الثلاثاء، 8 يناير 2019

هل هناك أهداف غير معلنة لمسيرة الأربعاء؟


فجأة، وبدون مقدمات، يقرر الرئيس محمد ولد عبد العزيز أن يقود مسيرة لساعة أو ساعتين ضد التمييز وخطاب الكراهية. هذه المسيرة  جاءت بعد مسيرة عشر سنوات من العمل على بث روح الفرقة بين مكونات المجتمع الموريتاني، وذلك من خلال الترويج والتمكين للخطابات الفئوية والشرائحية والمناطقية.
هذا التحول المفاجئ في بوصلة اهتمامات النظام، والذي كان بمقدار180 درجة،  يبرر طرح السؤال :  هل هناك أهداف غير معلنة لمسيرة الأربعاء؟

(1)
إن هذه المسيرة قد تكون خطوة أولى في سلسلة من الخطوات التي تهدف إلى تهيئة الأجواء لعملية "سطو" على شعار "تعزيز اللحمة الوطنية"، ورفعه كشعار للمرحلة القادمة، مع العمل على إلصاق طابع العنصرية
والتطرف على جبين المعارضة، والتي سيتم تقديمها في المرحلة القادمة على أنها هي الراعي الرسمي لخطاب الكراهية و للتطرف والعنصرية.
في العام 2008 تم السطو على شعار "محاربة الفساد" الذي كانت ترفعه المعارضة، وبذلك الشعار تمكن ولد عبد العزيز من الفوز على المعارضة في انتخابات 2009، والتي تحول قادتها بفعل عملية السطو تلك إلى مجرد شلة من المفسدين . ما حدث في العام 2009 قد يتكرر في العام 2019 ولكن هذه المرة مع شعار "تعزيز اللحمة الوطنية".
لقد كان أغلب الموريتانيين على قناعة ـ بعد عقدين من حكم معاوية ـ  بأن الفساد هو السبب الأبرز في معاناتهم، الشيء الذي جعل الكثير منهم يلتف حول من رفع شعار محاربة الفساد في انتخابات 2009، وهم اليوم لن يترددوا في الوقوف مع من يرفع شعار المدافع عن الوحدة الوطنية، خاصة وأنهم قد شاهدوا دولا تتفكك بسبب العنصرية و خطابات الكراهية .
خلاصة القول هنا هو أن مسيرة الأربعاء قد يُراد منها أن تكون نقطة بداية لتقسيم الموريتانيين إلى فسطاطين: فسطاط يسعى إلى حماية الوحدة الوطنية (النظام الحاكم ومرشحه القادم)، وفسطاط يرعى التطرف والعنصرية والكراهية (المعارضة ومن سترشح). إذا كان ذلك هو ما يُريده النظام من مسيرة الأربعاء، فعلى المعارضة ـ في هذه الحالة ـ  أن تفشل ذلك المخطط، ولن يكون ذلك إلا من خلال التمسك القوي بشعار "تعزيز اللحمة الوطنية"، والوقوف بقوة أمام أي محاولة للسطو عليه، وذلك حتى لا يتكرر في انتخابات العام 2019 ما عاشته المعارضة في انتخابات العام 2009. إن الوقوف في وجه عملية السطو هذه يجب أن يبدأ بتنظيم المعارضة لمسيرة جماهيرية كبرى في الأيام أو الأسابيع القادمة، وأن تكون تلك المسيرة تحت شعار مسيرة التآخي.

(2)
قد يكون الهدف من هذه المسيرة هو إلهاء المعارضة عن ملف رئاسيات 2019، وقد يكون الهدف منها هو إلهاء الموالاة في انتظار أن يحسم الرئيس ولد عبد العزيز خياره النهائي.
في كلتا الحالتين فإنه على المعارضة أن ترد بتجاهل بنيات الطريق ، وأن تنغمس أكثر في التحضير لرئاسيات 2019.
(3)
هناك احتمال ثالث سيبقى قائما حتى وإن كان ضعيفا، وهو أن هذه المسيرة ما هي إلا خطوة مدروسة في سبيل تعميق الشرخ بين مكونات المجتمع، وزرع عدم الثقة بين تلك المكونات من أجل خلق حالة  من عدم الاستقرار تبرر إلغاء الانتخابات الرئاسية القادمة أو تأجيلها على الأقل. نجاح هذا المخطط يحتاج إلى وجود عنصر توتير في صفوف المعارضة، فهل ستوفر المعارضة ذلك العنصر أم أنها ستكون أكثر ذكاءً وستسارع إلى التبرؤ من أي عنصر داخلها سيحاول أن يلعب مع النظام لعبته؟
هناك قلق كبير من انخراط المعارضة ـ عن غير وعي ـ  في مثل هذا المخطط، وقد ظهرت بوادر ذلك في ردة فعلها المجاملة التي تعاملت بها مع دعوات "الساموري ولد بي"، والذي تشير كل الدلائل بأنه سيكون في المرحلة القادمة هو عنصر التوتير في صفوف المعارضة.  
(4)
إذا ما أحسنا الظن بالرئيس ولد عبد العزيز فقد يكون الهدف من هذه المسيرة هو التكفير عن أخطاء عشر سنوات من بث التفرقة، فربما يكون ولد عبد العزيز قد شعر بالذنب مما عمل في السنوات العشر الأخيرة من بث للتفرقة ومن احتضان لأصحاب الخطابات المتطرفة، فأراد أن يكفر عن ذلك من خلال هذه المسيرة.
وربما يكون الهدف منها ـ إذا ما واصلنا حسن الظن بالرئيس ولد عبد العزيز ـ أنه أراد أن يثبت بأنه محبوب شعبيا من قبل مغادرته للسلطة، وقد حاول ذلك من خلال مبادرات المأمورية الثالثة، ولما فشلت تلك المحاولات، جاء بفكرة مسيرة كبرى ضد التمييز وخطاب الكراهية.  

أرجو أن تكون الاحتمالات التي جاءت في الفقرة الأخيرة هي الاحتمالات الصحيحة، حتى وإن كانت هي الاحتمالات الأضعف. .



حفظ الله موريتانيا.. .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق