الجمعة، 15 نوفمبر 2019

مقترحان للمساهمة في تشغيل الموريتانيين الأكثر فقرا والأقل تعليما   


تم استدعائي اليوم الجمعة (15نوفمبر 2019)  من طرف وزير التشغيل والشباب والرياضة رفقة عدد من الكتاب والمدونين ونشطاء المجتمع المدني، وقد تحدث الوزير خلال اللقاء عن إستراتيجية الوزارة في مجال التشغيل، وطلب منا تقديم مقترحات في هذا المجال.
فيما يخصني فلم أتحدث إطلاقا عن تشغيل الشباب من أصحاب الشهادات، فقد تركتُ الحديث في ذلك لفرصة قادمة، ذلك أني  كنتُ قد تقدمتُ بدعوة  في يوم 17 أكتوبر 2019 إلى السيد الوزير ليحضر حلقة من حلقات "صالون المدونين" في موسمه الجديد، وهي حلقة كنا نريدها أن تجمع الوزير بعشرات المدونين الشباب. وقد عاتبته في بداية حديثي عن عدم تسلمي لأي رد على تلك الدعوة، وقد اعتذر الوزير عن ذلك، ووعد بتصحيح الخطأ.

 في كلمتي تقدمتُ بمقترحين يخصان الشباب الذي لم ينل حظا كبيرا من التعلم، وكذلك الشرائح الأكبر سنا والأقل تعلما، أحد المقترحين هو مجرد مقترح نظري ولكني أرى بأنه قابل للتنفيذ، والمقترح الثاني هو مقترح قد تم تنفيذه ميدانيا من طرف مركز "الخطوة الأولى" للتنمية الذاتية من قبل إغلاقه.
المقترح الأول : لماذا لا نجعل من القمامة موردا لتوفير الدخل ولتشغيل الفقراء؟
يهدف هذا المقترح الذي تم تقديمه في وقت سابق إلى تحقيق هدفين كبيرين : أولهما تنظيف مدينة نواكشوط، وتحويلها إلى مدينة نظيفة، وثانيهما تحويل القمامة إلى مورد لتوفير دخل لآلاف الفقراء.
هذا المقترح ـ إن تم الأخذ به ـ سيجعل من القمامة  "ثروة وطنية" لتشغيل الآلاف من الموريتانيين الأكثر فقرا، ويصعب أن تتم منافستهم من طرف من هم أحسن حالا، وهذه مسألة في غاية الأهمية، فمن المعروف بأن الميسورين في هذه البلاد قد تعودوا دائما على أن ينافسوا الفقراء في كل الفرص التي كان يجب أن تبقى خاصة بالفقراء.
إن القمامة يمكن أن يتم تحويلها إلى سلعة تباع و تشترى، وعندها ستختفي كما اختفت الخردة وكما اختفت المواد البلاستيكية الصلبة.
يرى هذا المقترح بأنه على السلطات أن تؤسس شركة لشراء القمامة، تخصص لها الأموال التي كانت تقدمها لبيزورنو في مرحلة سابقة، ولشركات التنظيف المحلية في مرحلة لاحقة، وعليها أن تحدد نقاطا خارج العاصمة لشراء القمامة من عند المواطنين، ولو أن السلطة قامت بذلك لتنافس أصحاب العربات التي تجرها الحمير في جمع القمامة من شوارع العاصمة، وربما لحق بهم حملة الشهادات وغيرهم من أصحاب السيارات ذات العجلات الثلاثة، فكل من يملك واحدة من تلك السيارات سيكون بإمكانه أن يشغل عددا من العمال لجمع القمامة ولحملها في سيارته خارج العاصمة لبيعها عند نقاط شراء القمامة الموجودة هناك.
لقد كانت الدولة تمنح لشركة "بيزورنو" ملياري أوقية سنويا لتنظيف العاصمة، ولقد نقل عن مدير هذه الشركة في إحدى المقابلات بأن شركته كانت تعالج يوميا 600 طن من القمامة، وهذا يعني بأن الكيلوغرام من القمامة كان يكلف الدولة الموريتانية 10 أوقية قديمة، وقد كلفها أكثر من ذلك في ظل التعاقد مع شركات خاصة لتنظيف العاصمة، وربما تصل كلفة الكيلوغرام الواحد من القمامة إلى 40 أوقية. ولو أن السلطة منحت 40 أوقية لكل مواطن يأتيها بكيلوغرام من القمامة، لتنافس المواطنون في جمع القمامة، ومن يدري فربما تحدث نزاعات على ملكية القمامة، وربما تقع خصومات عند جمعها من الشوارع إذا ما تحولت هذه القمامة إلى سلعة تباع وتشترى.
إن جمع ونقل 100 كلغ من القمامة يوميا، وهذه كمية قليلة لا تحتاج لجهد ولا وقت كبير، ستوفر لصاحبها 4 آلاف أوقية يوميا، وهو ما يعني أن دخله الشهري سيصل إلى 120 ألف أوقية قديمة. ألا يستحق هذا المقترح الذي يجمع بين تشغيل الفقراء والحد من القمامة أن يأخذ به؟
المقترح الثاني : لماذا لا يتم فتح  مراكز للتثقيف الحرفي؟  
 إذا كانت ثرواتنا في هذه البلاد تستنزف من طرف عمال أجانب لهم تخصصات عالية، فإنها أيضا تستنزف وفي جزء ليس بالقليل من طرف يد عاملة أجنبية غير متخصصة، وذلك من خلال حرف ومهن بسيطة جدا.
إن التدريب على مثل هذه المهن والحرف الصغيرة المحتكرة تقريبا من طرف الأجانب، لا يحتاج لتكوين لمدة سنتين وإنما يحتاج  ـ في الأساس ـ إلى توعية بأهمية العمل، وتغيير عقليات، وإلى ما سميناه في مركز "الخطوة الأولى" بالتثقيف الحرفي بدلا من مصطلح التكوين المهني المستخدم لدى الجهات الرسمية.
إن هذا المقترح يعتمد في الأساس على تأسيس مراكز للتثقيف الحرفي تُدرب الفقراء على تلك المهن والحرف الصغيرة جدا والتي يقبل عليها الأجانب بشكل كبير.
والحقيقة أن فكرة هذه المراكز هي مستمدة ـ بشكل أو بآخر ـ من فكرة "بنوك الفقراء" التي ابتدعها محمد يونس في نهاية السبعينات من القرن الماضي.
كان الفقراء في بنجلادش يموتون بسبب المجاعة التي عرفتها بنجلادش في تلك الفترة، وكان لابد من التفكير والبحث عن حلول لمحاربة الفقر هناك، لذلك فكر محمد يونس في تأسيس بنوك للفقراء، يكون بإمكانها أن تقدم قروضا بلا ضمانات للفقراء، لأنهم لو كانوا يملكون تلك الضمانات التي تطلبها البنوك التقليدية لما ماتوا جوعا.
كانت الفكرة غريبة ومجنونة في ذلك الوقت، وقد عارضها الجميع لأنه لم يكن هناك من كان بإمكانه أن يتخيل بأنه يمكن لأي بنك أن يستمر وهو يقدم قروضا لفقراء لا يملكون أي ضمان.
ولقد تبين فيما بعد بأن الفكرة لم تكن مجنونة، بل بالعكس فقد كانت من الأفكار الرائدة التي استفاد منها الملايين من الفقراء في العديد من الدول الفقيرة.
إننا في هذا البلد بحاجة إلى مراكز للتثقيف الحرفي يتدرب فيها الفقراء الأقل تعليما، مع العلم بأن مراكز التكوين المهني التقليدية تعتمد على فكرة أن المتدرب لديها يجب أن يكون متعلما بشهادة معينة. تماما كما تشترط البنوك أن لا يكون الفقير فقيرا إذا ما أراد أن يستفيد من قروضها.
إن مراكز ومعاهد التكوين المهني الموجودة في بلادنا لا يمكن أن يستفيد منها الموريتانيون الأقل تعليما والأكبر سنا وذلك لأنها:
1 ـ  تشترط لدخولها مستويات تعليمية معينة، وكذلك مستوى عمري محدد. أما الشريحة التي نستهدفها في هذا المقترح فهي أقل تعليما، وليست بالضرورة في تلك المرحلة العمرية التي تقبل بها مراكز التكوين الموجودة في البلاد.
2 ـ  تكون وتدرب على آلات باهظة الثمن لذلك فالمتدرب لا يستطيع بعد التخرج أن يفتتح ورشة تعتمد على الآلات التي تدرب عليها لارتفاع أسعار تلك الآلات. أما في هذا المقترح فنحن ننطلق من أن المتدرب هو شخص فقير جدا ولا يستطيع أن يفتتح ورشة إلا إذا كان رأسمالها أقل بكثير من نصف مليون أوقية قديمة.
3 ـ طول فترة التكوين، ونحن في المقترح نقدم برامج تدريبية لا تتجاوز شهرا واحدا على الأكثر.كما أن القدرة الاستيعابية لمراكز التكوين محدودة جدا، ومحاربة الفقر في موريتانيا تحتاج لمراكز لها قدرة استيعابية كبيرة تتناسب مع النسبة المرتفعة للفقراء في موريتانيا.
إن إطالة مدة التكوين التي تعتمدها المراكز الموجودة من أجل تخريج أعداد قليلة ذات كفاءات عالية قد لا تكون هي الحل الأنسب لمحاربة الفقر في بلادنا.
لقد أحصينا في مركز "الخطوة الأولى" للتنمية الذاتية عشرات الحرف الصغيرة التي يمكن أن توضع لها برامج تدريبية متكاملة في التثقيف الحرفي. وعمليا فقد نفذنا في المركز برنامجا تدريبيا متكاملا في التثقيف الحرفي، في مجال "صناعة الحلويات"، وقد دربنا على هذا البرنامج العشرات من أرباب الأسر الفقيرة .
تم التدريب على صناعة الحلويات على فرن مصنع محليا ويشتغل بالغاز، ويتميز هذا الفرن بالمواصفات التالية:
ـ متوفر محليا وبسعر في متناول الفقراء.
ـ هذه الأفران قادرة على إنتاج كميات كبيرة من الحلويات تكفي لتوفير ما يحتاجه محل صغير ومتوسط في هذا المجال (ألف قطعة حلويات في اليوم الواحد).
ـ هذه الأفران تنتج حلويات بجودة عالية، ولا يمكن التفريق بينها وبين منتجات محلات الحلويات الكبرى في العاصمة، والتي استثمرت فيها عشرات الملايين من الأوقية.
نذكر بأنه خلال التدريب على صناعة الحلويات كنا نقدم للمتدربين مبادئ مبسطة في التسيير، ذلك لأنه لا يكفي للمتدرب لكي يؤسس مشروعا صغيرا ناجحا، أن يتعلم حرفة، بل إنه يحتاج أيضا إلى أن يكتسب مهارات في مجال التسيير.
إننا في هذه البلاد بحاجة في مجال محاربة الفقر إلى مراكز للتثقيف الحرفي ولتغيير العقليات، أكثر من أي شيء آخر،  فمثل تلك المراكز قد تمكن آلاف الموريتانيين من إطلاق مشاريع صغيرة جدا توفر لهم دخلا هم في أمس الحاجة إليه.
   
حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق