الأحد، 19 فبراير 2012

ملاحظات سريعة على الحلقة الثانية من كتاب "نجاة العرب"



لقد جاءت الحلقة الثانية من كتاب معاوية ولد سيد أحمد الطايع لتزيد من احتمال صدق ما توقعت خلال تعليقي على الحلقة الأولى، فيبدو أن شخصية "عمر" في الكتاب قد تكون هي الشخصية الأكثر تعبيرا عن الرئيس معاوية ولد سيدأحمد الطايع، وأرجو من القراء الكرام أن يسمحوا لي بأن أعتبر ـ وحتى إشعار آخر ـ بأن شخصية عمر في الكتاب إنما تعبر عن شخصية  معاوية على أرض الواقع، خاصة معاوية الرئيس الذي حكم البلاد لعقدين من الزمن.

وقبل التعليق على هذه الحلقة دعونا نتأمل هذه الفقرة من الحلقة الثانية، وذلك قبل أن نطرح أسئلة واردة نجيب بها على الأسئلة الواردة التي اختار الكاتب معاوية أن يجعلها عنوانا للحلقة الثانية من كتابه.
 يقول حسن مخاطبا عمر:  "نحن نعلم أنك تحب أن يكون الناس متعلمين ومتحضرين وأنك في الماضي أطلقت في بلدك حملة واسعة لمكافحة الأمية والجهل.

عمر: هذا صحيح ولكن تلك الحملة لم تسفر عن شيء؛ فبعد انطلاقها بسنوات قدُم إلي رجل اسمه محمد الحسن تابع دروس فصولها في مدينة النعمة في منطقة الحوض الشرقي، وأخذ يتكلم بالفصحى فقال لي: "سيدي أنا امتثلت لأوامرك وتعلمت التعبير والقراءة والكتابة ووصلت إلى مستوى متقدم في العربية لكني لم أجد أحدا لأتكلم معه بها. حاولت في البيت أن أخاطب بها أفراد أسرتي فسخروا مني وقالوا باللهجة الموريتانية الحسانية، (التي يقول العارفون بها من المثقفين العرب إنها أقرب اللهجات الإقليمية إلى العربية): محمد الحسن كف عن التكبر وتكلم بكلام مفهوم كجميع الناس. ثم حاولت أن أتكلم بلغتي مع الباعة في السوق ومع المارة في الشارع وفي كل مرة كنت موضع نظرات غريبة أزعجتني كثيرا فتوقفت عن التعبير بالعربية الفصحى حتى لقائنا هذا".

لقد سعدت جدا باعتراف عمر بأن حملة محو الأمية لم تسفر عن شيء، ولكني  صدمت بعد أن علمت بأن عمر أو معاوية الرئيس الأسبق ، لا يزال يعتقد ـ وبعد ست سنوات من الخلوة مع الذات ـ بأن فصول محو الأمية في النعمة استطاعت أن تنتقل بمحمد الحسن  من مواطن أمي إلى رجل يتحدث  العربية بطلاقة وبفصاحة لا تطيقها عامة الناس.

فيبدو من هذه الفقرة بأن الرئيس معاوية لا يزال مقتنعا بأن حملات محو الأمية نجحت في تعليم الناس، ولكن المشكلة تكمن في عزوف الناس عن الحديث بالعربية الفصحى، وهذا يعني بأنه لو قدر للرئيس معاوية أن يعود إلى الحكم لواصل حملاته المسرحية لمحاربة الأمية مع إصدار قرار يجبر المتعلمين في فصول محو الأمية على التحدث بالعربية الفصحى، حتى لا يضيع ما تعلموه في فصول محو الأمية، وحتى لا تفشل حملات محاربة الأمية، تلك الحملات التي اكتشف الرئيس معاوية، بعد ست سنوات من التأمل بأن سبب فشلها إنما يعود إلى عزوف المتعلمين عن الحديث بالعربية الفصحى.

دعونا هنا نرحل قليلا إلى المستقبل، ونتخيل حدوث المشهد التالي : الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز يصدر من منفاه في جمهورية أذربيجان كتابا  تحت عنوان "نجاة الأفارقة" يقول فيه بأن حملات محاربة الفساد ومكافحة الفقر لم تسفر عن شيء لا لأنها كانت حملات فاشلة، بل لأن الفقراء الذين تحولوا إلى أغنياء بفعل تلك الحملات لم يقبلوا بإنفاق ما حصلوا عليه من أموال طائلة لشراء المواد الغذائية من دكاكين التضامن ودكاكين أمل. 

لقد احتاج رئيس موريتانيا الأسبق إلى ست سنوات من التأمل في المنفى ليتوصل إلى استنتاج ينافس في الغباء الاستنتاج الذي توصل إليه الشاذلي الرئيس الجزائري الأسبق في قصته المشهورة مع المعزاة التي كسر أرجلها الأربع، حتى يكتشف بأن المعزاة تصبح صماء إذا ما كُسرت أرجلها الأربع.
لا أعتقد بأني بحاجة لأن أتحدث عن فشل حملات محو الأمية في عهد الرئيس الأسبق، فقد تحدثت عنها بما فيه الكفاية، ولقد أعددت عن فشل تلك الحملات دراسة من مائة وقدمتها للرئيس معاوية وهو لا يزال في الحكم.

ما أحتاج إليه الآن هو أن أطرح بعض "الأسئلة الواردة" على المؤلف معاوية: فهل كان محمد الحسن هو الأمي الوحيد الذي استفاد من حملات محو الأمية في ولاية الحوض الشرقي؟ ألم تقل على لسان حسن بأنك أطلقت حملة واسعة في البلد لمحاربة الأمية والجهل فأين أولئك الذين استفادوا مع محمد الحسن من حملتكم الواسعة؟ ولماذا لا يُحدث بعضهم بعضا باللغة العربية الفصحى التي تعلموها في فصول محو الأمية، حتى لا ينسوها، خاصة وأنا نعلم بأن الكبار يحبون دائما أن يُبرزوا للآخرين ما تعلموا؟

وفي الأخير فإنه لابد لي من أن أهنئ المؤلف معاوية على قراءته المركزة لأمجاد العرب في الماضي، والتي قدم منها في هذه الحلقة بعض الأمثلة المضيئة.  كما أهنئه على الوفاء لحملات محو الأمية ولمدينة النعمة بولاية الحوض الشرقي.  
تصبحون على  الحلقة الثالثة من "نجاة العرب".....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق