الأربعاء، 16 مارس 2022

تعليق على مذكرة تقديم للقانون التوجيهي للتهذيب الوطني


حضرتُ للقاء الذي نظمه معالي وزير التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي،
 مساء الاثنين الموافق 14 مارس 2022، ببعض الهيئات والجمعيات المهتمة بالتمكين للغة العربية في موريتانيا، ويأتي هذا اللقاء ضمن سلسلة من اللقاءات التي تنظمها الوزارة لنقاش مسودة هذا القانون من قبل تقديمه في صيغته النهائية.

تضمنت مداخلتي التي قدمتها خلال هذا اللقاء جملة من النقاط كان من أبرزها :

أولا/  التذكير بما جاء في الورقة التي قدمناها في الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية للمشاركين في مشاورات إصلاح التعليم، وهي المشاورات التي لم يتح لنا في الحملة أن نشارك فيها بشكل مباشر.

لقد طالبنا في تلك الورقة باعتماد اللغة العربية كلغة تدريس وحيدة لكل المواد في المرحلتين الابتدائية والثانوية، وبررنا تلك المطالبة بأربعة أسباب نعتقد بوجهاتها:

 1ـ أن التدريس بلغة أجنبية يعمق من حجم الفوارق الاجتماعية، ويجعل التعليم غير قادر على لعب دوره في الترقية الاجتماعية، ذلك أن التعليم بلغة أجنبية لا تستخدم داخل الأسرة، ولا في التعليم المحظري، ولا في الشارع، ولا في الأمكنة العامة سيفرض اللجوء إلى التعليم الخاص وإلى دفع أموال على الساعات الإضافية من أجل تمكين التلميذ من فهم تلك اللغة الأجنبية وفهم المواد التي تدرس بها، وتلك أمور ليست في متناول آباء التلاميذ المنحدرين من فئات هشة أو فقيرة؛

 2ـ أن كل التوصيات الصادرة من الخبراء ومن المنظمات الدولية المهتمة من قريب أو بعيد بقضايا التعليم ( اليونسكو، البنك الدولي ..) توصي بضرورة التدريس باللغة الأم؛

 3ـ أن التقرير الصادر عن اللجنة الوطنية للمنتديات العامة للتربية والتكوين في فبراير 2013، والذي أشرف عليه خبراء وطنيون، قد أوصى بالتعليم باللغة الأم على جميع مستويات النظام التربوي؛

4ـ أن بلادنا غير قادرة على توفير العدد الكافي من الأساتذة القادرين على تعليم المواد العلمية باللغة الفرنسية، ولقد أثبتت المسابقات الأخيرة حجم ذلك العجز. ثم إن الأساتذة الذين يُدَرِّسون المواد العلمية بلغة أجنبية يجدون صعوبة كبيرة في إيصال المعلومات بتلك اللغة، كما أن التلاميذ غير قادرين على استيعاب تلك المواد عندما تقدم لهم بلغة أجنبية فيجدون صعوبة كبيرة في تعلمها، ولعل النتائج المتدنية جدا جدا في اللغة الفرنسية لأصحاب الرتب الأعلى في باكالوريا 2021 لخير دليل على ذلك.

هذه الأسباب الأربع جاءت في الورقة بهذه الصياغة، أما في مداخلتي فقد تحدثت عنها بشكل أكثر اختصارا.

ثانيا/ التذكير بأهمية التفكير في المستقبل عند القيام بأي إصلاح

ومن النقاط التي أثرتها في مداخلتي نقطة تتعلق بضرورة التفكير في المستقبل عند صياغة القانون التوجيهي، ذلك أن المشاورات حول التعليم والخروج بتوصيات يتم تضمينها في قانون ليس مسألة عابرة يمكن القيام بها في أي وقت، وما سيتضمنه هذا القانون ستتأثر به الأجيال القادمة، ولذا فقد وجب الأخذ بعين الاعتبار النقاط الثلاث التالية:

1 ـ أن الرقمنة وتكنولوجيا المعلومات ستكون حاضرة في المستقبل بشكل قوي جدا، ولذا فليس من الحكمة تجاهلها في أي إصلاح تعليمي تُعنى به الأجيال القادمة..إن التطور في هذا المجال يسير بسرعة كبيرة جدا، ولا أحد يمكنه أن يجزم بأن المدرسة بعد عشر سنوات من الآن ستكون مشابهة من حيث الشكل ومناهج التدريس للمدرسة في الوقت الحالي.  

 2 ـ أن اللغة الانجليزية هي لغة العلم اليوم، والراجح أنها ستحافظ على هذه المكانة لفترة من الزمن، ولذا فإن أي انفتاح على اللغات الأجنبية في تعليمنا يجب أن يأخذ في الاعتبار هذه الحقيقة.

3 ـ أن اللغة الفرنسية تتراجع بشكل سريع، وسيكون من الظلم للأجيال القادمة أن نضيع أوقاتها في تعليم لغة تتراجع بوتيرة قوية.

وبخصوص اللغة الفرنسية فقد بينت في مداخلتي أنها "تقتات" في بلادنا على اللغة الرسمية واللغات الوطنية، فحضور هذه اللغة الزائد في التعليم والإدارة هو ما يعيق ترسيم اللغة العربية، وهو ما يحول أيضا دون تطوير لغاتنا الوطنية. إن الاستمرار في إعطاء هذه اللغة مكانة لا تستحقها في التعليم والإدارة سيعني في نهاية المطاف أن ترسيم اللغة العربية لن يكتمل، وأن تطوير لغاتنا الوطنية لن يتم. ومما يؤكد ذلك، وهذا مثال قدمته خلال مداخلتي أن الاستدعاء للباكالوريا التمهيدية للعام 2022 تم توجيهه من طرف الوزارة باللغة الفرنسية لشعبة الآداب الأصلية!!! أما بخصوص التأثير السلبي للغة الفرنسية على تطوير لغاتنا الوطنية، والتي لن تتطور إلا باستخدامها في المنابر السياسية والإعلامية، فيكفي أن نعرف أن بعض النواب الناطقين بتلك اللغات ما زال يصر على الحديث باللغة الفرنسية داخل البرلمان ويرفض أن يتحدث بلغته الأم، وذلك على الرغم من توفير الترجمة من وإلى اللغات الوطنية، وعدم توفيرها لمن يتحدث باللغة الفرنسية.

إنه لمؤسف حقا أن يبدأ بعض الفرنسيين في التخلي عن لغتهم الأم لصالح اللغة الانجليزية، وذلك في وقت نتمسك نحن فيه في هذه البلاد بتلك اللغة، وبطبيعة الحال فسيكون تمسكنا بتلك اللغة على حساب ترسيم لغتنا الرسمية، وتطوير لغاتنا الوطنية، وكذلك على حساب انفتاحنا على لغة العلم والعالم في هذه الفترة من تاريخ البشرية (الانجليزية).

ثالثا / بأي حرف ستكتب لغاتنا الوطنية؟

من النقاط التي أثرتها في مداخلتي نقطة تتعلق بكتابة اللغات الوطنية، فهناك من يرى بأن كتابتها بالحرف اللاتيني ستمكن الموريتانيين الناطقين بها من التواصل مع الناطقين بهذه اللغات في الدول الإفريقية الأخرى.

إن السؤال الذي يجب أن يطرح هنا هو : هل التواصل مع الأخوة خارج الوطن أولى من التواصل مع الأخوة داخل الوطن؟

وإذا ما تحدثنا بمنطق تربوي بحت فإن كل الأطفال في بلادنا ـ ومهما كانت أعراقهم ـ يبدؤون بدراسة القرآن، أي أنهم يبدؤون بتعلم الحرف العربي، ولذا فسيكون من الأفضل أن أن يواصلوا تعلم لغاتهم الأم بذلك الحرف، بدلا من إجبارهم على تعلم الحرف اللاتيني في وقت مبكر. ثم إن ترسيخ الوحدة الوطنية يقتضي أن يتعلم الأطفال في وقت مبكر بنفس الحرف بدلا من الدخول في ازدواجية مبكرة أخرى، ولا شك أن الجميع يعي خطورة الازدواجية وما سببته لنا من مشاكل. ثم إن كتابة اللغات الوطنية بالحرف العربي ستسهل على التلاميذ غير الناطقين باللغات الوطنية تعلم تلك اللغات. وختاما لهذه النقطة فلابد من الإشارة إلى أن حضور اللغة العربية في إفريقيا في ازدياد مما يعني أن الحجة التي تقول بأن كتابة اللغات الوطنية بالحرف العربي ستحد من تواصل الناطقين باللغات الوطنية مع إخوتهم خارج موريتانيا قد لا تكون حجة وجيهة في كل الأحوال.

رابعا/ خطوة رمزية ولكنها ستكون مفيدة

ومما تحدثتُ عنه في مداخلتي المطالبة باتخاذ خطوة رمزية أرى أنها قد تساعد في تعزيز ثقة المواطن بالمدرسة العمومية. تتمثل هذه الخطوة في أن يتخذ معالي الوزير وكبار الموظفين في الوزارة قرارا بتدريس أبنائهم في مدارس عمومية..نفس الشيء يمكن أن يطالب به وزير الصحة وكبار الموظفين في الوزارة بخصوص التوجه إلى المستشفيات الوطنية للعلاج بدلا من الذهاب إلى خارج البلاد.

في الأخير لابد من القول بأن معالي الوزير كان مستمعا جيدا، وقد دون كل ما قيل خلال اللقاء، وظهر ذلك من خلال تعقيبه على المداخلات، ويبقى الأمل قائما بأخذ ما يمكن أخذه من تلك المداخلات.

إن الاستنتاج السريع الذي يمكن الخروج به من هذا اللقاء هو أن معالي الوزير كان شديد الحرص على الاستماع لكل الآراء وتدوين كل ما يتم تقديمه من أفكار ومقترحات، وتلك حسنة تحسب له.

 

حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق