الخميس، 25 أبريل 2019

دروس مجانية في الجغرافيا مع الرئيس ولد عبد العزيز!


لقد تحسنت معلوماتي كثيرا في مادة الجغرافيا خلال هذه العشرية الأخيرة، فتعرفتُ على دول صغيرة ما كنت  من قبل على علم بوجودها. هناك دول صغيرة تعرفتُ عليها خلال هذه العشرية بسبب تقتير النظام وبخله، وهناك دول صغيرة أخرى تعرفتُ عليها بسبب نشاط دبلوماسيتنا وحيويتها، وهناك طائفة ثالثة من الدول الصغيرة تعرفت عليها بسبب كثرة أسفار الرئيس.
دول صغيرة تعرفتُ عليها بسبب بخل النظام وتقتيره

يمكننا أن نقول ـ وبكل اطمئنان ـ بأن نظام ولد عبد العزيز يُعدُّ من أكثر أنظمة العالم قدرة على تحصيل الأموال، ومن أكثرها في الوقت نفسه بخلا وتقتيرا، فبتقتير هذا النظام وبخله تعرفتُ على دول صغيرة ما كنتُ أعلم بوجودها . ففي العام 2014 حُرمت بلادنا من التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة بسبب أنها لم تدفع اشتراكاتها المالية لسنتين متتاليتين، والغريب في الأمر أن المبلغ المطلوب كان مبلغا زهيدا، ولم يكن يتجاوز في مجمله خمسة وعشرين ألف دولار أمريكي، وللتذكير فإن العام 2014 قد جاء بعد سنوات الطفرة في الموارد بسبب ارتفاع أسعار الحديد.
المخجل في الأمر أن الدول الثمانية عشر التي مُنعت معنا من التصويت  في ذلك العام بسبب عدم دفع الاشتراكات السنوية هي مجموعة من الدول الصغيرة  التي لا يعلم الكثير من الناس بوجودها كما هو الحال بالنسبة ل: "الدومنيكا"، و"غرينادا"، و"جزر مارشال"، و"بابوا غينيا الجديدة"، و"سانت فنست وغرينادين"، و"تيمور – ليشتي"، و"تونغا"، و"فانواتو"، و"قيوغزستان".
في نفس العام كادت بلادنا أن تطرد من عضوية اتحاد البرلمان العربي، وذلك بعد أن تم عرض التقرير المالي للاتحاد، وظهر أن بلادنا، وكعادتها، لم تدفع اشتراكها السنوي لثلاث سنوات متتالية. لا أدري هل كان من الأفضل لبلادنا أن تُطرد من هذا الاتحاد أو أن تبقى بعد استغاثة الرئيس "نبيه بري" والتي قال فيها : "لماذا يا إخوان نخسر عضوية دولة عربية شقيقة بهذه السهولة، ليدفع الأعضاء المبلغ المطلوب من موريتانيا بحسب النسب التي تسددها كل دولة".
دول صغيرة تعرفتُ عليها بسبب دبلوماسيتنا النشطة
لقد أصبحت دبلوماسيتنا في هذا العهد أكثر نشاطا وحيوية، وتزداد حيويتها عندما يتعلق الأمر باستقبال الصدقات والتبرعات، أما في أوقات البذل والعطاء فلتسألوا الأمم المتحدة أو رئيس البرلمان اللبناني عن حالها.
من مظاهر حيوية دبلوماسيتنا وحرصها على التحصيل ما شاهدناه في مطلع شهر فبراير من هذا العام، حيث شاهدنا وزير خارجيتنا المحترم يتسلم  بنفسه مفاتيح خمس سيارات من سفير دولة أجنبية، والمؤسف أن وزير خارجيتنا المحترم قبل بتصوير تسلم الهدية، وبنشر الخبر على موقع الوكالة الموريتانية للأنباء، الواجهة الإعلامية الرسمية للدولة الموريتانية! المؤسف أكثر أن تسلم تلك الهدية تم الحديث عنه في بعض الفضائيات ووكالات الأخبار العالمية، وأصبح مثار سخرية في مواقع التواصل الاجتماعي.
لنترك التحصيل، ولنعد إلى الجغرافيا، وإلى الدول الصغيرة جدا التي تعرفنا عليها بفضل حيوية دبلوماسيتنا.
في يوم الخميس 14 يونيو 2012 أخذتُ علما بأن هناك دولة تدعى "توفالو"، وذلك بعد أن وقع سفيرنا في الأمم المتحدة مع سفير توفالو هناك بيانا لإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين. بعد ذلك التوقيع لجأتُ  إلى محركات البحث  لجمع معلومات عن هذه الدولة، فوجدت أنها من أفقر وأصغر دول العالم، وأنها تتكون من تسعة جزر، وعدد سكانها 12 ألف نسمة، ومساحتها 26 كلم مربعا، وتقع في المحيط الهادي، وتتوسط استراليا وهواي، وأن عاصمتها تدعى  فونافوتي. ويبقى السؤال لماذا قررت بلادنا أن تقيم علاقات دبلوماسية مع هذه الدولة؟ وبماذا ستفيدنا تلك العلاقة؟ بالنسبة لي لا أرى أي أهمية لإقامة علاقة مع توفالو سوى أننا حصلنا على درس مجاني في الجغرافيا مفاده أنه في هذا العالم توجد دولة اسمها توفالو.
بعد إقامة تلك العلاقات كتبتُ مقالا عن الموضوع، وقد وردتني بعض التعليقات على ذلك المقال، كان من بينها تعليق لمواطن سوري قال بأنه كان يفكر في الهجرة إلى هذه الدولة ولكنه أصبح مترددا بعد أن قرأ مقالي عنها والذي كان قد عثر عليه من خلال البحث عن توفالو  في محركات البحث . أما التعليق الثاني فقد جاء من مهندس باحث وهو صديق فاضل يقيم في الولايات المتحدة الأمريكية منذ ثلاثة عقود.
وهذا نص تعليق صديقي : "ما إن قرأتُ هذا الخبر عن إبرام علاقات دبلوماسية بين موريتانيا و توفالو حتى رن في ذاكرتي صوت الرجل الأول و الوحيد الذي سمعته يوما يذكر اسم هذا الكيان، صوت رجل صلب القناعات تعودتُ أن أحضر محاضراته خلال سنوات الألفين، بحثا عن الأصوات القليلة في الفضاء الأمريكي، التي تصدع بالحق وبعض العدل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، إنه الباحث الأكاديمي "نورمان فنكلشتين".
يكرر "نورمان فنكلشتين" دونما كلل، متهما بلاده الولايات المتحدة الأمريكية بالتواطؤ على الظلم و اختراق القانون الدولي،  أن حل القضية الفلسطينية معروف و يسمى "حل الدولتين" ومتفَق عليه من طرف جميع دول العالم. و  يؤكد مثلا في المقطع أسفله أن عملية التصويت على جميع قرارات الأمم المتحدة - بدون استثناء- حول هذا الموضوع، تجعل العلم ينقسم إلى فسطاطين: العالم بأسره - تقريبا- إلى جانب حل الدولتين، ثم في الجانب الآخر، إسرائيل و الولايات المتحدة وأربع دويلات مجهرية هي ميكرونيزيا و مارشال آيلاندس و ناورو ثم صديقتنا الجديدة توفالو.
و يسخر الرجل في المقطع الثاني من أن توفالو، التي هي جزيرة منخفضة المستوى إلى حد أنها من المنتظر أن تكون من أول ما سيغمره البحر بسبب ذوبان الجليد في القطب الشمالي والناجم أساسا عن كميات الغازات التي تُبعث في الجو، يسخر إذن من أن الولايات المتحدة بأنها ستواجه تهما بمعاداة السامية حالما ابتلعت المياه دولة توفالو لأنها، أي الولايات المتحدة، هي أول ملوث بتلك الغازات  التي ستكون سببا في زوال أحد حلفاء إسرائيل."
هناك أمثلة أخرى يمكن تقديمها، ومن بينها النيبال التي أقمنا معها علاقات دبلوماسية في يوم 05/ 12/ 2012، فهذه  الدولة هي من الدول الصغرى بشبه القارة الهندية، وهي من أكثر الدول عزلة في العالم بسبب أنها لا تطل على بحر،  وتضاريس أرضها تزيد من عزلتها، فهي توجد بين ثنايا جبال الهملايا الوعرة.
دول صغيرة تعرفت عليها بسبب أسفار الرئيس
لقد وقع الرئيس محمد ولد عبد العزيز في نفس الأخطاء التي كان يبرر بها  الانقلاب على الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله، فإذا كان سيدي قد هدد بحل الجمعية الوطنية فإن ولد عبد العزيز قد حل مجلس الشيوخ، وإذا كان سيدي قد جاء بهيئة ختو فإن ولد عبد العزيز قد جاء بهيئة الرحمة، وإذا كان سيدي لم يسمح بتشكيل محكمة عدل سامية، فإن ولد عبد العزيز لم يشكل تلك المحكمة خلال عقد كامل حكم فيه البلاد. وإذا كانت أسفار سيدي كثيرة، فإن أسفار ولد عبد العزيز كانت أكثر، وفي بعض الأحيان كانت هذه الأسفار إلى دول صغيرة يصعب إيجاد مبرر مقنع للسفر إليها.
فبأي منطق يقطع الرئيس ولد عبد العزيز مسافة 6417 كلم ذهابا، أي أكثر من 8 ساعات من الطيران المتواصل بين الكويت وإسواتيني، ويقطع 7042 كلم إيابا، أي 9 ساعات من الطيران المتواصل بين إسواتيني ونواكشوط، لماذا يقطع كل هذه المسافة لزيارة دولة صغيرة يحكمها ملك غريب الزي وغريب الأطوار معروف بالفساد ويعاني شعبه من المرض والفقر، لماذا هذه الزيارة أصلا، ولماذا امتدت إلى ثلاثة أيام ؟
وهل أن توقيع مذكرة تفاهم حول المشاورات الثنائية المنتظمة بين الدولتين يبرر مثل هذه الزيارة؟ حقيقة لم أكن أظن أن توقيع مذكرة تفاهم حول المشاورات بين دولتين يستحق 17 ساعة طيران والإقامة ثلاثة أيام، حتى ولو كانت مذكرة التفاهم تلك مع أقوى دولة في العالم. أما أن تكون مذكرة التفاهم مع إسواتيني فإن دواعي الاستغراب ستكون أقوى وأشد.

حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق