الجمعة، 3 مايو 2019

حتى لا نُضَيع فرصة التناوب السلمي على السلطة


في الربع الأول من العام 2015 قاد عمال "اسنيم" إضرابا قويا استمر لأكثر من شهرين، وقد تم إنهاء ذلك الإضراب باتفاق تم توقيعه برعاية الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وقد تعهد الرئيس بمنح راتب شهري كهبة لكل عمال "اسنيم"، وقد أثارت تلك الهبة جدلا كبيرا، فتساءل الكثيرون إن كان الرئيس سيمنح الهبة من ماله الخاص، أم من خزينة الدولة، وإذا كان سيمنحها من خزينة الدولة فَلِمَ يتم القول بأنها هبة من الرئيس؟  مرت أربع سنوات على ذلك التعهد، ولم يحصل العمال ـ حسب علمي ـ على الراتب الهبة،
 فهل كانت تلك الهبة هي مجرد وعد غير جدي؟ وهل كان الاتفاق في مجمله مجرد خدعة لإفشال الإضراب الأكثر اتساعا والأطول مدة؟
يبدو أن الأمر كان كذلك.
في منتصف العام الماضي، نظم الأطباء إضرابا قويا وغير مسبوق، وفي يوم الأحد 22 يوليو أصدرت نقابات الأطباء التي كانت تقود الإضراب بيانا أعلنت من خلاله عن توقيف الإضراب، وقد جاء في البيان " وقد استمع فخامة الرئيس بتأن واهتمام كبيرين لمداخلات الزملاء مما ساهم في تغيير الصورة القاتمة التي كانت لديه والتي عمل عليها كثيرون وقد كانت ردوده واضحة وصريحة."
فهل كانت تلك الردود الواضحة والصريحة والتعهد بالاستجابة لمطالب الأطباء، هل كان كل ذلك مجرد خدعة لإفشال إضراب الأطباء الأكثر اتساعا والأطول مدة؟
يبدو أن الأمر كان كذلك.
اليوم يُلَوِّح عمال "اسنيم*" بإضراب جديد، و يُلَوِّح أيضا الأطباء بإضراب جديد، ومن قبل ذلك كانت احتجاجات الأساتذة والمعلمين، وغيرهم.
الآن، دعونا نطرح هذا السؤال : هل هذا هو الوقت المناسب للإضرابات وللتصعيد من طرف النقابات العمالية؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، فلا بأس بالتذكير بأن كاتب هذه السطور كان من أشد المتعاطفين مع إضراب عمال "اسنيم" وكذلك مع إضراب الأطباء، ولم يكتف بالتضامن من خلال التدوين والكتابة، بل إنه شارك ميدانيا في إضرابات الأطباء، كما شارك في احتجاجات تم تنظيمها أمام القصر الرئاسي للتضامن مع عمال "اسنيم" المضربين. كما أذكر أيضا بأن كاتب هذه السطور كان من بين أولئك المتعاطفين مع الأطباء ومع عمال "اسنيم" الذين صدموا بالطريقة غير المقنعة التي تم بها إيقاف الإضرابين. أمرٌ آخر من المهم لفت الانتباه إليه من قبل الإجابة على السؤال، وهو  أن القرار ـ أي قرار ـ  قد يكون صائبا، ولكنه عندما يتخذ في وقت غير مناسب، فإنه يتحول إلى قرار خاطئ وسيئ.
إن الإجابة على السؤال أعلاه تقول بأن هذا التوقيت ليس هو التوقيت الجيد للتلويح بالإضرابات والاحتجاجات.
هذا التوقيت ليس مناسبا، لأن الرئيس محمد ولد عبد العزيز لم يكن جادا خلال العشر السنوات الماضية في حل مشاكل عمال "اسنيم" و لا الأطباء ولا غيرهم من العمال، وهو الآن سيكون أقل جدية، وحتى وإن أحسنا به الظن، وافترضنا جدلا بأنه قد أصبح لسبب أو لآخر جادا في حل تلك المشاكل، حتى ولو افترضنا ذلك، فإن ما تبقى لولد عبد العزيز  من وقت قصير جدا في الرئاسة لن يمكنه من حل تلك المشاكل، حتى وإن أراد بشكل جاد أن يحلها.
  فلماذا إذن التلويح بالإضرابات في هذا الوقت بالذات، والرئيس المنتهية ولايته لم يعد لديه من الوقت ما يكفي لحل مشاكل العمال المضربين، في حين أن الرئيس القادم لم ينتخب بعد؟
من الواضح جدا أن الاحتجاجات والإضرابات في هذه الفترة الحرجة سياسيا لن تحقق لأصحابها أي نتيجة تذكر، ولن تؤدي إلا لإرباك المشهد ولتوتير الأجواء في وقت كان يجب فيه توحيد الجهود من أجل تنظيم انتخابات رئاسية في أحسن ظروف.
إن الحكمة تقتضي منا جميعا أن نركز في هذه الظرفية على إنجاح العملية الانتخابية، وأي احتجاج أو تظاهر لا يدخل في إطار المطالبة بالشفافية فلن يؤدي إلا لمزيد من إرباك المشهد، ويكفينا من إرباك المشهد ما يقوم به الرئيس ولد عبد العزيز ووزير اقتصاده وماليته وبعض الجهات الأمنية.
يكفينا من إرباك المشهد قبيل الانتخابات أن تغلق جمعيات ومنظمات بالجملة، وأن يسجن المدونين، وأن يخلف الوعد للأطباء، وأن يُختار لإدارة شركة "اسنيم" في ظرفيتها الصعبة شخصية مستفزة وصدامية، وأن  يلقى بأمين مساعد لاتحاد طلابي في السجن بتهمة الإساءة إلى مركز الخدمات الجامعية، وأن تباع القطع الأرضية التابعة لمؤسسات عمومية، وأن يواصل وزير الاقتصاد والمالية خنق اللجنة المستقلة للانتخابات وفرض المزيد من الضرائب والجباية على قطاع خاص منهك.
هناك جهود كبيرة لإرباك المشهد، ولا أدري إن كانت تلك الجهود تأتي في إطار خطة ما، أم أن الصدفة والارتجالية هي التي تقف وراءها. المهم أنها في المحصلة النهائية قد أربكت المشهد، وستزيده إرباكا في المستقبل، ولذا فلا حاجة لمتطوعين جدد يزيدون من إرباك هذا المشهد.
إن الأمر لا يتوقف هنا، فالرئيس المنتخب سيجد نفسه أمام ألغام تم زرعها في أكثر من ملف، كما هو الحال بالنسبة لملف المسيئ، وديون الشيخ الرضا، والمديونية الخارجية، وكل ملف من هذه الملفات الثلاثة  قد يكفي لوحده لتأزيم الأوضاع ولإرباك المشهد خلال المائة اليوم الأولى من تنصيب الرئيس المنتخب. شيئ آخر يجب التذكير به هنا وهو أن استغلال الغاز لن يبدأ إلا في منتصف المأمورية الأولى، أي مع بداية العام 2022.
خلاصة القول هي أن الرئيس القادم سيجد نفسه أمام تركة صعبة توجد فيها ملفات قابلة للانفجار في أي وقت، وقد تستخدم تلك الملفات ـ عن قصد أو عن غير قصد ـ لإرباك المسار الديمقراطي، ولذلك فقد وجب التنبيه.
إن المرحلة القادمة تحتاج من الرئيس المنتخب (سواء كان مرشح النظام هو الفائز  أو كان الفائز هو أحد المرشحين المحسوبين على المعارضة)، أن يظهر انفتاحا على الجميع، وأن يخلق أملا لدى المواطنين بجديته في الإصلاح والتغيير، كما تحتاج أيضا ـ وهذا لا يقل أهمية ـ  إلى نخب واعية قادرة على أن تفشل أي محاولة لإرباك المسار الديمقراطي، وخاصة خلال السنة الأولى من مأمورية الرئيس المنتخب.

* مما يؤكد بأن التلويح بهذا الإضراب لم يأت في وقته، ما جاء في المقال الأخير للدكتور يربان الحسين الخراشي المتخصص في المجال، والمقال كان تحت عنوان : "غياب المعلومة وأزمة شركة اسنيم"


وهذه فقرة من المقال المذكور " اليوم ومع استمرار رفض العمال للمبررات التي قدمتها إدارة الشركة مؤخرا حيال رفضها المؤقت لتلبية مطالبهم المشروعة، بدأت تطفو على السطح بوادر تصعيدية قد تقود إلى تأزيم شديد للأوضاع في الشركة. العمال اتبعوا مؤخرا أسلوب تصعيدي جديد تمثل في تقليص الإنتاج اليومي في مصنع گلب الغين 1 و2.
لكن هذا التصعيد جاء في فترة زمنية كان يجب مضاعفة الإنتاج فيها لتمكين الشركة من ضرب عصفورين بحجر واحد، حيث كان يجب إنتهاز الفرصة الثمينة المتمثلة في نقص الامدادات عالميا لتعزيز حصة الشركة في السوق الصينية الأكبر عالميا، التي كانت قد خرجت من الأزمة بخسارة حوالي 20% منها، حيث انخفضت صادراتها إلى الصين من حوالي 10 مليون طن سنة 2014 إلى حوالي 8 مليون طن سنة 2018، هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان يجب زيادة الإنتاج، وبالتالي زيادة الصادرات لتعزيز الإيرادات المالية في فترة يصل معدل الأسعار فيها للخام القياسي حوالي 90 دولار للطن، وعليه فإن استعادة اسنيم لحصتها في السوق الأكبر عالميا بل وحتى زيادتها هو ما كان يجب العمل على تحقيقه في هذه الفترة الحساسة خاصة إذا علمنا أن صادرات الخام البرازيلي بلغت في مارس المنصرم 22.18 مليون طن ، بانخفاض 26 ٪ مقارنة بنفس الفترة من عام 2018.
"
حفظ الله موريتانيا...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق