الخميس، 21 مايو 2015

بركات "الأولوية القصوى"!!

على المواطن أن يطمئن وأن يتأكد بأن بلاده بخير، عليه أن يطمئن ما دام ليس هناك أي قطاع من القطاعات الوزارية إلا وكان الرئيس قد منحه "أولوية قصوى". فإذا كان المواطن يهمه تحسن التعليم، فعليه أن يطمئن تماما، فنحن كثيرا ما سمعنا من وزراء التعليم بأن الرئيس يمنح أولوية قصوى للتعليم.

 وإذا ما كان هذا المواطن تهمه الصحة دون غيرها، فعليه أن يطمئن كذلك، فوزير الصحة لا يفوت مناسبة إلا وأكد من خلالها بأن الرئيس يمنح للصحة أولوية قصوى. وإذا ما كان هذا المواطن يهمه أن يحصل على نصيبه من العدالة كاملا غير منقوص، فعليه أن يطمئن تماما، فقطاع العدل، وحسب وزيره يشكل أولوية قصوى للرئيس. أما إذا كان المواطن يهتم بتوفير الأمن أكثر من أي شيء آخر فعليه أن يطمئن، وبإمكانه أن ينام ملء جفونه، وأبواب منزله مفتوحة. ألم يقل وزير الداخلية، وأكثر من مرة بأن الرئيس يمنح لأمن المواطن أولوية قصوى؟ ألم يقل بذلك مدير الأمن ؟ وإذا كان المواطن تهمه محاربة الفساد فهذه بالذات هي التي يمنحها الرئيس الأولوية القصوى واسألوا ـ إن شئتم ـ  وزير الاقتصاد والتنمية. وإذا ما كان المواطن مزارعا فوزارة الزراعة يمنحها الرئيس أولوية قصوى حسب وزيرها. وإذا ما كان المواطن منميا فوزارة البيطرة يمنحها الرئيس أولوية قصوى. وإذا ما كان المواطن امرأة فوزارة المرأة يمنحها الرئيس أولوية قصوى. وإذا ما كان المواطن شابا فالشباب هم من يمنحه الرئيس أولوية قصوى. وإذا ما كان هذا الشاب عاطلا عن العمل فعليه أن يعلم بأن وزارة التشغيل يمنحها الرئيس أولوية قصوى.
كل الوزارات ـ وبلا استثناء ـ  يمنحها الرئيس أولوية قصوى حسب ما يؤكده الوزراء في خطاباتهم الرسمية. وإذا كنتُ لم أذكر وزارات بعينها فذلك ليس بسبب عدم وجود أدلة قاطعة على أن تلك الوزارات لم تنل حظها من الأولوية القصوى للرئيس، وإنما تركتها لضرورة الاختصار. فلا خلاف مثلا على أن الرئيس يمنح لوزارة التجهيز والنقل أولوية قصوى، ولا خلاف على أنه يمنح لوزارة الطاقة والمعادن أولوية قصوى، والدليل على ذلك هو أن العاصمة غارقة في ظلام دامس بسبب عمليات الشحن والتصدير المكثف للكهرباء الموريتانية إلى دول الجوار.
كل القطاعات بخير، وكل القطاعات يمنحها الرئيس أولوية قصوى، ولكم الحق ـ كل الحق ـ في أن تسألوا : كيف يمكن للرئيس أن يمنح أولوية قصوى لسبع وعشرين وزارة في وقت واحد!؟
أعرف بأن البعض منكم قد يعتقد مخطئا بأن قول الوزراء  بأن الرئيس يمنح الأولوية القصوى لسبع وعشرين وزارة في وقت واحد، بأن ذلك القول يشكل اعترافا رسميا من السبعة والعشرين وزيرا بأن الرئيس لا يمنح أي أولوية قصوى لأي وزارة من تلك الوزارات. وأعرف بأن البعض منكم قد يعتقد مخطئا بأن الأولوية القصوى لا يمكن أن تمنح إلا لوزارة واحدة أو اثنتين على الأكثر، ولكن عليكم أن تعلموا بأن الأولوية القصوى للرئيس لها بركة كبيرة، فهي يمكن أن توزع إلى سبع وعشرين جزءا، وأن توزع على سبع وعشرين وزارة، ومع ذلك فتحصل كل وزارة على الأولوية القصوى للرئيس كاملة غير منقوصة، وكأنها لم توزع أصلا إلى سبع وعشرين جزءا.
وللوقوف على حقيقة بركة الأولوية القصوى للرئيس، فما عليكم إلا أن تتأملوا في حال كل وزارة على حدة لتتأكدوا بأنها قد نالت كل الأولوية القصوى للرئيس، وبأنها على أحسن ما يرام، ولا يعني ذلك بأنكم لن تلاحظوا بعض النواقص البسيطة، ولكن ستبقى تلك النواقص مجرد نواقص بسيطة لا ترقى إلى مستوى التشكيك في بركة الأولوية القصوى للرئيس.
فالأولوية القصوى التي حلت بوزارة التعليم هي التي جاءت بسنة التعليم، وهي التي قفزت بهذه الوزارة قفزات هائلة، ولا يعني ذلك بأننا ننكر بعض الأخطاء البسيطة التي عرفها التعليم في عامه هذا، ولكنها تبقى أخطاء بسيطة جدا، ومن نوع: إلغاء المنح، اختفاء الكتاب المدرسي، سقوط فصل في قلب العاصمة (الثانوية العربية) أثناء الامتحان، ظهور مدير مدرسة يدير مدرسته من تحت شجرة...
وإذا ما ذهبنا إلى وزارة الصيد فسنجد بأن بركة الأولوية القصوى قد حلت بهذه الوزارة، حتى وإن كانت هذه الوزارة قد عرفت بعض المشاكل البسيطة جدا : تلوث بسيط في البحر، وإلغاء لاتفاقية الصيد مع الاتحاد الأوربي.
نفس الشيء يمكن أن نقوله عن بقية الوزارات فوزارة الطاقة والمعادن بخير، وإن كانت تمر بمشاكل بسيطة جدا : انقطاعات متكررة للكهرباء ولكنها عادية، وبعض الإضرابات البسيطة التي كانت قد عرفتها بعض الشركات في وقت سابق (اسنيم مثلا). ووزارة المالية بخير: مجرد اختلاسات عادية في كل فروع الخزينة، وانهيار بنك واحد إلى حد الآن. ووزارة البيطرة بخير، حتى وإن تمت ملاحظة نقص في كمية الأعلاف وفي جودتها في هذا العام الذي عرفت فيه بلادنا جفافا. ووزارة الخارجية بخير، ولا شيء يدعو إلى القلق، وكل ما هناك هو أن بلادنا كانت قد عرفت أزمة دبلوماسية بسيطة مع الجزائر ودون أن تتحسن علاقتنا مع المغرب. ووزارة الداخلية بخير: فالأمور كلها تحت السيطرة، وعيون رجال الأمن ساهرة، وذلك رغم التطور النوعي والكمي للجريمة في بلادنا. ووزارة المياه بخير: ليست لديها مشاكل إذا ما استثنينا بعض الاحتجاجات العادية في كل المدن والقرى الموريتانية بسبب العطش، والتي يعتبر أكثرها تمثيلا في تمثيل، فرفع "بيدون" أصفر قد لا يكون دليلا على العطش، وإنما هو دليل أكيد على أن أحد دكاكين أمل كان قد باع للمواطنين الفقراء ما كان في ذلك "البيدون" الأصفر من زيت بأسعار مخفضة. ألا تذكرون قصة تلك المواطنة التي أزعجت الرئيس في "فم لكليت" بتمثيلها، والتي كانت تمثل دور مواطنة عطشى، وذلك في وقت كان فيه الرئيس صاحب معجزة الأولوية القصوى يدشن  مشروعا مائيا؟  ووزارة الصحة : إنها على أحسن ما يرام، وإليكم الدليل القاطع، وحتى وإن كنتُ لا أملك إحصائيات دقيقة. إن نسبة المرضى الذين يموتون في مستشفياتنا ومراكزنا الصحية هي نسبة قليلة جدا، وبالطبع فأن تكون نسبة الوفيات في مرافقنا الصحية منخفضة فذلك دليل على تحسن الخدمات الصحية. أعرف بأن ناكري معجزة الأولوية القصوى سيدعون بأن انخفاض تلك النسبة هو بسبب أن المرضى الميسورين يموت أكثرهم في المستشفيات التونسية أو المغربية أو السنغالية. وأن المرضى الفقراء يموت أغلبهم عند أبواب الأطباء التقليدين و"الحجابة" والمشعوذين. ووزارة التجهيز والنقل فهذه بألف خير: فقط هناك عدم انسيابية في حركة السير، وحوادث سير كثيرة، بالإضافة إلى ارتفاع في أسعار المحروقات والتذاكر.
صحيح أنه قد يكون من الصعب جدا أن نشاهد في أيامنا هذه مواطنا وهو يعبر الشارع مبتسما، أو يسوق سيارته ضاحكا، ولكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال بأن البنية التحتية لم تحل بها ـ ومن قبل غيرها ـ بركة الأولوية القصوى.                         
حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق