الأحد، 17 يونيو 2018

ولد غدة لا يستحق العفو


في آخر يوم أيام رمضان أطلقت شائعة تقول بأن الرئيس محمد ولد عبد العزيز سيصدر عفوا عن الشيخ محمد غدة، وذلك بمناسبة عيد الفطر المبارك. جاء العيد وألقى الرئيس ولد عبد العزيز خطابه، وتم الحث من جديد في هذا الخطاب على ضرورة الاستفادة من الصوم، وعلى أهمية التحلي بالقيم الفاضلة من تراحم  وتكافل وإيثار.
وكما جرت بذلك  العادة، فقد أصدرت الرئاسة مرسوما
جديدا تضمن عفوا عن 72 سجينا من سجناء الحق العام، ولم يكن من بينهم بطبيعة الحال الشيخ محمد ولد غدة، وذلك لأن هذا الشيخ لم يصدر في حقه حكما قضائيا حتى يُعفى عنه، ولأن هناك أسبابا عديدة تحول دون العفو عنه،  ومن بين تلك الأسباب:
1 ـ  أن الشيخ محمد ولد غدة هو سجين سياسي وليس من عتاة المجرمين، فهو ليس مواطنا مغربيا سجن بسبب إدخال مصنع مفكك ومعدات متطورة وعالية التقنية لتزوير الأوقية، ولم تضبط بحوزته مواد كيماوية وأوراق نقدية مزورة من فئة 5000 أوقية، ولم يصدر في حقه القضاء حكما بالسجن لثلاث سنوات، حتى يستفيد من العفو الرئاسي كما استفاد منه المواطن المغربي المحكوم عليه بالسجن لثلاث سنوات، بسبب إدخاله لمصنع مفكك لتزوير الأوقية ولتخريب الاقتصاد الوطني.
أرجو أن لا يسألني أي واحد منكم عن السبب الذي جعل القضاء الموريتاني يحكم بثلاث سنوات فقط على مواطن مغربي أدخل إلى البلاد مصنعا متطورا لتزوير الأوقية، وضبطت بحوزته أوراق نقدية مزورة من فئة 5000 أوقية. وأرجو أن لا يسألني آخر عن السبب الذي جعل القضاء الموريتاني يحكم على هذا المجرم بثلاث سنوات فقط، ولا عن السبب الذي جعل الرئيس ولد عبد العزيز يعفو عنه، وحتى من قبل أن يكمل ثلاث سنوات في السجن، والتي هي قليلة أصلا في حقه.
2 ـ  أن الشيخ ولد غدة ليس بتاجر مخدرات حتى يستفيد من عفو رئاسي مثل ما حدث مع عدد من المدانين في ملفات مخدرات، والذين كانوا قد استفادوا في العام 2011 من عفو رئاسي بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، فالشيخ ولد غدة  ليس مواطنا فرنسيا متهما في ملف مخدرات حتى يُعفى عنه مثل ما حصل مع المواطن الفرنسي "أريك أميغان والتير".
أرجو أن لا يسألني أي واحد منكم عن السبب الذي جعل رئيس دولة تنتشر فيه الجرائم وتعيش انفلاتا أمنيا خطيرا يصدر عفوا مع كل مناسبة دينية عن بعض عتاة المجرمين من مزوري العملات وتجار المخدرات.
3 ـ  من الأسباب التي تحول دون العفو عن الشيخ ولد غدة هو أن الشيخ ولد غدة لم يحاكم أصلا، ولم يصدر في حقه أي حكم قضائي حتى يُعفى عنه، فالقضاء حتى الآن ما يزال عاجزا عن محاكمة الشيخ ولد غدة، وذلك لعدم وجود أدلة على التهم الموجهة إليه.
4 ـ من الأسباب كذلك، وهذا ربما يكون من أهم الأسباب التي تحول دون الإفراج عن الشيخ ولد غدة، هو أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز أصبح يعتبر ملف ولد غدة ملفا شخصيا بالنسبة له، فالشيخ ولد غدة الذي كان قد وقف بقوة ضد الاستفتاء اللادستوري، والذي كان قد تجرأ على فتح ملفات فساد شائكة، يجب أن يدفع ثمن تلك الجرأة. هذا هو ما يراه الرئيس ولد عبد العزيز، ولا علاقة للقضاء والقانون بالموضوع..
 5 ـ كذلك من الأسباب التي تحول دون إطلاق الشيخ ولد غدة هو عناد الشيخ ولد غدة، ورفضه الشديد للابتزاز وعدم رضوخه لأساليب السلطة التي تستخدم ضد خصومها السياسيين. كل تلك الصفات الشخصية التي يمتاز بها الشيخ ولد غدة كانت هي بدورها من الأسباب التي حالت دون إطلاق سراحه ، وذلك على الرغم من مرور ما يزيد على عشرة أشهر من سجنه دون أي محاكمة.
6 ـ من الأسباب كذلك هو أن المعارضة الموريتانية بمختلف تشكيلاتها من أحزاب سياسية ومنتخبين وحقوقيين وكتاب ومدونين قد قصرت في حق الشيخ المعتقل، ولم تنظم من الأنشطة التضامنية والاحتجاجية ما يكفي للضغط على السلطة وإجبارها بالتالي على إطلاق سراح الشيخ المسجون ظلما وعدوانا.
7 ـ السبب الأخير الذي سأذكره هنا هو أن الشيخ ولد غدة ينتمي إلى نفس الوسط الاجتماعي الذي ينتمي إليه الرئيس، ولذلك فإننا لم نشهد أي تحرك أو أي احتجاج قبلي كما يحدث عادة مع السجناء الآخرين سواء كانوا مفسدين أو سياسيين، والذين جرت العادة أن تتعاطف معهم قبائلهم وأن تتحرك تلك القبائل وأن تستخدم كل أساليب الضغط من أجل الإفراج عنهم. شيء آخر أضيفه هنا، وهو أن انتماء الشيخ ولد غدة لنفس الوسط الاجتماعي للرئيس قد كان له تأثيرا سلبيا مزدوجا، فوسط الشيخ ولد غدة لم يتحرك للتضامن معه، وبعض الأطراف في المعارضة، وخاصة بعض القوى الشبابية تحاول أن تصور بأن الخلاف بين الشيخ والرئيس هو مجرد تمثيل، وربما يعود ذلك ـ إذا ما أحسنا الظن بأولئك ـ  إلى أنه لم يحدث في تاريخ كل الأنظمة السابقة أن تعرض أي رئيس لمعارضة قوية من طرف أشخاص ينتمون إلى نفس وسطه الاجتماعي، مثلما ما هو حاصل الآن.
تلكم كانت هي أهم الأسباب التي أدت حتى الآن  إلى عدم إطلاق سراح الشيخ ولد غدة، ولا أخفيكم أني قد فكرت في بعض الأحيان في أن أبحث عن وسيلة ما تمكن من تلفيق تهمة المتاجرة بالمخدرات أو تزوير العملات  للشيخ ولد غدة، فمن يدري، فربما يطلق سراحه إن لفقت له تلك التهم، فنحن نعيش في زمن لا ينال فيه العفو الرئاسي إلا من أصدرت في حقه أحكام قضائية في قضايا تتعلق بتزوير العملات وبالمتاجرة بالمخدرات.     
  
حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق