الثلاثاء، 2 مايو 2017

وزارة التجهيز والنقل والأخطاء القاتلة!

سأحاول في هذا المقال أن أقدم بعض الأسباب التي أدت إلى فشل الحملة التحسيسية التي أطلقتها وزارة التجهيز والنقل تمهيدا للبدء في تنفيذ قانون السير الجديد، وهو القانون الذي يبدو أنه سيسقط حتى من قبل البدء في تنفيذه، فذلك هو ما قالته الاحتجاجات الواسعة وأحداث الشغب التي شهدتها مقاطعات العاصمة في يوم الاثنين الموافق 1 مايو 2017. سأحاول في هذا المقال أن أتحدث عن بعض الأسباب التي أدت إلى فشل حملة الوزارة، ولكن اسمحوا لي من قبل ذلك أن أعود بكم قليلا إلى الوراء، وتحديدا إلى يوم السابع من أغسطس من العام الماضي حيث أطلقت مجموعة من المدونين تضم موظفين وفنانين تشكيليين  وكتاب ونشطاء في المجتمع المدني حملة للحد من حوادث السير، ولقد استطاعت هذه الحملة في موسمها الأول أن تلفت الانتباه إلى "حرب الشوارع" التي تعيشها شوارعنا وطرقنا، والتي تتسبب في كل عام في سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى، هذا فضلا عن الخسائر المادية الجسيمة التي تتسبب فيها تلك الحرب.
الحملة أطلقت في موسمها الأول أنشطة توعوية وتحسيسية متنوعة أمام بعض محطات النقل في العاصمة، وعند نقاط التفتيش خارج العاصمة، ووزعت خلال هذه الأنشطة الكثير من الملصقات والإرشادات على السائقين والركاب، كما أنها قامت بعملية ترميم رمزية لحفرة على طريق الأمل وذلك من أجل لفت انتباه السلطة إلى الحال المتردي لبعض الطرق الحيوية، كطريق روصو نواكشوط، وطريق الأمل، وخاصة منه مقطع نواكشوط بوتلميت، وبالمناسبة فإن الحفرة التي رممتها الحملة  في السابع من أغسطس من العام الماضي على  طريق الأمل عند الكلم 29، لا تزال وحتى يومنا هذا متماسكة.
هذه الأنشطة تم تنظيمها اعتمادا على موارد ذاتية تبرع بها الأعضاء المشاركون في الحملة، والحملة لم تطلب في أي يوم من الأيام أي دعم مادي لا من أي قطاع حكومي، ولا من أي مؤسسة عامة أو خاصة، ولا يعني ذلك بأنها لم تطرق أبواب بعض القطاعات الحكومية من أجل التعاون معها في أنشطة لم يكن بمقدور الحملة أن تنفذها لوحدها، ولقد وجدت الحملة تعاونا من بعض القطاعات الحكومية كما قوبلت من طرف قطاعات أخرى بمحاولات جادة لعرقلة أنشطتها، وكان من بين القطاعات التي اتصلت بها الحملة:
1 ـ قطاع الدرك الوطني، والذي سمح لنا في الحملة بتنظيم أنشطة تحسيسية وتوعوية عند كل نقاط التفتيش التابعة له خارج العاصمة، بل أكثر من ذلك فإن القطاع رفض ـ وبشكل حاسم ـ طرد نشطاء الحملة من نقطة تفتيش "تيفيريت"، بعد أن طلبت منه إدارة السلامة المرورية ذلك بحجة أنها هي المعنية أولا وأخيرا بالتوعية ضد حوادث السير. أذكر بأنه وبعد مرور أسابيع على إطلاق حملة "معا للحد من حوادث السير" قررت إدارة السلامة الطرقية أن تنظم حملات توعوية مشابهة تماما  لتلك التي كنا نقوم بها عند نقاط التفتيش، وفي أحد الأيام وبينما كنا في الحملة نوزع مناشير توعوية وملصقات على السائقين والركاب، جاء ممثل إدارة السلامة الطرقية بمطويات لتوزيعها، وطلب من قائد نقطة التفتيش أن يطرد أعضاء حملة معا للحد من حوادث السير من نقطة التفتيش، وهو الشيء الذي رفضه قائد النقطة بعد استشارة قادته، وكان مبرره في ذلك هو أن حملتنا كانت سباقة لهذه الأنشطة، وأنها ظلت تمارس هذه الأنشطة لوحدها لعدة أسابيع من قبل أن تلتحق بها إدارة السلامة الطرقية، ولذلك فإنهم في نقطة التفتيش لن يقبلوا أبدا بطرد نشطاء الحملة، ولن يوقفوا أنشطتهم التوعوية. 
2 ـ لقد تعاونت معنا التلفزة الموريتانية وغطت أغلب أنشطتنا التوعوية، كما أنها استضافت العديد من أعضاء الحملة في برامج حوارية تتحدث عن السلامة الطرقية وعن حوادث السير.
3 ـ تقدمنا في الحملة بسؤالين مكتوبين إلى المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يتعلق أولهما بالإفراط في السرعة، ويتعلق الثاني بالمبلغ المحدد للدية، ولا زلنا إلى الآن ننتظر صدور فتوى في هذين الموضوعين. إننا في الحملة نعتقد بأن هناك ضرورة ملحة لإشراك العلماء والدعاة والأئمة في التوعية ضد حوادث السير، وبأن هناك حاجة ملحة لإصدار فتاوى من المجلس الأعلى للفتوى والمظالم حول السرعة والدية تكون سندا للعلماء والأئمة في خطبهم وفي محاضراتهم عن الموضوع.
4 ـ  تقدمنا إلى المجموعة الحضرية لنواكشوط بطلب يتعلق بضرورة وضع لافتات تحذر من الإفراط في السرعة عند مخارج العاصمة، وهو الطلب الذي وافقت عليه المجموعة الحضرية، ولها الشكر على ذلك، وسنتقدم في الموسم القادم للحملة، والذي سينطلق بإذن الله في السابع من أغسطس، بطلبات مماثلة إلى عمد بلديات أخرى، خاصة منها تلك الواقعة على طريق الأمل.
وفيما يخص وزارة التجهيز والنقل ـ وهنا بيت القصيد ـ  فقد أشعرناها بإطلاق الحملة، وعبرنا لها عن استعدادنا الكامل للمشاركة في أي جهد يقوم به القطاع من أجل الحد من حوادث السير. بعد ذلك الإشعار تم استدعاؤنا من طرف وزير التجهيز والنقل السابق، وأخبرنا بأن الوزارة تفكر في إطلاق حملة تحسيسية كبرى (الحملة الحالية)، وبأنها على استعداد لإشراكنا في هذه الحملة، ولقد عبرنا للوزير عن استعدادنا الكامل للمشاركة في هذه الحملة. ولما تمت إقالة الوزير السابق وتم تعيين وزير جديد تقدمنا إلى الوزير الجديد بعدة طلبات للقاء، وهي الطلبات التي لم يستجب لها، ولقد كانت المفاجأة أكبر عندما سمعنا الوزير يقول في مؤتمر صحفي بأن المجتمع المدني غير معني بهذا الأمر.
لما تأكدنا بأن باب الوزير مغلق في وجه الحملة اتصلنا بإدارة السلامة الطرقية، وببعض الإدارات الأخرى التابعة للوزارة، ولكن دون جدوى، وقد تبين لنا في نهاية المطاف بأن هناك إصرارا لدى الوزارة والإدارات التابعة لها بعدم استقبال أعضاء الحملة.
لقد حاولنا في الحملة أن ننبه الوزارة والإدارات المعنية على جملة من الأخطاء التي تم ارتكابها في الحملة التحسيسية للوزارة، وبأن هذه الأخطاء قد تؤدي إلى فشل الحملة التحسيسية، وإلى إسقاط قانون السير الجديد، ولكننا للأسف لم نجد من يستمع إلينا.
إن هناك جملة من الأخطاء تم ارتكابها في حملة الوزارة التحسيسية، وفي قانون السير الجديد، وكان من بين تلك الأخطاء:
1 ـ  أن الوزارة لم تهتم إلا بالجانب العقابي، خصوصا ما يتعلق منه بالغرامات، ولذلك فقد شعر المواطن ـ وله الحق في ذلك ـ  بأن هذا القانون لا يهدف إلا لجمع المزيد من المال على حساب جيوبه الفارغة. لقد كان من واجب السلطة أن تتحمل مسؤولياتها وأن تنفذ بعض الإجراءات المصاحبة، كإصلاح بعض الإشارات الضوئية، وترميم بعض الطرق، وتجهيز سيارات إسعاف على الطرق الحيوية، وفرض الجدية على شركات التأمين، وتسريع إصدار الأحكام المرتبطة بحوادث السير. لو قامت السلطة بتنفيذ هذه الأمور لأثبتت بذلك بأن قانون السير يعني الجميع، وبأن كل طرف يتحمل جزءا من تنفيذه ، وبأن السلطة ستنفذ ما عليها، وبأن السائق عليه هو بدوره أن ينفذ ما  يتعلق به في هذا القانون.
2 ـ من الأخطاء التي تم ارتكابها أيضا في القانون يمكن أن نتحدث عن فرض غرامات تتعلق بمخالفات تشكل ترفا في مجال السلامة الطرقية في بلد كبلدنا، وهو ما يظهر أيضا بأن الشق المتعلق بالتحصيل كان هو الحاضر الأبرز في القانون. إن هذا القانون الجديد قد كشف جشع السلطة، والتي لم تترك مجالا يمكن أن تستنزف من خلاله جيوب المواطن إلا وطرقته، ولعلكم تتذكرون الرخص التي باعتها السلطة لعشرات الآلاف من المنقبين عن الذهب بمائة ألف أوقية للرخصة الواحدة، يومها لم تفكر السلطة في توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية للمنقبين، وإنما فكرت فقط في طريقة تستنزف بها جيوب أولئك المنقبين من خلال بيع الرخص وفرض المزيد من الضرائب عليهم. ولعلكم تتذكرون أيضا بأن الحكومة قد رفضت بشكل صارم تخفيض أسعار المحروقات التي تم تخفيضها في كل الدول الجوار.
3 ـ من الأخطاء الشنيعة التي تم ارتكابها في الحملة التحسيسية هو أن الحملة ركزت في دعايتها على الجوانب المتعلقة بالعقوبة والغرامات، ولم تبين للجمهور المستهدف بأن هناك جوانب إيجابية في قانون السير، قد تعود بالنفع المادي على السائقين، فتطبيق هذا القانون سيخفف من زحمة السير مما يعني أن سائقي سيارات الأجرة سيربحون أوقاتا ثمينة كانت تضيع في زحمة يمكن تفاديها، وهو ما يعني تحقيق أرباح إضافية، كما أن الحد من الزحمة سيجنب سياراتهم المخاطر المرتبطة بسخونة المحرك. يضاف إلى ذلك أن القانون سيقلل من حوادث السير، أي من الخسائر التي كان يتكبدها أصحاب السيارات بشكل يومي، والتي لا يجدون تعويضا لها، وإن وجدوه فإنه يكون غير متناسب مع حجم الخسائر مع تأخر كبير في الحصول عليه. هذه الجوانب الإيجابية التي تم تغييبها عن السائقين في الحملة التحسيسية حاولنا أن ننبه عليها الوزارة، بل أكثر من ذلك فقد أطلقنا حملة "سلامتك" لإنتاج فيديوهات قصيرة باللغات الوطنية تبين بأسلوب مبسط أهمية تنظيم السير والجوانب الإيجابية في قانون السير، ولقد أنتجنا الحلقة الأولى التي تم نشرها في مواقع التواصل الاجتماعي، وطلبنا من إدارة السلامة الطرقية أن تتولى بثها في القنوات التلفزيونية المحلية، مع الوعد بإنتاج حلقات أخرى، ولكن هذا الطلب تم التعامل معه بالرفض الشديد.
4 ـ لم يراع هذا القانون عقلية المجتمع، ولا التوقيت المناسب، ولا حالة البنية التحتية، ولا وضعية بعض المركبات، ولا عدم توفر رادارات لمراقبة السرعة، ولم يهتم بالتدرج في تنفيذ بنوده. وكمثال على حالة بعض المركبات فيكفي أن يزور الواحد منكم أمكنة تجمع الصهاريج التي تتولى توزيع المياه أو تلك التي تتولى الصرف الصحي في العاصمة، فسيرى عجبا. لقد زرنا في العام الماضي في حملة معا للحد من حوادث السير أمكنة تجمع هذه الصهاريج التي يوجد أغلبها في حالة مزرية، ولقد تطوعنا بوضع أشرطة لاصقة ومضيئة على عدد من تلك الصهاريج حتى تتم رؤيتها ليلا، وذلك لأن هذه الصهاريج لا توجد بها أي إضاءة.
5 ـ إن القوانين تعتبر منظومة متكاملة، ولا يمكن أن نظهر صرامة في تطبيق قانون معين، وذلك في الوقت الذي نظهر فيه تساهلا فاضحا في تطبيق قوانين أخرى. إن هذه الصرامة التي وعدت بها السلطة في تطبيق قانون السير الجديد قد جاءت في وقت يتم فيه التساهل في تطبيق قوانين أخرى لها علاقة بالفساد ونهب المال العام. كما أن هذه الصرامة في تطبيق هذا القانون قد جاءت في وقت حساس يتحدث فيه الكثير من الموريتانيين عن انقلاب دستوري تحاول السلطة أن تنفذه ضد الدستور الذي يعتبر هو أب القوانين كلها.
ختاما
لقد تجنبتُ الكتابة عن القانون الجديد، وعن الحملة التي أطلقتها الوزارة وذلك على الرغم من أني كنتُ على قناعة بأن هذا القانون الجديد الذي سبقته أسوأ حملة تحسيسية سيتسبب في احتجاجات وفي ردود أفعال سلبية من طرف السائقين. لم أكتب عن الموضوع خلال الأسابيع الماضية، حتى لا يفهم ذلك بأنه انتقاد لهذا القانون، ولقد حاولتُ بكل الوسائل المتاحة أن أنبه الجهات المعنية على الأخطاء التي تم ارتكابها، ولكن الأبواب ظلت موصدة أمامي وأمام كل أعضاء الحملة.

حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق