الأحد، 14 مايو 2017

حصنوا أنفسكم بالمادة 38

تعودت بعض المواقع الصفراء أن تأتي بجرائم بشعة حدثت في مشارق الأرض وفي مغاربها، وتقديم تلك الجرائم تحت عناوين لا تحدد مكان وقوع الجريمة، وكل ذلك من أجل مغالطة القارئ وإغرائه بفتح روابط  أخبار لجرائم حدثت في أمكنة بعيدة على أساس أنها قد حدثت هنا في موريتانيا.
هذا الأسلوب المخادع دأبت عليه بعض المواقع الصفراء مثله مثل شراء قراء وهميين من الصين من أجل الحصول على مكانة غير مستحقة في ترتيب المواقع الموجودة بالصفحة الأولى من "موريتانيا الآن".
للأسف الشديد، يبدو أن مواقعنا الصفراء لم تعد بحاجة إلى هذا النوع من أساليب الخداع، ويبدو أنها لم تعد بحاجة إلى استجلاب أخبار الجرائم الأكثر بشاعة من مشارق الأرض ومن مغاربها، ونشرها تحت عناوين لا تحدد مكان وقوع الجريمة لجلب أكبر عدد ممكن من القراء. إن ما يحدث هنا من جرائم بشعة قد أغنى المواقع الصفراء عن ذلك الأسلوب المخادع، وإذا ما اكتفينا بجرائم الأيام الأخيرة فسنجد عناوين صادمة لجرائم في غاية البشاعة لم نكن ـ وإلى وقت قريب ـ نتوقع حدوث مثلها في هذه البلاد، إنها عناوين من قبيل : "إلقاء القبض على عصابة تقودها فتاة"؛ "زوج يدهس زوجته بسيارة"؛ "اغتيال محام وهو في طريقه إلى المسجد".

يحدث هذا الانفلات الأمني والحكومة منشغلة عن بكرة أبيها بالمبادرات المثمنة للتعديلات الدستورية، وإذا ما استخدمنا لغة المبادرات البائسة، والتي تقول بأن ما تم انجازه في ظل النظام الحالي يفوق ما تم انجازه في كل الأنظمة السابقة، فإنه يمكننا أن نقول ـ وبكل اطمئنان ـ بأن ما عرفته البلاد من جرائم بشعة في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز ليفوق ما عرفته البلاد من جرائم في كل العهود السابقة، وإن ما تم تسجيله من جرائم في السنة الأخيرة ليفوق من حيث الكم والنوع ما تم تسجيله من جرائم في العقود الخمس الماضية.
وبنفس اللغة البائسة لأصحاب المبادرات فإنه يمكننا أن نقول أيضا بأننا من حيث مستوى تنوع الجرائم وتطورها فقد أصبحنا أحسن حالا من الدول المجاورة، بل ومن كل دول المنطقة.
الغريب في الأمر أنه في هذا الأسبوع الذي شهد جرائم وصلت إلى دهس سيدة وإلى اغتيال أستاذ جامعي، في هذا الأسبوع بالذات أطل علينا وزير التوجيه الإسلامي وهو يوصي الأئمة بضرورة  تخصيص خطبة الجمعة لتبيان مخاطر مواقع التواصل الاجتماعي!
صحيح أن الاستخدام السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي يتسبب في أضرار كثيرة للمجتمع، وأنه من المهم أن يحذر أئمتنا من ذلك الاستخدام السلبي، ولكن الصحيح أيضا أن الانفلات الأمني وأن تفشي الجريمة كان أولى بأن يخصص له أئمتنا خطبة موحدة، ويتأكد الأمر في هذا الأسبوع الذي شهد جرائم بشعة تتعلق بدهس زوج لزوجته أمام أبنائهما، واغتيال أستاذ جامعي في طريقه إلى المسجد.
على وزير التوجيه الإسلامي أن يعلم بان مواقع التواصل الاجتماعي يحسب لها بأنها استطاعت ـ على الأقل ـ  وفي ظل فشل السلطات الأمنية في توفير الأمن، أن تنقذ أسرة من عملية سطو وذلك بعد أن وجهت إحدى بنات الأسرة نداء استغاثة إلى متابعي صفحتها، والذين لم يخذلوها، فسارعوا إلى حمايتها من عصابة كادت أن تنفذ عملية سطو على أسرة المستغيثة.
إنه من حقنا أن نسأل الوزير الفقيه، وأن نسأل كل فقهائنا عن حكم انشغال القائمين على الأمن ( بدءا بوزير الداخلية وانتهاء برجل الأمن العادي ومرورا بكبار الضباط وبمدير الأمن) انشغال كل هؤلاء بمبادرات التعديلات الدستورية عن توفير الأمن للمواطن، وهي المهمة التي يتقاضون عليها رواتبهم.
المقلق في الأمر أنه إذا ما ظل الحال يسير في هذا الاتجاه، فربما يخرج علينا كبار الضباط بمبادرات جديدة يبشرون فيها بسحرية المادة 38 من الدستور الموريتاني، وبقدرتها العجيبة على حل كل مشاكل المواطن الموريتاني.
ومن يدري فربما يخرج علينا غدا مدير الأمن ليقول لنا في مبادرة جديدة داعمة للتعديلات الدستورية: أيها المواطنون لقد انشغلنا عن أمنكم بالمبادرات المثمنة للتعديلات الدستورية، ولذلك فإننا نطلب منكم أن تحصنوا أنفسكم بالمادة 38، وأن تؤمنوا منازلكم ببركات المادة 38، وأن ترفعوا في وجوه اللصوص الرقم 38 إذا ما باغتوكم في الثلث الأخير من الليل، فإن فعلتم ذلك، فإن اللصوص سينقلبون على أعقابهم خائبين خاسرين.
ومن يدري فربما يخرج علينا "قاضي المادة 38" بفتوى قانونية (غير سياسية) تقول بأنه ما أصاب هذه البلاد من مصيبة ومن انفلات أمني لم يكن إلا بسبب ما تلفظ به الشيوخ من عبارات لا تليق بقدسية المادة 38.
إنه لمن المؤسف حقا أن تغرق موريتانيا في بحر من الجرائم لا ساحل له، وذلك في وقت انشغل فيه كبار الضباط وبعض رجال القضاء بمبادرات داعمة لتعديلات دستورية عبثية. 

حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق