الخميس، 19 يوليو 2012

من يقطع الحبل أولا..!؟



استغرب أحدهم ـ ومن حقه أن يستغرب ذلك ـ أن فيلا كبير الحجم قوي البنية كان مقيدا في حديقة حيوان بحبل عادي يمكن لأي حيوان آخر بغير قوة الفيل أن يتحرر منه ودون عناء.  
هناك الكثيرون ممن زاروا حديقة الحيوان تلك ولم يستغربوا ذلك المشهد، وتلك قصة أخرى لا أريدها أن تنحرف بالمقال عن موضوعه. المهم أن صاحبنا " الفضولي" الذي استغرب ذلك المشهد تقدم إلى مدير حديقة الحيوان وسأله عن سر الفيل والحبل.
مدير الحديقة كشف السر للسائل وأخبره بأن الفيل لما كان صغيرا تم تقييده بذاك الحبل، وكانت قوة الحبل في تلك الفترة كافية لتقييده. ولقد حاول الفيل في كثير من المرات أن يتحرر من الحبل، ولكنه كان يفشل دائما، وبعد الكثير من المحاولات استسلم الفيل للقيد وتوقف نهائيا عن المحاولة.
ولما كبر الفيل وأصبح قادرا على أن يتحرر من الحبل، لم يحاول، لأنه لا يزال يعتقد بأن المحاولة ستنتهي بالفشل كما كانت تنتهي بالفشل لما كان صغيرا.
هذه القصة التي تُروى بروايات مختلفة قليلا، وفي مجالات بعيدة جدا عن السياسة، هي التي اخترتها لأن أجيب من خلالها على ثلاثة أسئلة "سياسية" كثيرا ما تطرح في الآونة الأخيرة.
1ـ هل يمكن للنظام الموريتاني أن ينجو من "وباء" السقوط الذي تنتشر عدواه بسرعة بين الأنظمة العربية؟
2 ـ هل يمكن للمعارضة أن تفرض الرحيل، والذي جعلته الشعار الأبرز لكل أنشطتها؟
3 ـ هل يمكن للشباب الموريتاني أن يتحرر من الهياكل السياسية التقليدية حتى يبرز ككيان مستقل وقوي قادر على أن يقود أي تغيير يحدث في البلاد؟
إن محاولة الإجابة على هذه الأسئلة الثلاثة ستعيدنا إلى قصة الفيل والحبل.

(1)
فبالنسبة للنظام الحاكم فلا يزال يحكمه اعتقاد خاطئ، كان هو الذي يحكم الأنظمة في "طفولتها" فجعلها تعتقد بأن الدول لا يمكن أن تحكم إلا من خلال إعطاء الأولوية للحلول الأمنية، وإقصاء الخصوم السياسيين وحرمانهم من كل خيرات البلاد، وإضعافهم بكل الطرق الممكنة، والاعتماد على المقربين والمطبلين، والكذب على الشعب وخداعه، والاعتماد على الترغيب والترهيب في كسب الأنصار وإضعاف الخصوم، واللجوء إلى المبادرات وإلى تطبيل الإعلام الرسمي، وعدم المصارحة بما يدور، و التقرب من المفسدين والوجهاء و الابتعاد عن الوطنيين والمخلصين، وتقريب ضعاف الناس الذين يظهرون الطاعة والخنوع حتى في الأوقات التي يجب فيه النصح، وتهميش من له القدرة على تقديم النصح، وارتجال القرارات، والابتعاد عن الشعب وعن البسطاء والاكتفاء بما تقوله الدائرة الضيقة.
إن هذه العقلية كان بالإمكان أن يُحكم بها في زمن "طفولة الدولة"، أما الآن فلم يعد ذلك ممكنا في ظل انتشار الوعي، وفي ظل هذه التحولات الكبرى التي تحدث في العالم.
طبعا سيكتشف النظام مدى قوته  لو حاول أن يتحرر من تلك العقلية البائسة، وأن يغير من طبيعته في إدارة أمور البلاد، ولكن المأساة أن النظام لدينا كفيل حديقة الحيوانات، فهو لن يحاول أبدا أن يقطع الحبل الذي يقيد اعتقاده.

(2)
 المعارضة أيضا لا زال يحكمها اعتقاد قديم،  كان يحكمها وهي لا تزال "صغيرة"، وجعلها ذلك الاعتقاد تؤمن بأن أي تغيير في البلاد لا يمكن أن يحصل إلا من خلال انقلاب.
وهذا الإيمان الراسخ لدى المعارضة، والذي كثيرا ما يطفو على السطح، عن قصد أو عن غير قصد، والذي ظهر بوضوح  في مسيرة ومهرجان "الرحيل ..نهاية لمعاناة المواطنين"، خاصة في خطابي الرئيس الأسبق أعل ولد محمد فال وأحمد داداه هو الذي يجعل المعارضة تقف عاجزة عن تحقيق شعارها المطالب بالرحيل.
إن اعتقاد المعارضة بعجزها عن إحداث التغيير، وقناعتها الراسخة بأن الجيش هو وحده الذي يمكن أن يحدث تغييرا، وأن دور المعارضة إنما  يقتصر فقط على توفير الأجواء الكافية لإقناع ضابط ما بأن يفكر في القيام  بانقلاب، إن ذلك الاعتقاد كان هو السب الأبرز الذي أدى ـ والذي سيؤدي ـ إلى فشل أنشطة المعارضة.
طبعا ستكتشف المعارضة مدى قوتها  لو حاولت أن تتحرر من العقلية البائسة التي تحكمها، وأن تتوقف عن استجداء ضابط هنا أو هناك، وأن تصرف نظرها نهائيا عن الانقلابات، ولكن المأساة أن المعارضة  كفيل حديقة الحيوانات فهي لن تحاول أبدا أن تقطع الحبل الذي يقيد اعتقادها.

(3)
أما فيما يخص الشباب فهو لا يزال يعتقد بأن العمل السياسي والنضالي لا يمكن أن يتم إلا عبر الأطر والقنوات التقليدية، وهو لا يزال يكتفي بالتواجد في الصف الثاني خلف القيادات التقليدية للأحزاب وللنقابات ..
ولا تزال أغلبية الشباب الموريتاني لم تقتنع بأن العالم يتغير، وبأن ساحات النضال تتغير، وبأن أساليب النضال تتغير، وأن كل ذلك التغير في الساحات وفي الأساليب إنما هو لصالح الشباب، وإنما جاء ليمكن هذا الشباب من أن يقود أي عملية تغيير تحدث مستقبلا.
إن هناك فرصا كثيرة أصبحت متاحة للشباب، ولكن غالبية الشباب لا زالت ترفض الاستفادة من تلك الفرص، الشيء الذي جعل الشباب إما أن يكون مغررا به حسب وصف الأغلبية لشباب المعارضة، أو مفعولا به حسب وصف المعارضة لشباب الأغلبية، طبعا مع وجود استثناءات مبشرة لا تزال تحاول جاهدة أن تخرج من جلباب الهياكل السياسية التقليدية.
حتما سيكتشف الشباب مدى قوته وقدرته على التأثير لو حاول أن يتحرر من العقلية التي تحكم غالبيته، ولو حاول أن يترك الصف الثاني سواء كان في فسطاط المعارضة أو الأغلبية ، ولكن المأساة أن غالبية الشباب لا زالت كفيل حديقة الحيوانات وهي لن تحاول أبدا أن تقطع الحبل الذي يقيد اعتقادها.
وختاما فيمكن القول بأن الطرف الذي سينتصر في النهاية من بين كل تلك الأطراف الثلاثة هو ذلك الطرف الذي سيحاول ـ من قبل غيره ـ  أن يقطع الحبل الذي يقيد اعتقاده، وأعتقد بأن في ذلك جزء من جواب على سؤال كثيرا ما يطرحه البعض: لمن ستكون الغلبة في الصراع الدائر حاليا بين المعارضة والسلطة من جهة، وبين الشباب والنظام (المعارضة والسلطة معا) من جهة أخرى، مع العلم بأن الصراع الأخير لا يزال خجولا ولم يحن الوقت المناسب للانشغال بالحديث عنه.
تصبحون على حبل قد انقطع..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق