الأربعاء، 9 مايو 2012

فتاوى سياسية 2/3


لقد بينت في الحلقة الأولى من هذه الفتاوى السياسية، بأنه لكي نجيب على السؤال: هل يجوز إسقاط  نظام "محمد ولد عبد العزيز" من قبل أن يكمل مأموريته؟ بأنه علينا أولا أن نجيب على سؤال آخر يقول : هل ما أنجز الرئيس "محمد ولد عبد العزيز" خلال ما مضى من مأموريته يكفي لكي يجعل المطالبة بإسقاطه فعلا غير مشروع؟
وقبل الإجابة على هذا السؤال، قد يكون من اللازم أن أشير إلى بعض الملاحظات السريعة، والتي لا يمكن إغفالها عند الإجابة على سؤال هذه الحلقة:

1ـ إن "المذهب العزيزي" لم يكن لديه من الفتاوى لتبرير الانقلاب على "سيدي ولد الشيخ عبد الله" سوى غياب شرعية الانجاز. فقد كان "سيدي ولد الشيخ عبد الله" هو أول رئيس موريتاني يفوز في انتخابات رئاسية يترشح فيها من قبل أن يكون رئيسا بالبيان رقم1، كما أنه كان هو أول مرشح للرئاسة لا يتمكن من النجاح إلا في الشوط الثاني، وبنسبة 52% كما يحدث في الديمقراطيات المتقدمة (فرنسا مثلا)، لذلك فعلى الرئيس "محمد العبد العزيز" أن يتذكر دائما بأن للشعب الموريتاني الحق،  كل الحق، في أن يحاسبه حسابا عسيرا، لم يحاسب به رئيسا من قبله، فيما يتعلق بشرعية الإنجاز، والتي كان غيابها هو المبرر الوحيد الذي شرع به  انقلابه على الرئيس "سيدي ولد الشيخ عبد الله"، والذي لا شك بأن نظامه كان أفضل من حيث كل جوانب الشرعية الأخرى من نظام الرئيس "محمد ولد عبد العزيز". فلم يكن "ولد عبد العزيز"  ليصبح رئيسا منتخبا، لو لم ينقلب على أول رئيس منتخب بشكل شفاف، وينصب نفسه رئيسا بدلا منه لمدة عام وزيادة، ثم يترشح من بعد ذلك.
2 ـ إن "شرعية الإنجاز" كانت ـ وستظل ـ هي المجال الوحيد الذي يمكن للرئيس "محمد ولد عبد العزيز" أن يتفوق فيه على سلفه، أما الجوانب الأخرى فستبقى لصالح  الرئيس "سيدي ولد الشيخ عبد الله"، وعلى "فقهاء المذهب العزيزي"، والذين تعودوا على أن يقللوا من شرعية "سيدي"، في الوقت الذي يقدسون فيه شرعية "عزيز"، أن يتذكروا دائما تلك الحقيقة. 
3 ـ لقد اضطر الرئيس "عزيز" لأن يكون سخيا في وعوده، وذلك لكي يبرر انقلابه الذي لا مبرر له، وهو ما جعله يعد الشعب الموريتاني، خاصة الفقراء منه، بما لم يعدهم به رئيس من قبله، لذلك فمن الطبيعي جدا أن يحاسبه الشعب الموريتاني  حسابا عسيرا، لم يحاسب به رئيسا من قبله.
4 ـ يحتج  "فقهاء المذهب العزيزي" لكي يجرموا المطالبة برحيل النظام، بأن الرئيس "عزيز"  لم يمكث في الرئاسة طويلا، عكس الرؤساء العرب الذين تم إسقاطهم . وهنا لابد أن أبين بأن المشكلة ليست في المدة الفعلية التي ترأس فيها شخص "ولد عبد العزيز"، وإنما هي في أسلوب حكم بائس، ظلت تدار به شؤون البلاد منذ عقود من الزمن، حتى وإن تعاقب على كرسي الرئاسة العديد من الرؤساء. فتحديد مدة حكم "ولد عبد العزيز" لا يرتبط  بالفترة التي حكم فيها البلاد، بل بالأسلوب الذي يحكم به، فإن كان هذا الأسلوب يتطابق مع أسلوب الرئيس "ولد الطايع" فذلك يعني بأن "ولد عبد العزيز" قد أطال المكوث في السلطة، لأنه يحكم منذ 12 ـ 12 ـ 1984م.
بعد تلك الملاحظات، دعونا نقس مستوى الإنجاز لدى الرئيس "محمد ولد عبد العزيز". وبالتأكيد فإننا لن نعتمد هنا على مقياس الدكتور ولد حرمة، والذي قال بأن ما تحقق في سنتين ونصف من حكم "ولد عبد العزيز"، يفوق ما تحقق خلال خمسين سنة الماضية، وهذا ما يعني بلغة رياضية بحتة بأن الرئيس "ولد عبد العزيز" ينجز في يوم واحد ما يحتاج الرؤساء الآخرون لعشرين يوما لكي ينجزوه.
وهو ما يعني أيضا بأن موريتانيا ستصل إلى العام 2112 وهي لا زالت في العام 2014، هذا إذا ما ظل الرئيس  "محمد ولد عبد العزيز" يحكم البلاد، ويقودها بتلك السرعة الجنونية التي تحدث عنها الدكتور ولد حرمة ( خمسون سنة يتم تقطعها في سنتين ونصف).
ودعونا نواصل مع الرياضيات، ودعونا كما يقول أهل الاختصاص في هذه المادة، نفترض جدلا، بأن الرئيس "محمد ولد عبد العزيز" تمكن من البقاء في السلطة لمأموريتين كاملتين(10 سنوات)، فهذا سيعني بأن موريتانيا ـ وفقا لمقياس الدكتورـ ستصل إلى العام 2212 م، والعالم لا يزال يعيش في العام 2019م.
أتدرون ماذا يعني هذا الكلام؟ هذا الكلام يعني ـ ببساطة شديدة ـ  بأن اليوم، هو يوم 9مايو من العام 2062 م، وفق حركة عداد الزمن في "موريتانيا الجديدة"، والتي لم تولد حتى الآن إلا في خيال الرئيس "عزيز"، وفي خيال الدكتور، وفي خيال حفنة قليلة من فقهاء وأنصار وأتباع "المذهب العزيزي" .
يبدو أنكم لم تفهموا شيئا من هذا الكلام، لا بأس، سنُعَقد الكلام أكثر، لكي تفهموه.
إن الشعب الموريتاني يعيش الآن في المستقبل، وفق رواية  رائعة من روايات الخيال العلمي، يكتبها الدكتور ولد حرمة، وينشرها في حلقات.
ولنحاول الآن أن تنرك المستقبل، وأن نخرج  ـ ولو للحظات ـ من صفحات الرواية التي يكتبها الدكتور ولد حرمة، وذلك لكي نعيش لحظات من دخان ومن ماء مع المعارضة المقاطعة. يقول فقهاء وخطباء المعارضة: إن "موريتانيا الجديدة" تسير بخطوات سريعة  إلى الماضي السحيق ( لا حظوا أن الأغلبية والمعارضة تتفقان على أن البلاد تسير بسرعة، ولكنهما تختلفان فقط في الاتجاه الذي تسير إليه).
لذلك فيصبح  اليوم ـ وفق عداد المعارضة ـ  هو يوم 9 مايو 2005م، أو على الأقل، هذا ما أصبحت تتمناه 70% من الشعب الموريتاني ( اعذروني على الجرأة في تحديد هذه النسبة، فأنا في مجتمع تعود الناس فيه أن يحدد كل واحد منهم أرقامه ونسبه التي تحلو له، والجهة الوحيدة في هذا البلد  التي لا يحق لها أن تحدد نسبا، أو تنشر أرقاما، هي مكتب الإحصاء الذي يعيش في ظروف مزرية منذ قدوم هذا النظام!!!).
والمفزع حقا أن 90% من 70% التي تتمنى أن يعود التاريخ إلى الوراء، كانت تكره الرئيس "ولد الطايع" كرها شديدا، ولكن تراكم الإحباط والخيبات من بعده جعلها تتمنى أن تكون موريتانيا لم تعرف انقلاب 6 من أغسطس 2005م.
وربما يكون ذلك هو الذي جعل أحد أحباء الرئيس "ولد الطايع"، ممن وجد نفسه معارضا بشكل تلقائي، وأقصد هنا "أحمد ولد سيدي باب" رئيس حزب التجمع من أجل الديمقراطية والوحدة، يدعي بأن الدولة كانت في عهد "ولد الطايع"  دولة قانون ومؤسسات خيرها وفير، وفي عهد "ولد عبد العزيز"  أصبحت دولة لتجذير الفوضى والانتقائية والحرمان.
إن ما قاله "أحمد ولد سيدي باب" كان منكرا من القول، لم تتبرأ منه المعارضة، وكانت تلك واحدة من أخطاء المعارضة، والتي سأفصل فيها عندما أبدأ الإجابة على السؤال المتعلق بالمعارضة في سلسلة هذه الفتاوى، والتي ربما يزيد عدد حلقاتها ـ عكسا لما كنت أتوقع ـ عن ثلاث حلقات.
إن من يريد أن يقيس ـ وبشكل موضوعي ـ مستوى الانجاز في عهد "ولد عبد العزيز" عليه أن يبتعد عما يقوله "أحمد ولد سيدي باب"، وعما يكتبه الدكتور "ولد حرمه" في روايته.
إن الرئيس "ولد عبد العزيز" قد حاول أن ينجز "شيئا ما" في مجال البنية التحتية، وفي مكافحة الإرهاب، وفي المجال الديني، وفي محاربة الفساد، ولكن مشكلة "ولد عبد العزيز" أن إنجازاته القليلة تم إخراجها بشكل سيء، رغم أن أحد مستشاريه يعد أشهر مخرج سينمائي في موريتانيا.
وكمثال على ذلك، فإن عملية الإحصاء الجارية حاليا تعد واحدة من أهم الإنجازات التي كان يمكن أن تكون في حسنات النظام، ولكن الطريقة التي تم بها إخراجها كانت سيئة للغاية، وكادت أن تشعل حربا أهلية في موريتانيا.
أما في المجالات الأخرى، فإن "ولد عبد العزيز" لم يحاول أن ينجز شيئا مذكورا، وظل يقود سفينة البلاد بارتباك وببطء شديد عكس ما يكتبه الدكتور في روايته، وإليكم هذه الأدلة:
أ‌)       بعد انقلابه مباشرة وعد الرئيس "محمد ولد عبد العزيز" بإصلاح التعليم وبتنظيم منتديات لذلك الغرض، ومن المعلوم بأن أي إصلاح حقيقي لا بد أن   يبدأ حتما  بإصلاح التعليم.
وبعد مرور أربع سنوات تقريبا، لا يزال الرئيس عزيز غير قادر على أن يجمع حفنة من خبراء التعليم في قصر المؤتمرات ويوكل إليهم مهمة وضع تصور لإصلاح التعليم، ليكون هناك ـ على الأقل ـ تصورا جاهزا لإصلاح التعليم تبدأ الدولة في تنفيذه إذا ما أصبحت جاهزة لذلك.
أربع سنوات والرئيس عزيز لا يزال عاجزا عن جمع حفنة من الخبراء ومن أهل الاختصاص لتدارس مشاكل التعليم، والذي لا يمكن أن يتم إصلاح، في أي مجال، من قبل إصلاحه، ولن يكون إصلاحه ممكنا إلا بعد تنظيم منتديات التعليم الموعودة.
أربع سنوات والدولة عاجزة عن تنظيم منتديات للتعليم، فأي بطء هذا الذي يقود به ولد عبد العزيز البلاد، أتسمعني يا دكتور؟
ب‌) في سبتمبر من العام الماضي، وأثناء إطلاق المرحلة الثانية من مشروع غرس مليون شجرة تحدث الرئيس عزيز وأمام الملأ بأن المشروع تم نهبه من طرف وزير البيئة، ومنذ ذلك الوقت وإجراءات إقالة الوزير ـ بافتراض أن الرئيس يخوض حربا ضد الفساد ـ في طريقها للتنفيذ.
فأي بطء هذا الذي يحتاج فيه الرئيس لعام كامل لكي يقيل وزيرا مفسدا بشهادته هو، فهل هذه هي السرعة التي تتحدث عنها يا دكتور؟
ج) منذ عام وزيادة تم بيع ساحة "بلوكات" وسط جدل كبير، وقد برر النظام عملية البيع تلك، بأن تلك الساحة تستحق أن تشيد عليها عمارات فاخرة
 تعطي لقلب العاصمة وجها حضريا. وقد تم وضع شرط يفرض على المشترين أن يبدؤوا عملية البناء بعد عام واحد من عملية البيع، على أن تكتمل العمارات خلال ثلاث سنوات على الأكثر. واليوم وبعد مرور عام وزيادة فلا زالت الساحة خالية من أي لبنة. فعن أي سرعة تتحدث يا دكتور؟
إن من أكبر المشاكل التي يعاني منها الرئيس "محمد ولد عبد العزيز" هي البطء في اتخاذ القرارات الحاسمة، عندما تكون هناك أزمات قوية، وهو في هذه ـ كما في غيرها ـ يشترك مع كل الرؤساء العرب الذين تم إسقاطهم حتى الآن.
خلاصة الفتوى: أعتقد بأن الرئيس عزيز لم ينجز ـ فيما مضى من مأموريته ـ إلا ما يتراوح ما بين 5% إلى 10 % من برنامجه الانتخابي، ولذلك فإنه يجوز لكل موريتاني بالغ وعاقل  وراشد أن يطالب برحيله.
تصبحون وأنتم تطالبون بالرحيل...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق