الأحد، 2 سبتمبر 2012

رئيسان وخطاب واحد!!



عنفوان الخمسينات والستينات يعود..
كبرياؤها تعود..
ثوريتها تعود..
وخطاباتها الجماهيرية تعود مع خطاب الرئيس المصري محمد مرسي الذي افتتح به قمة عدم الانحياز في طهران، والذي لا شك أنه قد ذكَّر الكثيرين ـ من غير الإخوان والناصريين ـ بخطابات "ناصر" في الخمسينات والستينات.
وأقول الكثيرين من غير الإخوان والناصريين، لأن الناصريين بصفة خاصة، والقوميين بشكل أعم، لن يقتنعوا ـ إطلاقا ـ  بأي خير يأتي من الرئيس مرسي، وهذا ما جعلهم ـ وبشكل آلي ـ  يترجمون خطابه، تماما كما فعل الإيرانيون، ويحرفوه كما حرفه الإيرانيون، ويبدلوا كل ما فيه من كلمات ثائرة بكلمات خانعة، وذلك لكي يدعموا نظريتهم الغريبة، والتي تقول بأن قناة الجزيرة والإخوان وأمريكا وإسرائيل وتركيا يخططون ـ من خلال الربيع العربي ـ  لتدمير العرب، ولتقسيمهم وتجزئتهم إلى كيانات وطوائف متناحرة، تأتمر بأوامر أمير قطر، والذي يأتمر بدوره بأوامر أمير أمريكا.
الغريب في هذه النظرية ـ وهذا وحده يكفي لتفنيدها ـ  أنها استبعدت  من هذا المخطط "العدو الأخطر" للعرب، فكيف يغيب "الفُرس" عن مثل هذا المخطط  الذي يسعى لتدمير العرب؟ هذا سؤال أطرحه على القوميين بصفة عامة، وعلى البعثيين بصفة خاصة.
أما الإخوان، وبسبب ما تعرضوا له من ظلم في عهد عبد الناصر، فهم أيضا لا زال أغلبهم يعتبر بأن عهد عبد الناصر كان كله ظلما واستبدادا، وأنه كان خاليا من أي انجاز يذكر، رغم ما في ذلك العهد من انجازات عظيمة بمقاييس الزمن الذي تحققت فيه.  
وتلك نظرة خاطئة عند الإخوان، أراد الرئيس مرسي أن يصححها، ولعل محاولة تصحيحه لها كانت من أكثر ما ميز خطابه، والذي كان ـ والحق يقال ـ  متميزا في مجمله، بدءا بالترضي على الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم أجمعين، مرورا بالموقف الصريح والفصيح من النظام الفاقد للشرعية في سوريا، وانتهاءً بالدفاع عن إفريقيا والتي تخلت عنها مصر منذ رحيل عبد الناصر كما تخلت عن كل قضايا العرب والمسلمين في العالم.
إن تلك الفقرة من الخطاب تستحق أن نتوقف عندها أكثر من غيرها، فأن يشيد الرئيس مرسي في فقرة من خطابه بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وأن يذكر بدوره في تأسيس حركة عدم الانحياز، وأن يصفه بأنه "كان يعبر عن إرادة الشعب في كسر الهيمنة الخارجية"، فذلك من الأمور التي يجب أن لا نمر عليها بشكل عابر، كما سيفعل الإخوان والقوميون على حد سواء، وإن كان لكل منهما أسبابه الخاصة التي ستدفعه لذلك.
سيتجاهل القوميون والإخوان ـ وعلى حد سواء ـ  هذه الفقرة من الخطاب، وهذا بالضبط هو ما جعلني أركز عليها دون غيرها من فقرات الخطاب الذي كان متميزا في كل فقرة من فقراته، وفي كل جزئية من جزئياته.  فكثير من الإخوان لا يريد أن يُذكر عبد الناصر بخير، أما القوميون فإنهم ـ وللأسف الشديد ـ قد صنفوا الرئيس مرسي على أنه  متآمر مع أمريكا وإسرائيل والجزيرة وتركيا، وعلى أنه "شر مطلق" لن يأتي منه أي خير، حتى وإن تحول عهده إلى عهد مليء بالانجازات العظيمة.
إنه لمؤسف حقا أن يظل نبش التراث واستحضاره، واستعادة كل أرشيف الصراع الإيديولوجي بين القوميين والإسلاميين هو الذي يحكم العلاقة بين الإسلاميين والقوميين في وقتنا الحاضر.
ولولا الاستحضار الدائم  لأخطاء ذلك التراث لأشاد الإخوان والناصريون معا بهذا الخطاب الذي يذكر بخطابات عبد الناصر القوية في الخمسينات والستينات.
ولأشادا معا بالفقرة الخاصة بالثناء على عبد الناصر، ولجعلاها هي الأبرز في كل أحاديثهم وتعليقاتهم على الخطاب، عسى أن يساعد ذلك في خلق الحد الأدنى من الثقة بين الفريقين المتخاصمين دائما وأبدا، لأن استعادة الثقة بينهما يعتبر شرطا ضروريا لكي تحقق الثورة المصرية أهدافها، ولأن تتجاوز كل التحديات الخارجية والداخلية المحيطة بها، وما أكثر ما يواجهها من تحديات.
أعرف أن الإخوان سيتجاهلون تلك الفقرة من الخطاب، وأعرف أيضا أن الناصريين سيتجاهلونها، وأعرف أن التجاهل سيكون أكثر عندنا نحن هنا في موريتانيا، نحن الذين نقتات أكثر من غيرنا على جراح ذلك التراث، وعلى آلامه.
وإن العيش على تلك الجراح والآلام، هو الذي جعل الإخوان والقوميون يرهقوننا ويزعجوننا هنا بخلافات الخمسينات والستينات، وبمعاركها وبحروبها الإيديولوجية التي لم تعد تعنينا في أي شيء، اللهم إلا بوصفها جزءا من تاريخ طويل عريض قد يكون من المهم أن نعود إليه، من حين لآخر، ولكن لاستخلاص العبر، وللاستفادة منه ليس إلا.
لقد آن الأوان لأن يلتفت قوميو موريتانيا وإسلاميوها إلى الحاضر، وإلى هموم الحاضر، وإلى تحديات الحاضر التي تواجهها أمتنا العربية والإسلامية بصفة عامة، وموريتانيا بصفة خاصة.
إن الاهتمام بالهموم الحقيقية للوطن والمواطنين كان هو الرسالة الأبرز للثورات العربية الحديثة. ولقد استطاع الثوار أن يزيحوا الديكتاتوريين لما ابتعدوا قليلا عن الخلافات الإيديولوجية، وركزوا على هموم أوطانهم. وبالتأكيد فإنهم لن يحققوا أهداف الثورة إلا إذا ظل الانشغال بالهموم الحقيقية لأوطانهم هو شغلهم الشاغل.
فكفانا نبشا لخلافات الماضي..
وكفانا استحضارا لأرشيف مصر في الخمسينات والستينات في حياتنا اليومية هنا، فأرشيفها ليس ـ قطعا ـ هو حاضرنا.
فموريتانيا اليوم ليست  هي مصر في الخمسينات و لا في الستينات، وحروبها ليست هي حروب الإخوان والناصريين في الخمسيناتـ، ونهضتها لن تكتب بلغة ولا بشعارات الخمسينات والستينات، ولن تصنع بسواعد رجال من أرشيف، فاستيقظوا يرحمكم الله..
تصبحون وقد تحررتم من أرشيف الخمسينات والستينات..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق