الأحد، 5 مايو 2019

معاً لوقف انتهاك المادة السادسة من الدستور


في الثالث من مايو أصدرت الشركة الفرنسية للماء، عفوا الشركة الوطنية للماء بلاغا موجها إلى الفرنسيين المقيمين في موريتانيا، عفوا إلى الموريتانيين المقيمين في موريتانيا، وجاء في هذا البلاغ بأن أعمال الصيانة في منشآت "آفطوط الساحلي" قد تتسبب في انقطاعات الماء في الفترة ما بين السبت 4 مايو والاثنين 6 مايو.
تقول المادة السادسة من الدستور الموريتاني : "اللغات الوطنية هي العربية والبولارية والسوننكية والولفية. اللغة الرسمية هي العربية".

فهل سمعتم بإدارة دولة ذات سيادة تُخاطب مواطنيها بلغة غير دستورية، وغير وطنية، وغير رسمية؟
لو كنا في دولة قانون لكان بإمكان زبناء الشركة أن يتقدموا بشكوى للمطالبة بتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم بسبب عدم إشعارهم بأن الماء سيشهد انقطاعات في الفترة ما بين 4 و6 مايو.
فحسب أهل الاختصاص ـ وهو ما أوضحه الأستاذ "محمد المامي ولد مولاي أعل" في مقال له ـ فإن جميع القرارات الإدارية الصادرة في موريتانيا باللغة الفرنسية هي قرارات معرضة - قانونا - للإلغاء، وذلك لأسباب عديدة منها :

1 ـ أن الدستور الموريتاني نص في الفقرة الثانية من المادة 6 على أن اللغة الرسمية هي العربية، فإرادة المشرع صريحة في وجوب التعاطي والتعامل رسميا باللغة العربية، وهو ما كرسته النصوص القانونية المختلفة في أكثر من موضع، كنص المادة 71 من قانون الشغل (يجب أن تكتب الاتفاقية الجماعية لزوما باللغة العربية)، وكنص المواد 255 و 314 و 366 من قانون الإجراءات الجنائية التي تلزم بالاستعانة بمترجم في حالة المتهم لا يتكلم اللغة العربية (اللغة الرسمية)، أو في حالة وجود وثائق مكتوبة بلغة أجنبية.
2 ـ أن عيب الشكل سبب من أسباب إلغاء القرار الإداري، وذلك عند تجاوز السلطة الإدارية الشكل الذي أوجب القانون، وهو من وجهة نظر الفقه الحديث ليس مجرد عقبة أو شكل لا قيمة له، ولكنه ضمانة للأفراد وحرياتهم وحقوقهم، فوصول فحوى القرار الإداري إلى المعنيين به بلغتهم الرسمية التي يفهمون، أو يفترض قانونا أنهم يفهمونها- بحكم رسميتها دستوريا- هو ضمانة أكيدة من ضمانات الحقوق والحريات.
3 ـ استقر الاجتهاد القضائي في الأنظمة القضائية المشابهة على اعتبار القرار الإداري الصادر بلغة غير اللغة الرسمية معيب بعيب شكلي يكفي لإبطاله، من ذلك مثلا قرار مجلس الدولة الجزائري رقم 005951 المؤرخ في 11- 02- 2002 عن الغرفة الثالثة، حيث جاء في القرار: (الأصل أن القانون متى ألزم الإدارة بتحرير قراراتها بلغة معينة وجب التقيد بمضمون القانون وإصدار القرارات الإدارية بذات اللغة المقننة).
وإذا ما تركنا لغة القانون جانبا، وتحدثنا بلغة تجارية بحتة فإن إصدار هذا البلاغ باللغة الفرنسية يعد خطأ جسيما، فكان على هذه الشركة ـ وبالمنطق التجاري البحت ـ  أن تحترم زبناءها وأن تحدثهم بلغة يفهمونها أو تفهمها أغلبيتهم. فبأي منطق تخاطب الشركة زبناءها بلغة لا تفهمها إلا نسبة قليلة منهم، فحسب تقرير للمنظمة الدولية للفرانكفونية فإن نسبة من يتحدث قليلا أو كثيرا باللغة الفرنسية لا تتجاوز 13%؟
فبأي منطق تجاري تتجاهل الشركة 87% من زبنائها، ولماذا لم تترجم لهم ـ على الأقل ـ بلاغها بلغة يفهمونها ما دامت قد أصرت على إصداره باللغة الفرنسية التي لا تفهمها إلا نسبة قليلة جدا من الزبناء؟
المصيبة الأكبر أنه وحتى ومن قبل أن نستفيق من صدمة الشركة الفرنسية للماء، عفوا الشركة الوطنية للماء، أطلت علينا وزارة الداخلية بوثيقة فرنسية أخرى تحدد موعد تحري شهر رمضان وكأن تلك الوثيقة موجهة إلى ولاة وحكام وأئمة المساجد في فرنسا.
وكأمثلة أخرى على هذه الإساءات المتكررة، فسنجد بأن الهيئة الفرنسية للأرصاد الجوية، عفوا الهيئة الوطنية للأرصاد الجوية، قد أصدرت في يوم 10 سبتمبر 2018 تعميما تحذر فيه المواطنين من أمطار غزيرة مصحوبة برياح قوية يمكن أن تطال أغلب ولايات الوطن خلال يومي 11 و12 سبتمبر . ومن قبل ذلك، وتحديدا في يوم الجمعة الموافق 30 مارس 2018،  أصدرت إدارة الصيدلة والمختبرات بوزارة الصحة تعميما بالفرنسية ودون أي ترجمة بسحب أربعة أدوية من الصيدليات.
إن مواجهة هذه الإساءات المستمرة للمادة السادسة من الدستور الموريتاني يجب أن تأتي من خارج السلطة والمعارضة، أي أنها يجب أن تأتي من خلال إطلاق حملة شعبية واسعة تعمل على تفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني، ووقف الإساءات المتكررة إلى هذه المادة، ويمكن أن يتم ذلك من خلال ثلاث خطوات متكاملة :
الخطوة الأولى :
رصد كل عمليات الإساءة التي تتعرض لها هذه المادة، وسواء كانت تلك الإساءات قد جاءت  من جهات رسمية أو مدنية أو من مؤسسات أو أشركات أو حتى من أشخاص عاديين.
الخطوة الثانية:
 الاتصال الفوري بالجهة التي خالفت نص هذه المادة ومطالبتها بالاعتذار وبالتصحيح الفوري للخطأ الذي تم ارتكابه.
الخطوة الثالثة:
 في حالة تم رفض تصحيح الخطأ من طرف الجهة التي ارتكبت ذلك الخطأ، فإنه يمكن لهذه الحملة الشعبية أن تلجأ إلى القانون، وأن تستخدم في الوقت نفسه كل وسائل الضغط المشروعة للتراجع عن ذلك الخطأ أو تلك الإساءة، وبما في ذلك الدعوة إلى المقاطعة الشعبية للجهة المصرة على عدم التراجع عن الإساءة.   
حفظ الله موريتانيا...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق