هذه المهمة يجب أن يتولاها الداعمون الذين لم تحرقهم
المبادرات السخيفة التي عرفناها خلال السنوات الماضية. ولكن مشكلة أولئك الذين لم
يحترقوا تكمن في خمولهم وفي بطء تحركهم، وذلك على العكس من النخب المحترقة والتي
تمتلك حيوية وسرعة كبيرة على التحرك في الوقت المناسب. سأعطيكم مثالا قريبا: لقد
كان من المفترض بالنواب الذين رفضوا المأمورية الثالثة، والذين لم يتلطخوا
بمبادرات التمديد، أن يقودوا الحراك الرافض لعودة الرئيس السابق إلى العمل السياسي
من خلال واجهة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية. إنهم هم الأولى سياسيا وأخلاقيا وأدبيا
بقيادة ذلك الحراك، ولكنهم تأخروا في التحرك، ولأن الطبيعة لا تقبل الفراغ، فقدتحرك
دعاة التمديد في التوقيت المناسب، فاحتلوا بذلك واجهة الحراك الرافض لقيادة الرئيس
السابق لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وما كان لهم أن يحتلوا تلك الواجهة.
الآن، وقد بدأت كارثة المبادرات و"الإطارات" تنذر
بالعودة بشكل أسوأ، أليس من حقنا أن نسأل: أين هي التكتلات والتيارات التي كانت
تدعم المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني، والتي لاشك أنها تضم الكثير من الأوجه
النظيفة؟ فمتى سيستيقظ هؤلاء؟ ومتى سيدركون بأن المجال السياسي كغيره من المجالات
لا يقبل الفراغ؟
على كل داعمي الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ممن لم يحرقهم
هرج ومرج المبادرات السخيفة، أن يتحركوا من الآن فصاعدا لسد الأبواب أمام
المبادرات السخيفة، والتي إن لم تسد أمامها الأبواب، فإنها ستتناسل وستتكاثر وستأتي
على كل أخضر ويابس.
وستبقى الطريقة الأمثل والأنجع لسد الأبواب أمام تناسل هذه المبادرات
السخيفة هو أن يخلق تنافس داخل الأغلبية الداعمة في مجال الخدمة العامة، وأن تطلق
أنشطة تنافسية داخل هذه الأغلبية مؤازرة للرئيس ولبرنامجه الانتخابي، وخاصة في
مجالي إصلاح التعليم ودعم الفئات الأكثر هشاشة، وهناك تصورات في هذا المجال قد يتم
عرضها في التوقيت المناسب.
إن السؤال المطروح على النخب السياسية النظيفة الداعمة للرئيس
محمد ولد الشيخ الغزواني، والذي يجب عليها أن تجيب عليه بشكل عملي، ومن قبل فوات
الأوان هو : كيف يمكن لتلك الأوجه النظيفة داخل الأغلبية أن ترقى بالعمل السياسي
داخل فسطاطها؟ وكيف يمكنها أن تنتقل بالأغلبية من التنافس في مجال إطلاق المبادرات
السخيفة التي تضر أكثر مما تنفع، إلى تنافس في مجال الخدمة العامة تؤازر به الرئيس
الذي تدعم؟
حفظ الله موريتانيا..
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق