الاثنين، 4 مايو 2015

عاشت الأخوة الموريتانية الجزائرية

 قليلة هي تلك الأوقات التي استطاعت فيها الحكومات الموريتانية المتعاقبة أن تقيم علاقات حسنة ومتوازنة مع الجارتين الشقيقتين: الجزائر والمغرب. فكانت كلما تحسنت علاقتنا مع إحدى الشقيقتين، ساءت مع الثانية، وكأن ذلك هو قدرنا، هذا مع استثناءات محدودة تمكنا فيها أن نقيم، وفي وقت واحد، علاقات متوازنة وجيدة مع الجارتين الشقيقتين. 

وبطبيعة الحال فإن المسؤولية في ذلك تتحملها أنظمة الدول الثلاث، وتتحمل الجارتان الشقيقتان المسؤولية الأكبر، لأن أنظمتهما الحاكمة ظلت تعتبر دائما بأن موريتانيا يجب أن تبقى ساحة خلفية لتصفية الحسابات والمعارك الدبلوماسية بينهما.
الجديد في هذه المرة، وهذا مما يقلق كثيرا، هو أن علاقة حكومتنا قد ساءت  بحكومتي الجارتين الشقيقتين، وفي وقت واحد.
كنا نريد من حكومتنا أن تقيم علاقات حسنة ومتوازنة مع الجارتين الشقيقتين، فإذا بها، ولأسباب لم نستطع أن نفهمها، تقرر أن توازن في علاقتها بين الجارتين الشقيقتين، لا من حيث التحسن، بل من حيث السوء والتوتر. 
كانت البداية مع المغرب، والغريب في الأمر، أن العلاقة بالحكومة المغربية كانت قد ساءت في فترة لم نكن نتوقع فيها أن تسوء  تلك العلاقة. ففي تلك الفترة كنا نتهم حكومة المملكة المغربية، بدعم انقلاب السادس من أغسطس 2008. لم تتحسن علاقتنا مع الحكومة المغربية بعد الانقلاب، بل إنها ساءت كثيرا لدرجة أدت إلى تقليص مستوى التمثيل الدبلوماسي في سفارتنا بالمغرب. ومن مظاهر سوء العلاقة بين البلدين أن الملك محمد السادس لم يزر موريتانيا رغم أنه زار الدول المجاورة لها، ولم يزر الرئيس عزيز المغرب رغم زياراته المتكررة للجزائر ولدول الجوار.
فما الذي جعل علاقة حكومتنا تسوء بحكومة المغرب، وذلك في وقت كنا نتوقع فيه أن تتحسن العلاقة بين الحكومتين تحسنا كبيرا؟
لا أعتقد بأنكم تنتظرون مني إجابة على ذلك السؤال، ولا أعتقد أيضا بأنكم تنتظرون مني إجابة على سؤال آخر يقول : لماذا ساءت علاقة حكومتنا مع الحكومة الجزائرية في مثل هذا الوقت بالذات، خاصة وأن كل واحدة من الحكومتين تحتاج للأخرى للتنسيق فيما بات يهددها من مخاطر، ليس أقلها ما يحدث من انهيار أمني على حدود البلدين مع جمهورية مالي.
لم يكن أحد يتوقع أن تسوء العلاقة بين الجزائر وموريتانيا في مثل هذا الوقت بالذات، ولكن يبدو ـ وللأسف الشديد ـ بأن ذلك هو الذي سيحدث مع تصاعد الخلاف، ومع تصاعد الحملات الإعلامية التي يقف وراءها قوم لا يعقلون، ومن كلا البلدين، ولقد كان نصيب الإعلام الجزائري أكبر.
لم تكن الحجة التي قدمتها الحكومة الموريتانية لتبرير طرد الدبلوماسي الجزائري بمقنعة، ولم تكن ردود فعل الحكومة الجزائرية بمقنعة، ولم تكن الحملات التي يقوم بها بعض الجزائريين للإساءة إلى الدولة الموريتانية بمبررة.
فحتى لو ثبت بأن الدبلوماسي الجزائري كان على صلات ببعض الصحفيين الموريتانيين، فكانت هناك أكثر من طريقة للتعامل مع ذلك الأمر غير طرد الدبلوماسي الجزائري بتلك الطريقة المستفزة، فكان يمكن أن يتم طرده بطرق وأساليب دبلوماسية أخرى أكثر لباقة.
ثم لماذا لا تعاقب الحكومة الموريتانية الصحفيين الموريتانيين الذين يقيمون علاقات مشبوهة مع بعض السفارات الأجنبية، بعد أن ثبت لديها ذلك، وعلى لسان الرئيس الموريتاني نفسه؟
وفي الأخير، فلماذا لم تستدع الحكومة الموريتانية السفير الأمريكي الذي يقوم بأنشطة علنية معادية لموريتانيا، وذلك من قبل أن تطرد دبلوماسيا جزائريا أقصى ما يمكن أن يقال عنه أنه كان يقوم بأنشطة معادية لموريتانيا، ولكن في السر؟
المخجل في الأمر هو أن السفير الأمريكي كان قد تم منحه، وفي حفل بهيج، شهادة مواطن فخرية من طرف عمدة بلدية شنقيط، ربما تشجيعا له على الأعمال العدائية التي يقوم بها ضد موريتانيا، بينما تم طرد الدبلوماسي الجزائري بتلك الطريقة المستفزة.
وتبقى هناك ثلاث ملاحظات سريعة، من المهم جدا ذكرها في هذا المقال.
1 ـ إن ما يحدث الآن بين الجزائر وموريتانيا يجب أن لا نحمل مسؤوليته لغير "العزيزين" الحاكمين في البلدين، ولنظاميهما. فالعلاقة بين الشعب الجزائري والشعب الموريتاني يجب أن تظل علاقة أخوية ومتينة.
2 ـ أدين وبشدة بعض التصريحات المسيئة التي تلفظ بها بعض الجزائريين في حق الشعب والدولة الموريتانية. كما أدين وبنفس القوة بعض التصريحات المسيئة التي تلفظ بها بعض الموريتانيين في حق الشعب والدولة الجزائرية.
3 ـ من حق الجزائريين أن ينتقدوا الحكومة الموريتانية بما شاؤوا، ومن حق الموريتانيين أن ينتقدوا الحكومة الجزائرية بما شاؤوا، ولا شك في أن الحكومتين  تستحقان من النقد الشيء الكثير، ولكن ليس من حق أي كان، جزائريا أو موريتانيا، أن ينتقد الشعب الموريتاني أو الشعب الجزائري، ولا أن ينتقد الدولة الموريتانية أو الدولة الجزائرية.
وبكلمة واحدة، فيا أيها "الوطنيون" هنا أو هناك، فمن أراد منكم أن يتحدث عما يجري الآن بين الجزائر وموريتانيا فليقل خيرا، أو ليصمت.

حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق