الأحد، 28 يناير 2024

عن تمدد الوقت في لعيون )تدوينة(


هنا في مدينة لعيون تشعر بشيء يسمونه الوقت..طبعا عدد ساعات اليوم في نواكشوط لا ينقص عن عدد ساعاته في لعيون، وعدد دقائق الساعة هنا لا يختلف عن عدد دقائق الساعة هناك..

ومع ذلك فالوقت هنا في لعيون ليس كالوقت هناك في نواكشوط!

في مدينة لعيون يمكنك أن تؤدي صلاة الفجر في المسجد (6:10)، ثم تنتظر الإشراق ( صلاته تبدأ من 7:21)، ثم تعود للمنزل وتنام قليلا، وبعد ذلك تتناول الفطور، تفعل كل ذلك وتنتظر عقارب الساعة لتصل إلى التاسعة صباحا فلا تصل إليها إلا بعد طول انتظار.

ويمر الوقت بعد التاسعة صباحا ببطء شديد فلا يصل إلى الساعة الحادية عشر إلا بعد طول عناء ومشقة كبيرة.

أما الواحدة ظهرا في الداخل فقد يُخيل إليك أن بينك وبينها دهرا...

المساء هنا في مدينة لعيون ليس مجرد ساعة أو ساعتين تمضيان بسرعة رهيبة كما يحدث في نواكشوط...

هنا تصلي الظهر ثم تقضي وقتا طويلا لتسمع أذان العصر، وبين صلاة العصر والمغرب في مدينة لعيون قد يعادل من حيث الإحساس بالوقت ما بين صلاة الظهر والعشاء في مدينة نواكشوط!!!

هنا في الداخل تجد متسعا من الوقت لأذكار المساء ولكل الأوراد الصباحية أو المسائية مهما كان طولها، وفي نواكشوط قد تجد صعوبة كبيرة في إكمال مائة تسبيحة صباحا أو مساء.

هنا في مدينة لعيون يمكنك أن تصلي العشاء في المسجد، وتتناول العشاء في المنزل، وتمارس رياضة المشي لساعة كاملة في شوارع فسيحة لا تخاف أن تدهسك سيارة، تفعل كل ذلك ثم تتمكن بعد ذلك كله من أن  تنام قبل العاشرة والنصف ليلا ...أعرف أن أهل نواكشوط لن يصدقوا ذلك، ولكن هذا ما يحدث فعلا هنا في مدينة لعيون. 

بطبيعة الحال هذا لا تتميز به مدينة لعيون عن غيرها من مدن الداخل، فكل مدن الداخل تشعر فيها بقيمة الوقت. فقط في  العاصمة نواكشوط يتقلص الوقت وينكمش إنكماشا إلى الحد الذي قد يجعلك تتخيل أن النهار أصبح ساعة، والساعة أصبحت دقيقة، والدقيقة ثانية وهكذا.

فمن أراد منكم - يا سادة يا كرام - أن يعيش يومه كاملا غير منقوص بدقيقة واحدة، فليترك العاصمة نواكشوط فورا، وليذهب إلى إحدى مدن الداخل، أما من حالفه الحظ في أن يذهب إلى قرية صغيرة نائية، ويقضي فيها أياما معدودات، فسيتمدد له الوقت تمددا يفوق التخيل، فاليوم في قرية صغيرة نائية قد يصبح سنة، والسنة قد تتحول إلى قرن كامل.    

بكلمة واحدة : من أراد منكم أن يعيش وقته كاملا غير منقوص فليذهب إلى الداخل.

في نواكشوط تقضي اليوم كله وأنت تلهث خلف الوقت لتلحق به، وفي الداخل يقضي الوقت اليوم بكامله وهو يسير خلفك ليصل إليك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق