الأربعاء، 20 مايو 2015

وعاظ أم متسولون (تدوينة)

أديت البارحة صلاتي  المغرب والعشاء في مسجد شجرة الأنبياء، وهناك صادفت ظاهرة أصبحت تتكرر كثيرا في المساجد، وهذه الظاهرة كنتُ قد كتبتُ عنها قليلا في وقت سابق.
بعد صلاة المغرب تقدم رجل بسيط في مظهره، نحيف الجسم، أسمر اللون، وفي اعتقادي بأنه لم يتجاوز الأربعين من عمره، تقدم هذا الرجل في اتجاه المنبر وبدأ يلقي موعظة ما سمعتُ، ومنذ مدة الزمن، أحسن منها.

الكثير من المصلين لم يغادر المسجد، وبعضهم لم يتمكن من أن يخفي تأثره من الموعظة التي ركز صاحبها على الحديث عن الجنة وعن النار، وعن تلك الحياة الخالدة التي تنتظرنا، جعلني الله وإياكم من الفائزين فيها.
بعد أن أكمل موعظته طلب واعظنا من المصلين بأن يعينوه بما تيسر، فهو حسب ما قال ـ أعاذني الله وإياكم من كل مرض خبيث ـ مصاب بسرطان في الكبد، وكان يتعالج في فرنسا، وهو ملزم بعد عودته من فرنسا، بأن يوفر ـ وبصفة دورية (لم أضبط الوقت) ـ حقنة ثمنها 31000 أوقية عند عيادة خاصة كان قد سماها.
لقد قابلتٌ العديد من هؤلاء الوعاظ الذين يعظون الناس في المساجد، ثم بعد إكمال موعظتهم يتقدمون بطلب المساعدة، تارة لأسباب صحية، وتارة لمساعدة محاظر يقومون عليها، أو لتشييد مساجد يشرفون على بنائها.
وبعد متابعتي لهذه الظاهرة فيمكنني أن أقول بأن هناك وعاظا فقراء مرضى، وهم في أمس الحاجة إلى المساعدة، وأعتقد بأن من وعظنا البارحة في مسجد شجرة الأنبياء كان من هذه الطائفة، حتى وإن كان قد تعالج في فرنسا.
ولكن، وفي المقابل، فإن هناك طائفة أخرى تسترزق بالوعظ، أي أنها تبيع موعظتها بدراهم معدودة قد لا تكون في أمس الحاجة إليها.
ومهما يكن من أمر، فإن الواعظ عندما يتقدم بعد نهاية موعظته بطلب شيء من حطام الدنيا، فإن ذلك سيؤثر حتما على تأثير موعظته، ولذلك فكنتٌ أتمنى أن تكون هناك جهة ما تتكفل بالوعاظ الفقراء المحتاجين، وتقدم لهم المساعدة الكافية حتى يتفرغوا لوعظ الناس، ودون أن يضطروا لأن يطلبوا شيئا من حطام الدنيا ممن استمع بتأثر ـ أو بغير تأثرـ إلى مواعظهم.
وإن لم تتحقق تلك الأمنية، فإني أتمنى بأن تكون هناك، على الأقل، جهة ما ذات مصداقية، تهتم بهذا الأمر، فتكشف لنا من هو الواعظ المحتاج المضطر الذي أجبرته الحاجة لأن يسأل الناس، ومن هو "الواعظ" المسترزق الذي يعظ الناس حتى يزهدهم في دنيا لم يزهد هو فيها، وإذا ما أحس بأنهم قد زهدوا في الدنيا مد إليهم يده سائلا وطامعا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق