الخميس، 24 مارس 2022

قراءة "رياضية" في خطاب الرئيس!


سأحاول في هذا المقال أن أقدم قراءة رياضية لخطاب الرئيس الذي ألقاه اليوم أمام خريجي المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء، وذلك من خلال التوقف مع قانون التغيير الذي يقول بأن
C = A x B x D > X

إن هذا القانون هو الذي يحدد فرص نجاح التغيير، أي تغيير، والتغيير الذي يهمنا في هذا المقام هو التغيير المنتظر على مستوى الإدارة بعد خطاب الرئيس الذي تحدث فيه عن انعدام ثقة المواطن في الإدارة، وعن أوجه الخلل والتقصير اللذين تعاني منهما الإدارة الموريتانية.
يقول هذا القانون إن فرص نجاح التغيير الذي يمكن أن ننتظره على مستوى الإدارة بعد خطاب الرئيس، والذي سنرمز له بـالحرف(C) يساوي حاصل ضرب درجة الاستياء من الظاهرة المراد تغييرها، أي درجة الاستياء من ضعف الأداء الإداري والذي سنرمز له بالحرف (A) في معامل وضوح الرؤية الذي سنرمز له بالحرف (B) في مستوى الانجاز خلال الأيام والأسابيع القادمة والذي سنرمز له بالحرف (D) ويقول القانون بأن هذا الناتج يجب أن يكون أكبر من (X) والتي ترمز لكلفة التغيير.

والآن دعونا نتوقف مع هذه العناصر الثلاثة، والتي سيؤثر حاصل ضربها في معامل التغيير (C)، فإن كان حاصل ضربها مرتفعا كان معامل التغيير مرتفعا (C)، وإن كان منخفضا كان معامل التغيير منخفضا.

إن الحرف  (A)وكما قلنا سابقا يحدد درجة الاستياء أو مستوى الألم الحاصل من الظاهرة المراد تغييرها، والتي تعني هنا ضعف الأداء الإداري وفقدان المواطن لثقته في الإدارة، فمن المعروف بأنه كلما كانت درجة الاستياء قوية وعالية من ظاهرة معينة، فإن ذلك سيجعل تغييرها أسهل، والعكس صحيح، أي أنه كلما كان مستوى الاستياء ضعيفا فإن التغيير سيكون أصعب. لقد بين خطاب الرئيس أن حجم استياءه من ضعف الأداء الإداري وصل إلى مستوى عال جدا، كما أن مستوى استياء المواطن العادي من هذا الأداء مرتفع جدا، وهو ما يعني في المحصلة النهائية أن مستوى الاستياء من ضعف الأداء الإداري لدى الرئيس والمواطن مرتفع جدا.

أما الحرف (B) فيرمز إلى مستوى وضوح الرؤية، ومن الواضح جدا، وهذا ما ظهر في الخطاب، أن مستوى وضوح الرؤية بخصوص ضعف الأداء الإداري مرتفع جدا لدى الرئيس.

إن وضوح الرؤية بخصوص ضعف الأداء الإداري يقتضي التذكير بالنقاط التالية:

1 ـ أن الاعتماد على نفس الأساليب والعقليات والأشخاص الذين تسببوا في ضعف أداء الإدارة لن يؤدي إلا لمزيد من ضعف أداء الإدارة..إن تكرار نفس الأساليب سيؤدي حتما إلى نفس النتائج.

2 ـ أن تفعيل مبدأ العقوبة والمكافأة هو شرط ضروري للإصلاح الإداري؛

3 ـ أن اختيار أصحاب الكفاءات وإبعاد عديمي الكفاءة والخبرة هو كذلك شرط أساسي للإصلاح الإداري؛

4 ـ أنه لا إصلاح إداري يمكن أن يتحقق دون حرب جدية على الفساد والمفسدين؛

5 ـ أن التكوين المستمر وتعزيز القدرات البشرية لابد منهما لتحقيق الإصلاح الإداري.

إن هذه النقاط الخمس هي التي تشكل أركان أو أعمدة الحرف (B)، والذي يرمز إلى  معامل وضوح الرؤية.

أما الحرف (D) ، والذي يمثل العنصر الثالث في قانون التغيير فهو يرمز إلى مستوى الإنجاز في الفترة الأولى التي تعقب البدء في التغيير، أي أنه بالنسبة لنا هنا فيعني الإنجاز على مستوى الإصلاح الإداري وبناء  ثقة المواطن بالإدارة خلال الأيام والأسابيع القادمة، فكيف سيكون الإنجاز على مستوى الإصلاح الإداري وتعزيز ثقة المواطن بالإدارة خلال الأيام والأسابيع القادمة؟ وهل ستشهد الأيام والأسابيع والأشهر القادمة تعيين الأكفاء وإبعاد الفاشلين في أداء مهامهم؟ وهل سيتم تفعيل مبدأ العقوبة والمكافأة؟ وهل ستتم إقالة ومحاسبة من ثبت فساده؟

شخصيا أتوقع ذلك، ولكن لا بد أن ننتظر ما سيحدث في الفترة المقبلة، وبذلك سيكون بإمكاننا أن نحدد مستوى الإنجاز (D)، مما سيمكننا من أن نحسب معامل التغيير على مستوى الإصلاح الإداري.

بهذا نكون قد أكملنا عناصر قانون التغيير الثلاثة، أما بخصوص الحرف (X) فهو

 يرمز لكلفة التغيير،  ولكل تغيير مقاومة وكلفة يجب أن تدفع مسبقا ومن قبل حصد ثمار التغيير، فالإصلاح الإداري له كلفته، ومن المؤكد بأنه سيجد مقاومة من طرف المستفيدين من الفساد الإداري، ومن المؤكد كذلك بأن الحرب على الفساد ستجد مقاومة شديدة  من طرف بعض فئات المجتمع، وحتى من بعض ضحايا الفساد.إن بعض المستفيدين من التغيير قد يقفون ضده، ولذا فإن الإصلاح الإداري قد يجد مقاومة في بداية الأمر، ولكنه في المقابل سيجد الكثير من المناصرين ولا يقاسون  من حيث العدد بأعداء الإصلاح، فأغلب الشعب الموريتاني وأغلب نخبه في غاية التعطش للإصلاح في عمومه، وللإصلاح الإداري  بشكل خاص.ثم إن الإصلاح الإداري هو تعهد من تعهدات الرئيس، بغض النظر عن أي شيء آخر، ولذا فلابد من العمل على تحقيقه، ومهما كانت كلفته التي ستدفع مسبقا من قبل أن تجنى ثماره.

 يبقى أن أقول بأن عملية الضرب لا الجمع هي التي تربط بين العناصر الثلاثة التي جاءت في قانون التغيير، ويعني ذلك من الناحية الرياضية أنه عندما يكون أي عنصر من هذه العناصر الثلاثة يساوي صفرا، فإن النتيجة النهائية ستكون صفرا، حتى ولو كانت قيمة العنصرين المتبقيين مرتفعة جدا، هذا على العكس، مما لو كانت العملية  التي تربط بين هذه العناصر هي عملية الجمع، ففي هذه الحالة يمكن أن نجد نتيجة كبيرة حتى ولو كان أحد العناصر يساوي صفرا، إذا ما كانت قيمة العنصرين المتبقيين عالية جدا.

ما أريد تبيانه هنا هو أنه إذا كان مستوى الانجاز الميداني خلال الفترة القادمة منعدما على مستوى الإصلاح الإداري لا قدر الله، فإن النتيجة ستكون في مجملها منعدمة، حتى ولو كانت الرؤية واضحة جدا بخصوص الإصلاح، وكانت درجة الاستياء من ضعف الأداء الإداري مرتفعة جدا كذلك.

لا يمكننا الآن أن نحكم على معامل التغيير بخصوص الإصلاح الإداري، وذلك على الرغم من قناعتنا بأن الرؤية واضحة جدا وأن درجة الاستياء من واقع الإدارة مرتفعة جدا، ذلك أن معامل التغيير لن يكون بالإمكان تحديده الآن، وسيبقى رهينا لحجم الإنجاز على مستوى الإصلاح الإداري خلال الأيام والأسابيع القادمة.على المستوى الشخصي فإني أتوقع إنجازا خلال الفترة القادمة، ولكن التوقع لا يمكن أن يعتمد في حساب معامل التغيير.

هذا هو ما يمكن قوله رياضيا عن الإصلاح الإداري المنتظر، أما إذا ما تركنا الرياضيات وتحدثنا بأدبيات التحليل السياسي عن الإصلاح الإداري المنتظر فسنقول في هذه الحالة بأن الرئيس قد أبدع في تشخيص الواقع من خلال خطاباته الثلاثة : خطاب وادان؛ خطاب الاستقلال؛ خطاب قصر "المرابطون". نعم لقد أبدع الرئيس في تشخيص الواقع من خلال تلك الخطابات الثلاثة، ولم يعد بالإمكان إضافة الجديد، ومن هنا فيمكن القول بأنه قد قدم نصف الحل من خلال التشخيص الدقيق للواقع، ويبقى النصف الآخر المتعلق باتخاذ الإجراءات اللازمة لتغيير الواقع. وفي اعتقادي الشخصي فإن تلك الإجراءات سيتم اتخاذها في أقرب الآجال، وعدم اتخاذها سيأتي بنتائج سلبية، فالتشخيص الجيد إذا لم تعقبه إجراءات فورية فسيكون ضرره أكثر من نفعه.

حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق