الأربعاء، 12 سبتمبر 2018

حتى لا تبقى من حزب التحالف باقية!


في يوم 1 فبراير2017، وبإحدى قاعات المدرسة العليا المتعددة التقنيات، قدم صديقي "إسلمو ولد دلاهي" محاضرة أمام عدد من طلاب تلك المدرسة، وكانت المحاضرة تحت عنوان "الإبداع في زمن تدفق المعلومات". كنت ضيفا على محاضرة صديقي الذي كان حينها في إجازة، وهو بالمناسبة حائز على عدة براءات اخترع في مجال تخصصه، وقد سجلتُ على هامش تلك المحاضرة جملة من الملاحظات الهامة كان من بينها أن كلمة "آلو" في الهاتف المحمول قد كلفت الكثير
والكثير جدا من الجهد والمال. وإذا ما أخذنا شركة (Motorola) كمثال، وهي الشركة التي كان يعمل بها المحاضر في مجال " محاكاة الموجات المغناطيسية من وإلى الهاتف"، في الفترة ما بين (1996 ـ 2011)، فسنجد بأن هذه الشركة قد تكلفت لوحدها من أجل أن أقول أنا وأنت وغيرنا من سكان هذا الكوكب كلمة "آلو" عبر هاتف محمول، تكلفت ما يزيد على 20 سنة من العمل المتواصل والمتراكم، والذي شارك فيه 27 ألف مهندس.
كل هذا الجهد الكبير بذلته شركة واحدة من عدة شركات عاملة في المجال من أجل أن أقول أنا وأنت وغيرنا من سكان هذا الكوكب كلمة "آلو" عبر هاتف محمول!!
هذه المعلومة استوقفتني، وكان لابد أن تستوقفني، فهي تبين أن هناك ثلاثة أمور أساسية هي التي مكنت من وصول العالم إلى قول كلمة "آلو" عبر الهاتف الجوال، وهذه الأمور الثلاثة هي:
ـ أن هناك آلاف المهندسين عملوا بروح وعقلية الفريق (27 ألف مهندس).
ـ أن هناك نفسا طويلا لدى هذه الشركة ( ما يزيد على 20 سنة من العمل المتواصل).
ـ أن هناك معلومات وخبرات وجهود واختراعات ظلت تتراكم وتتراكم إلى أن وصلنا إلى إمكانية قول كلمة "آلو" عبر الهاتف المحمول.
لقد استوقفتني هذه المعلومة كثيرا، فأنا أعيش في موريتانيا، أي في بلد عُرِف أهله بأنهم لا يستطيعون ـ في الغالب ـ  أن يعملوا بروح الفريق الواحد في أي مشروع سياسي أو تنموي أو نقابي، وهم معروفون أيضا بقصر النفس في كل المجالات، خصوصا في مجال النضال والسياسة.
في موريتانيا يصعب أن تجد عشرة أشخاص يعملون بروح الفريق، فكم من حزب سياسي انشطر إلى عدة أحزاب، وكم من مبادرة انشطرت إلى عدة مبادرات، وكم من عيادة أو مدرسة خاصة أو شركة انشطرت وظلت تنشطر إلى أن تحولت إلى عدة شركات. في كثير من الأحيان كنتُ أضع اللوم على صاحب الرقم الثاني وأهل الصف الثاني في تلك المؤسسة، فكنت أضع اللوم على ذلك الصحفي الذي يُسارع إلى الخروج من مشروع إعلامي صغير كان يعمل به ليؤسس مشروعا إعلاميا أصغر قد لا يُرى بالعين المجردة، مثله مثل ذلك الأستاذ الذي يسارع إلى الخروج من مدرسة خاصة لم تكمل عامها الثاني أو الثالث ليؤسس مدرسته الخاصة، ومثله مثل ذلك الطبيب الذي يترك العيادة الخاصة التي كان يعمل بها ليؤسس عيادة خاصة به، ومثله مثل ذلك السياسي الذي ينسحب من مشروع حزب لا يستطيع أن يجمع 1000 منتسب ليؤسس حزبا جديدا خاصا به.
كنتُ أضع اللوم الأكبر على المنسحبين في كثرة الانشطارات، ولكن تبيَّن لي لاحقا بأن القائد الأعلى أو الرقم الأول في هذه المؤسسات حزبية كانت أو تعليمية أو طبية أو نقابية أو إعلامية هو من يتحمل المسؤولية الأكبر في عمليات الانشطار تلك.
فالطبيب الذي يفتح عيادة خاصة لا ينظر إلى الأطباء الذين يعملون معه كزملاء وكشركاء في تطوير العيادة، بل ينظر إليهم على أساس أنهم مجرد عمال تابعين له يقتاتون من عيادته، ونفس الشيء يمكن أن نقوله عن الأستاذ الذي يشغل أساتذة معه في مدرسة خاصة، وعن الصحفي الذي يشغل صحفيين معه في موقع أو جريدة، وكذلك عن السياسي الذي يؤسس مع سياسيين آخرين حزبا سياسيا.
ففي المجال السياسي، فإن من أبرز الأمثلة التي يمكن تقديمها في أيامنا هذه على الدور التدميري الذي يمكن أن يقوم به القائد أو الزعيم أو الرمز في تشتت وتفكك حزبه، هو ما يقوم به الآن الرئيس مسعود ولد بلخير من جهود تدميرية لتفكيك حزب التحالف الشعبي التقدمي.
لم يعد بالإمكان تفسير تصرفات الرئيس مسعود ولد بلخير إلا بشيء واحد وهو أن الرجل قد قرر ـ عن وعي أو عن غير وعي ـ  أن لا يترك بقية من حزب التحالف، وأن لا يترك من هذا الحزب تركة تُورث من بعده، وأسأل الله أن يطيل عمر الرئيس مسعود.
لقد استطاع الرئيس مسعود خلال العقود الماضية أن يبني ـ وبشق الأنفس ـ مجدا كبيرا، ولقد استطاع هذا الرجل أن يرتقي إلى أعلى السلم بنضاله ضد العبودية وبنضاله الوطني، فأصبح بذلك هو المناضل الأول على مستوى الشريحة، وهو السياسي الأبرز على المستوى الوطني.. هكذا كان حال الرئيس مسعود، وإلى سنوات قريبة، ولكن يبدو أن هذا المناضل الكبير قد قرر ولأسباب لم أستطع فهمها أن يخرب بيديه كل ما راكم من مجد سياسي كبير خلال العقود الماضية. لقد أخذ الرجل في السنوات الأخيرة يسحب من رصيده السياسي الكبير الذي جمعه خلال عقود من النضال، ودون أن يضيف لذلك الرصيد مدخرات جديدة إلى أن أصبح رصيده وحسابه النضالي يقترب الآن من اللون الأحمر.
 فبأي منطق ـ إذا ما استبعدنا المصالح الشخصية الضيقة جدا ـ يقرر الرئيس مسعود دعم مرشح الحزب الحاكم في ازويرات خلال الشوط الثاني، فلو أن الرئيس مسعود كان قد أعلن من قبل عن انضمامه إلى ائتلاف أحزاب الموالاة لما لامه أحد على ذلك الموقف،  فحزب الفضيلة مثلا لم ينتقده أحد عندما أعلن عن دعمه لمرشحي الحزب الحاكم في الشوط الثاني، ونفس الشيء حدث مع الأصالة والكرامة. أما أن يقول الرئيس مسعود بأنه يقود حزبا معارضا، ثم يعلن من بعد ذلك بأنه سيدعم مرشحي الحزب الحاكم في ازويرات، فأن ذلك يعد من منكرات القول في السياسية.
فبأي منطق يدعم الرئيس مسعود مرشحي الحزب الحاكم في ازويرات؟
فحزب التحالف الشعبي التقدمي يقدم نفسه على أساس أنه حزب معارض، ولذا فكان الأولى به أن يدعم مرشحي أحزاب المعارضة في الشوط الثاني، ومواقف هذا الحزب في الشوط الثاني كان يجب أن تتناغم مع مصالح مرشحيه الذين تأهلوا إلى الشوط الثاني..ومصالح مرشحي حزب التحالف في الشوط الثاني تفرض دعم المعارضة في ازويرات ردا على دعم حزب تواصل وغيره من أحزاب المعارضة لمرشحي التحالف في روصو وسيلبابي، ثم إن التحالف ينافس في الشوط الثاني مرشحي الحزب الحاكم لا مرشحي أحزاب المعارضة. ومن المعلوم أيضا بأن جماهير التحالف في ازويرات وهي التي كان يجب أن تحترم خياراتها في هذه الجزئية كانت قد قررت دعمها لمرشحي المعارضة في ازويرات.
لقد ظل الرئيس مسعود يقول خلال الحملة الانتخابية بأن ولد عبد العزيز يحاول أن يفرض تعديلات دستورية من خلال الحصول على أغلبية برلمانية، وكان يقول بأن التحالف سيقف بقوة ضد تلك المحاولة، وذلك من خلال حرمان ولد عبد العزيز من الحصول على تلك الأغلبية. لقد كان من المفترض بصاحب هذا القول أن يدعم مرشحي المعارضة في الشوط الثاني بدلا من دعم مرشحي ولد عبد العزيز، وبدلا من مساعدة هذا الأخير في كسب معركة ازويرات وتمكينه بالتالي من إضافة نائبين إلى أغلبيته البرلمانية التي سيعدل بها الدستور.
لم يجد الرئيس مسعود ما يبرر به دعم مرشحي الحزب الحاكم في الشوط الثاني إلا القول "بأن المحافظة على مصالح الحزب ومناضليه تقتضي أن ندعم من له الحظ الأوفر في تولي تسيير هذه المرافق (الاتحاد من أجل الجمهورية)".
السؤال هنا : لماذا نافستم أصلا من كان له الحظ الأوفر في الفوز؟
إنه لمن المؤسف حقا أن تُبذر شخصية بحجم الرئيس مسعود كل رصيدها النضالي الذي جمعته خلال عقود من النضال، أن تبذره بهذه الطريقة الغريبة والعجيبة والمثيرة للشفقة.
حفظ الله موريتانيا...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق