الاثنين، 10 سبتمبر 2012

كيف نرد على المجزرة؟



منذ يوم أمس وأنا أتابع ردود أفعال الموريتانيين على المجزرة البشعة التي نفذتها وحدة أو فرقة من الجيش المالي ( لا زلت أتجنب إقحام الجيش المالي بكامله) ضد ستة عشر داعية،  نصفهم ـ على الأقل ـ  من الموريتانيين، وذلك وفق ما جاء في بيان الحكومة المالية.
تابعت ردود الأفعال على المجزرة، خاصة منها تلك التي نشرها أصحابها على الفيسبوك. ولقد أجمع الموريتانيون على الإدانة الشديدة لهذه المجزرة، وطالبت طائفة كبيرة  بردود فعل قوية وحازمة عليها، ولكن دون تحديد طبيعة الرد الذي يجب القيام به، وعدم تحديد طبيعة الرد هو ما دفعني لأن أطرح مثل هذا السؤال، في مثل هذا الوقت المبكر.
فكيف نرد على هذه المجزرة؟
في اعتقادي أن هناك ردودا شعبية وأخرى رسمية وشبه رسمية يجب القيام بها.
أولا : على المستوى الشعبي : علينا أن نستنكر الجريمة بشكل قوي جدا، وأعتقد أن ذلك بدأ يحصل ومنذ اللحظات الأولى بعد الإعلان عن الفاجعة، وعلينا أيضا أن نحضر وبكثافة لاستقبال الجثامين،  وللمشاركة في صلاة الجنازة التي ستقام عليهم.
وهنا يظهر التقصير الرسمي، والذي لم يحدد لنا  ـ حتى الآن ـ  موعد قدوم الجثامين، حتى يتم استقبالها شعبيا. كما أنه لم يحدد إن كانت جميع الجنائز ستحضر هنا إلى العاصمة ليصلى عليها في مسجد التوبة، أم أن كل أسرة سيسلم لها فقيدها، وفي هذا الحالة الأخيرة  فإن الغالبية ستدفن في الحوض الشرقي وهو ما سيحول دون المشاركة الواسعة.
أعتقد أن الأسلم هو أن يؤتى بالجميع إلى مسجد التوبة لتقام الصلاة هناك، لأن ذلك سيمكن الجماعة التي ينتسب لها الضحايا من أن تشارك بشكل واسع، كما أن سيسمح لموريتانيا الشعبية والرسمية من المشاركة.
أتمنى أن أشاهد حضورا حاشدا  كالذي حصل عند الصلاة  على واحد من ابرز علماء جماعة الدعوة والتبليغ، وهو المرحوم "عبد العزيز سي"،  والذي حضر جنازته ما لم يحضر لأي جنازة أخرى منذ تأسيس موريتانيا وحتى اليوم، ولذلك العديد من الدلالات لعل من بينها أن الشعب الموريتاني ليس شعبا عنصريا، حتى وإن كانت هناك أخطاء ترتكب على المستوى الرسمي.
المؤسف أن الصلاة على المرحوم "عبد العزيز سي" لم تجد تغطية مناسبة، لا على مستوى الإعلام الرسمي أو الخاص، فنحن دائما نبخل بتقديم الصور الإيجابية، بينما نسارع في تقديم كل الصور السلبية التي تؤثر سلبا على تماسك ووحدة المجتمع.
وهذه الجنازة يجب أن يشارك فيها أيضا رؤساء الأحزاب السياسية، وقادة الرأي، وأصحاب المنظمات، وكل فئات وشرائح المجتمع، فالحضور الشعبي الكثيف هو أقوى رسالة يمكن أن نقدمها حاليا للحكومة المالية.
ثانيا: على المستوى الرسمي:
1 ـ يمكن القول بأن الإعلام الرسمي قد قصر كثيرا في التعامل مع هذه الفاجعة، وذلك من طبعه دائما، ولكن أعتقد بأن الوقت قد حان لوضع حد لمهازل الإعلام الرسمي خاصة تلك التي تظهر منها أثناء حدوث كارثة أو فاجعة وطنية.
فأن لا تتحدث الوكالة الموريتانية عن هذه الفاجعة إلا عند الساعة الثالثة، أي بعد ست ساعات من نشر الكثير من التفاصيل عنها من طرف كل المواقع المستقلة، فذلك يعني أن الوكالة لا زالت وكالة بائسة.
وأن تتحدث هذه الوكالة عن الفاجعة في إطار المنوعات، وبأقل من خمسة أسطر كتبت بلغة بائسة فذلك يعني أن الوكالة لا زالت بائسة.
وأن تتحدث هذه الوكالة عن "وفاة موريتانيين"، وكأنهم ما قتلوا في مالي، وإنما  توفوا هنا على أسرة المستشفى الوطني المتهالكة، فذلك يعني أن الوكالة لا زالت بائسة.
فلو كانت الحادثة تتعلق بمواطنين من دولة "توفالو" لقبلنا بالأسطر الخمسة البائسة التي نشرها موقع الوكالة في منوعاته بعد ست ساعات من نشر التفاصيل من طرف المواقع المستقلة، ولكن الأمر هنا يتعلق بموريتانيين هم من خيرة الموريتانيين.
أما التلفزة فقد واصلت كعادتها  جلسات "أزوان"، ومسلسلاتها القديمة دون أن تهتم بالفاجعة، وفي مساء اليوم جاءت ببرنامج جديد عبارة عن "كاس من أتاي". حقيقة لقد آن الأوان لأن نوقف مهازل الإعلام الرسمي، وخصوصا عند حدوث الكوارث والفواجع.
2 ـ على المستوى الحكومي:
ـ يجب أن تستقبل جثامين الموريتانيين استقبالا رسميا مهيبا.
ـ يجب أن تمثل الحكومة بوزراء بل وبالوزير الأول عند الصلاة والدفن.
وكل ذلك سيشعر الطرف المالي بأنه ارتكب فعلا حماقة كبرى عليه أن يكفر عنها بشكل فوري وسريع.
الحكومة المالية قالت بأنها ستفتح تحقيقا عاجلا، واعتذرت عن الحادثة، وأعلنت أن وزير خارجيتها سيحضر للعاصمة لتقديم التعازي والاعتذار.
هذا جيد ولكنه لا يكفي إلا إذا أشفع بما يلي:
ـ أن تشارك موريتانيا في التحقيق ومن اللحظات الأولى.
ـ أن تتم معاقبة مرتكبي المجزرة بطريقة ترضي الطرف الموريتاني، أي أن يكون بإمكان الطرف الموريتاني أن يَطلِع على العقوبة وعلى مدى تنفيذها.
ـ أن تسلم الحكومة المالية ديات مغلظة لذوي الضحايا مع تقديم التعازي لهم حيث ما كانوا وأين ما كانوا.
وفي النهاية على الحكومة المالية أن تلتزم بعدم تكرر مثل هذه الحوادث، أما في حالة رفضها لمثل هذه الشروط، فإن إعلان الحرب لن يكون في تلك الحالة هو الأسلم، وإنما الأسلم هو محاصرة هذه الحكومة والعمل على خنقها اقتصاديا وسياسيا حتى تزداد عليها المشاكل والهموم فتنهار عسى أن يبدل الله الشعب المالي بحكومة غيرها تكون أكثر رشدا وحكمة.
تصبحون بلا فواجع ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق