الاثنين، 26 مارس 2018

نعم لحملة شعبية من أجل تفعيل المادة 6


 تقول المادة السادسة من الدستور الموريتاني بأن اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية هي اللغة العربية، ولكن الواقع يقول شيئا آخر مفاده أن اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية للبلاد، وأنها هي لغة العمل الوحيدة في كبريات المؤسسات العامة والخاصة، ومن المعلوم بأن أرزاق الناس عندما ترتبط بلغة معينة فإن ذلك سيجعل تلك اللغة تحظى باهتمامهم.

ستة عقود تقريبا مرت على استقلال الدولة الموريتانية، ومع ذلك فما تزال اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية لكبريات الشركات والمؤسسات العامة والخاصة.
الفرنسية لغة أرباب العمل في موريتانيا
في شهر مارس من هذا العام تم تخليد اليوم الوطني للغة العربية، وتم كذلك تخليد أسبوع اللغة الفرنسية والفرانكفونية. في يوم اللغة العربية غابت الرعاية بشكل كامل، أما في أسبوع اللغة الفرنسية فتنافست كبريات المؤسسات والشركات في رعاية هذا الأسبوع، وكانت البنوك وعلى رأسها البنك المركزي (مؤسسة سيادية) هي الأكثر حضورا بالإضافة إلى شركات الاتصال.
تغيبُ هذه المؤسسات "الوطنية" عن أنشطة إتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، وتغيب عن الاحتفال باليوم الدولي للبقرة ( تظاهرة ثقافية للفلان)، وتغيب عن المهرجان السنونكي للمرأة الموريتانية الذي تم تنظيم نسخة منه في هذا الشهر من العام الماضي،  كما تغيب أيضا عن دعم كل الأنشطة ذات الصلة بالمديح النبوي الشريف.
تغيب هذه المؤسسات "الوطنية" عن كل نشاط يدعم اللغة الرسمية للبلاد، وتغيب عن أي نشاط لدعم أي لغة من لغاتنا الوطنية المعترف بها دستوريا، ولكن عندما يتعلق الأمر باللغة الفرنسية فإذا بهذه المؤسسات تتنافس في الدعم، وإذا بها تنفق بكرم على تلك الأنشطة التي لا تحتاج أصلا لتمويل.
لقد آن الأوان للوقوف بقوة أمام هذا الفعل المستفز، والوقوف أمامه هو أمر في غاية البساطة، فهذه المؤسسات هي في النهاية مؤسسات تجارية وربحية، وعندما تتأكد بأن رعايتها لأسبوع اللغة الفرنسية، وتجاهلها ليوم اللغة العربية، ولبقية الأنشطة التي تخدم لغاتنا المعترف بها دستوريا، عندما تعلم بأن ذلك سيتسبب في حملة دعائية مضادة، فإنها ستتراجع مكرهة عن مثل هذه التصرفات المشينة. ومن هنا تبرز فكرة أهمية إطلاق حملة شعبية لتفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني، وللوقوف ضد هيمنة اللغة الفرنسية في الإدارة وفي القطاع الخاص. هذه الحملة ستبدأ ـ إن شاء لله ـ  بتوجيه رسائل منددة إلى المؤسسات والشركات الداعمة لأسبوع الفرانكفونية، وسيكون التوقيع على هذه الرسائل مفتوحا أمام الجميع، وستسلم هذه الرسائل إلى كل المؤسسات والشركات التي تولت رعاية  أسبوع اللغة الفرنسية، والتي كانت قد بخلت برعاية أي نشاط داعم للغتنا الرسمية وللغاتنا الوطنية المعترف بها دستوريا، وفي حالة عدم التجاوب وعدم تصحيح هذا الخطأ المشين مستقبلا فإن الحملة قد تتطور إلى الدعوة إلى مقاطعة منتجات وخدمات تلك المؤسسات. في هذا الإطار يمكن توسيع هذه الأنشطة لتشمل أي شركة أو مؤسسة أخرى تكتفي برفع لوحة مكتوبة باللغة الفرنسية، أو ترفض استخدام اللغة العربية في تعاملاتها، أو تقصي حملة الشهادات باللغة العربية من عمليات الاكتتاب والتوظيف.
الفرنسية لغة الاقتصاد والتشغيل في موريتانيا
تعد اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية للشركة الوطنية للصناعة والمعادن (اسنيم)، بل إن استخدام اللغة العربية داخل هذه الشركة قد يتسبب في مشاكل كثيرة. ويبقى المثال الأبرز ما حدث منذ سنتين مع "بديدي ولد محمد" وهو عامل في المصلحة 440 التابعة لكلب الغين، فقد تلقى هذا العامل استفسارا من نائب رئيس المصلحة باللغة الرسمية للشركة، ولكن العامل رد على الاستفسار بلغة "أجنبية" على الشركة، وهي اللغة العربية، الشيء الذي جلب له  مشاكل عديدة كادت أن تفقده وظيفته. وفي يوم 20 مارس 2018 توصلت الشركة لاتفاق مع العمال أوقف الإضراب، وكان هذا الاتفاق باللغة الفرنسية، وبخلت الشركة بترجمته إلى اللغة العربية.
لو كانت هناك حملة شعبية لتفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني لوقفت ضد هذا الاتفاق، ولوقفت ضد أي اتفاق مشابه، وضد أي قرار إداري تم إصداره باللغة الفرنسية.
يقول المحامي محمد المامي ولد مولاي أعل  في منشور له : "بأن جميع القرارات الإدارية الصادرة في موريتانيا باللغة الفرنسية هي قرارات معرضة - قانونا - للإلغاء، وذلك لأسباب عديدة منها:
1 ـ أن الدستور الموريتاني نص في الفقرة الثانية من المادة 6 على أن اللغة الرسمية هي العربية، فإرادة المشرع صريحة في وجوب التعاطي والتعامل رسميا باللغة العربية، وهو ما كرسته النصوص القانونية المختلفة في أكثر من موضع، كنص المادة 71 من قانون الشغل (يجب أن تكتب الاتفاقية الجماعية لزوما باللغة العربية)، وكنص المواد 255 و 314 و 366 من قانون الإجراءات الجنائية التي تلزم بالاستعانة بمترجم في حالة المتهم لا يتكلم اللغة العربية (اللغة الرسمية)، أو في حالة وجود وثائق مكتوبة بلغة أجنبية.
2 ـ أن عيب الشّكل سبب من أسباب إلغاء القرار الإداري، وذلك عند تجاوز السلطة الإدارية الشكل الذي أوجب القانون، وهو من وجهة نظر الفقه الحديث ليس مجرد عقبة أو شكل لا قيمة له، ولكنه ضمانة للأفراد وحرياتهم وحقوقهم، فوصول فحوى القرار الإداري إلى المعنيين به بلغتهم الرسمية التي يفهمون، أو يفترض قانونا أنهم يفهمونها- بحكم رسميتها دستوريا- هو ضمانة أكيدة من ضمانات الحقوق والحريات.
3 ـ عيب الشّكل لا يتعلق بالنظام العام كعيب الاختصاص ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وهذا يعني أن المحكمة لا تتصدى لعيب الشّكل من تلقاء نفسها، ولكنها تنظر فيه إذا أثاره الطرف الطاعن بالإلغاء.
4 ـ استقر الاجتهاد القضائي في الأنظمة القضائية المشابهة على اعتبار القرار الإداري الصادر بلغة غير اللغة الرسمية معيب بعيب شكلي يكفي لإبطاله، من ذلك مثلا قرار مجلس الدولة الجزائري رقم 005951 المؤرخ في 11- 02- 2002 عن الغرفة الثالثة، حيث جاء في القرار: (الأصل أن القانون متى ألزم الإدارة بتحرير قراراتها بلغة معينة وجب التقيد بمضمون القانون وإصدار القرارات الإدارية بذات اللغة المقننة).
لو كانت مثل هذه الحملة الشعبية لتفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني قد أطلقت من قبل، لكان بإمكانها أن تقف ضد أي قرار إداري يصدر باللغة الفرنسية، ولكان بإمكانها أن تنظم حملات لتوعية المواطن ولمطالبته برفض أي قرار أو وثيقة مكتوبة بلغة أخرى غير اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية. ومثل هذه الحملة لو كانت موجودة لكان بإمكانها أن تقف في وجه الوزير التعليم العالي الذي يفتخر بأنه من المنتجات الفرنسية، والذي كان قد وصف في أسبوع الفرانكفونية المتصدين لهيمنة الفرنسية بالجهل والتخلف. ولو كانت هذه الحملة الشعبية موجودة لكان بإمكانها أن تقف في وجه النائب الذي قال من داخل قبة البرلمان: " سأتحدث بالفرنسية لأن هذا المشكل يمسني في القلب". هكذا، وبكل بساطة، أصبحت لغتنا الرسمية وكل لغاتنا الوطنية عاجزة ـ كل العجز ـ عن التعبير عن القضايا التي تمس القلب!
فهل سمعتم في أي بلد من بلدان العالم عن نائب يلجأ إلى استخدام لغة أجنبية عندما يريد أن يتحدث عن القضايا التي تمس القلب؟ لا أعتقد بأنكم سمعتم بمثل ذلك في غير هذه البلاد التي تهمش فيها لغتها الرسمية ولغاتها الوطنية لصالح لغة أجنبية تتراجع يوما بعد يوم، مما يعني بأن اللجوء إليها على أساس أنها لغة للتواصل هو مجرد كذبة وخدعة كبيرة، وربما يأتي اليوم الذي سنضطر فيها لتعلم الانجليزية حتى نتمكن من  التواصل مع الفرنسيين أنفسهم، والذين بدؤوا بالفعل يهتمون باللغة الانجليزية على اعتبار أنها هي لغة العلم ولغة التواصل مع العالم، ومنذ أسابيع دعا الوزير الأول الفرنسي "إيدوارد فيليب" التلاميذ الفرنسيين إلى تعلم اللغة الانجليزية لأنها تعني نجاح التلميذ في المستقل.
لقد آن الأوان لأن نطلق حملة شعبية واسعة  تبتدع أساليب جديدة وفعالة من أجل فرض احترام المادة السادسة من الدستور الموريتاني، وذلك بعد أن فشلت الأنظمة المتعاقبة ـ وخلال العقود الست الماضية ـ  من تفعيل هذه المادة.
حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق