الخميس، 20 أغسطس 2015

ما أشبه2015 ب 2008

يكاد حال هذه البلاد في أغسطس من العام 2015 أن يتطابق تماما مع حالها في أغسطس 2008، ولولا أن المثل القائل "ما أشبه الليلة بالبارحة" هو من أقوال العرب القديمة لحسبت  بأن قائله هو أحد حكماء هذه البلاد، ولا أقصد بطبيعة الحال الحكماء السبعة للمقبورة المستقلة للانتخابات، وأن ذلك الحكيم قد قاله بعد أن تأمل حال هذه البلاد في أغسطس 2015، وقارنه بحالها في أغسطس 2008، فلم يجد ما يعلق به سوى أن يقول بكلمات تقطر مرارة : "ما أشبه الليلة بالبارحة".

أسفار مقابل أسفار

لقد قالوا لنا بأن من أهم الأسباب التي جعلتهم ينقلبون على الرئيس السابق هي كثرة أسفاره، فإذا بنا نبتلى من بعد الرئيس المسافر برئيس أكثر أسفارا، ولعل ما يمتاز به رئيسنا الحالي عن رئيسنا السابق في هذه الجزئية بالذات هو أن رئيسنا السابق لم يسافر سفرا إلا وكنا  قد علمنا بوجهته من قبل أن يسافر. أما رئيسنا الحالي فإن له بعض الأسفار الغريبة، والتي يختفي فيها لعدة أيام، ودون أن نعرف إن كان قد ذهب للعلاج في فرنسا، أو ذهب معتمرا إلى السعودية، أو أنه ذهب إلى البادية لتفقد ما يمتلك من أنعام.

هيئة مقابل هيئة

ولقد قالوا لنا أيضا بأن من أهم أسباب انقلابهم على الرئيس السابق هو إطلاق هيئة خيرية باسم الرئيسة السابقة، هذا هو ما قالوه لنا في أغسطس 2008، وذلك من قبل أن يطلوا علينا في أغسطس من العام 2015 بهيئة خيرية للرئيسة الحالية، يدير أعمالها ابن الرئيس.

الطينطان تستغيث

ولقد قالوا لنا أيضا بأن من أسباب انقلابهم على الرئيس السابق هو أنه كان قد عجز عن  إعادة إعمار مدينة الطينطان بعد سنة كاملة من الفيضان تنقصها ثلاثة أيام، فإذا بنا من بعد ذلك الفشل نبتلى برئيس يعجز عن إعادة إعمار الطينطان بعد سبع سنوات كاملة، وذلك رغم أن هذا الرئيس كان قد أسس مقاطعات وتجمعات سكنية جديدة وأنشأها على أرض بكر، ولعل المثال الأبرز على ذلك هو مقاطعة الشامي ذات البنية التحتية العصرية، والتي تم أو سيتم تشييدها على حساب موارد الدولة، وعلى مساحة تصل إلى600 هكتارا، حيث سيتم تشييد 5680 قطعة سكنية، و805 قطعة تجارية، بالإضافة إلى احتياطات عقارية للمباني الإدارية وللتوسع العمراني. هذه المدينة العصرية لم يقطنها حتى الآن، وحسب آخر إحصائية للمكتب الوطني للإحصاء أكثر من 51 رجلا و5 نساء.
أين هي هيبة الدولة؟

ولقد قالوا لنا أيضا بأن من أسباب انقلابهم على الرئيس السابق هو أن الدولة في العهد السابق كانت قد فقدت هيبتها، وأن الرصاص تم إطلاقه في العاصمة، وأن مواطنا موريتانيا تم قتله في مقاطعة كنكوصة، وأن البلاد عاشت انفلاتا أمنيا غير مسبوق. ما حدث بعد ذلك أنتم تعرفونه جيدا، لقد فقدت الدولة هيبتها أكثر في عهد الرئيس الحالي، فتم إحراق المباني الحكومية ضحى في ازويرات وفي فصالة، وتم اختطاف واحتجاز عناصر من الحرس في قلب العاصمة من طرف سجناء سلفيين، وتم إطلاق النار على مؤسسة أمنية (أمن الطرق)، وغاب الأمن لساعات عن العاصمة بعد المسيرات التي أعقبت حادثة تمزيق المصحف، وتصاعدت الخطابات العنصرية والعرقية والقبلية، ولم يعد يسمع غيرها. أما فيما يخص الرصاص فقد كثر إطلاقه في عهد الرئيس الحالي، إلى أن وصل الرصاص الطائش إلى القصر، فاستقبل الرئيس رصاصا وأطلق ابنه رصاصا. وفي مقابل المواطن الذي تم قتله في عهد الرئيس السابق فقد قتل عدد من المواطنين في عهد الرئيس الحالي، فمنهم من قتل عند أسوار القصر الرئاسي، ومنهم من قتل في أماكن أخرى من العاصمة، ومنهم من قتل في أكجوجت، ومنهم من قتل في مقامة. وفيما يخص الحديث عن الانفلات الأمني، فإن ما يمكن قوله في هذا المجال هو أن الانفلات الأمني الذي شهدته العاصمة نواكشوط في أغسطس 2015 قد جعلنا نعتقد بأن العاصمة كانت آمنة مطمئنة في أغسطس 2008.

فساد مقابل فساد

ولقد قالوا لنا بأن من أسباب الانقلاب على الرئيس السابق هو أن الفساد في عهده كان قد استشرى، وأن هذا الرئيس قد أعاد تعيين المفسدين، وأن ذلك من الأمور التي لا يقبل بها من أعطى لنفسه الحق في أن يكون وصيا على هذه البلاد. لقد استشرى الفساد كثيرا في عهد الرئيس الحالي، ولقد شاهدنا بأم أعيننا شاحنة لمفوضية الأمن الغذائي تحط مواد غذائية في منزل تعود ملكيته للرئيس، وسمعنا في عهد الرئيس الحالي باتهامات خطيرة توجه إليه لم يحدث أن تم توجيهها لأي رئيس سابق. يضاف إلى ذلك كله أن ما بيع من ممتلكات الدولة ومن عقاراتها في عهد الرئيس الحالي يضاعف عدة مرات ما تم بيعه في كل العهود السابقة، ولم تسلم المدارس من البيع. إن موريتانيا اليوم قد أصبحت مجرد سلعة معروضة للبيع بالتقسيط، وربما كان من الأفضل أن يعلن الرئيس الحالي عن مزاد كبير يبيع فيه موريتانيا بالجملة، بدلا من بيعها بالتقسيط، فلو أنه باعها مرة واحدة لاستراح ولأراح.

غلاء بغلاء

ولقد قالوا لنا بأن غلاء المعيشة، وأن معاناة الفقراء في عهد الرئيس السابق هي أيضا  من أسباب الانقلاب، ولا خلاف على أن الفقراء كانوا قد عانوا كثيرا في عهد الرئيس السابق، ولكن لا خلاف أيضا على أن بعض معاناتهم كان من سوء أداء النظام السابق، وأن بعضها كان بسبب الظروف الدولية (ارتفاع أسعار النفط إلى أعلى مستوى يتم تسجيله في التاريخ، ارتفاع أسعار المواد الغذائية، تدني أسعار الحديد والذهب..). المصيبة أن الرئيس الذي كان يبرر الانقلاب بغلاء المعيشة وبالتضييق على الفقراء، سيضيق على الفقراء أكثر، وسيعانون في عهده أكثر، وذلك رغم أن الحظ كان قد ابتسم في وجهه، ومنح له فرصة ثمينة لكي يحول شقاء الفقراء في هذه البلاد إلى نعيم ينسيهم كل شقاء. ففي شهر من قبل انقلاب السادس من أغسطس، وتحديدا في يوم 11 يوليو وصل سعر النفط في الأسواق العالمية إلى مستوى قياسي: 147 $للبرميل (هذا هو أعلى سعر يصل إليه النفط في كل تاريخه، وذلك منذ أن أصبح النفط سلعة تباع وتشترى)، ولكن هذا السعر سينخفض كثيرا بعد الانقلاب، فسينخفض بعد شهر واحد من الانقلاب ليصل إلى 100 $، وسيواصل الانخفاض ليصل في شهر يناير 2009، أي خمسة أشهر بعد الانقلاب، إلى 33 $ فقط (هذا هو أدنى سعر يسجله النفط  خلال العقدين الأخيرين). وفيما يخص سعر الذهب فقد كان سعر الأونصة في شهر الانقلاب 839 $، وفي أول ذكرى للانقلاب سيصل سعرها إلى 949 $، وفي الذكرى الثانية للانقلاب وصل إلى 1215 $، وفي الذكرى الثالثة وصل إلى 1757 $، أي أن سعر الأونصة تضاعف فيما بين الانقلاب وذكراه الثالثة. أما الحديد فقد كان سعر طنه يوم الانقلاب لا يتجاوز 60 $، وسيصل إلى 97 $ في أول ذكرى للانقلاب، وإلى 145 $ في الذكرى الثانية، وإلى 177$ في الذكرى الثالثة للانقلاب، أي أن سعره تضاعف ثلاث مرات. هذه الارتفاعات غير المسبوقة في سعر الذهب والحديد مكنت الدولة من الحصول على موارد ضخمة ظل الرئيس الحالي يكدسها، ويفتخر بفائضها آناء الليل وأطراف النهار، وذلك في وقت كان يزيد فيه من حجم الضرائب المفروضة على المواطنين، فزاد من الضرائب على السيارات المستعملة، وزاد من الضرائب على استيراد الملابس المستعملة، وابتدع ضرائب جديدة على المكالمات، وعلى المواد الغذائية الأساسية، وبما في ذلك الأرز المستورد. وبعد عدة سنوات من تبسم الحظ للرئيس الحالي، فإننا سنجد بأن الحظ سيكشر في وجه الرئيس، وأن أسعار الذهب والحديد ستبدأ في الانخفاض، ولذلك فعلى الفقراء أن يتوقعوا الأسوأ، فالرئيس الذي ضيق عليهم، وأرهقهم بالضرائب وخزائن الدولة ملآى بالأموال، لابد وأنه سيضيق عليهم أكثر بعد أن أصبحت خزائن الدولة شبه فارغة.

انسداد بعد انسداد

وقالوا أيضا بأن من الأسباب التي أدت لانقلاب السادس من أغسطس الانسداد السياسي الذي عاشته البلاد في عهد الرئيس السابق، وأن الانقلاب قد جاء لإعادة تصحيح المسار، ولكن المصيبة هي أن المسار وبعد سبع سنوات من تصحيحه قد ازداد اعوجاجا. ويكفي لتأكيد ذلك بأن نذكر بأن مجلس الشيوخ يقترب من العام العاشر دون أي تجديد، وبأن البرلمان الحالي لا يمكن مقارنته بالبرلمان السابق، فهو برلمان بلا طعم وبلا رائحة، وبلا تأثير، وقد غابت عنه العديد من الأحزاب المعارضة، حتى مؤسسة المعارضة المنبثقة عن هذا البرلمان فقد تم تجاهلها، فلا زعيمها يستدعى للقاءات الدورية مع الرئيس، ولا الوزير الأمين العام للرئاسة تكرم عليها بأن أرسل إليها نسخة مصورة من رسالته التعميم الداعية للحوار، والتي أرسل منها نسخا إلى عدد غير قليل من رؤساء الأحزاب المجهرية.

وإن من مظاهر هذا الانسداد هو أن السلطة عازمة على أن تنظم حوارا مع نفسها (مونولوجا)، وهو الحوار الذي سيكون ـ وبكل تأكيد ـ أقل حضورا وأقل زخما من حوار 2011 ذلكم الحوار الذي لم يتمكن من التخفيف من حدة هذه الأزمة السياسية التي تتخبط فيها بلادنا منذ سبع سنوات عجاف جاءت من بعد عام أعجف.

أين هي محكمة العدل السامية؟

ولقد قالوا لنا  أيضا بأن من أسباب الانقلاب هو أن الرئيس السابق لم يسمح بتشكيل محكمة العدل السامية، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما ذا حققت محكمة العدل السامية التي تم تشكيلها على وجه السرعة بعيد انقلاب السادس من أغسطس، ولماذا لم تتم إعادة تشكيلها بعد انتخابات 23 نوفمبر 2013 التشريعية والبلدية؟

ختاما

إن كل الأسباب التي تم تقديمها لتبرير انقلاب السادس من أغسطس هي قائمة الآن، بل إنها قد أصبحت أشد تجليا وأكثر وضوحا في أغسطس من العام 2015، مما كانت عليه في أغسطس من العام 2008، فهل يعني ذلك بأنه قد أظلنا زمان انقلاب جديد؟  وبأنه علينا أن ننتظر انقلابا مقابل انقلاب حتى تكتمل كل أجزاء الصورة، لا أتمنى ذلك.

إن بلادنا ليست بحاجة إلى انقلاب جديد، فهي تملك فائضا من الانقلابات، ولكن على الرئيس الحالي أن يعلم بأن أوضاع البلاد ليست على خير، وبأن الانسداد السياسي قد بلغ مستويات مقلقة، وبأن عليه أن يختار بين أن يطلق حوارا جادا يفضي إلى تناوب سلمي على السلطة في العام 2019 ، وهو ما سيتيح لهذه البلاد أن تعيش تغييرا آمنا، وللرئيس أن يخرج من السلطة خروجا آمنا، وفي اعتقادي بأنه لا أحد في هذه البلاد سيعترض على أن يسمح للرئيس الحالي بالخروج الآمن، مقابل أن يساهم هو في إحداث تغيير آمن في هذا الزمن  وفي هذه المنطقة من العالم التي شحت فيها التغييرات الآمنة.

فأن يُمنح الرئيس الحالي مأموريتين كاملتين، وسنة زيادة كعربون، وذلك مقابل أن يبدأ من الآن في العمل الجاد من أجل أن تكون نهاية مأموريته الثانية بداية لتغيير آمن، فإن مثل هذه الصفقة قد تكون مربحة الجميع : الدولة الموريتانية، القوى الطامحة إلى تغيير آمن، الرئيس، الشركاء الأجانب.

وهناك خيار آخر وهو أن يتمسك الرئيس بالسلطة، وأن يفكر في مأمورية ثالثة، أو أن يفكر بأن يفرض خليفة له. هذا الخيار قد ينجح لفترة من الزمن، قد تطول وقد تقصر، ولكن المؤكد أن الرئيس في نهاية المطاف سيخرج من السلطة خروجا غير آمن، وحينها سيندم كثيرا على أنه كان قد ضيع الفرصة الثمينة المتاحة له الآن.


حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق